الفرص تعوض


استقرًّ في أذهاننا كلماتٌ ومبادئ لا ندري ماهيتها الساحرة التي جعلتنا نؤمن بها على أنها حقائق لا تقبل التغيير مع أنّها وهمٌ تكذِّبه حقائق الأيام.

من ذلك مثلاً قولنا: احرص على الفرصة التي تأتيك؛ لأنَّ الفرص إذا فاتت لا تُعوَّض.

مع أن خالق البشرية وموجدَها بيّن لعبيده أنَّ فرص العلاقة بينه وبينهم لا تفوت بمعصيةٍ وضياعِ فرصةِ طاعة، بل هي باقيٌة ما بقي الروح يتردَّد في حنايا أجسادهم.

ولهذا فإن الإنسان الذي يعيش مع هذه المقولة لا يستقر له حال ولا يهنأ بحياةٍ؛ لأنّ فرصًا كثيرة تأتيه تَتْرَى مع تعاقب الأيام، ومعَ كلِّ فرصةٍ تأتيه يحيا حياةَ القلق والخوف من أنّ هذه الفرصة إذا فاتته فلن تأتيه مرةً أخرى؛ ولهذا يغطِّي بهذه الفكرة كلَّ منافذ الأمل وكلَّ منافذ الفرح.. يغطيها بغطاء الفوت والضياع إلى لا رجعة ومع كلِّ فرصةٍ تأتيه تراهُ يعزف عن السعادة ويركنُ إلى زاوية القلق من فواتها.

اترك أيها الإنسان وارْمِ خلفَ ظهرِك كلَّ بابٍ يُغلق مع رغبتك في فتحه واعلمْ أنَّ بابًا أوسع ينتظرك... تذكَّر أيُّها الإنسان أنَّ الكون مليءٌ بغيرك من بشرٍ عاشوا وذهبوا ويعيشون وينتظرون الرحيل ومع هذا فإنَّ هذا الكون اتّسعَ لهم جميعًا وكلٌّ منهم له طموحُهُ وكلٌّ منهم أتته فرصٌ وذهبتْ وبعد سنين على مرورها صارَ يضحك من نفسه وهو يستحضرُ تلك الحالة التي عاشها مع فرصة ظنها فتحًا؛ وإذ بها لا تستحقُّ أن تُروى بأكثرَ من دقائق.

عش وأنت ترى أنّ هذا الكونَ كلُّ دقيقةٍ فيه تمثِّل فرصةً إن فاتت دقيقةٌ فالدقيقة التي تليها تحمل على أجنحة ثوانيها ما يمكن أن يمثِّل لك تحليقًا في آفاقٍ كانت الدقيقة التي قبلها لا تسمحُ لك بتخيلها ليكنْ نظرُك إلى الأمام دائمًا ولا تسمحْ له أن يُخفِض من نفسه إلى أسفل؛ لأن مكانك عالٍ فأنت المكرّم وأنت المسخَّرُ لك كونٌ عظيم، فلا تجعلْ هذه المساحة التي لا تُّحدُّ محصورةً بفرصةٍ يحدُّها زمانٌ ومكان كن سابقًا للزمان محلِّقاً بأجنحةِ الأمل فوق المكان.


هكذا كن وهكذا عِش، ولن يُوصَدَ بوجهك بابٌ، إلا وترى أبوابًا سواه تُفتح مستأذنةً إياك بالولوج منها.
______________________________ ___________________
الكاتب:د. محمد خالد الفجر