الحب الذكي
. دعاء بيطار
«أحبب حبيبك هوناً مَّا» جملة يتأخر كثيرون لاستيعابها ربما لأجل الفراغ العاطفي الذي يعيشون فيه إضافة للفراغ النفسي والاجتماعي الذي جاءت به وسائل التواصل! لكن مجرد أن يجد الإنسان تفريغاً لعواطفه في أكثر من اتجاه يصبح متزناً في مشاعره يسير بخطى ثابتة وهو منشرح الصدر مرتاح البال مع الاحتفاظ بمحبته لمحبوبه.
فالمحبة تزيد إذا قلَّت الحساسية والاندفاع والتوقعات المثالية التي ربما أرهقت الآخر وجعلته لا يعرف إرضاء شريكه أو لا يعرف طريقة التعبير واللغة التي تكون مفهومة في الحب لديه. فنحن كائنات لدينا إمكانية إسعاد أنفسنا بأنفسنا والسعادة ليست من الخارج وإنما من دواخلنا من أفكارنا وتصوراتنا مما نفهمه من المواقف الكثيرة التي تمر بنا وردَّات أفعالنا تجاهها.
قد يتعرض اثنان للموقف ذاته ويقرر أحدهما أن لا يتأثر ويستمر سعيداً مبتسماً، في حين يقرر الآخر أن يحزن وييأس ويحبط ويستمر في العيش بدور الضحية وتبدأ الأغاني والمسلسلات الكئيبة بالانجذاب إليه كالمغناطيس؛ وما أكثر مفردات هذا العالَم الحزين الغارق في التشاؤم وعدم الجدوى! ذلك أن لغة الإحباط سهلة ولا تحتاج إلى بحث؛ بل هي في متناول الجميع ولا تنتظر من يأتيها إنما هي من تأتي إليه ولها روادها الذين رضوا بها وارتضوها نهجاً في الحياة.
كثيراً ما نتعجب من قوة الحب في جعلنا بصحة أفضل وكيف أنها تعطي للمحِب لمعة في العين وصفاء في النفس تشفي وترمم روحه من أي وجع عاطفي أو نفسي.
نتعجب من هذه العاطفة التي نحملها جميعنا ولكننا نوزعها بشكل لا يليق فنعطي للذي لا يستحق المساحة الأكبر منها، في حين نعطي من يستحق المساحة الأصغر بل تلك التي لا نعيرها أي اهتمام، وهنا يغدو المحب متعباً بشدة، وتبدأ أغاني الندب والتحسر والعذاب التي أصبحت ثقافة مجتمعاتنا المخذولة والمنكسرة لأنها ما عرفت اختيار من تحب وأن تحب باتزان وأن تسمح للآخر بمبادلتها المشاعر نفسها طالما أن الأمر فيه مراحل وأن يسمح كلٌّ منَّا لأي علاقة أن تمر بهذه المراحل وأن يستمتع بها لأنها حتماً ستزيد وتنقص بمرور الأيام وما يزيد أواصرها ويقوي رباطها هو محبة الله لأيٍّ منهما فمن كانت علاقته بالله أقوى حصل على محبة الخلق أكثر؛ فأنى للحب الأصيل أن يُنسى أو أن يحل مكانه حب أرضي محكوم عليه بالفناء لأي إنسان آخر؟
السؤال الآن: هل نحب الله فعلاً أم أننا نسمح لأي علاقة مع أي إنسان أن تطغى وتكبر حتى لا نرى من محبة الله لنا ولا ألطافه ولا نعمه شيئاً؟ وهل نذكر ذلك ونصارح به أنفسنا بصدق حقيقي؟ وهل نسارع في الإصلاح وذكر الله على الدوام أم أننا نتمادى ونستمر إلى أن نصل إلى نقطة اللا عودة وهنا تبدأ رحلة الانهيار بل التحطم الكامل إذا ما خذلنا ذلك المحبوب أو انتهى أجله أو تغير وأصبح مختلفاً في أفكاره أو دينه.
زماننا أصبح بالفعل بحاجة إلى التوازن في كل شيء وأن يساعد الإنسان نفسه بنفسه وأن يتسلح بالقوة الداخلية التي إن عصفت بها رياح لا تكسرها بل تقويها أكثر، وأن نبحث عن الأصدقاء الذين يشدُّون أزرنا ونتقوى معهم وليس بهم فقط، وأن يكون لدينا إيمان عميق بأن من أحبنا فهو نعمة من الله لأن القلوب بيديه وهو من يقلبها كيفما يشاء.
لا بد من التنويه بأن التربية بإشباع العواطف أمر هام جداً وخاصة للفتاة، فالمرأة الناضجة والمتزنة عاطفياً تكون أساساً متيناً للأسر السعيدة، كما لا يقف الإشباع عند حدٍّ معيَّن فالأمر من الحاجات الضرورية للإنسان السوي وهي أن يشعر بتقدير الذات وغالباً ما يكون الأمر ناتجاً عن تربيته منذ الصغر.