تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الحياء شعبة من الإيمان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي الحياء شعبة من الإيمان

    الحياء شعبة من الإيمان (1)









    كتبه/ حسن حسونة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فخلق الحياء من أخلاق الدين والشرع الحنيف؛ خصَّه النبي صلى الله عليه وسلم من جملة شعب الإيمان، فنص على أن الإيمان بضع وستون أو بضع سبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، ثم قال: "والحياء شعبة من الإيمان"؛ نظرًا لأهميته ومكانته؛ فهو من أبرز الأخلاق التي تنأى بالمرء عن الرذائل، وتحجزه عن السقوط في أوحال الخلاعة والمياعة.

    قال بعض الحكماء: مَن كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه.

    وقد اتفق أهل اللغة على أن الحياء تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به أو يلام عليه؛ فهو يدفع صاحبه على ترك القبيح من الأقوال والأفعال.

    وهو صفة لله جل في علاه، وقد خرج أبو داود من حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعًا: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبين"؛ فهي صفة نثبتها على قاعدة أهل السنة والجماعة: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، بلا تعطيل ولا تحريف، ومن غير تكييف، ولا تمثيل .

    والحياء خلق للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فعند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله أشد حياء من العذراء -وهي البكر التي لم تتزوج- في خدرها -أي: في سترها-، وكان يُعرَف الحياء في وجهه، كما أنه خُلُق لموسى عليه السلام؛ فقد كان حييًّا يغتسل وحده.

    وأيضًا خُلُق لبنات الرجل الصالح؛ ففي القرآن: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، قال عمر رضي الله عنه: "ليست بامرأة سلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة وقد وضعت درعها على وجهها استحياءً"، فهي مثال يحتذي ويقتدي به نساء لم تعرف للحياء بابًا؛ تركن ثوب الحياء في الكلام والفعال والثياب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    قال أبو حاتم رحمه الله: "الواجب علي العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر، والحياء يدل على العقل، كما أن عدمه دال على الجهل".

    والحياء لا يأتي إلا بالخير كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى رجلًا يعظ أخاه في الحياء، قال: "دعه فإن الحياء من الإيمان"؛ فيستحيي العبد من ربه تبارك وعز، فيراقبه ولا يجاهر بالمعاصي والأوزار، ويستحيي مَن سمع الله كلامه فلا ينطق إلا بخير، ويستحيي من رؤية الله له فهو يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء، فيستحيي العبد أن يراه مقيمًا على معصيته، ويستحيي من عبادته لغير الله ودعائه ورجائه وخوفه من غيره عز وجل، ويستحيي من تركه للصلاة وتضيعيه لحقوق الله وحقوق العباد، ويستحيي من اختبائه وتلصصه في الظلام على مواقع الرذيلة والعلاقات المحرمة مع النساء فيستشعر معية الله، "هو الذي يراك حين تقوم"، "ألم يعلم بأن الله يرى".

    ويستحيي العبد من الملائكة الموكلة به "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، "له معقبات من بين يديه ومن خلفه"، ويستحي العبد من الناس؛ لأنه مَن لم يستحي مِن الناس لا يستحيي مِن الله؛ فإنه إذا لم يبالِ المسلم والمسلمة من رؤية الناس له ولم يكترث لذلك؛ أصبح عنده إلف للمعصية، ولا مبالاة، فيموت قلبه، وتضيع مراقبته لله عز وجل.


    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الحياء شعبة من الإيمان

    الحياء شعبة من الإيمان (2)






    كتبه/ حسن حسونة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالحياء في الإسلام قسمان: جبلي فطري، فطر الله عليه الإنسان: كحياء الرجل أو المرأة من كشف العورات أمام الناس، وهو من جنس حياء آدم وزوجه لما أكلا من الشجرة المحرمة عليهما؛ إذ لما أكلا منها بدت لهما لهما عوراتهما؛ فأسرعا بالجبلة والفطرة بسترها بورق الشجر.

    ومن هذا الحياء: ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم لأشج عبد القيس: "إنّ فيك خلَّتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، أنا أتخلّق بهما، أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الّذي *جبلني *على *خلّتين يحبّهما الله ورسوله".

    والآخر المكتسب: الحياء الإيماني؛ الذي يمنع العبد من اقتراف الذنوب والآثام والأوزار؛ نظرًا لما يرى من نعم الله عليه؛ ولذلك لما دخل أبو حامد الخلقاني على الإمام أحمد بن حنبل، فقال أبو حامد وهو ينظر إلى الإمام أحمد: ماذا أقول لربي إذا ما قال لي يومًا أما استحييت تعصيني، وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني، فما قولي له لما يعاتبني ويقضيني؟! فنظر إليه الإمام وقال: أعدها بالله عليك، فكررها فدخل الإمام أحمد داره وهو يبكي ويرددها!".

    وهذا الأخير كيف نحصله ونكتسبه؟

    والجواب: عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا نستحيي والحمد لله. قال: ليس ذاك، ولكن مَن استحيا من الله حق الحياء؛ فليحفظ الرأس وما حوى -أي: مِن السمع والبصر واللسان فليحفظ هذه الجوارح عن الحرام-، وليحفظ البطن وما وعى -أي: يتجنب اكل الحرام من الربا والرشوة، وأكل السحت، وأكل أموال الناس بالباطل-، وليتذكر الموت والبلى -أي: يذكر لقاء الله، وأنه عما قليل سينقلب إلى مولاه-، ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

    إذًا هذه وسائل تحصيل الحياء المكتسب؛ حفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وترك زينة الدنيا، فتجديد الإيمان بالله يكسبك الحياء والمحافظة على الصلوات والعبادات القلبية مِن: الخوف والرجاء، والإنابة والإخبات، وغيرها، ومن ثَمَّ يكسبك الحياء الدعاء، والمداومة عليه يكسبك الحياء.


    روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال يومًا وهو يخطب: "أيها الناس، استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط إلا وأنا مقنع رأسي حياءً من الله!".

    نسأل الله أن يهدينا لصالح الأعمال والأخلاق لا يهدي لصالحها إلا هو، ويصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •