رؤوسًا جُهَّالًا
- أكثر ما يدمر الأمم الحية رؤوسها الخاوية الجاهلة، التي ليس لديها علم بالأمور المهمة؛ فتفتي بغير علم؛ فتكون سببا في إشاعة الضلال والضياع.
- قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا».
- ففي هذا الحديثِ يُخبِرُنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ اللهَ لا يَرفَعُ العِلمَ مِن النَّاسِ بإزالتِه مِن قُلوبِ العُلماء ومَحوِه مِن صُدورِهم، ولكنْ يَقبِضُ العلمَ بقَبْضِ العُلماءِ ووفاتهم، فيَضيعُ العِلمُ، فلا يُوجَدُ فيمَن يَبْقى مَن يَخلُفُ هؤلاء العلماء الذين مضوا.
- وكلَّما توفي عالِمٌ ذهَبَ بما معه مِن العِلمِ، فإذا ذهب العلم، حل محله الجهل، وهذه إشارة موجودة في جملة (اتخذ الناس) أي أن الناس استبدلوا الجهلاء بالعلماء، وركنوا إلى الظلمات وغادروا النور.
- وأخطر الجهل أن يكون رأسا، أي أن صاحبه له رأي ومكانة، وله تأثير، وهذه هي الخطوة الأخطر؛ لأن الناس جعلوهم رؤساء أي مقدمين على غيرهم؛ فجعلوا منهم مستشارين وخبراء ومفتين وعلماء؛ فكانت النتيجة الحتمية هي الضلال المركب!؛ فبجهلهم يفتون الناس بغيرِ عِلمٍ، فيُحِلُّون الحرامَ، ويُحرِّمون الحلالَ، فيَضِلُّون في أنفسِهم عن الحقِّ، ويُضِلُّون مَن اتَّبَعهم وأخَذَ بفَتْواهم مِن عامَّةِ النَّاسِ؛ فيظل السائل حائرا؛ لأنه لم يأخذ جوابا، بل أخذ سرابا خادعا، لا يستفيد الناس منه شيئا، ولا يروي عطش أحد؛ فتصير ظلمات بعضها فوق بعض!
- قال العلامة ابن باز-رحمه الله-: «فالنقص في العلماء موجود والخطر عظيم، فينبغي لك يا أخي أن تستفيد من وجود أهل العلم، في مكة في المدينة في أي مكان، إذا سمعت بأهل العلم المعروفين بالعقيدة الطيبة والاستقامة وبالتعليم الشريف، فاحرص عليهم، وبادر إلى أن تستفيد منهم، واغتنم حياتك، وتعلم دينك، وتفقه فيه، قبل أن تلتمس من يعلمك فلا تجد أحدًا؛ فقد تنزل مصيبة بالناس فيحرمون العلم، إما بأن يُشغلوا عنه، وإما بعدم وجود أهل العلم وعدم وجود حلقات للعلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
- فالعلم هو أساس العقيدة السليمة، عقيدة التوحيد، عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، عقيدة الحق والعدل، عقيدة الإيمان والإخلاص.
- وفي الحديث فوائد عظيمة منها: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ وحِفظِه؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقبْضِ العُلماءِ، وفيه التَّحذيرُ مِن اتخاذ الجهلاء مرجعا في الشؤون العامة، وفيه التَحذيرُ مِن تَعيينِ الجُهَلاءِ في المناصبِ المهمة، وكذلك بيان أن موت العلماء مصيبة تحل بالأمة، وأن قلة العلم بالدين من علامات قرب القيامة.
سالم الناشي