خطبة المسجد النبوي - نفحات الله وهبـاتـه للموفقين من عباده


مجلة الفرقان

جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 14 ذي الحجة 1443ه، الموافق 15 يوليو2022 للشيخ عبدالباري الثبيتي بعنوان: (نفحات الله وهباته للموفَّقين من عباده)، واشتملت الخطبة على عدد من العناصر منها: انقضاء أعمال الحج بعد موسم ناجح بفضل الله -تعالى-، والفائزون بهبات الحج ونفحاته، وبعض أسباب مغفرة الله وتكفير السيئات، وبعض فضائل ذكر الله -تعالى.

في البداية بين الشيخ الثبيتي أن الله -تعالى- مَنَّ علينا بنعمة مواسم الطاعات، التي تترادف خيراتها، وتغمرنا فيها رحمات الرب -سبحانه-، فمن الموفَّقِينَ جعَلَنا الله وإيَّاكم منهم مَنْ رجَع كيوم ولدته أمه، ومنهم مَن غفَر اللهُ له ذنوبَ سنتين.


التنقية المستمرَّة

وأكد الشيخ الثبيتي أنَّ التنقية المستمرَّة من لَوْثَاتِ الحياة، والتطهير الدائم لصحيفة العمل لا ينقطعان بانتهاء المواسم، ولا يقتصر أمرُهما على مكان محدَّد، أو زمان معلوم؛ ولهذا يتلمَّس المسلمُ الأعمالَ التي تكفر الذنوب، وترفع الدرجات، تزكيةً لنفس تنشد النقاءَ والارتقاءَ، ومن أجَلِّ أسبابِ المغفرةِ توحيدُ الله، وإفراده بالعبادة، وتكفر الذنوب بالتزود بالتقوى، خيرِ زادٍ، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}(الطَّلَ اقِ: 5).

فضائل الأعمال

وكل فضائل الأعمال مكفِّرات للذنوب، ومن ذلك إحسان الوضوء، والطهارة، وتعظيم أداء الصلاة على وقتها مع الجماعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تطهَّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئةً والأخرى ترفع درجة»(رواه مسلم)، وتُكفَّر السيئاتُ وتُرفَع الدرجاتُ بالبذل والإنفاق والصدقة، قال الله -تعالى-: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ}( الْبَقَرَةِ: 271).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفِّرات الذنوب ورِفعة الدرجات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فتنةُ الرجلِ في أهلِه ومالِه وجارِه تُكفِّرها الصلاةُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر»(رواه البخاري ومسلم)، الصدق مع الله ومع النفس، والعيش بصدق في الحياة من مُكفِّرات الذنوب، قال -تعالى-: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الز ُّمَرِ: 33-35}، كما أن الإيمان الذي يَثبُت في محلِّ الابتلاءِ يُكفِّر اللهُ به الذنوبَ.

عمارة الأرض

تنمية الحياة بعمارة الأرض وإصلاحها تُكفَّر بها الذنوبُ، وبذلُ الخيرِ بالإحسان إلى الناس يرفع الدرجاتِ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بينَما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غصنَ شوكٍ فأخَذَه، فشَكَر اللهُ له فغَفَر له»(رواه الشيخان).

الْهُدَى والثبات

وفي غمرة الفرحة ببلوغ هذه المواسم يبتهل العبد إلى ربه أن يلهمه الْهُدَى والثبات، فيقول كما كان يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أسألُكَ الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرشد»، ويقول: «يا مقلبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دِينِكَ».

ذِكرُ الله

ذِكرُ الله يُغدِق فيضًا غامرًا من النفحات، فبكلمات يسيرة، في لحظات وجيزة، وبنية صادقة، تمحى الذنوب، وينال المسلم أعلى الدرجات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، في يوم مئة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عَمِلَ أكثرَ من ذلك»(رواه البخاري ومسلم).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قال حين يسمَع المؤذنَ: وأنا أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه»(رواه مسلم).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مئة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ»(رواه البخاري ومسلم).

هذا غيضٌ من فيض من نفحات الكريم المنَّان، والسعيد مَنِ ابتَهَلَ المكُرَماتِ، وربنا -عز وجل- يَبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربها.(رواه مسلم).