تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا".. الخ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا".. الخ

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أيها الإخوة، هل يصح هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم :
    " ان كرسيه -تعالى - وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار اربع اصابع، وان له اطيطا كاطيط الرحل الجديد اذا ركب من ثقله" ؟
    و هل يفهم منه أن لذاته تعالى حد لا يتجاوز حد العرش إلا بقليل ؟
    . و هل تصح عزو هذا القول لشيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة ؟
    و قصدي الرد على أحد المنحرفين عندنا يطعن في شيخ الإسلام...وجزاكم الله خيرا و أشكركم مسبقا على تفاعلكم مع الموضوع إن شاء الله.
    وكنت قرأت للشيخ العثيمين في شرحه على الواسطية أن ذات الله لا تحد بحد...أفيدونا أفادكم الله

  2. #2

    افتراضي رد: أيها الإخوة هل يصح هذا الخبر و أجركم على الله

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ في مجموعة الفتاوى (وكذلك ما يجمعه عبد الرحمن بن مَنْدَه ‏[‏هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني، حافظ مؤرخ، جليل القدر، واسع الرواية، وصنف كتبًا كثيرة، ولد عام 383 وتوفي 470هـ بأصبهان‏.‏ قال الذهبى‏:‏ له محاسن، وقالوا‏:‏ إنه حاطب ليل يروى الغث والثمين‏]‏ مع أنه من أكثر الناس حديثـًا، لكن يروى شيئًا كثيرًا من الأحاديث الضعيفة، ولا يميز بين الصحيح والضعيف‏.‏ وربما جمع بابًا وكل أحاديثه ضعيفة، كأحاديث أكل الطين وغيرها‏.‏ وهو يروى عن أبي علي الأهوازي‏.‏
    وقد وقع ما رواه من الغرائب الموضوعة إلى حسن بن عدى فبنى على ذلك عقائد باطلة، وادعى أن الله يرى في الدنيا عيانًا‏.‏ ثم الذين يقولون بهذا من أتباعه يكفرون من خالفهم‏.‏ وهذا كما تقدم من فعل أهل البدع، كما فعلت الخوارج‏.‏
    ومن ذلك‏:‏ حديث عبد الله بن خليفة المشهور، الذي يروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسى في ‏[‏مختاره‏]‏‏.‏
    وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعـل ذلك أبو بكر الإسماعيلي، وابن الجوزي، وغيرهم‏.‏ لكن أكثر أهل السنة قبلوه‏.‏
    وفيه قال‏:‏ ‏[‏إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع ـ أو فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع ـ وإنه لَىَئِط به أطيط الرَّحْل الجديد براكبه‏]‏‏.‏
    ولفظ ‏[‏الأطيط‏]‏ قد جاء في حديث جبير بن مطعم الذي رواه أبو داود في السنن‏.‏ وابن عساكر عمل فيه جزءًا، وجعل عمدة الطعن في ابن إسحاق‏.‏‏.‏وال حديث قد رواه علماء السنة كأحمد، وأبي داود وغيرهما، وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى‏.‏ ولفظ ‏[‏الأطيط‏]‏ قد جاء في غيره‏.‏
    وحديث ابن خليفة رواه الإمام أحمد وغيره مختصرًا، وذكر أنه حدث به وكيع‏.‏
    لكن كثير ممن رواه رووه بقوله‏:‏ ‏[‏إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع، فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع‏]‏ واعتقد القاضي، وابن الزَّاغُوني، ونحوهما، صحة هذا اللفظ، فأمروه وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء‏.‏ وذكر عن ابن العايذ أنه قال‏:‏ هو موضع جلوس محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏
    والحديث قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره، ولفظه‏:‏ ‏[‏وإنه ليجلس عليه، فما يفضل منه قدر أربع أصابع‏]‏ بالنفي‏.‏
    فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين ـ هذه تنفي ما أثبتت هذه‏.‏ ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوى عليها الرب‏.‏ وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات‏.‏ بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر‏.‏ وهذا باطل، مخالف للكتاب والسنة، وللعقل‏.‏
    ويقتضي ـ أيضًا ـ أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه‏.‏ فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق، وهو أعظم من الرب‏.‏ وهذا معنى فاسد، مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل‏.‏
    فإن طريقة القرآن في ذلك؛ أن يبين عظمة الرب، فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته‏.‏ فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها‏.‏
    كما في الحديث الآخر الذي في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما ـ حديث الأطيط ـ لما قال الأعرأبي‏:‏ إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله ـ تعالى ـ فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال‏:‏ ‏[‏ويحك‏!‏ أتدرى ماتقول‏؟‏ أتدرى ما الله‏؟‏ شأن الله أعظم من ذلك‏.‏ إن عرشه على سمواته هكذا‏]‏ ـ وقال بيده مثل القبة ـ‏:‏ ‏[‏وإنه لىئط به أطيط الرحل الجديد براكبه‏]‏‏.‏
    فبين عظمة العرش، وأنه فوق السموات مثل القبة‏.‏ ثم بين تصاغره لعظمة الله، وأنه يئط به أطيط الرحل الجديد براكبه‏.‏ فهذا فيه تعظيم العرش، وفيه أن الرب أعظم من ذلك‏.‏ كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏أتعجبون من غيرة سعد‏؟‏ لأنا أغير منه، والله أغير منى‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏[‏لا أحد أغير من الله‏.‏ من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏]‏ ومثل هذا كثير‏.‏
    وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع‏.‏ وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان، كما يقدر في الميزان قدره فيقال‏:‏ ما في السماء قدر كف سحابًا‏.‏ فإن الناس يقدرون الممسوح بالباع والذراع، وأصغر ما عندهم الكف‏.‏ فإذا أرادوا نفي القليل والكثير قدروا به، فقالوا‏:‏ ما في السماء قدر كف سحابًا، كما يقولون في النفي العام‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 40‏]‏، و‏{‏مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 13‏]‏، ونحو ذلك‏.‏
    فبين الرسـول أنه لا يفضل من العرش شيء، ولا هذا القدر اليسير الذي هو أيسر ما يقدر به، وهو أربع أصابع‏.‏ وهذا معنى صحيح موافق للغة العرب، وموافق لما دل عليه الكتاب والسنة، وموافق لطريقة بيان الرسول،له شواهد‏.‏ فهو الذي يجزم بأنه في الحديث‏.‏
    ومن قال‏:‏ ‏[‏ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع‏]‏، فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا‏.‏ وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام‏.‏ وإلا فأي حكمة في كون العرش يبقى منه قدر أربع أصابع خالية، وتلك الأصابع أصابع من الناس، والمفهوم من هذا أصابع الإنسان‏.‏ فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه‏؟‏
    والعرش صغير في عظمة الله ـ تعالى‏.‏ وقد جاء حديث رواه ابن أبي حاتم في قوله‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، لمعناه شواهد تدل على هذا‏.‏ فينبغي أنا نعتبر الحديث، فنطابق بين الكتاب والسنة‏.‏ فهذا هذا والله أعلم‏.‏
    قال‏:‏ حدثنا أبو زُرْعة، ثنا مِنْجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدرى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، قال‏:‏ ‏(‏لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة ـ منذ خلقوا إلى أن فنوا ـ صفوا صفًا واحدًا ما أحاطوا بالله أبدًا‏)‏‏.‏
    وهذا له شواهد، مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 67‏]‏، قال ابن عباس‏:‏ ما السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم‏.‏
    ومعلوم أن العرش لا يبلغ هذا، فإن له حملة وله حول، قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 7‏]‏‏.‏
    وهذا قد بسط في موضع آخر في ‏[‏مسألة الإحاطة‏]‏ وغيرها‏.‏ والله أعلم‏.)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: أيها الإخوة هل يصح هذا الخبر و أجركم على الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا أخي الفاضل
    و هل بإمكانك أن تذكر المصدر مشكورا... و أشكرك جزيل و لك مني كل تقدير و الدعاء إن شاء الله تعالى.
    و هل من مزيد عن مسألة الإحاطة فقد شوقتني إليها ؟ و جزاك الله خيرا

  4. #4

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    حبا وكرامة يا شيخ عبدالله
    الله يحفظك...

    المصدر هو:
    مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه ورحمه (16/434_439) جلد التفسير (تفسير سورة العلق)

    ولك خالص الود وصادق الدعاء.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الإمام ابن تيمية مشاهدة المشاركة
    حبا وكرامة يا شيخ عبدالله
    الله يحفظك...
    المصدر هو:
    مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه ورحمه (16/434_439) جلد التفسير (تفسير سورة العلق)
    ولك خالص الود وصادق الدعاء.
    ابتسامة...أحبك الذي أحببتني فيه أخي الفاضل و جزاك الله خيرالجزاء
    و في انتظار نقلكم الكريم أسأل الله تعالى أن يبارك لي و لك في ما تبقى من هذا الشهر المبارك

  6. #6

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    الله المستعان
    الله يغفر لك يا شيخ عبدالله
    كنت أبي أنحاش من نقل الكلام في (الإحاطة) لكني نشبت ،فأنت تنتظر وحق لك الإجابة...

    بسم الله


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه (وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏‏.‏ إنما نفي الإدراك الذي هو الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحًا وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي، كما أنه لا يحاط به، وإن علم فكما أنه إذا علم لا يحاط به علمًا‏:‏ فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحًا وصفة كمال، وكان ذلك دليلًا على إثبات الرؤية لا على نفيها لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتًا هو مما لم يصف الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب‏:‏ لم يثبتوا في الحقيقة إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا وكذلك من شاركهم في بعض ذلك، كالذين قالوا لا يتكلم، أو لا يرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولون‏:‏ ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباينًا للعالم ولا محايثًا له، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت، ولهذا قال ‏[‏محمود بن سبكتكين‏]‏ لمن ادعى ذلك في الخالق‏:‏ ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم‏.‏ وكذلك كونه لا يتكلم، أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال، بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات، فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص، فمن قال‏:‏ لا هو مباين للعالم، ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال‏:‏ لا هو قائم بنفسه، ولا بغيره، ولا قديم، ولا محدث، ولا متقدم، على العالم، ولا مقارن له، ومن قال‏:‏ إنه ليس بحي ولا ميت، ولا سميع ولا بصير، ولا متكلم، لزمه أن يكون ميتًا أصم أعمى أبكم‏.‏..)

    وقال رضي الله عنه (ونحن نقول في قوله‏:‏ ‏{‏مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏7‏]‏ أنه معهم بالعلم بما هم عليه، كما تقول لرجل وجهته إلى بلد شاسع، ووكلته بأمر من أمرك‏:‏ احذر التقصير والإغفال لشيء مما تقدمت فيه إليك، فإني معك؛ يريد‏:‏ أنه لا يخفي علىّ تقصيرك أو جدك بالإشراف عليك، والبحث عن أمورك، فإذا جاز هذا في المخلوق والذي لا يعلم الغيب، فهو في الخالق الذي يعلم الغيب أجوز‏.‏
    وكذلك هو بكل مكان يراك، لا يخفي عليه شيء مما في الأماكن، هو فيها بالعلم بها والإحاطة، فكيف يسوغ لأحد أن يقول‏:‏ إنه بكل مكان على الحلول، مع قوله‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏5‏]‏ أي‏:‏ استقر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏} ‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏28 ]‏ أي‏:‏ استقررت، ومع قوله‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏10‏]‏‏.‏)

    وقال رحمه الله (وكذلك احتجاجهم على نفي الرؤية بقوله‏:‏‏{‏لاّ َ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏103‏]‏، فإنها تدل على إثبات الرؤية ونفي الإحاطة وكذلك الاحتجاج بقوله‏:‏‏{‏لَي ْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏‏.‏ونحو ذلك‏.‏)
    وقال أيضا (وقد قال غير واحد من السلف والعلماء‏:‏ إن ‏[‏الإدراك‏]‏ هو الإحاطة؛ فالعباد يرون الله تعالى عيانًا ولا يحيطون به، فهذا وأمثاله مما أخبر الله به ورسوله‏.‏)

    وقال قدس الله سره (قول هؤلاء‏:‏ إن اللّه يري من غير معاينة ومواجهة‏.‏ قول انفردوا به دون سائر طوائف الأمة، وجمهور العقلاء على أن فساد هذا معلوم بالضرورة‏.‏
    والأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ترد عليهم، كقوله في الأحاديث الصحيحة‏:‏ ‏(‏إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمـر لا تضارون في رؤيتـه‏)‏ ، وقوله ـ لما سأله الناس ـ‏:‏ هل نري ربنا يوم القيامة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏هل ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ ‏(‏وهل ترون القمر صحوًا ليس دونه سحاب‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر‏)‏ ‏.‏
    فشبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه المرئي بالمرئي؛ فإن الكاف ـ حرف التشبيه ـ دخل على الرؤية‏.‏ وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏يرونه عيانًا‏)‏‏.‏ ومعلوم أنا نري الشمس والقمر عيانًا مواجهة، فيجب أن نراه كذلك، وأما رؤية ما لا نعاين ولا نواجهه فهذه غير متصورة في العقل، فضلا عن أن تكون كرؤية الشمس والقمر‏.‏
    ولهذا، صار حُذَّاقُهم إلى إنكار الرؤية، وقالوا‏:‏ قولنا هو قول المعتزلة في الباطن؛ فإنهم فسروا الرؤية بزيادة انكشاف ونحو ذلك مما لا ننازع فيه المعتزلة‏.‏
    وأما قوله‏:‏ إن الخبر يدل على أنهم يرونه لا في جهة، وقوله‏:‏ ‏(‏لا تضامون‏)‏؛ معناه‏:‏ لا تضمكم جهة واحدة في رؤيته، فإنه لا في جهة، فهذا تفسير للحديث بما لا يدل عليه، ولا قاله أحد من أئمة العلم، بل هو تفسير منكر عقلا وشرعا ولغة‏.‏
    فإن قوله‏:‏ ‏(‏لا تضامون‏)‏، يروي بالتخفيف، أي‏:‏ لا يلحقكم ضيم في رؤيته، كما يلحق الناس عند رؤية الشيء الحسن كالهلال، فإنه قد يلحقهم ضيم في طلب رؤيته حين يري، وهو ـ سبحانه ـ يتجلي تجليًا ظاهرًا، فيرونه كما تري الشمس والقمر بلا ضيم يلحقكم في رؤيته، وهذه الرواية المشهورة‏.‏
    وقيل‏:‏ ‏(‏لا تضامُّون‏)‏، بالتشديد، أي‏:‏ لا ينضم بعضكم إلى بعض، كما يتضام الناس عند رؤية الشيء الخفي كالهلال‏.‏ وكذلك‏:‏ ‏(‏تضارون‏)‏، و ‏(‏تضارُّون‏)‏ ‏.‏
    فإما أن يروي بالتشديد ويقال‏:‏ ‏(‏لا تضامَّون‏)‏، أي لا تضمكم جهة واحدة، فهذا باطل؛ لأن التضام انضمام بعضهم إلى بعض، فهو ‏[‏تفاعل‏]‏، كالتماس، والتراد، ونحو ذلك‏.‏ وقد يروي‏:‏ ‏(‏لا تضامُّون‏)‏ بالضم والتشديد، أي‏:‏ لا يضام بعضكم بعضًا‏.‏
    وبكل حال، فهو من ‏[‏التضام‏]‏ الذي هو مضامة بعضهم بعضًا، ليس هو أن شيئًا آخر لا يضمكم، فإن هذا المعني لا يقال فيه‏:‏ ‏(‏لا تضامون‏)‏، فإنه لم يقل‏:‏ لا يضمكم شيء‏.‏
    ثم يقال‏:‏ الراؤون كلهم في جهة واحدة على الأرض،وإن قدر أن المرئي ليس في جهة، فكيف يجوز أن يقال‏:‏ لا تضمكم جهة واحدة،وهم كلهم على الأرض ـ أرض القيامة ـ أو في الجنة، وكل ذلك جهة، ووجودهم نفسهم لا في جهة ومكان ممتنع حسا وعقلا‏.‏
    وأما قوله‏:‏ هو يري لا في جهة فكذلك يراه غيره‏.‏ فهذا تمثيل باطل، فإن الإنسان يمكن أن يري بدنه، ولا يمكن أن يري غيره، إلا أن يكون بجهة منه، وهو أن يكون أمامه، سواء كان عاليًا أو سافلًا‏.‏
    وقد تُخْرَق له العادة فيرى من خلفه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لأراكم من بعدي‏)‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏من بعد ظهري‏)‏، وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏إني لأراكم من ورائي‏)‏، وفي لفظ في الصحيحين‏:‏‏(‏ إني واللّه لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي‏)‏، لكن هم بجهة منه، وهم خلفه، فكيف تقاس رؤية الرائي لغيره على رؤيته لنفسه‏؟‏
    ثم تشبيه رؤيته هو برؤيتنا نحن تشبيه باطل، فإن بصره يحيط بما رآه بخلاف أبصارنا‏.‏
    وهؤلاء القوم، أثبتوا ما لا يمكن رؤيته، وأحبوا نصر مذهب أهل السنة والجماعة والحديث، فجمعوا بين أمرين متناقضين، فإن ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه يمتنع أن يري بالعين لو كان وجوده في الخارج ممكنًا، فكيف وهو ممتنع‏؟‏ وإنما يقدر في الأذهان من غير أن يكون له وجود في الأعيان، فهو من باب الوهم والخيال الباطل‏.‏
    ولهذا فسروا ‏[‏الإدراك‏]‏ بالرؤية في قوله‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، كما فَسَّرَتْها المعتزلة، لكن عند المعتزلة‏:‏ هذا خرج مخرج المدح فلا يري بحال، وهؤلاء قالوا‏:‏ لا يرَي في الدنيا دون الآخرة‏.‏
    والآية تنفي الإدراك مطلقًا دون الرؤية كما قال ابن كلاب، وهذا أصح‏.‏وحينئذ، فتكون الآية دالة على إثبات الرؤية، وهو أنه يرَي ولا يدْرَك، فيري من غير إحاطة ولا حصر، وبهذا يحصل المدح، فإنه وصف لعظمته أنه لا تدركه أبصار العباد وإن رأته، وهو يدرك أبصارهم‏.‏ قال ابن عباس ـ وعكرمة بحضرته ـ لمن عارض بهذه الآية‏:‏‏(‏ألس ت تري السماء‏؟‏‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏بلي‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏أفكلها تري‏؟‏‏)‏‏.‏
    وكذلك قال‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، وهؤلاء يقولون‏:‏ علمه شيء واحد لا يمكن أن يحاط بشيء منه دون شيء، فقالوا‏:‏ ولا يحيطون بشيء من معلومه‏.‏ وليس الأمر كذلك، بل نفس العلم جنس يحيطون منه بما شاء، وسائره لا يحيطون به‏.‏
    وقال‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 110‏]‏، والراجح من القولين أن الضمير عائد إلى‏:‏ ‏{‏مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ‏}‏، وإذا لم يحيطوا بهذا علمًا، وهو بعض مخلوقات الرب، فإن لا يحيطوا علما بالخالق أولي وأحري‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 13‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ‏} ‏ الآية ‏[‏إبراهيم‏:‏ 9‏]‏‏.‏
    فإذا قيل‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، أي‏:‏ لا تحيط به، دل على أنه يوصف بنفي الإحاطة به مع إثبات الرؤية‏.‏ وهذا ممتنع على قول هؤلاء، فإن هذا إنما يكون بزعمهم فيما ينقسم، فيري بعضه من بعض، فتكون هناك رؤية بلا إدراك وإحاطة، وعندهم‏:‏ لا يتصور أن يري إلا رؤية واحدة متماثلة، كما يقولونه في كلامه‏:‏ إنه شيء واحد لا يتبعض ولا يتعدد‏.‏ وفي الإيمان به‏:‏ إنه شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان‏.‏
    وأما الإدراك والإحاطة الزائد على مطلق الرؤية، فليس انتفاؤه لعظمة الرب عندهم، بل لأن ذاته لا تقبل ذاك كما قالت المعتزلة‏:‏ إنها لا تقبل الرؤية‏.‏
    وأيضًا، فهم والمعتزلة لا يريدون أن يجعلوا للإبصار إدراكًا غير الرؤية، سواء أثبتت الرؤية أو نفيت، فإن هذا يبطل قول المعتزلة بنفي الرؤية، ويبطل قول هؤلاء بإثبات رؤية بلا معاينة ومواجهة‏.‏)

    وقال أيضا (قال‏:‏ ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏ أي‏:‏ لايكرثه ولايثقله‏.‏ وهذا النفي تضمن كمال قدرتـه، فإنه مع حفظه للسموات والأرض لايثقل ذلك عليه كمايثقل على من في قوته ضعف، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏، فنزه نفسه عن مس اللغوب‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ اللغوب‏:‏ الإعياء والتعب‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، الإدراك عند السلف ـ والأكثرين ـ هو‏:‏ الإحاطة‏.‏ وقال طائفة‏:‏ هو الرؤية، وهو ضعيف؛ لأن نفي الرؤية عنه لا مدح فيه، فإن العدم لا يرى، وكل وصفيشترك فيه الوجود والعدم لايستلزم أمرًا ثبوتيا، فلايكون فيه مدح؛ إذ هو عدم محض، بخلاف ما إذا قيل‏:‏ لايحاط به، فإنهيدل على عظمة الرب جل جلاله، وإن العباد مع رؤيتهم له لايحيطون به رؤية، كما أنهم مع معرفته لايحيطون به علمًا، وكما أنهم مع مدحه والثناء عليه لايحيطون ثناء عليه، بل هو كما أثني على نفسه المقدسة؛ ولهذا قال أفضل الخلق وأعلمهم‏:‏ ‏(‏لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏)‏‏.‏ وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر‏.)
    ‏ وقال رضي الله عنه :
    (فصــل‏:‏
    في الغلط في ذلك
    ثم إن كثيرًا من أهل التوجه إلى الله إذا أقبلوا على ذكره وعبادته والإنابة إليه، شهدوا بقلوبهم هذه الربوبية الجامعة، وهذه الإحاطة العامة، فإنه بكل شيء محيط، وهو ـ سبحانه ـ الحق الذي خلق السموات والأرض، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وهو ـ سبحانه ـ نور السموات والأرض ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ‏}‏ الآية‏[‏النور‏:‏35‏]‏
    وهو ـ سبحانه ـ ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه‏.‏ هكذا قال عبدالله بن مسعود‏:‏ ‏(‏لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، أو النار، لو كشفها لأحرقت سبُحَات وجهه ما أدركه بصره من خلقه‏)‏، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى‏.‏
    فقد يشهد العبد القدر المشترك بين المصنوعات، وهو الحق الموجود فيها، الذي هو شامل لها، فيظن أنه الخالق، لمطابقته له في نوع من العموم، وإنما هو صنعه وخلقه، ثم قد يرتقي إلى حجاب من حجبه النورية أو النارية، فيظن أنه هو، ثم يرتقي إلى نوره، وما يظهر من أثر صفاته، فقد يقع بعض هؤلاء في نحو من مذهب أهل الاتحاد المطلق العام، فإن تداركهم الله برحمته فاعتصموا بحبل الله واتبعوا هدى الله، علموا أن هذا كله مخلوق لله، وأن الخالق ليس هو المخلوق، وأن جميعهم عباد لله، وربما قد يقع هذا في نوع من الفناء أو السكر، فيكون مخطئا غالطا، وإن كان ذلك مغفورا له، إذا كان بسبب غير محظور، كما ذكرنا نظيره في الاتحاد المعين‏.‏)
    ولشيخ الإسلام كلام آخر عن الإحاطة في غير موضع من الفتاوى وغيرها من رسائله رحمه الله...
    ********
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى (فارشدهم بهذه الآية ‏{‏هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 3‏]‏‏.‏ الى بطلانِ التسلسل الباطل ببديهة العقل، وان سلسلةَ المخلوقات في ابتدائها تنتهى الى اولٍ ليس قَبلَه شئ، كما تنتهى في اخرِها الى اخر ليس بعَده شئ، كما ان ظهورَه هو العلوُّ الذي ليس فوقَه شئ، وبُطونَه هو الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شئ، ولو كان قبله شئ يكون مؤثراً فيه، لكان ذلك هو الربَّ الخلاق، ولا بدَّ ان ينتهىَ الأمر الى خالقٍ غيرِ مخلوقٍ، وغنى عن غيره، وكلُّ شىء فقير اليه، قائم بنفسه، وكل شئ قائم به، موجود بذاته، وكل شئ موجود به‏.‏ قديمٌ لا اول له، وكُلُّ ما سواه فوجودهُ بعد عدمه، باقٍ بذاته، وبقاءُ كل شىء به، فهو الأوَّلُ الذي ليس قبله شىء، والآخر الذي ليس بعده شئ، الظاهر الذي ليس فوقَه شئ، الباطنُ الذي ليس دونه شئ‏.‏ )
    *********
    سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين، عن حديث ((لو أن أحدكم أدلى بحبل لهبط على الله)) ؟.
    فأجاب: حديث ((لو أن أحدكم أدلى بحبل لهبط على الله)) رواه الترمذي، من رواية الحسن، عن أبي هريرة .
    وللشيخ: تقي الدين رحمه الله، على هذا الحديث كلام طويل، قال: فإن كان ثابتاً، فقوله: ((لو أن أحدكم أدلى بحبل لهبط على الله)) إنما هو تقدير مفروض، أي: لو وقع الإِدلاء ،لوقع عليه، لكنه لا يمكن أن يدلي أحد، على الله سبحانه وتعالى شيئاً، لأنه عال بالذات، وإذا هبط شيء إلى جهة الأرض، وقف في المركز من الجزء – إلى أن قال – فكما أن ما يهبط إلى جوف الأرض، يمتنع صعوده إلى تلك الناحية، لأنها عالية، فترد الهابط بعلوها، كما أن الجهة العليا من عندنا، ترد ما يصعد إليها من الثقيل، فلا يصعد الثقيل إلا برافع يرفعه، يدافع به ما في قوته من الهبوط، فكذلك ما يهبط من أعلى الأرض إلى أسفلها، وهو المركز، لا يصعد من هناك إلى ذلك الوجه، إلا برافع يرفعه، يدافع به ما في قوته من الهبوط إلى المركز، فإن قدر: أن الرافع أقوى، كان صاعداً به إلى الفلك من تلك الناحية، وصعد به إلى الله .
    وإنما يسمى هبوطاً: باعتبار ما في أذهان المخاطبين، من أن ما يحاذي أرجلهم، يكون هابطاً، ويسمى هبوطاً، مع تسمية إهباطه إدلاء، وهو إنما يكون إدلاء حقيقيّاً إلى المركز، ومن هناك إنما يكون مداً للحبل، والدلو لا إدلاء له، ولكن الجزاء والشرط مقدران، لا محققان؛ فإنه قال: لو أدلى لهبط؛ أي: لو فرض أن هناك إدلاء، لفرض أن هناك هبوطاً، وهو يكون إدلاء وهبوطاً، إذا قدر أن السماوات تحت الأرض، وهذا منتف، ولكن فائدته: بيان الإِحاطة، والعلو من كل جانب.
    وهذا المفروض: ممتنع في حقنا، لا نقدر عليه، فلا يتصور أن ندلي، فلا يتصور أن يهبط على الله شيء؛ لكن الله قادر، على أن يخرق من هناك بحبل، لكن لا يكون في حقه إدلاء، فلا يكون في حقه هبوطاً عليه، كما لو خرق بحبل من القطب إلى القطب، أو من مشرق الشمس إلى مغربها، وقدرنا أن الحبل مر في وسط الأرض، فإن الله قادر على ذلك كله – إلى أن قال – فعلى كل تقدير: قد خرق بالحبل من جانبا لمحيط إلى جانب الآخر، مع خرق المركز؛ وبتقدير إحاطة قبضته بالسماوات والأرض، فالحبل الذي قدر أنه خرق به العالم، وصل إليه، ولا يسمى شيئاً بالنسبة إليه، لا إدلاء، ولا هبوطاً، وأما بالنسبة إلينا: فإنما تحت أرجلنا، تحت لنا، وما فوق رؤوسنا، فوق لنا؛ وما ندليه من ناحية رؤوسنا، إلى ناحية أرجلنا، نتخيل أنه هابط، فإذا قدر: أن أحدنا أدلى بحبل، كان هابطاً على ما هناك، لكن هذا التقدير ممتنع في حقنا؛ والمقصود به: بيان إحاطة الخالق تعالى، كما بين أنه يقبض السماوات، ويطوي الأرض، ونحو ذلك، مما فيه بيان إحاطته بالمخلوقات.
    ولهذا قرأ في تمام هذا الحديث (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) [ الحديد: 3 ] وهذا كله: كلام على تقدير صحته، فإن الترمزي لما رواه، قال: وفسر بعض أهل العلم بأنه هبط على علم الله؛ ثم قال الشيخ: وتأويله بالعلم، تأويل ظاهر الفساد؛ قال وبتقدير ثبوته، يكون دالاً على الإحاطة، والإحاطة: قد علم أن الله قادر عليها، وعلم أنها تكون يوم القيامة، بالكتاب، والسنة؛ فليس في إثباتها في الجملة، ما يخالف العقل، ولا الشرع، لكن: لا نتكلم إلا بما نعلمه، وما لا نعلم أمسكنا عنه.

    ***********

    وكتب الشيخ: سليمان بن سحمان ، للشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري:
    بسـم الله الرحمـن الرحيــــم
    اعلم: أنه جرى بيننا البحث ، فيما ذكره ابن القيم في ((سفر الهجرتين)) على قوله ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء)) قال: فقوله ، والباطن الذي ليس دونه شيء ، يدلان العبد ، على معرفة إحاطة الرب سبحانه بالعالم ، وعظمته ، وأن العوالم كلها في قبضته ، وأن السماوات السبع ، والأرضين السبع ، في يده كخردلة في يد العبد ، قال تعالى: (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) [ الإسراء: 60 ] وقال: (والله من ورائهم محيط) [ البروج: 20 ] ولهذا يقرن سبحانه بين هذين الاسمين ، الدالين على هذين المعنيين ، اسم ((العلو)) الدال على أنه الظاهر ، وأنه لا شيء فوقه ؛ واسم ((العظمة)) الدال على الإحاطة ، وأنه لا شيء دونه ، كما قال تعالى: (وهو العلي الكبير) [ سبأ: 23 ] وقال: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) [ البقرة: 115 ] .وهو تبارك وتعالى ، كما أنه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء ، فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء ، بل ظهر على كل شيء فكان فوقه ، وبطن فكان أقرب إلى كل شيء من نفسه ، وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه ، وكل شيء في قبضته ، وليس في قبضة نفسه ، فهذا قرب الإحاطة العامة ، انتهى .
    وقد ذكرت لي: أنى إذا ظفرت بشيء يبين حقيقة ما ذكره الشيخ ، ويوضحه ، أني أذكر لك ذلك ، فاعلم: أني تأملت كلامه ، ووضح لي مقصوده ومرامه ، ورأيت ما يوضح ذلك ، في كتابه ((الصواعق المرسلة)) في بحث الإحاطة ، وأحببت أن أكتب إليك بذلك .
    قـوله: ((الظاهر الذي ليس فوقه شيء ، والباطن الذي ليس دونه شيء)) يدلان العبد: على معرفة إحاطة الرب سبحانه بالعالم ، وعظمته ، وأن العوالم كلها في قبضته ، وأن السماوات السبع ، والأرضين السبع ، في يده كخردلة في يد العبد ؛ فإذا كان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام ، وضرورة العقل ، أنه: الأول بذاته قبل كل شيء ، وأنه الآخر بذاته بعد كل شيء ، والظاهر بذاته فوق كل شيء ، فكذلك ، هو الباطن بذاته دون كل شيء ، ولا نفرق بين أسمائه ، بآرائنا القاصرة ، وأفهامنا الباردة ، لأنه لم يقل في الحديث ، والباطن الذي هو تحت كل شيء ، لأن ذلك ينافي قوله: ((و الظاهر الذي ليس فوقه شيء)) بل قال: ((والباطن الذي ليس دونه شيء)) لأنه لا تواري منه سماءٌ سماء ، ولا أرض أرضاً ، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً ، بل الباطن له ظاهر ، والغيب عنده شهادة ، والبعيد منه قريب ، والسر عنده علانية .
    وقد بين رحمه الله معنى ((البطون)) بقوله: وبطن فكان أقرب إلى كل شيء من نفسه ، وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه ، وكل شيء في قبضته ، وليس في قبضة نفسه ؛ فهذا قرب الإحاطة العامة ؛ فبين رحمه الله معنى قوله: ((وانت الباطن فليس دونك شيء)) بقوله: وبطن فكان أقرب إلى كل شيء من نفسه ، وهو محيط به ، حيث لا يحيط الشيء بنفسه ، وكل شيء في قبضته ، وليس في قبضة نفسه ، يوضح ذلك ، قوله: وأن العوالم كلها في قبضته ، وأن السماوات السبع ، والأرضين السبع في يده ، كخردلة في يد العبد ، فكانت جميع العوالم ، والسماوات والأرض ، في قبضته كخردلة في يد العبد .
    **********
    وقال شيخ الإسلام محمدبن عبد الوهاب في تفسيره لقوله تعالى {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة115 ( فذكر في أول الآية إحاطة ملكه في قوله: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } [سورة البقرة آية : 115] منبها بذلك على ملكه لما بينهما، ثم ذكر عظمته سبحانه، وأنه أكبر وأعظم من كل شيء، فأينما ولى العبد وجهه فثم وجه الله، ثم ختم باسمين دالين على السعة والإحاطة، فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [سورة البقرة آية : 115] فذكر اسمه الواسع عقب قوله: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [سورة البقرة آية : 115] كالتفسير والبيان والتقرير له، فتأمله.)

    هذا ما تيسر نقله...
    والله أعلم...
    وأستغفر الله لي ولكم...
    والحمدلله رب العالمين.....

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي عذرا على الإكثار، و لكني لم أستوعب المسألة و لا فهمتها كما ينبغي، فهلا تفضلت علي في هذا الشهر المبارك بشرح ما سبق ذكره و خاصة النقول الآتية:
    " (فصــل‏:‏
    في الغلط في ذلك
    ثم إن كثيرًا من أهل التوجه إلى الله إذا أقبلوا على ذكره وعبادته والإنابة إليه، شهدوا بقلوبهم هذه الربوبية الجامعة، وهذه الإحاطة العامة، فإنه بكل شيء محيط، وهو ـ سبحانه ـ الحق الذي خلق السموات والأرض، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وهو ـ سبحانه ـ نور السموات والأرض ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ‏}‏ الآية‏[‏النور‏:‏35‏]‏
    وهو ـ سبحانه ـ ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه‏.‏ هكذا قال عبدالله بن مسعود‏:‏ ‏(‏لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، أو النار، لو كشفها لأحرقت سبُحَات وجهه ما أدركه بصره من خلقه‏)‏، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى‏.‏
    فقد يشهد العبد القدر المشترك بين المصنوعات، وهو الحق الموجود فيها، الذي هو شامل لها، فيظن أنه الخالق، لمطابقته له في نوع من العموم، وإنما هو صنعه وخلقه، ثم قد يرتقي إلى حجاب من حجبه النورية أو النارية، فيظن أنه هو، ثم يرتقي إلى نوره، وما يظهر من أثر صفاته، فقد يقع بعض هؤلاء في نحو من مذهب أهل الاتحاد المطلق العام، فإن تداركهم الله برحمته فاعتصموا بحبل الله واتبعوا هدى الله، علموا أن هذا كله مخلوق لله، وأن الخالق ليس هو المخلوق، وأن جميعهم عباد لله، وربما قد يقع هذا في نوع من الفناء أو السكر، فيكون مخطئا غالطا، وإن كان ذلك مغفورا له، إذا كان بسبب غير محظور، كما ذكرنا نظيره في الاتحاد المعين‏.‏)

    و كذلك كلام ابن القيم و الشيخ سليمان و ما تقله الأخير عن الشيخ محمد و رحم الله الجميع.
    و إشكالي فيما يتعلق بالإحاطة فقط...وجزاك الله خيرا أخي الفاضل

  8. #8

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    شرح كلام الكبار مرتقآ صعب علي

    ومن ذالك نويت الهروب في أول الأمر....

  9. #9

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    لعل شيخي العزيز عبدالله الجنوبي ينظر في الرسائل الخاصة قريبا فيجد ما تطيب به نفسه إن شاء الله

    وأعتذر مقدما عن تأخري....

    محبك محب الإمام ابن تيمية

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    جزاك الله أخي الفاضل و جعله الله في ميزان حسناتك... و أحبك الله الذي أحببتني فيه.
    و أسأل الله أن يكون في عونك كما كنت أنت في عوني
    أخوك و محبك عبدالله الجنوبي

  11. #11

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    أخي الحديث قال عنه العلامة الالباني منكر

  12. #12

    افتراضي رد: هل يصح هذا الخبر: " ان كرسيه تعالى وسع السماوات والارض، وانه ليقعد عليه محمدًا"..

    أخي العزيز وشيخي الفاضل
    عبدالله الجنوبي

    أرجو منكم التكرم بالنظر في الرسائل الخاصة

    مع فائق التقدير وخالص الدعاء..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •