أهم الانتقادات الموجهة إلى المدرسة البنيوية


أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن



مما يمكن أن يشار إليه هنا أن المدرسة البنيوية على الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها إلا إنها قد هوجمت بأنها [1]:
(1) نظرت إلى المكونات المباشرة للغة وتغافلت عن البنية العميقة لها.

(2) اكتفت بوصف المكونات المباشرة، وهذا لا يمكنه من أن يقعـد للغة أو عينة الدراسة.

(3) عدم استطاعتها تحليل كل أنواع الجمل، فالجمل قد تطول وتتعقد العلاقات بين مكوناتها.

(4) لقد غالى دي سوسير كثيراً عندما قرر أن الفرد لا يستطيع التغيير أو التبديل في اللغة، وأن الجماعة هي التي تفعل ذلك. والواقع أن الفرد هو مصدر التغيير والتبديل.

ومن ذلك أيضًا تصدي (أوتو يسبرسن) اللغوي الدانمركي لآراء دي سوسير، حيث يرى أن الكلام واللسان جانبان لشيء واحد [2]. ويأخذ (يسبرسن) بتقسيم ثلاثي آخر، فيقدم ثلاثة مصطلحات بديلة لمصطلحات (دي سوسير) السابقة (الكلام واللغة واللسان)[3].

كما يرى (فيرث) أن اللغة تدرس باعتبارها جزءًا من عملية اجتماعية، ولا يرى للسان وجودًا ذهنيًا مختلفًا عن الكلام الفعلي الفردي. فالفرد، وإن كانت له شخصيته المستقلة المتميزة من غيرها، إلا أنها تشترك معها في أمور كثيرة[4].

ويأخذ تشومسكي على اللسانيات البنيوية التقليدية أنها لم تهتم بخاصية يعتبرها أساسية من خواص اللغة وهي الإبداعية، أي قدرة المتحدث - المستمع على إنتاج وتأويل كافة جمل اللسان، ولا شيء غير هذه الجمل التي لا حدود لها، وذلك انطلاقاً من عدد محدود من المقولات والقواعد التي تشكل كفاءة ذلك المتحدث - المستمع، كما سنرى.

وقام تشومسكي بانتقاد النموذج التوزيعـي والنموذج البنيوي فـي مقوماتهما الوضعية المباشرة باعتبار أن هذا التصور لا يصف إلا الجمل المنجزة بالفعل ولا يمكنه أن يفسر عددًا كبيرًا من المعطيات اللسانية ؛ مثل الالتباس والأجزاء غير المتصلة ببعضها بعضًا. فوضع هذه النظرية لتكون قادرة على تفسير ظاهرة الإبداع لدى المتكلم وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن وجدت أو فهمت على ذلك الوجه الجديد [5].

ولذلك جاء التفكير في معالجة أوجه القصور في البنيوية التقليدية، فكما قامت البنيوية التقليدية على أنقاض غيرها من الأفكار والنظريات اللغوية السابقة عليها، جاءت البنيوية التحويلية[6] (التوليدية التحولية) لتقيم بنيانها مستفيدة مما سبقها من التراث العلمي واللغوي المتراكم لدى المدارس اللغوية السابقة عليها، ومن أهمها المدرسة البنيوية التقليدية ومن لف لفها وآمن بأفكارها وطورها.
---------------------------------------

[1] ينظر: المرجع السابق.

[2] ينظر: صلاح كزارة، علم اللغة الحديث بدايات وتطور، شبكة فصيح على شبكة المعلومات الدولية بتاريخ 21/ 12/ 2009م.

[3] ينظر: صلاح كزارة، علم اللغة الحديث بدايات وتطور (مصدر سابق).

[4] المرجع السابق.

[5] محمد الصغير بناني، المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة، (ص 76).


[6] لقد سبق (ز.هاريس) إلى هذه التسمية في كتابه (مقالات في اللسانيات البنيوية التحويلية) 1970م. ينظر: مصطفى عراقي، النظر النحوي في النص الأدبي، القاهرة، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، العدد مجلد (56) العدد (3) يوليو 1996م، حاشية (6)، وجان بياجيه، البنيوية (ص62).