خلق الأمانة (قصة للأطفال)
أحمد الجوهري عبد الجواد




قصص أشبال الإيمان

(11) خلق الأمانة



هل تعرفونني؟
أنا جَرَّة.
إناء من خَزَف لي بَطْن كبير، ولي عُرْوتان يحملني الناسُ منهما، وصورتي أمامكم توضِّح لكم اسمي.

كان الناس يستعملونني كثيرًا في حفظ الحبوب؛ كالقمح والأرز والذُّرة، وربما في حفظ الأشياء الثمينة؛ كالذهب والفضة، وكثيرًا ما كان الناس يستعملونني في نقل المياه، والاحتفاظ بها في البيوت.

ومنهم من يستعملني إلى اليوم في حفظ الجُبن الجميل اللذيذ.
وقد حدثت معي نوادرُ وعجائب، سأحكي لكم يا أحبابي قصةً منها، وهي قصةٌ رائعة جدًّا، أنا على يقين من أنها ستعجبكم.

كان هناك رجل طيِّب يبحث عن أرضٍ ليشتريَها، ظلَّ يسأل ويسأل حتى دلَّه الناس على أرضٍ عند رجلٍ وصَفُوه بالصدق والأمانة والكرم، فذهب إليه صاحبُنا، وكلَّمه في ذلك، وكان صاحبُ الأرض لديه النية فعلًا لبيع أرضه.

فرح صاحبُنا لأنه وجد بغيته عنده، وذهب معه لرؤية الأرض، وبعد أن اطمأنَّ إلى أنَّها تحقِّق له الغرض الذي اشتراها من أجله، تساوَمَا على الثمن، حتى استقرَّا على ما رضياه آخِرًا، وأخذ البائعُ الثمن، واستلم المشتري الأرض، وهما مسروران.

مضى البائع إلى حال سبيله، وجلس المشتري إلى أرضه يبني في ظلِّها أحلامَه الجميلة التي اشتراها من أجلها، وفي يومٍ من الأيام قرَّر البَدء في العمل، وبينما هو يعمل فيها إذ عثرتْ قدمُه بشيءٍ في باطن الأرض، فتَّش بيديه فيما تحت رجليه، فإذا هو يجدني أمامه، جرَّة عظيمة، استخرَجني، وفتح فمي، فوجد في بطني كَنزًا عظيمًا، لقد وجد بطني محشوًّا ذهبًا كثيرًا، فلما رآه لم يشكَّ في أنه مِلْك لصاحبه البائع الذي باعه الأرض، وقرَّر أن يبحث عنه، وأن يعيده إليه، وبالفعل ذهب هذا المشتري الأمين إلى أخيه البائع، وحين قابله أخبره بالأمر، فتعجَّب البائع من ذلك، وكان هو الآخر أمينًا جدًّا، فقال لصاحبه: أنا لم أضع هذا الذهب في بطن الجَرَّة، ولم أخبِّئها في الأرض التي بعتُها لك، وما دمت أنت الذي وجدته فهو مِلْك لك، فخذه بارك الله لك فيه، فقال له الذي اشترى الأرض: لكني لم أشترِ هذا الذهب، إنما اشتريت الأرض فقط، ولم أشترِ منك الذهب، فخذ ذهبك منِّي.
وقال البائع: إنما بعتك الأرضَ وما فيها.

وظلَّ هذا الرجلان الأمينان في حوارهما هذا، البائع يقول للمشتري: خُذ الذهب أنت صاحبه؛ لأنك اشتريت الأرض وما فيها.

والمشتري يقول للبائع: بل خُذه أنت، فأنت أحقُّ به؛ لأني وجدته في أرضك، ولأني اشتريت الأرض فقط، ونقدتك ثمنَها، ولم أشتر هذا الذهب، ولم أنقدك ثمنه، فهو لك، وأنت أحقُّ به!

ولمَّا لم ينتهِ أمرُهما إلى قولٍ حاسم، قرَّرَا أن يتحاكمَا إلى عالِمٍ، فهما يخافان من المال الحرام، ولا يريد كلُّ واحدٍ منهما أن يأخذ شيئًا ليس من حقِّه.

وبالفعل ذهبا إلى هذا العالِم، وكان عظيمَ الحكمة، فلما رأى صدقهما وأمانتَهما وحرصَهما على مصلحةِ ومنفعة بعضِهما بعضًا، رأى بواسعِ حِكمتِه أنه لا ينبغي أن يكون هذا آخر العلاقة بينهما؛ ولهذا قرَّر أن يربط بينهما برباط يبقى أثرُه إلى الأبد، ويكون فيه أيضًا حلُّ المسألة التي بينهما، وانتفاعهما معًا بالذهب دون ضياعِه على واحدٍ منهما، ومن هنا قال لهما معًا: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي صبيٌّ، وقال الآخر: لي بنتٌ، ففرح العالِم الحكيم، وقال: زوِّجوا الصبيَّ البنتَ، وأنفِقوا على أنفسهما من هذا الذهب، وتصدَّقَا على الفقراء والمساكين بجزءٍ منه كذلك.
ونظر الرجلان فوجدا فيما قاله العالِم كلَّ الخير، ففعلا ذلك، وعاشا في سعادةٍ وسرور.

وبهذا استخرَجا الذهب الذي في باطني، واستعملاني في شيءٍ آخر، أمَّا الذهب ففعلوا به ما أرشدهم إليه ذلك العالِم الفقيه، أخرَجوا بعضَه صدقةً على الفقراء والمحتاجين، وأنفقوا بعضَه الآخر على زواج ولديهما.

وهكذا يا أحباب لا يخلو الناسُ أبدًا من الصدق والأمانة وصفات الخير، ويجب أن نكون كذلك ليبارك اللهُ لنا، فلنتخلق بالصدق، ولنَتَحلَّ بالأمانة، ولا نكذب في أحاديثنا أبدًا، ولا نقول إلا الحقيقة.


فوائد:
ونستفيد من هذه القصة الرائعة أن:
الصدق والأمانة من الأخلاق التي يحبُّها الله ورسوله، فمَن التزم بهما بارك الله له في حياته.
من وجد شيئًا لا يخصُّه، يجب عليه أن يعيدَه لأصحابه، ولا يأخذه لنفسه أبدًا.
المسلم يحب لإخوانه المسلمين ما يحبُّ لنفسه، ويبحث عن الخير لهم كما يبحث عنه لنفسه.
وإلى لقاء قريب بإذن الله مع قصة جميلة أخرى يا أصدقائي