الإيثار أعلى مراتب الأخوة في الله


مجلة الفرقان

الإيثار أعلى مراتب الأخوة في الله
ضرب الصَّحابة أروع أمثلة الإيثَار وأجملها، ومَن يتأمَّل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربًا مِن خيال، لولا أنَّه منقولٌ لنا عن طريق الأثبات، ومن ذلك ما كان بين المهاجرين والأنصار، فقد أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون مِن أمر الدُّنْيا شيئًا، وقد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم، وأقبلوا على ما عند الله -عزَّوجلَّ- يرجون رحمته ويخافون عذابه، فاستقبلهم الأنصار الذين تبوَّؤوا الدَّار، وأكرموهم أيَّما إكرام، ولم يبخلوا عليهم بشيء مِن حطام الدُّنْيا في صورة يعجز عن وصفها اللِّسان، ويضعف عن تعبيرها البيان، فهذا عبدالرَّحمن بن عوف -]- لـمَّا قدم المدينة آخى النَّبيُّ -[- بينه وبين سعد بن الرَّبيع الأنصاريِّ، وعند الأنصاريِّ امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السُّوق، وقد وصل الحال بصحابة رسول الله -[- أن آثروا إخوانهم بحياتهم، وهذا غاية الجود، ومنتهى البذل والعطاء، وفي غزوة اليرموك قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله -[- في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟! ثمَّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّام فسطاط خالد حتى أُثْبِتُوا جميعًا جراحًا، وقُتِل منهم خلقٌ، منهم ضرار بن الأزور -]-؛ فلمَّا صرعوا مِن الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلمَّا قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه، فلما دُفِعَت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلُّهم مِن واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم -رضي الله عنهم- أجمعين.
استقامة القلب
استقامة القلب بشيئين: أحدهما: أن تكون محبة الله -تعالى- تتقدم عنده على جميع المحاب، فإذا تعارض حب الله وحب غيره، سبق حب الله حب ما سواه، وما أسهل هذا بالدعوى، وما أصعبه بالفعل!
الثانية: تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر والناهي.
من القصص الرائعة في السخاء
خرج عبدالله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخيل قوم، وفيه غلام أسود يعمل فيه؛ إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلبٌ ودنا مِن الغلام، فرمى إليه الغلام بقرصٍ فأكله، ثمَّ رمى إليه الثَّاني والثَّالث فأكله، وعبدالله ينظر إليه، فقال: يا غلام، كم قوتك كلَّ يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلِمَ آثرت به هذا الكلب؟! قال: ما هي بأرض كلاب، إنَّه جاء مِن مسافة بعيدة جائعًا، فكرهت أن أشبع وهو جائع، قال: فما أنت صانع اليوم؟! قال: أطوي يومي هذا. فقال عبدالله بن جعفر: أُلام على السَّخاء! إنَّ هذا الغلام لأسخى منِّي، فاشترى الحائط والغلام وما فيه مِن الآلات، فأعتق الغلام ووهبه منه.
من درر الشيخ ابن باز -رحمه الله
حقيقة الحب في الله

الحبّ في الله من أهم الواجبات في الإسلام، ومن أعظم أسباب الأُلفة، والتَّعاون على الخير، والتَّواصي بالحقِّ، وضده من أسباب الفُرقة والاختلاف، فالواجب على المؤمنين أن يتحابّوا في الله، وأن يتعاونوا على البرِّ والتَّقوى، وأن يتواصوا بالحقِّ والصبر عليه، هذا واجبهم، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يقول الله -جلَّ وعلا-: «وجبت محبَّتي للمُتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ»، ويقول -جلَّ وعلا-: «وجبت محبَّتي للمُتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ»، هذه المحبة تُثمر التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وعدم التَّساهل؛ لأنَّ مُوجِب المحبَّة أن تأمره بالخير، وأن تنهاه عن الشرِّ، وأن تنصح له، شهد أو غاب، هذا من مُوجب المحبَّة.
من درر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله
حسن الخاتمة

قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى-: ليس المقصود من حسن الخاتمة أن تموت وأنت في المسجد أو على سجادة الصلاة أو تموت والمصحف بين يديك، فقد مات خير البرية جمعاء - صلى الله عليه وسلم - وهو على فراشه، ومات صديقُه الصديقُ أبو بكر - رضي الله عنه - وهو خيرُ الصحابة على فراشه، ومات خالد بن الوليد - رضي الله عنه - على فراشه وهو الملقب بسيف الله المسلول الذي خاض ١٠٠ معركة ولم يخسر أيًا منها، ولكِنَّ حُسْنَ الخاتمة:أن تموتَ وأنت بريءٌ من الشرك والنفاق، وأن تموتَ وأنت على الكتاب والسنة ومؤمنٌ بما جاء فيهما دون تأويل، وأنت بريءٌ من كل بدعة، وأن تموتَ وأنت خفيفُ الحمل من دماء المسلمين وأموالِهم وأعراضِهم، مؤديًا حق الله عليك وحق عباده عليك.
من درر الشيخ الألباني -رحمه الله
ثمن الحب في الله

الحب في الله ثمنه أن يخلص كل منا للآخر وذلك بالمناصحة، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر دائمًا وأبدًا فهو له في نصحه أتبع له من ظله، ولذلك صح أنه كان من دأب الصحابة حينما يتفرقون أن يقرأ أحدهما على الآخر: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
ذم التجسس واتباع عورات الآخرين
شدَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن التجسس والتحذير منه، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا»، وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته»، وقوله: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه» فيه تنبيه على أنَّ غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن، وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم»، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.