كما تدين تدان






كتبه/ عبد العزيز خير الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكما تدين تدان؛ حكمة بليغة تناقلها الناس قديمًا، وجاءت الشواهد من الكتاب والسنة دَالَّة على صدقها؛ فهي سنة كونية جعلها الله عز وجل عِبْرَة وعظة لجميع الناس.

أخاطبك أيها القارئ الكريم، ربما أصابتك غفلة أو نسيان، فالكأس الذي أذقته غيرك لن تموت حتى يذيقك الله منه بيد أخرى، إن كان خيرًا فخيرًا، وإن كان شرًّا فشرًّا، وإن لم يكن في الدنيا؛ فالآخرة حساب وجزاء.

فالحياة كسوق كبير معروض فيه كل شيء، فإذا أخذت منه ما يطيب لك تذكر أن الحساب أمامك وستدفع ثمن كل ما أخذته، وما زرعته اليوم ستحصده غدًا، فان زرعت خيرًا ستجني أطيب الثمر، وإن زرعت شرًّا؛ فلن تحصد إلا الجراح والألم.

عامل كل إنسان وكأنك تتعامل مع نفسك؛ لا تظلمه، ولا تخذله، ولا تنقص منه، ولا تحاول قهره؛ لأن الزمن سيدور، وتذوق مُرَّ ما فعلت، وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق كما في حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

تعامل مع الناس بالعدل والصدق ومراقبه الله عز وجل، وإياك أن تظلم، وتأكد أينما كان موقعك وطريقة ظلمك للناس؛ فسوف تشرب من نفس الكأس الذي سقيت به غيرك، سواء كان حلوًا أو مُرًّا.

إن كنتَ تريد الأمن، وحفظ الله لأولادك وأهلك فاتقِ الله في تعاملك مع الآخرين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا"، فما حفظ الله عز وجل الكنز الثمين للغلامين اليتيمين حتى يكبرا إلا لصلاح أبيهما، قال تعالى: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا".


فمَن أهنته اليوم فغدًا أنت به مهان، ومَن آذيته اليوم سيسلط الله عليك مَن يؤذيك غدًا، واحذر مِن دعوة المظلوم أو شكواه إلى الله في جوف الليل، فسوف تفاجأ باستجابة الدعاء في الوقت المناسب، فكن أخي الحبيب على يقين أن ما تقدمه سيعود عليك، وما ربك بظلام للعبيد، فكما تدين تدان.