تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الايضاح والتبيين للفرق بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الايضاح والتبيين للفرق بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر

    الفرق بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر،
    ومناط الإعذار في ذلك.

    أولاً ـ التقية بكتمان الدين:
    الأصل في المسلم القيام بدينه وإظهاره وعدم الاختفاء به، وهذا واجب عليه. لكنه قد يعيش في مجتمع لا يستطيع فيه ذلك، وإلاّ أوذي وفتن عن دينه، وهنا تجب عليه الهجرة إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.
    وهذا الوجوب هو مناط إيجاب الهجرة على من فتن في دينه ولم يستطع إظهاره. ، فمتى تحقق الأمن للمسلم واستطاع إظهار دينه وموالاة المسلمين والبراءة من الكافرين لم تكن الهجرة واجبة عليه.
    لكن ليس كل أحد يفتن في دينه يستطيع الهجرة فما الحكم؟
    إن الواجب على المسلم أن يظهر دينه بقدر استطاعته، فإن خاف الفتنة ولم يستطع الهجرة جاز له كتمان دينه وعدم إظهاره لئلا يفتن.
    لكن مع الاستمساك به في الخفاء، وعدم مشايعة الكفار على كفرهم،
    بل ولا على معاصيهم ابتداءً من غير إكراه يبيح ذلك.
    ومن هذا يعلم أن إنكار من كان حاله كذلك لا يمكن في الظاهر باليد ولا باللسان،
    فيكفيه حينئذ الإنكار بالقلب الذي هو كره الكفر وأهله، وعدم الرضى عنهم وعن كفرهم،
    لأنه لا يمكنه إلاّ ذلك.
    وهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
    وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ((فإن لم يستطع فبقلبه))
    يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: (معناه فليكره بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير، لكنه هو الذي في وسعه… وفي هذا الحديث دليل أن من خاف من القتل أو الضرب سقط عنه التغيير، وهو مذهب المحققين سلفاً وخلفاً
    ،
    وأما من استطاع إنكار المنكر في الظاهر فلم يفعل فإنه يأثم لتركه الواجب عليه في ذلك.
    لكنه لا يكفر بمجرد عدم إنكاره مع قدرته حتى يتحقق منه ما يستوجب الكفر في الظاهر من قول أو فعل.

    ـ التقية بإظهار الكفر:
    لا يجوز بحال إظهار الكفر ابتداء من غير إكراه بدعوى التقية، بل لا يجوز ذلك بما هو معصية.
    ولهذا لما فعل حاطب بن أبى بلتعة رضي الله عنه ما فعل، من مكاتبة كفار قريش بخبر مسير الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه لفتح مكة لم يعذره الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعض الصحابة كعمر رضي الله عنه قال: إنه قد نافق.
    لكن الرسول صلى الله عليه وسلم تبين حاله، لاحتمال أن يكون فعله كفراً وردة عن الإسلام، أو أن يكون معصية لا تخرجه من الملة.
    فلما تبين للرسول صلى الله عليه وسلم حاله، وأنه إنما كاتب قريشاً مصانعة ومداهنة لهم، وتقية لأجل حفظ ماله وأهله بمكة
    ، لا مظاهرة للمشركين ولا موالاة لهم على دينهم لم يكفره، وكانت تلك المعصية منه مغفورة بحسنته العظمى يوم بدر. فإذا كان هذا في معصية ولم يعذر حاطب رضي الله عنه، بل كان آثماً بذلك فكيف بالكفر ؟.
    فالتظاهر بكفر أو معصية من دون عذر يبيح ذلك يوجب المؤاخذة بحسب ما تحقق في الظاهر من كفر أو معصية.
    وهذا الاشتراط في التقية هو حقيقة الفرق بين منهج أهل السنة في التقية
    ومنهج الشيعة في ذلك فإن التقية عندهم هي الأصل، فتباح من دون إكراه موجب، بل لمجرد احتمال الضرر ولو لم يتحقق فعلا وهذا في الحقيقة نفاق وليس من التقية في شيء.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان هذه المسألة (التقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ولكن أفعل ما أقدر عليه كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
    فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، لكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه. مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون. وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله إلا لمن أكره، بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر، والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره. والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين، لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان)
    ومن هنا نعلم الفرق بين المناط في الإعذار بكتمان الدين، وأنه العجز عن إظهاره ولو لم يكن إكراه. وأما إظهار الكفر والمعصية فلابد
    لإباحة التقية فيه الإكراه.

    وذلك لأن القيام بتحقيق المطلوب مشروط بالاستطاعة، وأما ترك المنهي فالأصل فيه الترك، وليس مما تشترط فيه الاستطاعة، وإنما يكون اشتراط الاستطاعة عند الإكراه على المخالفة بفعل المنهي عنه.
    ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((.. وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))
    فعمم الأمر بالامتناع عن كل منهي عنه، وقيد فعل المأمور بالاستطاعة.
    وعلى هذا الأصل أعني اشتراط الإكراه في التظاهر بالكفر
    أدلة كثيرة،
    منها وهو أوضحها وأظهرها قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
    فلم يعذر الله أحداً في الكفر الظاهر بغير الإكراه. فمن تظاهر بالكفر ولم يكن مكرها فإنه لا يكون إلا كافراً، لانشراح صدره بالكفر، لتلازم الظاهر والباطن.
    فلا عذر لأحد في ذلك بغير الإكراه مطلقا، سواء كان كفره محبة لوطنه أو لأهله وعشيرته أو توقعه أذى الكفار ونحو ذلك.
    يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بيان دلالة
    هذه الآية على هذا الأصل: (لم يعذر الله… إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره. فالآية تدل على هذا من وجهين:
    الأول: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل،
    وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد.

    والثانى:
    قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ [النحل:107], فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو جهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين) .
    ولهذا فإنه لما كان بمكة قوم قد نطقوا بالشهادتين، لكنهم ظاهروا المشركين من غير إكراه، لم يعذرهم الله تعالى، بل حكم بنفاقهم وكفرهم، وبين ذلك للمسلمين فقال تعالى: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [النساء: 88-89].

    يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: (قال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس. وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت طائفة: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله أو كما قالوا، أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحل دماءهم وأموالهم، عن شيء فنزلت: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [ النساء: 88]. رواه ابن أبي حاتم، وقد روى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا)
    فهؤلاء لما ظاهروا المشركين ووالوهم على دينهم لم ينفعهم ما تظاهروا به من الإسلام لأن ما فعلوه لم يكن تقية أكرهوا عليها، وإنما كان اختيارا منهم لذلك، فلم يكن لهم عذر، وعلى هذا الأصل تفهم آية التقية، وهي قول الله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ.
    فمعنى الآية هو:
    أن مظاهرة المشركين وموالاتهم على دينهم كفر مطلقا،
    سواء كان ذلك بقول أو فعل إلا أن يكون ذلك تقية. والتقية في ذلك لا تكون بمجرد الخوف وتوقع الضرر، وإنما تكون بحصول الإكراه حقيقة.
    فهنا فرق بين التقية بكتمان الدين، والذي يكفي في الإعذار فيه مجرد خوف الضرر،
    لكن إظهار الكفر لابد فيه من تحقق الإكراه، لا مجرد الخوف والتوقع.
    ولهذا نهى الله تعالى عن موالاة أهل الكتاب، وبين أن موالاتهم ولو مع الخوف كفر، فقال تعالى:
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52]

    فلم يجعل الله مجرد الخشية من أن تكون الدائرة والغلبة للكافرين عذرا في موالاتهم، بل جعل من تولاهم معتذرا بذلك منهم، ثم بين أنه لا يفعل ذلك إلا من كان في قلبه مرض النفاق.
    ومثل هؤلاء في عصرنا من يحكمون القوانين الوضعية، ويرفضون الحكم بالشريعة، ويعتذرون بالخوف من الكافرين لو التزموا بالشريعة، ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، ويسوفون في أمر تحكيم الشريعة، ولا يفرقون بين تحكيم الشريعة والعجز عن تطبيق بعض أحكامها.
    والحقيقة أن ذلك لا يدخل في حكم الإكراه، بل ولا في أحكام الضرورة، فإنه لا مانع ابتداء من إعلان تحكيم الشريعة إلا الخوف وموالاة الكافرين. وإنما يكون المانع عند تطبيق بعض ما يتعلق بتنفيذ الحكم بالشريعة على التفصيل بعد إقرارها ابتداء، بحيث تكون هي أصل التشريع،
    وهذا مما يدخل تحت قاعدة التكليف على قدر الاستطاعة. فمن عجز عن تطبيق بعض أحكام الشريعة بعد التسليم لها ورفض ما سواها من القوانين الجاهلية كان معذوراً. ولابد من التفريق بين هاتين الحالتين.
    ومما يدل على أن موالاة الكافرين خوفاً منهم أو مشحة بالوطن كفر ما لم يكن ذلك عن إكراه، ما ذكره الله عن نبيه شعيب عليه السلام، وتهديد قومه له بإخراجه من أرضهم إن لم يعد في ملتهم، ويوافقهم على ما هم عليه.
    ولكن نبي الله شعيبا عليه السلام قال كما حكى الله عنه:
    قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين للفرق بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر

    الفرق بين حكم كتمان الدين فى الباطن وبين حكمه فى الظاهر
    يقول شيخ الاسلام بن تيميه رحمه الله-

    قال تعالى
    وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. .
    وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي ولا العمل بشرائع الإسلام.
    لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم.

    ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي بمنزلة من يؤمن بالنبي في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة
    بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه
    كما قال تعالى. {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}.

    فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار
    وهو في
    الباطن مؤمن
    كما كان مؤمن آل فرعون.

    قال تعالى. {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ
    فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب
    وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه
    وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره
    فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر
    وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب
    وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء
    قال الله قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
    وامرأة الرجل من آله بدليل قوله: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}.
    وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم
    وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد
    يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا

    و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} وهو عاجز عن الهجرة إلى دارالإسلام كعجز النجاشي وكما أن الذين يظهرون الإسلام فيهم من هم في الظاهر مسلمون
    وفيهم من هو
    منافق كافر في الباطن أما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما معطل.

    كذلك في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم
    ومن هو في الباطن من أهل الإيمان بمحمد
    يفعل ما يقدر على علمه وعمله
    ويسقط ما يعجز عنه في ذلك
    الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح[-ص-385]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين للفرق بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر

    يقول الشيخ سليمان بن سحمان فى كشف الاوهام-
    قد تقدم عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه
    أن أحد الأقسام الأربعة التي قد اشتملت عليها الوجود
    هو القسم الرابع

    وهم الذين عنى الله بقوله
    ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهمهم
    من كان
    كافرا ظاهرا مؤمنا باطنا
    فهؤلاء كانوا
    يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره
    فهم في
    الظاهر لهم حكم الكفار
    وعلى زعم هذا الجاهل أنه إذا كانت مكة المشرفة قد قسمها الله ثلاثة أقسام
    فلا تكون مع هذا التقسيم بلاد كفر وحرب إذ ذاك وإلا فما وجه الاستدلال بهذا التقسيم حينئذ
    وإذا كان ذلك كذلك فحكم بلد دبي وأبي ظبي حكم مكة ولا شك أن فيها مسلمين ظالمين لأنفسهم ومستضعفين عاجزين
    وكل بلد من بلاد الكفر فيها نوع من هؤلاء يكون حكمها كذلك عند هذا المتنطع المتمعلم سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه
    كيف لعب الشيطان بعقول هؤلاء حتى قلبوا الحقائق عليهم نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن
    وأما حكم العاصي الظالم القادر على الهجرة الذي لا يقدر على إظهار دينه
    فهو على ما ظهر من حاله
    فإن كان ظاهره مع أهل بلده فحكمه حكمهم في الظاهر وإن كان مسلما يخفي إسلامه ل
    ما روى البخاري في صحيحه من حديث موسى بن عقبة قال ابن شهاب حدثنا أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار قالوا يا رسول الله ائذن لنا فنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا والله لا تذرون منه درهما
    وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة سماهم قالوا بعث قريش في فدى أسراهم ففدى في كل قوم أسيرهم بما رضوا

    وقال العباس يا رسول الله قد كنت مسلما
    فقال رسول الله أعلم بإسلامك فإن يكون كما يقول فإن الله يجزيك به
    وأما ظاهرك فقد كان علينا
    فافتد نفسك وابنى أخيك وأخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
    وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وخليفك عتبة بن عمر وأخي بني الحارث بن فهر
    قال
    ما ذاك عندي يا رسول الله
    فقال فأين المال الذين دفنته أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم

    قال والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله
    هذا لشيء ما علمه غيري وغير أم الفضل
    فأحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله لا ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه
    الحديث
    فاستحل رسول الله فداءه والمال الذي كان معه
    لأن ظاهره كان مع الكفار
    بقعوده عندهم وخروجه معهم
    ومن كان مع الكفار فله حكمهم في الظاهر

    [كشف الاوهام-للشيخ سليمان بن سحمان]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •