حديث الأولياء (1)
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ *تَرَدُّدِي *عَنْ *نَفْسِ *الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (رواه البخاري).
وفي حديث عائشة عند أحمد في الزهد، وكذا البيهقي في الزهد: "وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به"، وفي حديث أنس: "ومَن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا، ويدًا، ومؤيدًا" أخرجه البغوي في شرح السنة.
- هذا الحديث مما استُشكل إسناده؛ قال ابن عدي: "هذا حديث غريب جدًّا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد؛ فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد، ولا خرَّجه مَن عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله رادًّا قوله: "ليس هو في مسند أحمد جزمًا، وإطلاق أنه لم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضًا، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدَّم وأخَّر، وتفرَّد فيه بأشياء لم يتابع عليها، كما يأتي القول فيه مستوعبًا في مكانه، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلًا" (فتح الباري)، ثم ذكر الحافظ ابن حجر هذه الطرق.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أصح حديث روي في صفة الأولياء" (مجموع الفتاوى).
فوائد الحديث:
هذا الحديث الشريف فيه فوائد جليلة، منها:
1- بيَّن الله تعالى فيه صفة الولي الذي يتولاه بالحب والنصرة، والكلأ والحماية، والتوفيق والتسديد في جوارحه وأمره كله، وبيَّن الطريق إلى الولاية، ودرجات المتقربين، وبيَّن جزاءهم العظيم عنده؛ قال الطوفي: "هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه؛ إذ المفترضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي الإسلام، والمركَّب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل، والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها" (فتح الباري).
أما تعريف الولي؛ فقد قال الله تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون"، فكل مَن آمن بالله واتقاه؛ فهو ولي من أوليائه؛ يتولاه الله بحفظه ورعايته، وقال الله تعالى "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون"، قال الطبري رحمه الله: "أي: ولم يكونوا أولياء الله، (إن أولياؤه إلا المتقون) أي: ما أولياء الله إلا المتقون الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي: لا يعلمون أن أولياء الله المتقون؛ بل يحسبون أنهم أولياء الله".
وقال الله تعالى: "إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"، وهو العبد الموافق المتابع لله تعالى في مراضيه ومساخطه؛ فيحب ما يحبه، ويُبغض ما يبغضه؛ فيحب في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، ويعطي لله، ويمنع لله.
قال ابن حجر رحمه الله: "الولي هو العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته".
- وفي هذا بيان واضح، وردٌّ بليغ على الطرقية من الصوفية الذين جعلوا الولاية قاصرة على مَن يتولونه، فجعلوا له ضريحًا وعيدًا، ويتخذونه واسطة بينهم وبين الله تعالى، كما اتخذ المشركون الأصنام وسطاء وشفعاء، فقالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى".
2- وهذا الولي الصالح أوجب الله محبته وموالاته، قال الله تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"، وقال الله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".
وحرَّم أذيته في دمه أو ماله أو عرضه، قال الله تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه".
وزاد في موالاته لعبده المؤمن أن حارب مَن عاداه لأجل تدينه، ونصرته له؛ فقال في هذا الحديث: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" أي: أعلمته أني محارب له.
قال الكرماني: "ويؤخذ منه: أن لا يُحكم لإنسان آذى وليًّا، ثم لم يُعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله؛ فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه؛ كالمصيبة في الدِّين مثلًا".
3- أن الله بيَّن في هذا الحديث طريق الولاية الشرعية، وهو: محبته سبحانه وتعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والطاعة لهما، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هذا هو الطريق الموصل إلى الله تعالى لا طريق غيره، قال الله تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا"، والعمل الصالح هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، "ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا" أي: يُخلص لله تعالى في عمله لا يريد سمعة ولا رياء.
وقال الله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"، فالصراط الموصل إلى الله تعالى واحد، وهو الإيمان به وطاعته، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا حسيًّا ليقرِّب المعنى إلى الأذهان، فقد رسم خطًّا مستقيمًا، ورسم عن يمينه وشماله خطوطًا قصارًا معوجة، ثم قال عن الخط المستقيم :"هذا صراط الله مستقيمًا"، وأشار إلى الخطوط القصار ثم قال: "وهذا سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها" ثم تلا الآية.
فبيَّن ذلك أن الطريق إلى الله تعالى هو طريق واحد؛ طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به واتباعه، قال الجنيد رضي الله عنه: "كل الطرق مسدودة عن الله إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم".
4- وفيه: أن الأصل في العبادة المنع والحظر حتى يدل عليها دليل.
5- وفيه: الحذر من البدع في الدِّين، وهذا كله بطريق التضمن، "وما تقرب إليَّ عبدي بشي أحب إليَّ مما افترضته عليه".
6- التقرب إلى الله تعالى درجات:
الدرجة الأولى: درجة المقربين، وهم الذين يتقربون إلى الله تعالى بالفرائض واجتناب النواهي، ويتقربون بالنوافل والمستحبات، والدرجة الثانية: درجة الأبرار أصحاب اليمين، وهم الذين يتقربون لله بالفرائض واجتناب المحارم.
7- أفضل العبادة التي يتقرب بها العبد لله تعالى هو أداء الفرائض واجتناب المحارم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وصدق النية فيما عند الله تعالى"، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم"، وقال أيضًا: "ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق خيرًا؛ فهو خير إلى خير".
قال الكرماني: "ويدخل في قوله: "افترضت عليه" الفرائض الظاهرة فعلًا: كالصلاة والزكاة، وغيرهما من العبادات، وتركًا: كالزنا والقتل، وغيرهما من المحرمات، والباطنة: كالعلم بالله، والحب له والتوكل عليه، والخوف منه، وغير ذلك، وهي تنقسم أيضًا إلى أفعال وتروك".
وللحديث بقية إن شاء الله.