صلاتي هي حياتي
أحمد الجوهري عبد الجواد




(8) صلاتي هي حياتي



أهلًا بك يا حبيبي.
أسعدني جدًّا أن أتحدَّث إليك، وأن أسمع منك.
أنا اسمي "عمرو".
وعمري في مثل عمرك تقريبًا.
وإن كان الزمان بيننا بعيدًا بعض الشيء؛ لكن أُخوَّة الإسلام تجمعنا، ورابطة الإيمان تؤلِّف بين قلبينا.

فأنا قد عشت في الزمن الجميل، في صدر الإسلام، مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، أعرف أنَّ شوقَك إلى حديثنا كبيرٌ، وكذلك أنا؛ ولهذا سأحكي لك قصتي العجيبة الجميلة، أمتعك بتفاصيلها، وأُسعدُك بفوائدها.
كنت مثلك ألعب مع أصدقائي، نشغل أوقاتَنا بالفرح والمرح، وكانت تأتينا أخبارٌ طيِّبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث بها قومٌ راجعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأستمع إليهم وهم يتحدَّثون بها، وكان من هذه الأخبار آياتُ القرآن التي أُنزلت على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، فكنت أسمعها وأحفظها، فقد رزقني اللهُ حافظةً قوية متينة؛ حتى اجتمع لديَّ سور وآيات كثيرة من القرآن الكريم.

وفي يوم من الأيام كان أبي وآخرون عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولمَّا عادوا جمعوا أهلنا جميعًا، وحدَّثوهم عن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بإقامة الصلاة، وقد علَّمهم النبيُّ الأذان، ومواقيت الصلاة، وكيفيَّتها؛ حتى أتقنوا ذلك.
وكان فيما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: ((إذا حضرتِ الصلاةُ فليُؤذِّنْ أحدُكم، وليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا)).

فرح الناس بهذه الأخبار السعيدة، وهيَّؤوا مكانًا جميلًا اتخذناه مسجدًا نصلِّي فيه، ثم تشاوروا فيمن يصلِّي بهم، يريدون أن يعرفوا مَن يحفظ أكثرَ من سور وآيات القرآن، فأخبرتهم بما أحفظ، وأخبرهم غيري كذلك، وكم كانت سعادة عظيمة حين عرَفتُ أنِّي أكثر مَن يحفظ من القرآن وسط أطفالِ الحيِّ الذي أسكن فيه.

حين وقع اختيارُهم عليَّ، علَّموني الصلاة، علموني القيام والركوع والاعتدال والسجود، وقالوا لي: ستصلي بنا كلَّ صلاة، لقد ازدادت فرحتي وسعادتي بهذا الخبر، وسعد أبي، وسعدت أمي، وفرِحَا بذلك كثيرًا.
وما زلت أذكر أوَّل صلاةٍ صليتُها بهم في هذا اليوم، فقد وقفتُ أصلِّي بهم وأنا أكاد أطير من الفرح، سعيدًا بالصلاة، وسعيدًا بالقرآن، وسعيدًا بالإمامة.

لم تَضِعْ تلك الأيامُ والليالي التي كنتُ أقفُ فيها أستمع إلى أخبار النبي، وأحفظ الآياتِ والسور التي يتلونها، وأُردِّدها وأكرِّرها على نفسي كثيرًا؛ حتى لا أنساها، أو تتفلَّتُ منِّي، حقًّا إن الله لا يُضيع أجرَ مَن أحسن عملًا.
اصطفَّ الناس للصلاة، ودخلتُ لأصلِّي بهم، وكان عليَّ عباءةٌ قصيرة، فكنت إذا سجدتُ تقلَّصتْ عنِّي، وقصُرتْ جدًّا؛ فيظهر فخذي، وبعدها اشتروا لي عباءةً أخرى طويلة، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي بهذه العباءة الجديدة.

تعرف يا صديقي! لقد أحببتُ الصلاة حبًّا جمًّا، كانت تريح فؤادي، وتسكِّن خاطري، وتساعدني على الاستمتاع بوقتي؛ حتى إنِّي كنت أنتظرُ من الصلاة إلى الصلاة، وأفرح جدًّا بالذهاب إلى المسجد، لقد كنت أحبُّ أن أتوضَّأ قبل دخول الوقت، وأرتدي ملابسي الجميلة، وحين أسمع الأذان أذهب في طريقي إلى المسجد بهدوء، وأقول مثل ما يقول المؤذِّن، وأحافظ على ذلك في كلِّ صلاة، إنَّ الصلاة هي الحياةُ، فكيف لا نحافظ على الصلاة؟
هذه قصتي يا أحبَّتي، وتدركون الآن أهميةَ حفظِ كتاب الله، والحفاظ على الصلاة، والاهتمام بتحصيل العلم، وغيرها من الفوائد، أدعوكم للعلم بها والعمل بها، وفقكم الله لما يحبُّ ويرضى.

فوائد:
نستفيد من هذه القصة الجميلة أن:
حافِظ القرآن له فضلٌ ومكانة بين الناس؛ حيث يقدِّمه القرآن، ويرفع من شأنه.
أَوْلى المصلِّين بالإمامة هو أحفظُهم لكتاب الله بعد أن يتعلم أحكام الصلاة.
في المحافظة على الصلاة السعادة والنجاح والفرح وخير الدنيا والآخرة.