الوقت... كنزنـا المهدور...


نُـور الجندلي


يُقال: لكي تعرفَ قدر ما تهدره من وقت؛ عليكَ أن تحسب الساعات التي تقدّمُ فيها الإنجازات الحقيقية!
من هذه المقولة أبدأ، لألج بوابة واسعة، كثر الحديثُ عنها، من منطلقاتٍ شتّى، ومن زوايا مختلفة. فالوقت مشكلة العصر الشائكة وحلّه المتميز، وطريقُ نهضته، الوقتُ أداة تدميرٍ مُرعبة، وآلةُ بناءٍ فاعلة، مع العقاربِ التي لا تتوقف، تسيرُ حياةُ البشر، تمضي العقاربُ في سيرها، لكن حياة الناس تتوقفُ تِباعاً، كلّ في أجلٍ مُسمّى.
وقيمةُ العُمر تُحسبُ فيما قضاهُ بين لحظتين حاسمتين: الولادة والوفاة.
الولادة قد لا تختلفُ كثيراً بين الناس، جميعهم يصرخونَ لحظة التعرّف على الحياة، تكونُ أعينهم مغمضة، وجسدهم لينٌ ضعيف، رؤوسهم طريّة مخيفة، تشعركَ بأنكَ قد تُلامسُ أدمغتهم إن ضغطت عليها بقوة. لكن حين يموتون، يموتونَ عادة في صمتٍ، أعينهم تكونُ مفتوحة، وكأنهم يتركون رسالة الصحوة للأحياء، تتصلبُ أجسادهم مُعلنةً نهاية الرحلة، وموعد حصاد العمل، ودفع الثمن أو تقاضيه.
ولذلك؛ فالفترة العملية المهمة لكل إنسان هي التي يقضيها بين الزمنين.
ونتائجها تحكمها أفعاله، وما أبلى فيها من خيرٍ أو شر.
هنالك أناسٌ عرفوا قيمة العمر، فرفضوا أن يُهدر، ولم يسمحوا لأنفسهم بالانصياع إلى رغباتٍ زائلة.
الراحة والمتعة، الثرثرة مع الأصدقاء، زيارات الجيران، النوم حتى التخمة، التسكع في الأسواق، التجوالُ في الأمكنة التي نحبها، لقاء الأشخاص الذين نألفهم، التمتع بكل ما في الحياة من مباهج، كلها أمورٌ قد تكون متاحة لا غبار عليها، شريطة ألا تسلب من العمر جوهره، لينتهي برصيدٍ صفر، ووفاض خالٍ، أو مليء برخيص المتاع.
لا أريدُ التشعب أكثر في العموميات، لكني سأركزُ في السطور القادمة على ما يخصُّ ربة المنزل في مسألة الوقت.
حين ندرجُ استفتاءً ما حولَ أهم ما يحتل وقت ربات البيوت، سنجدُ التالي: أعمالٌ منزلية، رعاية أطفال، زياراتٌ متنوعة، أحاديث هاتفية، مسلسلات تلفزيونية، التسوق، هوايات غير مركزة. وإن وجدت أمورا أخرى لكن هذه أكثرها شيوعاً.
معظم ربات البيوت يعتذرن عن حضور الدورات التثقيفية بدعوى الانشغال، يتهربن من التواجد في محاضرات توعوية، بسبب ضيق الوقت، يتخلفن عن ركب التقدم في الحياة بدعوى السجن خلف قضبان البيوت.
وحين نفتشُ في الأوقات الحقيقية المشغولة، سنجد ساعات كثيرة مهدورة، يمكن عن طريقها إنجاز ما يعتقده الناس من الأعاجيب أو المستحيلات.
هل سمعتم بإسراء عطية خضر، الطفلة ذات الأعوام الخمسة حفظت كتاب الله غيباً، والتي فازت بالجائزة العالمية للقرآن الكريم بالجائزة الأولى عندما بلغت الثامنة؟!
إنها تنسبُ نجاحها بعد الله تعالى لوالديها، أيّة أم هذه التي أنجبت فربّت وأحسنت، وجندت عمرها من أجلٍ خير، فلاح عاجلُ البشرى قريباً بعد صبرٍ وتعب.
وهل قرأتم عن أم طه، المرأة الأردنية الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب، والتي حفظت كتاب الله وهي في السبعين من عمرها، وهي ليست متفرغة كباقي الناس، بل تعمل في الخياطة، لكنها أصرت على التعلم، ونجحت بإرادتها وعزيمتها، ورغبتها بأن تتوج عمرها بصالح العمل.
لقد أخبرتني قريبتي عن زميلة لها في الجامعة، في كلية الطب البشري، علمت أولادها الثلاثة حتى دخلوا كلية الطب، ودرست الثانوية العامة مع الأخير، ونالت مجموعاً يؤهلها للدراسة في الكلية ذاتها، وذكرت بأنها كانت تتفوق عليهم، أولم تكن تلك ربة منزل؟!
النماذجُ الرائعة كثيرة، والنجاحاتُ أكثرُ من أن تُحصى، ولنتذكر بأن الوقت كنزٌ في ساعةٍ رملية، إن فرطنا به، فإنه يتحول إلى ترابٍ بلا قيمة، وإن أدينا حقه فهو يستحيلُ إلى ذهب.
الفرصةُ ما تزالُ متاحة، فلنبدأ ولو من الصفر..