تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
    قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها :
    ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت :
    يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ،
    أصلح لي شأني كله ،
    ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
    قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/313) : إسناده صحيح . و في "السلسلة الصحيحة" (رقم/227) : إسناده حسن .
    ***
    هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين ،
    وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته ،
    فهو سبحانه الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ،
    والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل ،
    كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء ، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته .
    ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال ،
    فيقول : أصلح لي شأني كله أي : جميع أمري : في بيتي ، وأهلي ، وجيراني ، وأصحابي ، وعملي ،
    ، وفي نفسي ، وقلبي ، وصحتي...في كل شيء يتعلق بي ،
    اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي .
    وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ،
    ولذلك جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه ، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل ،
    فيقول : ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين :
    أي لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة ، بل أصحبني العافية دائما ،
    وأعني بقوتك وقدرتك ،
    فإن من توكل على الله كفاه ، ومن استعان بالله أعانه ، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين .
    يقول ابن القيم رحمه الله :
    " مِن ههنا خذل مَن خُذل ، ووُفِّقَ مَن وُفق ، فحجب المخذول عن حقيقته ، ونسي نفسه ، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه ، فطغى وعتا ، فحقت عليه الشقوة ،
    قال تعالى :
    كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى
    وقال : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى

    فأكمل الخلق أكملهم عبودية ، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه ،
    وعدم استغنائه عنه طرفة عين .
    ولهذا كان من دعائه :
    أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك ،
    وكان يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .
    يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل ، لا يملك منه شيئا ،
    وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء ،
    كيف وهو يتلو قوله تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
    فضرورته إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به ، وحسب قربه منه ، ومنزلته عنده " انتهى.
    "طريق الهجرتين" (25-26) .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين

    قال ابن القيم رحمه الله
    ولهذا كان** الصوابُ في مسألة علَّة احتياج العالم إلى الرب تعالى غيرَ القولين اللذين يذكرهما الفلاسفة والمتكلمون،
    فإنَّ الفلاسفة قالوا:
    علَّة الحاجة الإمكان،
    والمتكلمون قالوا: علَّة الحاجة الحدوث.
    والصواب أنَّ الإمكان والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار.
    وفقرُ العالم إلى اللَّه عزَّ وجلَّ أمرٌ ذاتي لا يعلَّل،
    فهو فقيرٌ بذاته إلى ربِّه الغني بذاته.
    ثمَّ يستدل بإمكانه وحدوثه وغير ذلك من الأدلَّة على هذا الفقر.

    والمقصود
    أنَّه سبحانه أخبرَ عن حقيقة العباد وذواتهم بأنَّها فقيرة إليه عزَّ وجلّ،
    كما أخبر عن ذاته المقدَّسة وحقيقتِه أنَّه غنيٌّ حميد.
    فالفقرُ المطلقُ من كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذواتهم وحقائقهم من حيث هي،
    والغنى المطلق من كل وجهٍ ثابتٌ لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي.
    فيستحيل أن يكون العبدُ إلا فقيرًا، ويستحيل أن يكون الربُّ تعالى إلا غنيًّا،
    كما أنَّهُ يستحيل أن يكون العبدُ إلا عبدًا والربُّ إلا ربًّا.
    إذا عُرِف هذا،
    فالفقرُ فقران:

    فقرُ اضطرارٍ، وهو فقرٌ عامٌّ لا خروج لِبَرٍّ ولا فاجر عنه. وهذا الفقر لا يقتضي مدحًا ولا ذمًّا ولا ثوابًا ولا عقابًا، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقًا ومصنوعًا.

    والفقر الثاني: فقرٌ اختياريٌ
    هو نتيجة علمين شريفين:
    أحدهما: معرفة العبد بربه،
    والثاني: معرفته بنفسه؛
    فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجا له فقرًا هو عينُ غناه وعنوانُ فلاحه وسعادته.

    وتفاوتُ النَّاسِ في هذا الفقرِ بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين،
    فمن عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامَّة
    عرف نفسه بالعجز التام،
    ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربه بالعلم التام والحكمة
    عرف نفسه بالجهل.

    فاللَّه تعالى أخرج العبد من بطن أُمه لا يعلم شيئًا، ولا يقدر على شيءٍ، ولا يملك شيئًا، ولا يقدر على عطاءٍ ولا منع، ولا ضر ولا نفع ولا شيء البتة؛
    فكان فقره في تلك الحال إلى ما به كمالُه أمرًا مشهودًا محسوسًا لكلِّ أحد،
    ومعلوم أنَّ هذا له من لوازم ذاته،
    وما بالذات دائم بدوامها، وهو لم ينتقل من هذه الرتبة إلى رتبة الربوبية والغنى، بل لم يزل عبدًا فقيرًا بذاته إلى بارئه وفاطره.

    فلمَّا أسبغ عليه نعمته،
    وأفاض عليه رحمته،
    وساق إليه أسباب كمال وجوده ظاهرًا وباطنًا،
    وخلع عليه ملابس إنعامه،
    وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وعلَّمه، وأقدره، وحرَّكه، وصرَّفه،
    ومكَّنه من استخدام بني جنسه، وسخَّر له الخيل والإبل،
    وسلَّطه على دواب الماءِ، واستنزال الطير من الهواء، وقهرِ الوحوش العادية،
    وحفر الأنهار، وغرس الأشجارِ، وشقِّ الأرض، وتعلية البناءِ،
    والتحيّل على جميع مصالحه، والتحرز والتحفظ ممَّا يؤذيه
    = ظن المسكينُ أنَّ له نصيبًا من الملك، وادَّعى لنفسه ملكةً مع اللَّه، ورأى نفسه بغير تلك العين الأولى،
    ونسي ما كان فيه من حالة الإعدام والفقر والحاجة،
    حتَّى كأنَّه لم يكن هو ذلك الفقير المحتاج المضطر،
    بل كان ذلك شخصًا آخر غيرَه؛ كما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث بُسْر بن جِحَاش القرشي
    أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصق يومًا في كفِّه فوضع عليها إصبعه
    ثمَّ قال: "قال اللَّه عزَّ وجلّ: بُنَيَّ آدم، أنَّى تعجزني! وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بُردين، وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعتَ، حتى إذا بلغتِ التراقي قلتَ: أتصدّق، وأنَّى أوانُ الصدقة! ".

    ومن ههنا خُذِلَ مَن خُذِلَ ووُفِّقَ مَنْ وُفِّقَ، فحُجب المخذول عن حقيقته وأُنسيَ نفسه، فنسي فقره وحاجته وضرورَته إلى ربه، فطغى وبغى وعتا، فحقّت عليه الشقوة.
    طريق الهجرتين وباب السعادتين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •