تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

    يقول الله تعالى:"
    فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"

    فليس الأعمى من لا يرى، وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بالحق ، ولا يتدبر الموعظة ، فكم من بصير يرى بعينيه، ولكن قلبه لا يرى شيئًا! وكم من أعمى البصر ولكن قلبه يرى الحق!
    ذكر المفسرون أن المقصود بالعمى في هذه الآية هو عمى القلوب أي عمى البصيرة ، فيصبح القلب أعمى عن رؤية الحق فلا يتبع الهدى بل يمشي خلف هواه .

    قال القرطبي عند تفسير هذه الآية : [ وقال مجاهد : لكل عين أربع أعين يعني لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا.
    ***

    قال ابن عباس ومقاتل:
    (لما نزل: "ومن كان في هذه أعمى" [الإسراء: 72]
    قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى؟
    فنزلت: "
    فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".
    أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار). ] اهـ.

    قال ابن كثير في تفسيره حيث قال : [ {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} أي ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر. ] اهـ.
    فالعمى عمى القلوب أما عمى الأبصار فلا يضر، إذا رزق الله العبد الاستقامة والبصيرة والتفقه في الدين والعمل بشرع الله فلا يضره عمى البصر كما قال ابن عباس رضي الله عنه:إن يأخذ الله من عيني نورهما —- فإن قلبي مضيء ما به ضرر

    أرى بقلبي دنياي وآخرتي —- هو القلب يدرك ما لا يدرك البصر

    والوحي هو مصدر البصائر والجامع لها،
    فالوحي حجة وبرهان ونور،
    يقول سبحانه: ” أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله..” (الزمر: 22)

    ويقول سبحانه: ” أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..” ( الأنعام: 122 ) فالبصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير في وسط ظلمة حالكة، فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة..

    فالبصيرة في الدين من عرفها فهو على هدى من ربه،
    لا تختلط عليه الأمور،كما أنّنا لا نستطيع أن نبصر في الظُلمة حيث تتشابه الأشياء،ولا يمكن تمييز بعضها عن بعض، فكذلك إذا فقدنا البصير يصيبنا التيه عند الفتن والتخبط في المسير إلى الله
    .

    وقد صوّر القرآن هذا المعنى في قوله تعالى : (أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم ) الملك 22.

    ، فالذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته، لأنّ السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنّما إلى بصيرة.

    “وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ” سورة النور39-40،

    فهذا محروم البصيرة، هذا مطموس البصيرة، هذا الذي أظلم قلبه ؛ فهو لا يرى الحق حقاً ولا يرى الباطل باطلاً، ولا يرى المعروف معروفاً، ولا يرى المنكر منكراً؛ لأن بصيرته قد طمست فيرى الحرام حلالاً، والحلال حراماً، والمنكر معروفاً، وهكذا يرى الحق باطلاً والباطل حقاً، قد انعكست فطرته، وانطمست بصيرته،
    قال ابن القيم : « البصيرة هي نور يقذفه الله في القلب، يفرّق به بين الحق والباطل، والصادق والكاذب»،
    ويقول:
    «هي نور يقذفه الله في قلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأي عين،
    فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم، وهذا معنى قول بعض العارفين: (البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به)
    قال - تعالى - : {قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا وَمَا أنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٍ,} [الأنعام: 104]، قال القرطبي: «قد جاءكم آيات وبراهين يُبصر بها ويُستدل. جمع بصيرة وهي الدلالة، ووصفها بالمجيء لتفخيم شأنهاº إذ كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره للنفس، كما يقال: جاءت العافية وقد انصرف المرض»
    ***
    وقال - تعالى - : {وَاذكُر عِبَادَنَا إبرَاهِيمَ وَإسحَاقَ وَيَعقُوبَ أُولِي الأَيدِي وَالأَبصَارِ} [ص: 45]،
    يقول ابن القيم:
    «أي البصائر في دين الله - عز وجل -، فبالبصائر يُدرك الحق ويُعرف، وبالقوة يُتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه، فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين والبصر بالتأويل، ففجرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها كنوزها، ورُزقت فيها فهماً خاصاًَ، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقد سُئل: هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء دون الناس؟ فقال: «لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة! إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه». فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض
    يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
    ومن لم يقبل هدى الله، ولم يرفع به رأسًا دَخَلَ قَلْبُهُ فِي الْغلَافِ، وَالْأَكِنَّةِ، فَأَظْلَمَ، وَعَمِيَ عَنِ الْبَصِيرَةِ، فَحُجِبَتْ عَنْهُ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ، فَيَرَى الْحَقَّ بَاطِلًا، وَالْبَاطِلَ حَقًّا، وَالرُّشْدَ غَيًّا، وَالْغَيَّ رُشْدًا، قَالَ تَعَالَى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] "وَالرَّيْنُ" "وَالرَّانُّ" هُوَ الْحِجَابُ الْكَثِيفُ الْمَانِعُ لِلْقَلْبِ مِنْ رُؤْيَةِ الْحَقِّ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ. انتهى.
    ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
    وَتَفَاوُتُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْبَصِيرَةِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ، وَفَهْمِهَا، وَالْعِلْمِ بِفَسَادِ الشُّبَهِ الْمُخَالَفَةِ لِحَقَائِقِهَا، وَتَجِدُ أَضْعَفَ النَّاسِ بَصِيرَةً أَهْلَ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ؛ لِجَهْلِهِمْ بِالنُّصُوصِ، وَمَعَانِيهَا، وَتَمَكُّنِ الشُّبَهِ الْبَاطِلَةِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ حَالَ الْعَامَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ رَأَيْتَهُمْ أَتَمَّ بَصِيرَةً مِنْهُمْ، وَأَقْوَى إِيمَانًا، وَأَعْظَمَ تَسْلِيمًا لِلْوَحْيِ، وَانْقِيَادًا لِلْحَقِّ.
    قال الله (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ)

    - قال ابن كثير -رحمه الله-: "(قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي: على بصيرة مِن شريعة الله التي أوحاها الله إليَّ. (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي: بالحق الذي جاءني مِن الله..."
    قال السعدي -رحمه الله- فقال: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة ودلائلها الظاهرة فتيقن تلك البينة (وَيَتْلُوهُ) أي يتلو، أي: يتبع هذه البينة والبرهان برهان آخر. (شَاهِدٌ مِنْهُ) وهو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصحيح حيث شهد حقيقة ما أوحاه الله وشرعه، وعلم بعقله حسنه؛ فازداد بذلك إيمانًا إلى إيمانه. وثم شاهد ثالث وهو (كِتَابُ مُوسَى) التوراة التي جعلها الله إمامًا للناس (وَرَحْمَةً) لهم، يشهد لهذا القرآن بالصدق ويوافقه، ويوافقه فيما جاء به مِن الحق.
    أي: أفمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الإيمان، وقامت لديه أدلة اليقين، كمن هو في الظلمات والجهالات ليس بخارج منها؟! لا يستوون عند الله، ولا عند عباد الله!

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

    قال ابن القيم البصيرة ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة:

    1 - البصيرة في الأسماء والصفات: وهي أن لا يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل تكون الشٌّبه المعارضة لذلك عندك بمنزلة الشٌّبه والشكوك في وجود الله، فكلاهما سواء في البلاء عند أهل البصائر.

    2 - البصيرة في الأمر والنهي: وهي تجريده عن المعارضة بتأويل أو تقليد أو هوى، فلا يقوم بقلبه شبهة تعارض العلم بأمر الله ونهيه، ولا شهوة تمنع من تنفيذه وامتثاله والأخذ به، ولا تقليد يريحه عن بذل الجهد في تلقي الأحكام من مشكاة النصوص.

    3 - البصيرة في الوعد والوعيد: وهي أن تشهد قيام الله على كل نفس بما كسبت في الخير والشر عاجلاً وآجلاًَ في دار العمل ودار الجزاء، وأن ذلك هو موجب إلهيته وربوبيته وعدله وحكمته، فإن الشك في ذلك شك في إلهيته وربوبيته بل شك في وجوده، فإنه يستحيل عليه خلاف ذلك، ولا يليق أن يُنسب إليه تعطيل الخليقة وإرسالها هملاً وتركها سدى، - تعالى الله عن هذا الحسبان علواً كبيراً •مدارج السالكين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

    قال الشيخ صالح ال الشيخ عن البصيرة فى الدعوة
    قال تعالى
    { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } (1) .
    قال ابن كثير رحمه الله : " . . . أن هذه سبيله ، أي : سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقه ومسلكه وسنته ،
    وهي الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
    يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ،
    هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي
    وقد عرف العلماء البصيرة ، فقال البغوي رحمه الله : " والبصيرة : هي المعرفة التي تميز بها بين الحق والباطل " .
    وقال القرطبي رحمه الله : { على بصيرة } أي : على يقين وحق " .
    وقال الراغب رحمه الله : { على بصيرة } أي : على معرفة وتحقيق "
    وذكر الكفوي رحمه الله البصيرة بأنها : " قوة في القلب تدرك بها المعقولات ، وقوة القلب المدركة بصيرة "
    وبين ابن عاشور رحمه الله البصيرة بأنها : " هي الحجة الواضحة "
    ولأهمية البصيرة كانت من الفرائض ،
    كما أشار إلى ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل : " كتاب التوحيد " .
    قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله : "
    ووجه ذلك : أن اتباعه صلى الله عليه وسلم واجب ، وليس أتباعه حقا إلا أهل البصيرة ،
    فمن لم يكن منهم فليس من أتباعه ، فتعين أن البصيرة من الفرائض " .
    والبصيرة من أعلى درجات العلم ، كما أشار إلى ذلك ابن القيم بقوله :
    " أعلى درجات العلم
    : البصيرة ؛ التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر ،
    وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة ، وهي أعلى درجات العلماء "
    والبصيرة في الدعوة لا تختص بالعلم الشرعي فقط ،
    بل تشمل : العلم بالشرع ، والعلم بحال المدعو ، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود ، وهو الحكمة ،
    فيكون بصيرا بحكم الشرع ، وبصيرا بحال المدعو ، وبصيرا بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة .
    تظهر أهمية البصيرة في الدعوة في أمور منها :
    1-أن البصيرة صفة من صفات الأنبياء والعلماء الراسخين .
    2- أن البصيرة ركن من أركان الدعوة وقاعدة من قواعدها الكبرى .
    3- البصيرة في الدعوة تجنب الداعية الضعف في الرأي ، والانحراف في المنهج .
    4- بالبصيرة تستثمر الأوقات ، وتعرف الأولويات ، ويعطى كل ذي حق حقه .
    [البصيرة فى الدعوة الى الله ]
    وقال فى التمهيد
    : عَلَى بَصِيرَةٍ : هي العلم، وهي للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق، فكما أنك بالعين تبصر الأجرام والذوات، فإنك ببصيرة القلب والعقل تدرك المعلومات،
    والمعنى: أنه دعا على علم، وعلى يقين، وعلى معرفة، لم يدعُ إلى الله على جهالة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    قال ابن القيم البصيرة ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة:
    البصيرةُ في الأسماء والصفات فهي أن يعرف العبدُ ربَّه معرفةً صحيحةً بأسمائه وصفاته، وهذا يجعله يبقى على منهج الله المستقيم؛ فربُّه الذي تمت كلماتُه صِدْقًا وَعَدْلًا، وجلَّت صفاتُه أن تقاس بصفات خلقه شَبَهًا وَمِثْلًا، وتعالت ذاتُه أن تُشبه شيئًا من الذوات أصلًا، ووسعت الخليقةَ أفعالُه عدلًا وحكمةً ورحمةً وإحسانًا وفضلًا، له الخلقُ والأمرُ، وله النعمةُ والفضلُ، وله الملكُ والحمدُ، وله الثناءُ والمجدُ، أَوَّلٌ ليس قبلَه شيءٌ، آخِرٌ ليس بعدَه شيءٌ، ظاهرٌ ليس فوقَه شيءٌ، باطنٌ ليس دونَه شيءٌ، أسماؤُه كلُّها أسماءُ مدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ، وصفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ، ونعوتُه كلُّها نعوتُ جلالٍ، أفعاله كلها حكمة ورحمة، ومصلحةٍ وعدلٍ، كلُّ شيء من مخلوقاته دالٌّ عليه، مرشِدٌ لمن رآه بعينِ البصيرةِ إليه، فإذا عرَف العابدُ ربَّه خافَه ورَجَاه، وعبَدَه وعظَّمَه، ولم يتعاظم المخلوق فيصير في حال يراقبه أعظم من مراقبته لله -تبارك وتعالى-، أو يخاف منه أعظمَ من خوفه من ربه -عز وجل-، وكثيرٌ من العِلَل والأدواء والآفات التي تعتور السالكينَ إلى الله -عز وجل- إنما يكون ذلك بسبب أنهم ما عَرَفُوا اللهَ المعرفةَ اللائقةَ بعظمته وجلاله، فاجترؤوا عليه، وصاروا يتعاملون معه تعامُلًا قَاصِرًا.
    وأمَّا البصيرةُ في الأمر والنهي فبها يَعرف مرادَ الله -عز وجل-، ويَعرف حدودَه ويلزمها، وهذا الذي يُورثه لزومَ الصراطِ المستقيمِ والتقوى، ويكون العبدُ بهذا محقِّقًا للعبودية لله، ولا يكون في قلبه أدنى معارَضة لأمرِ اللهِ وشرعِه ونهيِه، وهكذا في أقضيته وأقداره، فيكون العبد في حالٍ مِنَ التسليمِ للأمر الشرعي، وللأمر القدريِّ الكونيِّ القضائيِّ.
    وأمَّا البصيرة في الوعد والوعيد:
    فهي أن يشهد العبدُ قيامَ الله على كل نفس بما كسبت في الخير والشر عاجِلًا وآجِلًا، في دار العمل ودار الجزاء، وأن ذلك هو موجِب إلاهيته وربوبيته، فهو يتصوَّر الدارَ الآخرةَ بتفاصيلها التي أخبرنا اللهُ -تعالى- عنها، كأنه يشاهدها ويراها، فيعمل بمقتضى هذا العلم وهذه البصيرة التي صارت في قلبه فأضاءت له الطريقَ وعرف ما هو مُقدِم عليه، فصار يعمل لذلك اليوم ويستعدُّ للقاء ربه عز وجل.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين عمى البصر وعمى البصيرة

    من أسباب اكتساب البصيرة: المداوَمة على ذِكْرِ اللهِ -عز وجل-؛ فالذكر يُورِثُ حياةَ القلبِ، وأشرفُ الذِّكْرِ تلاوةُ القرآنِ، وفهمه وتدبره، وبحسب نصيبِ المرءِ من القرآن يكون نصيبُه من نور البصيرة.
    ومن أسباب انطماس البصيرة: الغفلة عن ذِكْرِ اللهِ؛ فإنها مؤدِّية إلى انفراطِ الأمرِ، كما قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الْكَهْفِ: 28].
    ومن أسباب استجلاب البصيرة: الغيرة على محارم الله أن تُنتهك، وعلى دينه وشرعه أن تُتعدى حدوده، وعدم الغضب والغيرة على حقوق الله إذا ضُيِّعَتْ، ومحارمه إذا انتُهكت يُعمي عينَ البصيرةِ، وفوقَ كل تلك الأسباب السالفة توفيق الله للعبد، وإلهامه إيَّاه رُشْدَهُ، وهدايته، وقذف نور الحق في قلبه، فذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء؛ وَمِنْ ثَمَّ كان سؤالُ اللهِ البصيرةَ والهدى والتُّقَى ودعاؤه بالتثبيت واللَّهَج بذلك من أعظم أسباب تحصيل البصيرة والهداية للحق.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •