تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الإسلام دعوة العلم والعمل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي الإسلام دعوة العلم والعمل

    الإسلام دعوة العلم والعمل



    الدعوة السلفية هي دعوة الرجوع إلى مصادر الإسلام الأصيلة، والتمسك بالأحكام الشرعية التي أنزلها الله -تعالى- على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الإسلام النقي الصافي الخالي من الانحرافات العقدية والعبادية والشركيات والضلالات والبدع، وغير ذلك مما أُلصق بهذه الدعوة المباركة، وهذا الإسلام الصحيح على التاريخ؛ فالدعوة السلفية التي هي دعوة للعودة إلى الإسلام، ليست بدعا من القول، وليست أمرا محدثا، إنما هي دعوة للعودة إلى الإسلام الصحيح الذي أنزله الله -عز وجل.

    وهذا الإسلام انتسب إليه أناس كُثر، كلهم يدّعي أنه على المنهج الصحيح، وأنه هو الرؤية الصحيحة لهذا الدين؛ لذا فالدعوة السلفية تُمثل الرجوع إلى هذا الإسلام الصحيح وإلى المصادر الأصيلة لكن وفق منهج السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين؛ لهذا فإن منهج السلف وطريقتهم في تلقي الدين وفهمه والعمل به والدعوة إليه، منهج متميز له أسس وقواعد ومميزات وآثار مباركة على مر التاريخ.

    المنهج السلفي والعلم

    وسنسلط الضوء على جانب من جوانب المنهج السلفي، ألا وهو جانب العلم، لكن قبل ذلك أذكر مقولة من خلالها ينطلق الحديث والمدارسة إن شاء الله، وهذه المقولة وهذا الأثر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في عديد من كتبه، وهو يُنسب إلى عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «إنما تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية»، وأخرج الحاكم والبيهقي وابن أبي شيبة أن عمر خطب في إحدى مواقفه وقال: «قد علمت -ورب الكعبة- متى تهلك العرب! فقال قائل: متى تهلك العرب يا أمير المؤمنين؟ قال: حين يسوس أمرهم من لم يعالج أمر الجاهلية، ولم يصحب الرسول - صلى الله عليه وسلم ».

    نظرة في أعماق التاريخ

    إذًا حتى نعرف أن الدعوة السلفية أو الإسلام هو دعوة العلم والعمل، لابد من العودة إلى أعماق التاريخ حتى نعرف ما كان عليه الناس قبل الإسلام.

    الجاهلية مصطلح ورد في القرآن الكريم في الآيات المدنية، كما في قوله -عز وجل-: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ }، وقال -سبحانه وتعالى-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، وقال -عز وجل-: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ }، فهذا المصطلح ورد في السور المدنية، ويُعبّر عن مرحلة زمنية كانت قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأخرج الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حديث طويل، الشاهد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية».

    أحوال الناس قبل البعثة

    فإذًا الجاهلية مصطلح يطلق على ما كان عليه الناس قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-، ما كانوا عليه في الاعتقادات والعبادات والأحوال الأسرية والأحوال الاجتماعية وغير ذلك، وسُمي هذا المصطلح (جاهلية) نسبة إلى الجهل. والذي ينظر في أحوال الناس قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، يجد أنهم كانوا في حالة من الجهل المدقع، والظلم، والبعد عن أدنى درجات الإنسانية، فضلا عن درجات العلم.

    وقد وصفهم القرآن بذلك وصفًا بليغا دقيقا فقال -سبحانه وتعالى-: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}، هذا المثل ليس للراعي، إنما مثل الذين كفروا كمثل الغنم -أعزكم الله- تسمع صوت الراعي يناديها تأتيه وهي لا تفهم ما يقول.

    جهل كامل وظلام محيط

    وقال -عز وجل- عن أصحاب النار-: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، جهل كامل وظلام محيط، حتى أهل الكتاب المثقفون في ذلك الوقت قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-، قال -عز وجل-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}؛ فالجاهلية وصف لمرحلة زمنية قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم- يصف حال الناس، ما كان عليه العرب الأميين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفي حديث مسلم عن عياض بن حمار في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال في موضع الشاهد-: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب»، وهذا يبين ما كان عليه الناس في ذلك الوقت من الضلال والانحراف والجهل الكامل والظلام المحيط في نواحي الحياة كلها.

    صفات العرب

    ينقل أهل التاريخ أن العرب كانت لهم صفات محمودة، كالشجاعة، والكرم، وغيرها، لكن في المقابل كانت لهم صفات ذميمة، وبُعِث في العرب أنبياء، فهود كان عربيًا، وصالح كان عربيًا، وأهل مكة كانوا على دين إبراهيم الحنيف -عليه السلام-، كانوا يعرفون إبراهيم واسماعيل وأن هذا بيت الله، لكن انحرفوا عن ملة التوحيد، فعمرو بن لحي ذهب إلى الشام، ووجدهم يعبدون الأصنام فاستحسن هذا الأمر، فرجع بالأصنام وتبعه الناس؛ لأنه ذو مكانة وذو مال وذو وجاهة، ومن هنا صُدِّرَت الأصنام إلى الجزيرة العربية، في مكة حول الكعبة 360 صنما تُعبد من دون الله -عز وجل-، ويقول التاريخ: إن عمرو بن لحي كان له قرين من الجن، أعلمه أين دُفنت الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح، فاستخرجها وأصبح لها مكانة عند العرب، {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، وكان لكل قبيلة صنم يعبدونه من دون الله -عز وجل- كاللات والعزى ومناة كانوا ينسبونها أنها بنات الله، -تعالى- الله عن ذلك علوا كبيرا!.

    الانحراف العقدي

    هذا الانحراف العقدي يبين لنا القرآن الكريم كيف أن ما يعبدون من دون الله -عز وجل- لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم ولا يملك لهم موتا ولا حياة ولا نشورا، وذكر الصحابة والتابعون أحوالا من جهالة العرب وانعدام عقولهم، أخرج البخاري عن أبي رجاء العطارجي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حَجَرًا هو أخير ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جذوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا به.

    يقول مجاهد: حدثني مولاي أن أهله بَعَثوا معه بزبد ولبن إلى آلهتهم، فما منعني أن آكل الزبد واللبن إلا خوف الآلهة، فوضعتها عند الآلهة، فجاء كلب أكل الزبد وشرب اللبن وبال على الصنم.

    قال هارون: كان الرجل في الجاهلية يسافر معه أربعة أحجار، ثلاثة لقِدْرِه والرابع يعبده، ونقل الحافظ بن حجر عن القرطبي أن بعض الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء: خشب وحديد، حتى من التمر، كان يصنع إلهه الذي يعبد من التمر فإذا جاع أكله.

    هذه بعض مظاهر الانحراف؛ لذلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عقد كتابا سماه (مسائل الجاهلية)، وهي المسائل التي خالف فيها النبي - صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية من العرب الأميين، ومن أهل الكتاب اليهود والنصارى، وذكر فيها 131 مسألة كلها تدور حول قضايا الإيمان، وقال: إن هذه لو عرفها الإنسان فإنه يعرف حقيقة الإسلام، وبضدها تتمايز الأشياء.

    من مظاهر الجاهلية قتل الأولاد

    ذكر الهيثم بن عدي المؤرخ أن قتل الأولاد كان منتشرا في قبائل العرب، وليس بالضرورة أن كل واحد يقتل ابنه، إنما من كل عشرة واحد يقتل ابنه أو ابنته، والسبب في ذلك كما يقولون أن أول من وأد البنات هو قيس بن عاصم التميمي، والسبب أن النعمان بن المنذر غزا قبيلته وسبى النساء والذرية، وقام بتخيير البنات والنساء، فمن اختارت أباها أو زوجها ذهبت معه، إلا زوجة قيس بن عاصم اختارت الذي أسرها، فأقسم قيس بن عاصم ألا يترك ابنة حية، فوأد ثماني بنات، ومنه انتشر في قبائل العرب.

    يقول ابن عباس - رضي الله عنه - كما أخرجه البخاري قال: إذا أردت أن تعرف جهل العرب فاقرأ ما بعد المئة وثلاثين من سورة الأنعام في قوله -تعالى-: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، وقبل هذا قوله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ}، يقول ابن كثير -نقلا عن مجاهد وغيره-: إنه كما زينت الشياطين للعرب {فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} وكما قسّموا المخلوقات والأنعام بينهم وبين الله -عز وجل-، كذلك زينوا للعرب قتل الأولاد، فمنهم من كان يقتل خشية الفقر، ومنهم من كان ليس له حجة إلا خشية العار كما قال -عز وجل-: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}.


    وكان العرب إذا جاءته بنت يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي إن لم تئديها، فتحفر لها حفرة وتدفنها فيها. فأين الإنسانية فضلا عن العقل؟ وقال -عز وجل-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. وقال -تعالى في سورة الإسراء-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}؛ ولهذا جاء في الصحيح سأل ابن مسعود النبي - صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، إن ذلك لعظيم. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. فكان بعضهم يقتل ولده خشية الفقر. ومنهم من يقتل خشية أن تُسّود البنت وجهه في يوم من الأيام، أو أن يأخذها إنسان غير كفء؛ ولهذا يقدمون على قتل أولادهم سفها بغير علم.
    منقول




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الإسلام دعوة العلم والعمل

    الإسلام دعوة العلم والعمل



    دعوة الإسلام ليست دعوة عبادة فقط إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم معلمًا يستغل كل أوقاته في التعليم

    المرأة في الجاهلية كانت تُقتل وفي الإسلام أصبحت فقيهة عالمة مستشارة يرجع إليها كبار الصحابة

    كانالنبيصلى الله عليه وسلميقرئأصحابهالقرآنويعلمهمالحكمةوأمورالدين



    ما زلنا نستعرض محاضرة الشيخ د. وليد الربيع التي ألقاها في المخيم الربيعي لفرع جمعية إحياء التراث في منطقة الأحمدي والصباحية بعنوان: (الإسلام دعوة العلم والعمل)؛ حيث بين د. الربيع أنَّ الدعوة السلفية هي دعوة الرجوع إلى مصادر الإسلام الأصيلة، والتمسك بالأحكام الشرعية التي أنزلها الله -تعالى- على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الإسلام النقي الصافي الخالي من الانحرافات العقدية والعبادية والشركيات والضلالات والبدع، ثم ذكر بعضا من مظاهر الجاهلية وذكر منها قتل الأولاد، واليوم نستكمل الحديث عن هذا الموضوع.

    أنواع النكاح في الجاهلية

    ومن مظاهر الجاهلية كذلك، أنواع النكاح، ذكرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء، قالت: النكاح -نكاح الناس اليوم- أن يطلب الرجل يد ابنة رجل آخر فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر، كان الرجل يقود امرأته إذا طهرت من طمثها، قال لها أرسلي إلى فلان الوجيه أو الفارس أو الشاعر أو الغني، اذهبي فاستبضعي منه، ثم تأتي فيعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، وهذا ما يسمونه نكاح الاستبضاع.

    قالت: ونكاح آخر، يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرت ليالي تناديهم وتقول: قد علمتم ما قد جرى منكم، وهذا ولدك يا فلان، فلا يستطيع أن يمتنع منه ويُنسب إليه.

    قالت ونوع رابع، وهو أن يجتمع ناس كثير يدخلون على المرأة، وهذا نكاح البغايا يضعون رايات على بيوتهن وأماكنهن والناس يأتوهن، فإذا حملت من هذا الجمع الغفير تنادي على من تشاء وتنسب الولد إليه.

    ومن نكاح أهل الجاهلية أن يتزوج الرجل امرأة أبيه بعد موته، قال ربنا -عز وجل-: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلً}، يقول ابن عباس كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، وسُمِّي مقتا لأن الزوج الجديد سيكره الزوج القديم، فالولد سيمقت أباه.

    تبادل الزوجات

    والأعجب من هذا كان عند الجاهلية تبادل الزوجات، قال عبدالرحمن بن زيد فيما أخرجه الطبري بسنده وابن كثير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال: هذا شيء كانت تفعله العرب، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلّي عن امرأتك وأنزلّك عن امرأتي وأزيدك، قال فأنزل الله -عز وجل- في سورة الأحزاب {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}، قالت: فلما بعث الله محمدًا -[- هدم النكاح في الجاهلية كله إلا النكاح في الإسلام اليوم، هذه أمثلة، ولو جئنا إلى الربا والاسترقاق واستضعاف اليتامى الأمر يطول.

    منتهى الجهل والضلال

    فالمقصد من هذا العرض التاريخي ومن هذه المقدمة أن هذا كان حال الناس، منتهى الجهل والضلال في العقائد والأخلاق والمعاملات المالية والأحوال الأسرية فضلا عن السلب والنهب واستباحة الحرمات، فكيف استطاع النبي -[- في عشرين سنة أن ينقل العرب هذه النقلة النوعية؟، كيف استطاع أن يغير هذا التغيير الجذري في عشرين سنة؟، هذا المجتمع الجاهلي الذي ليس له معالم للعلم ولا للحضارة، مجتمع يعيش في الضلال، مجتمع يغذي فيه الرجل كلبه ويقتل ولده؛ لأن الكلب يحميه ويحرسه، كيف استطاع النبي في عشرين سنة أن يقلب هذه الموازين؟!

    جيل من الفقهاء والحكماء الربانيين

    ولهذا تجد أنه في عشرين سنة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج جيل من الصحابة فيه الكثير من الفقهاء والحكماء الربانيين، ليس فقط الرجال، بل النساء أيضًا، الخلفاء الراشدون، عبدالله بن مسعود، عبدالله بن عمر، عبدالله بن الزبير، عبدالله بن عمرو بن العاص، زيد بن ثابت، أبي بن كعب، أبو هريرة، أبو سعيد الخدري، جابر، أبو موسى، علماء أفذاذ قضاة محدثون فقهاء.

    حتى النساء أمهات المؤمنين

    حتى النساء أمهات المؤمنين، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة أقل من عشرين سنة وكان الصحابة يرجعون إليها، بل كانت تستدرك عليهم كما عقد بدر الدين الزركشي في كتابه (الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة)، ذكر أن عائشة استدركت على كبار الصحابة وأولهم أبوها - رضي الله عنه -، ورجع إلى رأيها، واستدركت على عمر، واستدركت على عليٍّ، واستدركت على ابن عباس، وعبدالله بن عمر، بما كان عندها من العلم، وكذلك استدركت استدراكات عامة، بلغها بعض الأحكام فصوبت هذه الأحكام. وكان معاوية يرسل إليها من الشام وهي في المدينة يستفسر منها، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا حدث خلاف يقول: ارجعوا إلى عائشة.

    فانظروا، في الجاهلية كانوا يقتلون البنت، وفي الإسلام أصبحت فقيهة عالمة مستشارة يرجع لها كبار الصحابة لمعرفة ما كان عليه النبي ويأخذون بقولها، بل هي تستدرك وتصوّب لهم.

    كيف استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحقق هذا الأمر؟!

    كيف في عشرين سنة نقل هؤلاء من قمة الفوضى والضلال إلى قمة الإسلام والنظام.

    أولا: بالعلم والتعلم

    فدعوة الإسلام دعوة علمية، نلمس هذا من الآيات التي خاطب الله -تعالى- فيها نبيه قال -عز وجل-: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، وفي آيات أخرى يقول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. ومن ثم قال -عز وجل-: {ووجدك ضالا فهدى}، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يلخص هذا الأمر في صحيح مسلم، حديث طويل في آخره يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما وميسرا»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان هاديا رحيما، ومعلما حكيما.

    رفق النبي - صلى الله عليه وسلم

    في حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة والنبي دعاه وعلمه، يقول معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما، فدعوة الإسلام ليست دعوة عبادة فقط، إنما كان النبي معلما، له منهج في التعليم، وكان يستغل كل أوقاته في التعليم، اتخذ دار الأرقم دارا للتعليم، كان يجتمع هو وأصحابه يقرئهم القرآن ويعلمهم الحكمة والسنة، ويعلمهم الدين، كذلك لما انتقل إلى المدينة اتخذ المسجد معهدا تعليميا.

    الإسلام دعوة علمية

    فانظر كيف أن الإسلام دعوة علمية، أول ما أُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله -تعالى-: {اقرأ}. العرب أمة أمية كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا والشهر هكذا» وهذا وصف للواقع ليس معناه أن الأمية أمر مستحسن، فكان قليل من العرب من يُحسن الكتابة، ومع ذلك أول كلمة نزلت من السماء أوحى الله بها إلى النبي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وهذا تكليف للنبي وللأمة من بعده، فلابد أن تكون الأمة، أمة قراءة {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهذا فيه إشارة إلى ضرورة محو الأمية.

    محو الأمية

    ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - حرص على أن الناس تقرأ وتكتب ويتعلمون، فأول نقطة نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في منهجه هي محو الأمية، كما جاء في طبقات ابن سعد قال أحد الصحابة: أسر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سبعين أسيرا، وكان يفادي بهم، من كان عنده مال فليفك نفسه ومن لم يكن عنده مال ويُحسن الكتابة فليعلم صبيان المسلمين، قال: وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون؛ فمن لم يكن له فداء، دفع إليّ عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلّمهم فإذا حَذِقوا فهو فداء، قال: وكان زيد بن ثابت ممن عُلِّم.

    زيد بن ثابت - رضي الله عنه

    زيد بن ثابت - رضي الله عنه - من نجباء أطفال المدينة، لما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كما أخرج ذلك البخاري تعليقا أُتِيَ بزيد بن ثابت إلى النبي فأُعجِبَ به، فقالوا له: هذا غلام من بني النجار، قرأ فيما أنزل الله إليك بضعة عشر سورة، فاستقرأني، فقرأت سورة ق، فقال لي: تعلم كتاب اليهود، فإني لا آمن اليهود على كتابي. ولسان اليهود العبرانية. يقول: فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له إلى اليهود، وأقرأ له إذا كتبوا إليه. وفي رواية أخرى أخرجها الحافظ ابن حجر واستحسن إسنادها، قال فيما رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت أن النبي أمره أن يتعلم السريانية وهي لغة أهل الشام، يقول: فتعلمتها في سبعة عشر يوما؛ فمن ذكائه ونجابته تعلم الكتابة على أيدي أسرى بدر، ثم تعلم العبرانية في خمسة عشر يوما، ثم تعلم السريانية في سبعة عشر يوما وأصبح مترجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكاتب الوحي.






    د.وليد خالد الربيع









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الإسلام دعوة العلم والعمل

    الإسلام دعوة العلم والعمل (3)



    ما زلنا نستعرض محاضرة الشيخ د. وليد الربيع التي ألقاها في المخيم الربيعي لفرع جمعية إحياء التراث في منطقة الأحمدي والصباحية وكانت بعنوان: (الإسلام دعوة العلم والعمل)، وقد أكد د. الربيع في ختام محاضرته اعتناء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعلم والتعلم وأنه كان السبب في نقل هذه الأمة من قمة الفوضى والجاهلية إلى قمة الإسلام والنظام.
    التعلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم
    المحدثون (مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي)، عقدوا كتبا في جوامعهم وصحاحهم (باب العلم)، ذكروا فيه الأحاديث الكثيرة، لو أخذنا مرورًا سريعًا على صحيح البخاري (كتاب العلم)، ونظرنا فقط في الزخم الكبير، والجهد العظيم، والاستمرارية في التعلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. على سبيل المثال:
    تعليم الإنسان من أول يوم في الإسلام
    النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على تعليم الإنسان من أول يوم في الإسلام، عمير بن وهب كافر يُسمى شيطان قريش، اتفق مع أحد الكفار على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت قصة طويلة، الشاهد فيها أن الرجل أسلم، فلما أسلم قال النبي للصحابة: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئوه القرآن.
    اختبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه
    كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختبر أصحابه، قال البخاري باب (طرح الإمام المسألة)، ثم ذكر حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم..الخ».

    حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم
    وفي البخاري باب (من قعد حيث انتهى به المجلس)، ثم ذكر حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا في المسجد والناس معه؛ إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف الثالث، فبين لهم النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه»، يقول ابن حجر في هذا الحديث: فيه فضل ملازمة حِلَق العلم والذكر، وجلوس العالم والمُذكّر في المسجد، أيضا لما يأتيه الوفود كان يحثهم على العلم، جاء مالك بن الحويرث قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة متقاربون، فمكثنا عنده بضعة وعشرين ليلة، وكان رسول الله رحيما رفيقا. فلما ظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، قال: ارجعوا إلى أهليكم فمروهم وعلموهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمّكم أكبركم.
    تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يدًا بيد
    وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلّم الصحابة يدا بيد، ويتابعهم ويراجع لهم، يقول ابن مسعود: والله لقد أخذت من فيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة، والله لقد عَلِمَ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم، يقول ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن. ويقول ابن مسعود: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه.
    استغلال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمواقف
    كثير من الصحابة كان يقول بينما أنا أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي كذا وكذا، حتى في الجنازة يقول في حديث البراء: هل تعرفون أمر البرزخ وما يكون فيه المؤمن والكافر؟ لما حضرت الجنازة رفع النبي رأسه ثم خفضها ثم قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، ثم ذكر لهم هذا الحديث العظيم في شأن أمر من أمور العقيدة، وهو ما يجري في القبر، حتى في الخطبة، كان يترك الخطبة ويعلم. يقول في الحديث المتفق عليه أن رجلا دخل المسجد فقال: يا رسول الله، رجل غريب يسأل عن دينه، فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ودعا بكرسي وجلس يعلم الرجل ثم عاد إلى خطبته، قطع الخطبة حتى يعلم هذا الإنسان أمور دينه، هذا يفيدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما حكيما دؤوبا لا يترك فرصة إلا ويعلم.
    الإسلام دعوة علمية
    بعد هذا البيان أدركنا أن الإسلام دعوة علم من أول يوم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما؛ فالدعوة السلفية دعوة إلى الإسلام الصحيح، ومن ثم هي دعوة علم، دعوة عمل كما قال -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ}، قال المفسرون: الهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فمطلوب من الإنسان المنتسب إلى هذه الدعوة المباركة أن يطلب العلم، وهنا لنا وقفات:
    الوقة الأولى: ليس للعلم سن
    أول وقفة أنه ليس للعلم سن، أخرج البخاري عن عمر أو ذكره تعليقا قال عمر - رضي الله عنه -: تفقهوا قبل أن تسودوا، قال البخاري تعليقا: وبعد أن تسودوا، وقد تعلم أصحاب النبي في كبر سنهم، فالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بُعث على رأس الأربعين، وكان أول من أسلم أبو بكر وكان أصغر من النبي بسنتين وصاحب النبي عشرين سنة، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عمره ستين سنة.
    وعمر - رضي الله عنه - أسلم قبل الهجرة بشيء قليل كان عمره قريبا من الثلاثين سنة، فطلب العلم وهو كبير، وصار عمر بن الخطاب، الخليفة الراشد، المحدث الملهم؛ فليس في العلم سن.
    وقيل لعمرو بن العلاء هل يحسن بالشيخ أن يتعلم؟ قال: إن كان يحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم؛ لأن بالعلم يدرك معالي الأمور، وينأى بنفسه عن سفاسف الأمور، وعن الخطأ في العبادة وفي العقيدة، ويقول ابن عقيل الفقيه الحنبلي: إني لأجد من لذة الطلب وأنا ابن ثمانين أشد ما أجد وأنا ابن أربعين.
    أمثلة لمن طلب العلم وهو كبير
    وأضرب لكم بعض الأمثلة ممن طلب العلم وهو كبير وأصبح فقيها وهو كبير:
    هذا صالح بن كيسان من التابعين، ولد في المدينة سنة أربعين، طلب العلم -كما يقول أصحاب السير والتراجم- كهلا وأصبح من كبار التابعين.
    وقاضي القضاة في مصر الحارث بن مسكين، يقول الذهبي في السير: إنما طلب العلم على كِبَر.
    الحافظ عيسى بن موسى الملقب بخنجار، قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السن، ورحل في طلب الحديث وهو كبير.
    والكسائي صاحب القراءة السبعية وشيخ العربية، يقول الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على كِبَر، وكان قد جاء من سفر فجلس مع جماعة من النحويين وقال: قد عييت، قالوا: تجلس معنا وتلحن باللغة العربية؟! فقال: وماذا قلت؟ قالوا: إذا تعبت قل أعييت، وإذا انقطعت بك الحيل قل عييت. ومن هنا كانت انطلاقته لطلب العلم، وكان إماما في النحوية. يقول الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي. فضلا عن أنه صاحب قراءة مشهورة.
    العز بن عبدالسلام سلطان العلماء، العالم الشافعي الكبير، لم يطلب العلم إلا بعد كبر؛ لأنه كان فقيرا جدا في بدايته وطلب العلم على كِبَر. وغيرها من الأمثلة الكثير على أن العمر ليس حاجزا لطلب العلم، ويستطيع الإنسان أن يطلب العلم حتى لو كان كبيرا.
    ما العلم المطلوب؟
    العلم مجال واسع، لكن ينبغي على الإنسان أن يكون فطنا، كما يقول الشاطبي -في مقدمة الموافقات-: العلم عُقَد ومُلَح، العُقَد يعقد عليها القلب، ومُلَح مما يُستعان به؛ فلا تخلط بين العُقَد والمُلَح. فالعُقَد هي العلوم الأصلية التي يعقد عليها الإنسان دينه، ما يرجع إلى معرفة الله ومعرفة الطريق إليه، ومعرفة المآل، علم العقيدة، علم الحديث، علم التفسير، علم الفقه، هذا ما يحتاج إليه الإنسان، أما الأخبار والحكايات والقصص والتراجم هذا مما يستعين به الإنسان، كما يقول ابن عبد البر: إن الزهري كان يُحَدّث، فإذا انتهى مجلس الحديث قال: هاتوا من مُلَحِكم، فهذا يقول بيت شعر، وهذا يقول حكاية، وكان ابن عباس يُدرّس، فإذا انتهى من التدريس قال: حمّضونا -أي أعطونا أخبارا وقصصا.
    ومن ثم تجد أن كبار العلماء ليس عندهم هذه الحكايات، فلا تجد الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين يحدثونك بقصص وحكايات، إنما العلم، فلا تضيع وقتك وحياتك في أخبار وقصص وحكايات، بل عليك بصلب العلم.
    العلم حقائق شرعية
    العلم حقائق شرعية ينبني عليها اعتقاد وعمل، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن العلماء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم»، فالعلم هو الوحي والحقائق الشرعية التي جاءت في الكتاب وفي السنة، فالمقصد من ذلك كله أن النبي -[- بفضل الله -سبحانه وتعالى أولا وآخرا وتسديده وتوفيقه- استطاع أن يُنشئ أمة من ذلك الحطام، ومن ذلك الظلام، ومن ذلك الجهل، أنشأ أمة هي خير الأمم بتوفيق الله -تعالى- ثم بالتعليم المستمر.

    د.وليد خالد الربيع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •