خاطرة: ما فائدة الأدب؟


ربيع بن المدني السملالي





ما فائدة الأدب إن لم يُخاطب وِجدانَ الإنسان، ويبعث في قلبه السَّكينَةَ والاطمئنان، ويحمله على النَّظر إلى الحياة نَظرة تفاؤلية رغمَ بشاعتها، وتقلُّب أحوالها؟!

وما فائدته إن لم يعبِّر عن خَلَجات النُّفوس الضَّعيفة التي أرهقها الألَم، وأتعبها المسير بين مُنعرجات الدنيا؟!
ما فائدته إن لم يبشِّر بغدٍ أفضل يُلَملمُ أشلاءَ الماضي الأسيف حيثُ الذُّلُ والضيمُ، والعارُ والرِّضا بالهوان؟!

ما فائدته إن لم يَمسح عن الأرواح اليائسة تلك القَتَامة التي لا تَريم؟!
ما فائدته إن لم يكن مفتاحَ خير وحبٍّ وجمال، مغلاقَ شرٍّ وظلم وفساد؟!

ما فائدته إن لم يجعل من الحَبَّة قُبَّة، ويعبِّر عن الحياة بعبارةٍ تأخذ القارئ إلى قصور البلاغة والملكوت وحدائق البيان؟!

ما فائدته إن لم تكن عنده رسالة ومبدأ ومنهج سويٌّ، ويكون نبراسًا يهتدي بنوره أصحاب القلوب النَّقيَّة والفِطَر السَّليمة؟!

ما فائدته حين يتحوَّلُ إلى مِعْوَل للهدم، ومنبرٍ للشتم والسبِّ والهجاء؟!
ما فائدته حين يكرَّس للحِقد والسُّخرية والاحتقار؟!

ما فائدته حين يكون سرابًا حتى إذا أتيته لم تجده شيئًا، فتموت بظمَئِك؟!
ما فائدته إن لم تكن لغته سهلةً ميسورة لا تُحْوِجك إلى الفزَع إلى القواميس عند كلِّ لفظة؟!

ما فائدته إن لم يحرِّر العُقولَ والطِّباعَ من تلك الأوهام والأباطيل والتَّقاليد البالية التي ورثتها عن مجتمعاتٍ لا ماء فيها ولا خضرة، ولا أزهار ولا شجر، ولا تغاريد العصافير؟!

ما فائدته إن لم يَدفع عنك قلقَ الاغتراب الكامن في فؤادك الكسير؟!
ما فائدته إن لم يخبرك أنَّ الدنيا ساعة فلتجعلها طاعة؟!

ما فائدته إن لم يحرِّك الأشجانَ الرَّاكدة ويثِر الغرامَ نحو بيوتات الله المُقدَّسة؟!
ما فائدته إن لم يكن لسانَ صدقٍ في الأوَّلين والآخِرين؟!

ما فائدته إن لم يكن النَّاطقَ الرسميَّ للإنسانية المعذَّبة على هذه الأرض؟!

ما فائدتُه إن لم يجعلك تَعشقُ لغتَك الأم، وتشعرُ في قرارة نفسك أنها هُوِيَّتك، لحمُك ودمك، وفي غيابها ليس لك إلا التشرُّد والتيه والضَّياع؟!

ما فائدته إن لم يدْعُ إلى الإخاء والسَّخاء، والتسامحِ والتَّعاون على البرِّ والتَّقوى؟!
ما فائدته إن لم يُشعل فتيلَ المودَّة والصِّدق والوفاء بين المؤمنين الحالمين بتطبيق شريعة الله؟!

ما فائدته إن كان همُّه لا يتجاوز اجترارَ الذِّكريات الهاربة والبكاء على أطلالها البالية، ونسيان الحاضر والمستقبل؟!

ما فائدته إن لم يحذِّر من مغبَّة الكذب والبهتان، والغِيبة والنَّميمة، والهمز واللَّمز، وردع كلِّ جبان رِعْدِيد لا همَّ له سوى ذلك؟!

ما فائدته إن لم يَشرح صدورًا ضاقَت بها الدنيا بما رحُبَت وضاقت بها السُّبل، بعيدًا عن النَّهج الربَّاني القويم؟!
ما فائدته إن لم يجعلك تُقيم دولةَ الإسلام في قلبك قبل أن تحلمَ بها فوق أرض واقعك الحزين؟!

ما فائدته إن لم يكن (مِنحة ربَّانية يجودُ بها الله على أرباب القلوب)؟!