مفهوم القراءة


عمر السنوي الخالدي



لقد بَدا مصطلحُ (القراءة) واحدًا من أكثر المصطلحات رواجًا وانتشارًا في الدراسات النقديَّة الأدبيَّة، وهو من معطيات الاتجاهات النقديَّة في العصر الحديث[1].

وعلى الرغم من أنَّ مسألة القراءة والقارئ قديمةٌ في الدرس الأدبي فإنها من منظور البعض "لمْ تشكِّل في الوعي القديم مشكلةً حقيقيَّة؛ لأنَّ الوعي بها كان محدودًا لا سيما وأن النصَّ الأدبي قديمًا كان لا يمثِّل العمقَ الفلسفي الذي يمثله النص الآن بعدما تزاوَجَ الأدب مع الفلسفة والمنطق وغيرهما من العلوم... وقد أسهَمتِ التطوراتُ العميقة في الفكر المعاصر -لا سيما في اتجاه نقدِ ما بعد الحداثة -إلى تعميق هذه القضيَّة، وعَرْضِ ممارساتها وتطبيقاتها"[2].

هذا القول وإن كان يحمل شيئًا من الإجحاف في نفي العمق الفلسفي للأدب القديم، وبالتالي العمق النقدي للنقَّاد القدماء، إلا أنَّه في الواقع يَحملُ كمًّا من الصحَّة، بالنظر إلى واقع الحضارةِ العالميَّة وتطوراتها المذهِلة، في ظِلِّ الثورة المعرفية والثقافية.

وعليه؛ فقد أصبحتِ القراءةُ منهجًا نقديًّا معاصرًا على وفق ما أنتَجتْه نظريَّةُ القراءة الحديثة، التي مثَّلتْ "واحدًا من اتجاهات ما بعد البنيوية في نظريَّات النقد العالمي الحديثة"[3].
وكي لا يَحدث إسهابٌ في الحديث دون أساس يُعتمَد عليه، فإنه لا بد من تذاكُر معنى القراءة لغةً؛ فقد أفادَتْ بعضُ المعاجم أنها تحمل معنى (الجمع والضم)[4]، وزاد بعضهم: (الضم والنطق والإبلاغ معًا)[5].

وأما اصطلاحًا، فقد تطوَّر مفهومها مع الوقت وبحسب الحاجة والاستخدام؛ بل يمكن القول: إنَّ معناها قد تحوَّل وانتقل من معنًى سهلٍ شائعٍ إلى آخرَ معقَّدٍ ضِمنَ دائرة المفاهيم النقديَّة المتعددة الاتجاهات؛ بحيث أصبح يشتمل على: الإدراك والتذكُّر والاستنتاج والربط، ثم التحليل والمناقشة؛ وهي القراءة الناقدة[6].

وعلى الرغم من هذا التطور والتحوُّل، فإنَّ بَين المعنيَينِ اللغويِّ والاصطلاحي لكلمة (قراءة) ارتباطًا أكيدًا؛ أحيانًا يكون جليًّا، وأحيانًا يكون خفيًّا يَحتاج إلى تدبُّرٍ واجْتهاد لِكَشْفه.

ثمَّ إن القراءة الأدبية الناقدة تتعدَّد بتعدُّد المناهج النقدية التي هي مناهج قراءة - فعليًّا - فتصبح "القراءة قراءات؛ ولكلِّ قراءة خصوصيَّاتها، وأهمُّ ما يميِّز القراءةَ الأدبية أنها تحاول البحثَ في المسافة الفاصلة بين الدالِّ والمدلول، وتعمل على فكِّ أسرار التعدُّد الدلاليِّ الذي يميِّز النصَّ الأدبي"[7].

وبهذا يصبح فِعْل القراءة ليس مجرَّدَ سَيْرِ العَين على صفحات الكتاب، وإدراك الذِّهن لِما تمرُّ عليه العَين؛ وإنما هي عملية خَلْق جديدة لآفاق خلَّاقة، تؤثِّر في المتلقِّي الذي سيكون حتمًا قارئًا ثانيًا، وإذًا سيكون دائمًا هناك مُبدِعٌ أوَّل[8].
-------------------------------

[1] سامي عبابنة: مفهوم القراءة في النقد الأدبي الحديث، بحث منشور في موقعه الرسمي على الشابكة.

[2] عبدالسلام رشيد، وإيهاب جراد: في مفهوم القراءة، مجلة الأستاذ، عدد 210، جامعة بغداد، 2014.


[3] بسام قطوس: دليل النظرية النقدية المعاصرة، مكتبة دار العروبة، الكويت، 2004، (ص 164).

[4] الأزهري: تهذيب اللغة، مادة قرأ.

[5] الزبيدي: تاج العروس، مادة قرأ.

[6] محمد عدنان سالم: القراءة أولًا، دار الفكر، سوريا، ط2، 1999، (ص 34).

[7] عبدالسلام رشيد، وإيهاب جراد: في مفهوم القراءة، مجلة الأستاذ، عدد 210، جامعة بغداد، 2014.

[8] المرجع السابق.