الشعر وفنون الأدب الأخرى


د. نزار نبيل أبو منشار



في مجتمع كمجتمعنا الفلسطيني، وما يعانيه ويقاسيه من ظروف القهر والتشريد، ويضيّق عليه في قُوتِه ومعاشه وحركاته، وتراقب حتى سكناته، وفي بيئة يخيم فوقها سرادق الليل وعيون الباطل، صمت كثيرون؛ يتمترسون خلف أسوار صمتهم، وينسجون من سكوتهم كوفياتٍ يلجمون بها أفواههم، في حين تعملق رواد الأدب الأصلاء، يصادقون الدواة والقلم، لينشروا من وحي معاناتهم روح الإباء، وليخرجوا من رحم المأساة المتكررة والحروب الضروس أناشيد الثبات والتضحية، والألم اللذيذ الذي يُستَبشر من بعده الأمل.

فترى الشعر يسير جنباً إلى جنب مع المسرح، ومع المقالة، والرواية، والقصة والأقصوصة، ليجتمع أو يتمايز عن الخطابة والنثر والزجل والأهازيج، ليشكل كل فن منها لواءً ينضوي في خميس النهضة، ويتغلغل في منعطفات الحياة.

ومن العار أن يغفل الناس والأدباء المجهودات المبذولة في التراث الموجود، شعراً ونثراً، وكأنهم يحتقرون الكلمة الفلسطينية التي صنعت الرجال، وهذا تجنٍ واضح بيّن، فالأولى أن يتم إشهار المنتجات الأدبية وإظهارها أمام عيون المجتمع المحلي والدولي، حتى يقرأ الناس في أسطرها وكلماتها أثر الجراح، وحتى تتغلغل المأساة وظلالها التي لا زالت ممتدة في أعماق كل ذي لبٍّ وبصيرة، في وجدان كل حي لا زال فيه عرق للحياة وبالحياة ينبض.

سواء كانت هذه التجاوزات من دور النشر ومحافل الطباعة والإعلام بقصد أو بدون قصد، فإنها شكلت عقبةً كؤوداً في وجه النمو الأدبي، وأدت إلى إستثناء العقل الفلسطيني من حلبة الفعل الدولي، وهو ما ساهم بانتكاسة أدبية قصرت الإبداع في أضيق محيط، حتى تتقزم القضية ولا تناطح بفروعها دول الجوار، عدا عن المنظومة الدولية بأجمعها، تلك التي افترست الحق الفلسطيني حتى النخاع.