ممنوع الاقتراب!









كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فخطوات إلى الإمام، إلى أربعة عشر قرنًا مَضَت من الزمان؛ لننظر كيف كان يتربَّى الجيل الذي عبد الله واستحيا منه حق الحياء، ولنعلم كيف تربى هذا الجيل الذي ساد الأرض، وكيف كانوا قممًا فوق الجبال؛ الجيل الذي آثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا.

نقف مع قيمة مِن تلك القيم التي رسمت سمت سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين؛ إنها قيمة "الورع"، والورع يحمل معاني كثيرة، منها: التقوى، والكف عن المحارم، والتحرج من فعل الشبهات خوفًا من الوقوع في المحرمات.

والورع والزهد قريبان، ولكن حسن الإدراك يُبصرنا بمواضع الأقدام؛ فالزهد كما قال ابن القيم رحمه الله: "ترك ما لا ينفع في الآخرة"، كفضول الأكل، والملبس، والكلام، وغيرها، أما الورع فهو "ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة".

فحينما نترك النظرة الحرام فهذا ورع وليس زهدًا، والورع يعني أن لا تتحرك إلا لله، ولا يدخل قلبك سوى الله، وفي الحديث: "كن ورعًا تكن أعبد الناس"، فهل نحن كذلك عباد الله؟! لا نتحرك إلا لله، وليس في قلوبنا شيء سوى الله عز وجل؟!

إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا: "لا يبلغ العبد أن يكون مِن المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذارًا لما به بأس"، فهل نحن كذلك أم ضعفت المراقبة وأصبح الوضع الاقتصادي وضغطه وانتشار الفواحش وسهولة الحصول عليها وغيرها مُبيحًا لكثيرٍ مما كنا تحترز منه.

مراتب الورع:

1- الورع عن الحرام وتجنب كل قبيح؛ فهل أنت تراقب النت وخلواتك، ونظرك وهفواتك، ولسانك وكلماتك؟

2- ترك الشبهات واتقائها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وقال محمد بن سيرين: "إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا جعل له واعظَا من قلبه يأمره وينهاه".

3- ترك المؤمن ما لا يعنيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

4- حفظ حدود الله والوقوف عندها، قال تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها".

إن جوارحنا كلها مأمورة بالتزام الورع حتى يكون سمتًا لنا في حياتنا الدنيا لنفوز بالآخرة، ومن ذلك:

أ- ورع النظر: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ فقال: "اصرف بصرك"؛ فاحذر أخي النظر إلى النساء، أو إلى المواقع الهابطة والعورات المكشوفة.

ب- ورع السمع: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا"؛ فهل أنت أصبحت تسمع الموسيقى والأغاني ولا تبالي؟ هل أصبحتْ رنات هاتفك نغمة موسيقية وأنت لا تتحرج من ذلك؟ هل... ؟ وهل... ؟ راجع وراقِب نفسك.

ج- ورع اللسان: ليس شيء في الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته، قال الفضيل رحمه الله: "أشد الورع في اللسان"؛ ففتش عن الورع في لسانك وستجده أقل شيء عندك.


د- ورع البطن: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا"، وبقدر أكلك للطيبات ستوفَّق لفعل الصالحات، واحذر فإن الجسد الذي ينبت من حرام فالنار أولى به.

وأخيرًا: أذكِّر نفسي وإياك بالتزام الورع؛ فهو ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة، عافانا الله وإياك من كلِّ مكروه وسوء.

وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.