تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حديث الأولياء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,542

    افتراضي حديث الأولياء



    حديث الأولياء (1)









    كتبه/ عصام حسنين

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ *تَرَدُّدِي *عَنْ *نَفْسِ *الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (رواه البخاري).

    وفي حديث عائشة عند أحمد في الزهد، وكذا البيهقي في الزهد: "وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به"، وفي حديث أنس: "ومَن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا، ويدًا، ومؤيدًا" أخرجه البغوي في شرح السنة.

    - هذا الحديث مما استُشكل إسناده؛ قال ابن عدي: "هذا حديث غريب جدًّا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد؛ فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد، ولا خرَّجه مَن عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد".

    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله رادًّا قوله: "ليس هو في مسند أحمد جزمًا، وإطلاق أنه لم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضًا، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدَّم وأخَّر، وتفرَّد فيه بأشياء لم يتابع عليها، كما يأتي القول فيه مستوعبًا في مكانه، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلًا" (فتح الباري)، ثم ذكر الحافظ ابن حجر هذه الطرق.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أصح حديث روي في صفة الأولياء" (مجموع الفتاوى).

    فوائد الحديث:

    هذا الحديث الشريف فيه فوائد جليلة، منها:

    1- بيَّن الله تعالى فيه صفة الولي الذي يتولاه بالحب والنصرة، والكلأ والحماية، والتوفيق والتسديد في جوارحه وأمره كله، وبيَّن الطريق إلى الولاية، ودرجات المتقربين، وبيَّن جزاءهم العظيم عنده؛ قال الطوفي: "هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه؛ إذ المفترضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي الإسلام، والمركَّب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل، والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها" (فتح الباري).

    أما تعريف الولي؛ فقد قال الله تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون"، فكل مَن آمن بالله واتقاه؛ فهو ولي من أوليائه؛ يتولاه الله بحفظه ورعايته، وقال الله تعالى "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون"، قال الطبري رحمه الله: "أي: ولم يكونوا أولياء الله، (إن أولياؤه إلا المتقون) أي: ما أولياء الله إلا المتقون الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي: لا يعلمون أن أولياء الله المتقون؛ بل يحسبون أنهم أولياء الله".

    وقال الله تعالى: "إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"، وهو العبد الموافق المتابع لله تعالى في مراضيه ومساخطه؛ فيحب ما يحبه، ويُبغض ما يبغضه؛ فيحب في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، ويعطي لله، ويمنع لله.

    قال ابن حجر رحمه الله: "الولي هو العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته".

    - وفي هذا بيان واضح، وردٌّ بليغ على الطرقية من الصوفية الذين جعلوا الولاية قاصرة على مَن يتولونه، فجعلوا له ضريحًا وعيدًا، ويتخذونه واسطة بينهم وبين الله تعالى، كما اتخذ المشركون الأصنام وسطاء وشفعاء، فقالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى".

    2- وهذا الولي الصالح أوجب الله محبته وموالاته، قال الله تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"، وقال الله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".

    وحرَّم أذيته في دمه أو ماله أو عرضه، قال الله تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه".

    وزاد في موالاته لعبده المؤمن أن حارب مَن عاداه لأجل تدينه، ونصرته له؛ فقال في هذا الحديث: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" أي: أعلمته أني محارب له.

    قال الكرماني: "ويؤخذ منه: أن لا يُحكم لإنسان آذى وليًّا، ثم لم يُعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله؛ فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه؛ كالمصيبة في الدِّين مثلًا".

    3- أن الله بيَّن في هذا الحديث طريق الولاية الشرعية، وهو: محبته سبحانه وتعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والطاعة لهما، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هذا هو الطريق الموصل إلى الله تعالى لا طريق غيره، قال الله تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا"، والعمل الصالح هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، "ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا" أي: يُخلص لله تعالى في عمله لا يريد سمعة ولا رياء.

    وقال الله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"، فالصراط الموصل إلى الله تعالى واحد، وهو الإيمان به وطاعته، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا حسيًّا ليقرِّب المعنى إلى الأذهان، فقد رسم خطًّا مستقيمًا، ورسم عن يمينه وشماله خطوطًا قصارًا معوجة، ثم قال عن الخط المستقيم :"هذا صراط الله مستقيمًا"، وأشار إلى الخطوط القصار ثم قال: "وهذا سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها" ثم تلا الآية.

    فبيَّن ذلك أن الطريق إلى الله تعالى هو طريق واحد؛ طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به واتباعه، قال الجنيد رضي الله عنه: "كل الطرق مسدودة عن الله إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم".

    4- وفيه: أن الأصل في العبادة المنع والحظر حتى يدل عليها دليل.

    5- وفيه: الحذر من البدع في الدِّين، وهذا كله بطريق التضمن، "وما تقرب إليَّ عبدي بشي أحب إليَّ مما افترضته عليه".

    6- التقرب إلى الله تعالى درجات:

    الدرجة الأولى: درجة المقربين، وهم الذين يتقربون إلى الله تعالى بالفرائض واجتناب النواهي، ويتقربون بالنوافل والمستحبات، والدرجة الثانية: درجة الأبرار أصحاب اليمين، وهم الذين يتقربون لله بالفرائض واجتناب المحارم.

    7- أفضل العبادة التي يتقرب بها العبد لله تعالى هو أداء الفرائض واجتناب المحارم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وصدق النية فيما عند الله تعالى"، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم"، وقال أيضًا: "ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق خيرًا؛ فهو خير إلى خير".


    قال الكرماني: "ويدخل في قوله: "افترضت عليه" الفرائض الظاهرة فعلًا: كالصلاة والزكاة، وغيرهما من العبادات، وتركًا: كالزنا والقتل، وغيرهما من المحرمات، والباطنة: كالعلم بالله، والحب له والتوكل عليه، والخوف منه، وغير ذلك، وهي تنقسم أيضًا إلى أفعال وتروك".

    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,542

    افتراضي رد: حديث الأولياء

    حديث الأولياء (3)









    كتبه/ عصام حسنين

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زلنا مع فوائد حديث: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ *تَرَدُّدِي *عَنْ *نَفْسِ *الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ".

    ومِن هذه الفوائد:

    8- الشأن العظيم أن يحبك الله تعالى؛ فإنه إذا أحبك أحبك كل شيء؛ فيحبك أهل السماء، ويجعل لك وُدًّا في قلوب المؤمنين، ويجعل لك قبولًا بين الناس، والطريق إلى ذلك بعد التقرب إليه سبحانه وتعالى بالفرائض واجتناب المحارم هو التقرب إليه بنوافل الفرائض مِن: صلاة وصيام، وصدقة، وحج وعمرة، وغيرها، قال ابن حجر رحمه الله: "ويستفاد منه: أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال والأفعال".

    9- وإذا فعل العبد ذلك؛ جازاه الله تعالى أعظم الجزاء بأن جعله في معيته الخاصة التي لازمها التوفيق والتسديد، والرعاية، والحفظ والصيانة؛ فقوله: "كنت سمعه الذي يسمع به": الباء هنا بمعنى التوفيق والتسديد، فيوفقه في سمعه وبصره، ويده ورجله، وفؤاده ولسانه؛ فلا يستخدمهم إلا في مراضي الله، واجتناب معصيته.

    فيوفقه في سمعه وبصره، فلا يسمع ولا يبصر بهما إلا ما أحله الله تعالى، ويوفقه في يده، فلا يبطش بها إلا في مراضي الله، ويوفقه في رجله فلا يمشي بها إلا فيما يرضيه سبحانه وتعالى، ويوفقه في عقله وتفكيره إلى الصواب والسداد، فكم من إنسان في حيرة وضلال عن الصواب، وكم من إنسان موفق مسدد، يهديه للصواب فيما ضل فيه غيره!

    ويوفقه في لسانه فلا ينطق إلا بخير، وهذا فيه فائدة عظيمة، أن هذا التوفيق والتسديد يكون بالتقرب لله تعالى بالنوافل بعد الفرائض، فمن كان لله تعالى على ما يحبه، كان الله تعالى له على ما يحب.

    قال ابن حجر رحمه الله: "قال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله، وإلى هذا نحا الداودي، ومثله الكلاباذي. وعبَّر بقوله: "أحفظه فلا يتصرف إلا في محابي"؛ لأنه إذا أحبه كرّه له أن يتصرف فيما يكرهه منه، وفي حديث أبي أمامة: "وإذا استنصر بي نصرته"، وفي حديث أنس "نصحني فنصحت له".


    10- قال ابن حجر رحمه الله: "وقد وقع في حديث أبي أمامة المذكور: "وأحبُّ عبادةِ عبدي إليَّ النصيحة ".

    قلتُ: قد جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم الدين كله وهو العمل الذي يرضاه الله من عباده في النصيحة فقال: "الدين النصيحة"، قالها ثلاثًا. قلنا: لمن؟ قال: "لله و لكتابه، و لرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".

    قال النووي رحمه الله: "هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام... وأما ما قاله جماعات من العلماء، أنه أحد أرباع الإسلام أي: أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده".

    وقال الخطابي رحمه الله: "فمعنى النصيحة لله سبحانه: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله: الإيمان به والعمل بما فيه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه. والنصيحة لأئمة المؤمنين: أن يطيعهم في الحق، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم".


    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,542

    افتراضي رد: حديث الأولياء

    حديث الأولياء (3)


    كتبه/ عصام حسنين



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زلنا مع فوائد حديث: (إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ *تَرَدُّدِي *عَنْ *نَفْسِ *الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).

    11- قال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث عظم قدر الصلاة؛ فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها؛ وذلك لأنها محل المناجاة والقربة، ولا واسطة فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها؛ ولهذا جاء في حديث أنس رضي الله عنه المرفوع: (*وَجُعِلَتْ *قُرَّةُ *عَيْنِي *فِي *الصَّلَاةِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

    ومن كانت قرة عينه في شيء؛ فإنه يود أن لا يفارقه، ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمه، وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصَب؛ فإن السالك غرض الآفات والفتور.

    12- قال: "وفيه: أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبًا لله، لا ينقطع عن الطلب من الله؛ لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية". وهذا رد على زنادقة المتصوفة الذين يتركون الفرائض والتكاليف الشرعية؛ بزعم أنهم قد وصلوا لدرجة الولاية!

    13- وفوق هذا التوفيق والتسديد: يستجيب الله دعاءه، ويعيذه ويجيره مما استعاذ منه، (وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).

    قال ابن حجر رحمه الله: "وقد استُشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا، والجواب أن الإجابة تتنوع؛ فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه، وتارة قد تقع الإجابة، ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة، وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها"، وقال: "وفي الحديث أيضًا أن مَن أتى بما وجب عليه، وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه؛ لوجود هذا الوعد الصادق المؤكَّد بالقسم".

    14- وفوق كل هذا أنه يكره تعالى مساءته، قال شيخ الإسلام: "فبين سبحانه أنه يتردد على ما يليق بكماله؛ لأن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو -أي: العبد- يكره الموت؛ فهو يكرهه كما قال: (وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)، وهو سبحانه قد قضى بالموت؛ فهو يريد له أن يموت، فسمَّى ذلك ترددًا، ثم بيَّن أنه لا بد من وقوع ذلك. وهذا اتفاق واتحاد في المحبوب المرضي المأمور به، والمبغض المكروه المنهي عنه" (مجموع الفتاوى 10/58).


    يا له من حديث عظيم بيَّن الله تعالى لنا فيه الطريق لولايته؛ فطوبى لمَن سلكه، واستعان بالله تعالى عليه.

    نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أوليائه وأصفيائه. آمين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •