ما الذي يباح للزوج من زوجته في نهار رمضان؟

الحمد لله رب العالمين، الذي أهلَّ شهر رمضان على الأمة الإسلامية، سائلا الله تعالى أن يرزقنا صيامه وقيامه، وأن يجعلنا من المتقبَّلين، وبعد.
فإنه مع دخول شهر رمضان الكريم تكثر الأسئلة عن جملة من المسائل، ولعل من مهمات تلك المسائل، هو ما الذي يباح للزوج من زوجته، والعكس أثناء الصيام، ومن ثم كتبت هذه المادة على عجالة راجيا الله تعالى أن ينفع بها.
أولا: أجمع أهل العلم على بطلان صوم من تعمد الوطء في الفرج، حصل إنزال أم لم يحصل، أو حصل إنزال دون الفرج.
وأن للرجل أن يجامع امرأته من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ولا يضره إن طلع عليه الصبح، وهو جنب، ويلزمه الاغتسال، ويتم صومه.
ثانيا: اختلف أهل العلم فيمن جامع في نهار رمضان ناسيا، فقيل: لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقيل: عليه القضاء دون الكفارة، وهو مذهب الليث والأوزاعي، وقيل: يجب القضاء والكفارة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، والأرجح هو القول الأول، وأنه لا يجب القضاء ولا الكفارة، عملا بقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي وهو صائم أو شرب فليتم صومه إنما أطعمه الله وسقاه»، والحديث وإن ورد في الأكل والشرب، لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل، وهو أنه أضاف الفعل إلى الله تعالى: (فإنما أطعمه الله وسقاه) فقطع إضافته عن العبد لوقوعه منه من غير قصد ولا اختيار، و هذا المعنى يوجد في المُجامِع، والعلة إذا كان منصوصاً عليها كان الحكم منصوصاً عليه، ويتعمم بعمومها.
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، وهو عام يشمل الآكل والشارب والمجامع نسيانا في نهار رمضان، فلا وجه لإخراج المجامع منه.
ثالثا: وقع نظير الخلاف السابق فيمن جامع امرأته في نهار رمضان وهو مخطئ، والراجح فيه نفس ما ترجح في الناسي.
رابعا: أن الجماع في أي صوم غير صوم رمضان لا تجب به الكفارة، فلا تجب الكفارة بجماع في صوم نفل، ولا قضاء على الصحيح، إنما تجب بالجماع في نهار رمضان مع العلم بالتحريم والتَّذكُّر والعمد، فمتى جامع في نهار رمضان على هذا الوصف وجبت الكفارة، ووجب الإمساك بقيةَ اليوم لحرمته.
كما لا تجب الكفارة بغير الجماع على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ حيث كان الأصل براءة الذمة، فلا تنشغل بغير دليل من الشرع، وقد قام الدليل على وجوب الكفارة في الجماع في نهار رمضان فقط، فلا تجب بعمد إنزال دون وطء، مع فساد الصوم، ووجوب القضاء، والإثم، كما لا تجب بإنزال بتفكير ونحوه، أما الاحتلام فلا يترتب عليه أثر سوى وجوب الغسل، مع المضي في الصوم، وصحته.
خامسا: تجب الكفارة على من أفسد صومه بأكل أو شرب أوَّلا، ثم جامع، وهذا ما تقتضيه قواعد الشرع الحكيم، خلافا لمن قال: من أفسد صومه بأكل أو شرب ثم جامع فلا كفارة عليه للجماع!! فهذا كلام ينقطع له العجب! إذ يذهب كلُّ مسلم أراد أن يجامع أهله في نهار رمضان ولا تلزمه الكفارة إلى أن يفسد صومه بأكل أو شرب ثم يجامع، مع ما في هذا من التقوية بالأكل على الجماع!! لذا أنكر شيخ الإسلام هذا القول وشدَّد في الإنكار عليه.
كما أن حدوث السفر أو المرض أو الإغماء أو الرِّدَّة بعد الجماع لا يبطل تلك الكفارة؛ حيث وجدت تلك الأشياء بعد حصول موجِب الكفارة.
وتتعدد الكفارة بتعدُّد الجماع في أكثر من يوم، فمن جامع في يومين لزمته كفارتان، سواء كان كفَّر عن الأول أم لم يكفِّر؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، بخلاف من جامع مرتين في يوم واحد، فإن كان كفَّر عن الجماع الأول لزمته كفارة ثانية للجماع الثاني، ومن لم يكن كفَّر لم يلزمه غير واحدة.
والكفارة الواجبة عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فمن عجز عنها سقطت عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يطعم أهله، ولم يأمره بكفارة أخرى، ولا بيَّن له بقاءَها في ذمته، وهو مذهب الحنابلة، ومقابل الأظهر عند الشافعية، وتبقى في ذمته عند الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر، وهي رواية عن الإمام أحمد.
ودليل وجوب الكفارة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك. قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم به ستين مسكيناً ؟ قال: لا. قال: ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق تمر. فقال: تصدق بهذا . قال: أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب، فأطعمه أهلك.
سادسا: تقبيل الصائم لزوجته:
اختلف أهل العلم في تقبيل الصائم لزوجته على أقوال، فمنهم من يمنعها مطلقا، ومنهم من يرى استحبابها، وكونها قربة، ومنهم من يفرِّق فيها بين الشَّاب والكبير، ومنهم يقول بالجواز بشرط أن يملك الزوج شهوته، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي دلَّت عليه السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنه أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم.
وعن عطاء بن يسار قال أخبرني: رجل من الأنصار أنه قبَّل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها صلى الله عليه وسلم: إنه يفعل ذلك، فأخبرته امرأته، فقال لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم رُخص له في أشياء، فارجعي إليه فرجعت إليه، فذكرت له ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أتقاكم، وأعلمكم بحدود الله.
وعن عمر بن أبي سلمة المخزومي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :سل هذه -يعني أم سلمة- فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر لك من ذنبك ما تقدم، وما تأخر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما، والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم.
فهذه النصوص دالة دلالة قاطعة على الجواز، لكن هذا معلل بالنص بمن يملك إربه، فمن استطاع أبيح له التقبيل، لكن إن علم من نفسه عدم امتلاك نفسه عن الوقوع في الجماع مُنع منه.
وسواء كان التقبيل على الخدِّ أو على الرأس أو على الفم، لكن إن كان على الفم، فيجب أن يؤمن معه عدمُ انتقالِ لُعابِ أحدِ الزوجين إلى الآخر.
وليس من قبَّل امرأته في الصيام بآثم، ولا يلزمه التوبة كما يظن البعض، بل غايته أنه فعل مباحا.
سابعا: مباشرة الرجل امرأته:
المراد بالمباشرة أن يباشر الرجل امرأته وهو صائم ببدنه، يقال: "باشر الرجل امرأته مباشرة، وبشاراً، أي: كان معها في ثوب واحد، فوليت بشرتُه بشرتَها، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى كون المباشرة مباحة إلا إن خشي الزوج على نفسه الوقوع في الجماع، فيمنع من ذلك، ودليل ذلك من السنة الآتي:
- ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل، وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لأربه».
- وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشرهن، وهو صائم. سنن الدرامي ج1/217.
- ونقل الحافظ عن حكيم بن عقال قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما يحرم عليّ من امرأتي، وأنا صائم، قالت: فرجها. فتح الباري ج4/149.
- ونقل أيضا عن مسروق قال: سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائماً؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. فتح الباري ج4/149.
- وعن أبي النصر أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة رضي الله عنه، فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت له عائشة رضي الله عنه: ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتلاعبها؛ وتقبلها، قال: أأقبلها، وأنا صائم؟! قالت: نعم». أخرجه الإمام مالك في الموطأ.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يباشر امرأته بنصف النهار، وهو صائم. مصنف ابن أبي شيبة ج2/317.
فالصحيح في ذلك أن الرجل له أن يباشر امرأته دون الفرج، بشرط أن يملك شهوته، ويستوي في هذا الحكم الشاب والشيخ.
والله تعالى أعلم
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي