السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه وأمهات المؤمنين الطاهرين الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإنّ التاريخَ شاهدٌ ومشهودٌ، بل إخاله مُكلَّفًا قد نُفخت فيه روحُ الأمة جمعاء، لكونه أضحى ديوانا حافظا، وإيوانا شاهدا على الأمة الإسلامية من خلال تدوينه لصفحاتها العلمية والعملية على حدٍّ سواء!
وكم وكم حفظ لنا التاريخُ الإسلامي حضاراتٍ وأمجادًا ما يتفاخر بها تاريخ البشرية جمعاء!
بل كلما أوقفنا التاريخ الإسلامي على صفحات العلماء الراسخين، والنوابغ المبدعين: زادنا فرحا وتَيْها بأعلام الأمة، وكسانا فخرًا وعِزةً بأعمالهم المباركة!
فكان من بقايا النوابغ المبدعين: رجلٌ عصاميٌ كما سيأتي ذكره هنا!
ومن قبل، فإني قرأت شيئا كثيرا من كتب "الأطالس الجغرافية" و"الأطالس المعرفية"؛ بل كنت مُغرما بشرائها وقرائتها؛ لا سيما الموسوعات التي اعتنت برسم هذه "الأطالس"، ومع هذه الهِواية السّاذَجة - التي ابتليت بحبها - إلا أنني لم أسلم أيضا من بعض مكدراتها وعلاتها؛ لأمرين:
أولا: أنَّ كثيرا من أصحاب هذه "الأطالس" لا يحسنون من هذه الصنعة إلا التصميمات والتنسيقات الفنية مع مغالبة في رسومات الخرائط الجغرافية!
أما المحتوى العلمي الذي داخل هذه التصاميم والخرائط: فشيء آخر لا يدل إلا على قلة معرفتهم فيما يدونون ويرسمون؛ لا سيما فيما يتعلق بالتاريخ وربط أحداثه ومعرفة كوائنه!
ثانيا: أنَّ بعضهم إذا ظهرت معرفتهم بالتاريخ سواء في أخباره السياسية أو أحداثه الاجتماعية إلا أننا نجدهم لا يحسنون فن التصاميم ولا يجيدون رسم الخرائط إلا بشيء من التكلف وربما بطريق القص واللصق!
وفوق ذلك أن غالبهم للأسف لا يجيدون حسن الربط بين الخبر وخريطته، بل تجد بينهما تنافرا بيَّنا!
وإنَّ أمرًا هذا شأنه: لهو كافٍ في تزهيد القارئ عن كثير من هذه "الأطالس"، بل إنها نفَّرت كثيرا من طلاب العلم عن الاستفادة منها!
وهكذا مرَّت بي الأيامُ وأنا أُغالبُ النفسَ على قراءة "الأطالس" لعل وعسى؛ حتى وقع في يدي مؤخرا مجموعةٌ من "الأطالس التاريخية" ضمن سلسلة كبيرة، قد وصلت أعدادها: أكثر من عشرين أطلسًا ما بين عربية ومترجمة!
فلما قرأت كثيرا منها: حمدت الله، ثم سجدت له شكرا، وأيقنت بأنَّ الأمة لم تزل بخير، والمبدعين فيها موجودون مهما نَأتْ بهم الديارُ، أو تجاهلتهم الأخبار!
إنَّ هذه السلسة المباركة من "الأطالس التاريخية الجغرافية" لهي واحدةٌ من المبشرات التي يفرح بها المسلم في زمن الغربة والانكسار!
إنها "أطالس" الأخ المبارك الفذ الأغر المبتكر المبدع الذواق العصامي: سامي بن عبد الله المغلوث حفظه الله وبارك في جهوده!
فهو بحقٍّ واحدٌ من أهل العلم الذين قربوا التاريخ الإسلامي من خلال: أطالسَ وتصميمات وخرائط وسجلات؛ لا تقلُّ أهميةً عن أصحاب التاريخ السابقين، بل لا تقل عن تاريخ ابن الأثير وابن كثير والذهبي، والخبر ليس كالمعاينة!
فمن قرأ التاريخ أولا، ثم وقف على سلسلة "الأطالس" التي صنعها المغلوث: عَلِمَ حقيقةَ الأمور على جِلَّتها، والله يؤتي فضله من يشاء، ولا نزكيه على الله تعالى!
فالمغلوث قد جمع في مجموعته هذه: فوائدَ عزيزةً ودُررًا نفيسةً، فهاكها طرية باختصار:
١- درايته العلمية بالتاريخ الإسلامي، الشيء الذي لا تجده عند كثير من أصحاب "الأطالس"، وذلك من خلال سعة اطلاعه على كتب التواريخ القديمة والحديثة، الأمر الذي شفع له بأن يعرف الأحداث التاريخية معرفةً تكاد تُحيط بالكائنة والخبر!
٢- ترتيبه للأحداث ترتيبا تاريخيًا لا نظير له فيما أعلم.
٣- براعة ربطه بين التصاميم والأحداث، وهذا فن عزيز لا يحسنه إلا أفذاذ الرجال.
٤- أمانته العلمية التي تحلَّى بها المؤلف من خلال سرده الأخبار والحوادث دون تحيُّزٍ لرغبةٍ أو ركونٍ لشهوةٍ أو تزلفٍ لشهرةٍ، والله حسيبه!
٥- جودة اختياره للتصاميم والخرائط، من خلال وضوح الألوان، وبروز الخطوط، ودقة التنسيق الفني البديع، كل ذلك بعد دمجها ضمن تصاميم دقيقة آخذةٌ برؤوس الأحداث التاريخية بكل تفصيلاته وموضوعاته!
٦- حسن اختياره لجودة الطباعة والإخراج، حيث اختار المغلوث لهذه "الأطاليس" أفضل الأوراق والتجليد، كل ذلك في ثوب قشيب وشكل بديع مما زاد من قيمة الكتاب وأناقة الكاتب، فهذا لون من تعظيم العلم ونشره، وقد قال الله تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الآية.
ومما يزيدك عجبا: أنَّ الأستاذ سامي المغلوثَ هو بنفسه الذي يقوم بتصميم وتنسيق "أطالسه"، سواء في تصميمها الفني أو في رسم خرائطها الجغرافية أو في ترتيب معلوماتها، فهذا صَنيعٌ عزَّ وجوده من أزمان!
فدونكم مجموعة المغلوث من خلال سلسلته الأطلسية:
أطلس السيرة النبوية، وأطلس الأنبياء والرسل، وأطلس أبي بكر، وأطلس عمر، وأطلس عثمان، وأطلس علي رضي الله عنهم أجمعين.
وأطلس الدولة الأموية، وأطلس الدولة العباسية، وأطلس العصر المملوكي، وأطلس الدولة العثمانية، وأطلس الحملات الصليبية، وأطلس الفرق والمذاهب، وأطلس الأديان، وأطلس الفتوحات الإسلامية، وأطلس الحج والعمرة، وأطلس أعلام المحدثين، وأطلس أعلام المفسرين، وغيرها كثير!
فوالله لو بيعت هذه السلسة بوزنها ذهبا: لكان قليلا فيها؛ لا سيما إذا نظرنا إلى الجهد الذي بُذل فيها، والوقت الذي قضي عليها!
فجزى الله الأستاذ المبدع سامي المغلوث عن تاريخنا خير الجزاء.
وأخيرا، فإني أسأل الله تعالى: أن يبارك في جهود أخي المؤرخ المبدع سامي المغلوث، وأن يوفقه لكل خير، وأن يعظم أجره، ويرفع ذكره في الدارين، اللهم آمين!
كما أوصيه بأن يُجرِّد كلَّ وَقته في كتابة ما بقي من "الأطالس" التي ستبقى غُرةً بيضاء في جبين تاريخنا المجيد، والله من وراء القصد!


وكتبه
فضيلة الشيخ الدكتور
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي.
الطائف المأنوس
(١٦ /ربيع الأول/ ١٤٤٤)