تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وقفات مع حديث الكفالة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي وقفات مع حديث الكفالة



    وقفات مع حديث الكفالة (1)









    كتبه/ محمد سعيد الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ ذَكَرَ: "أنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: *كَفَى *بِاللهِ *كَفِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاً، فَقُلْتُ: *كَفَى *بِاللهِ *كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَه َا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ.

    فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ التِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَركَبًا قَبْلَ هَذَا الذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ؛ فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ دِينَارِ رَاشِدًا".

    فهذه قصة عظيمة عَجِيبَة حَصَلَت بَينَ رَجُلَينِ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ، فهي من الإسرائيليات -أي: مِن أخبار بني إسرائيل-، والإسرائيليات على أقسام، وهذه القصة التي نحن بصددها من القسم الصحيح؛ إذ إنَّ الذي أخبر بها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح إليه، والنبيُّ ساقها لنا مَسَاقَ المدح لفاعله؛ لذلك نحن نحتجُّ بها ونستخرجُ منها الفوائد والعِبَر، وشرعُ مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرِد في شرعنا ما يخالفه أو ينسخه.

    عِظَم أجر من يُقرض الناس:

    ذَكَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ"، وفي روايةِ ابن حبان: "كَانَ رَجُلٌ يُسْلِفُ النَّاسَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ"، وفي هذا جَوَازُ الاِقْتِرَاضِ عِنْدَ الحَاجَةِ، غَيْرَ أَنَّ البُعْدَ عَنِ الدَّيْنِ أَوْلَى، فَإِنَّهُ هَمُّ بِالَّليْلِ وذُلٌّ بِالنَّهَارِ، وَاستَعَاذَ النَّبِيُّ مِنْ ضِلَعِ الدَّيْنِ، وَكَانَت العَرَبُ تَقُولُ: "لا هَمَّ إِلا هَمَّ الدَّيْنِ".

    ومِثلُ هذا الرجل الدَّائِن له أجرٌ عظيم عندنا في الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جِيء برجُلٍ يومَ القيامَةِ، فقالتْ الملائكةُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَقَالَ: لا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا *الْمُوسِرِ، وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرَ، فَقَال: نَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي؛ فَغُفِرَ لَهُ"، وقال: "مَنْ *أَنْظَرَ *مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ"، وقال: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

    *كَفَى *بِاللهِ *كَفِيلًا:

    قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الرجلِّ صاحبِ المال: "ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: *كَفَى *بِاللهِ *كَفِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"، وفي رواية ابن حبان: "ائْتِنِي بِوَكِيلٍ، قَالَ: اللهُ وَكِيلِي، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، نَعَمْ، قَدْ قَبِلْتُ اللهَ وَكِيلاً".

    فقولُ الرجل: "ائتني بشهيد"، "ائتني بكفيل"؛ هذا حَقُّهُ، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"؛ لأنَّ هذا يحفظ الحقوق والأموال، وبعض العلماء ذهب إلى وجوب كتابة الدَّين، وجمهور العلماء على أن الكتابة مستحبة، لكن هنا لَمَّا قال له المدِين: "كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"، "كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا" عظَّم صاحبُ المالِ ربَّ العالمين لَمَّا ذُكر اسمُهُ عنده، فقال: "صَدَقْتَ"، وفي رواية ابن حبان قال: "سُبْحَانَ اللهِ، نَعَمْ، قَدْ قَبِلْتُ اللهَ وَكِيلًا"، وهذا دليلٌ على قوة إيمانه؛ لأنه أعطاهُ ألف دينارٍ بغير مُستند، وهذه قاعدةٌ في المعاملات: (الالتزام بآداب الدِّين يريحُ كِلا الطرفين).

    سبحان مُسبِّب الأسباب:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي كَانَ أَجَّلَهُ؛ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا"، وفي رواية ابن حبان: "فَرَكِبَ الْبَحْرَ بِالْمَالِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، وَقَدَّرَ اللهُ أَنْ حَلَّ الأَجَلُ، وَارْتَجَّ الْبَحْرُ بَيْنَهُمَا"، وفي رواية البزَّار: "وَارتَفَعَ البَحْرُ"، وفي رواية: "فَحَبَسَتْهُ الرِّيحُ":

    وهنا أمران:

    الأول: أنَّ الله تعالى يُسبِّبُ الأسباب، وهذا واضحٌ جدًّا في الروايات: "وَارتَجَّ الْبَحْرُ بَيْنَهُمَا"، "وَارتَفَعَ البَحْرُ"، "فَحَبَسَتْهُ الرِّيحُ"، فالله عز وجل أراد أن يُظهِر إيمان الرجلين؛ فسبَّبَ هذه الأسباب، حتى إنَّ أبا هريرة قال -كما في رواية ابن حبان-: "فَلَقَدْ رَأَيتُنَا يَكْثُرُ مِرَاؤُنَا وَلَغَظُنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ بَيْنَنَا: أيُّهُمَا آمَنُ؟".

    الثاني: هذا الرجل كَبُرَ عليه جدًّا ألا يجد مركبًا؛ وبدأ الوقت يمُرُّ، وصاحب الدَّين ينتظر ويسأل عنه، كما في رواية البزار: "وَغَدَا ربُّ المالِ يَسألُ عَن صَاحِبِهِ كَمَا كانَ يَسألُ، فيقولُ الذينَ يسأَلُهم عَنه: *تركْناهُ *بقريةِ *كَذا وكَذا، فقالَ ربُّ المالِ: اللهمَّ إنَّما أَعطيتُه لكَ"، إذًا فهو يأتي كلَّ يوم إلى الشاطئ ويسأل عنه، وأُغلِقت أمام المدِين كل الأبواب؛ لذلك لجأ إلى ما يفعله أهل التقوى والورع الذين يعتقدون أنَّ العبد إذا استقام على أمر الله؛ سخَّر الله له مِن أسباب الكون ما شاء؛ فعَمَدَ هذا المؤمن المدين إلى شيءٍ لا يفعله أحدٌ أبدًا...


    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: وقفات مع حديث الكفالة

    وقفات مع حديث الكفالة (2)









    كتبه/ محمد سعيد الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد ذكرنا أنَّ الرجل المدِين كَبُرَ عليه جدًّا ألا يجد مركبًا؛ فعَمَدَ إلى شيءٍ لا يفعله أحدٌ أبدًا -وهو: حيلة عجيبة-: "أَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا وَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا الْبَحْرَ"، وفي رواية ابن حبان، قال: "وَيَنْطَلِقُ الذِي عَلَيْهِ الْمَالُ، فَيَنْحَتُ خَشَبَةً، وَيَجْعَلُ الْمَالَ فِي جَوْفِهَا، ثُمَّ كَتَبَ صَحِيفَةً مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ، إِنِّي دَفَعْتُ مَالَكَ إِلَى وَكِيلِي، ثُمَّ سَدَّ عَلَى فَمِ الْخَشَبَةِ!".

    فما عسى أن تفعل خشبة في أمواج كالجبال؟! وإذا هبَّت ريح عاصف في البحر تكون السفن العملاقة كالريشة؛ فكيف بخشبة كهذه؟!

    لكن العجيب أنها سارت ضِدَّ الأمواج، قال تعالى: "مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا".

    وَمَنِ استَدَانَ وَعَزَمَ عَلَى الوَفَاءِ أعَانَهُ اللهُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتلافَهَا أَتلَفَهُ اللهُ"؛ لذلك هذا الرجل حتى لا يُخالِف العهدَ: "أَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا وَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ"، ثم رَمَى بها في البحر.

    التوكُّلُ وحُسنُ الظنِّ:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل المدِين: "ثُمَّ أَتَى بِهَا -أي: بالخشبة- إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلًا، فَقُلْتُ: *كَفَى *بِاللهِ *كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَه َا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ"، قال الحافظ: "وَزَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَدِّ حَمَالَتَكَ"، وهنا نجد أنَّ الرجل المدِين على درجة عالية من التوكُّلِ وحُسنِ الظنِّ، والتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله، وأنَّ يعلمَ أنَّ الأمر كُلَّهُ لله، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، مع الأخذ بالأسباب.

    التَّوَكُّلُ لا يُنَافِي الأَخذَ بِالأَسبَابِ:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ انْصَرَفَ -أي: المدِين- وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ": لإيصال الدَّين إلى صاحبه؛ لأنه لم يعتمد على الخشبة أن تصل؛ لأنَّ الحقوق لا ينبغي أن تُرَدَّ هكذا، فلا يجوز أن يعتمد المرء فيها على هذه الخوارق؛ فإنَّ الأصل في أموال الناس العصمة، وهذا الرجل لأنه يعتمد بقلبه اعتمادًا كليًّا على ربِّهِ فعلَ ما فعل، ولَمَّا علِمَ أنَّ هذا ليس هو سبيل قضاء الدَّين الشرعي، أخذ ألف دينارٍ أخرى وانطلق، وهذا دليلٌ على أنَّ الرجل كَسَبَ وربِحَ.

    الكفالة هي الرعاية الكاملة:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا يَجِيءُ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ"، وفي رواية ابن حبان، قال: "فَجَعَلَ يَهْوِي بِهَا البَحرُ -أي: بالخشبة- حَتَّى رَمَى بِهَا إِلَى السَّاحِلِ".

    كَفَلَ اللهُ تعالى الخشبةَ وكلأها بعنايته فلم تضيعها الأمواج، ورعاها حتى وقفت أمام صاحب الدَّين، وعناية الله جعلتها تصل في الموعد الذي كان ينتظر فيه صاحبه على الشاطئ؛ لذلك روى البخاري هذا الحديث في "كتاب الكفالة"، وهذا هو أول حديث فيه.

    إثباتُ كرامات الأولياء:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ" وفي رواية ابن حبان، قال: "أَوْقِدُوا هَذِهِ الْخَشَبَةَ، فَكَسَرُوهَا، فَانْتَثَرَتِ الدَّنَانِيرُ، وَالصَّحِيفَةُ، فَأَخَذَهَا، فَقَرَأَهَا، فَعَرَفَ!"؛ تأمَّل مَدى عِظَم توكُّل المدِين، وانظر كيف سخَّر الله البحر لحَمْل الخشبة وتوجيهها إلى جهة معينة، وعدم غرقها أو أن تأخذها بعض السفن في البحر، وكيف سخَّر صاحِبَ المال للخروج في وقتِ الوصول، وكيف سخَّرهُ لأخذها ونَشرِها، ثم حصوله على مالِهِ.

    قال الحافظ ابن حجر في فوائدِ هذه القصة: (فَضْلُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ تَكَفَّلَ اللهُ بِنَصْرِهِ وَعَوْنِهِ).

    ويُستفادُ أيضًا: إثباتُ كرامات الأولياء، وهي مِن عقيدة أهل السُنَّة والجماعة.

    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •