تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
    أما بعد،
    فهذه رسالة موجزة في مسألة دقيقة من مسائل فقه النكاح، ألا وهي مسألة نظر الخاطب.. وهي في جزئية دقيقة بالذات من تلك المسألة، ألا وهي حدود نظر الخاطب وما يحل له النظر اليه من المرأة من أجل خطبتها.
    وقد دعاني الى البحث في هذه المسألة، ما يراه بعض الاخوة من تمسك بعض الأخوات – هداهن الله – بمواقف متشددة في ذلك الباب بغير فقه ولا حجة ولا بينة، فترى الفتاة من جهلها قد تمتنع ورعا عن الظهور لخاطبها الا بالنقاب والحجاب الكامل، أو بأقل ما يمكن لها اظهاره من وجهها ان هي تنازلت ورضيت بالكشف عن شيء منه!! وقد تتحرى ألا تظهر له الا مرة واحدة وحسب، وتكره أن يطلب منها تكرار ذلك! أو قد تشترط عليه أن تصفها له والدته أو أخته دون أن يراها هو بعينيه! ولو أنه جاء يطلب أن يرى منها ما يزيد عن الوجه والكفين، (كأن يطلب النظر اليها حاسرة الرأس) انقلبت الدنيا عندها ولم تقعد، واحتجت بقول الجمهور في المسألة – تقليدا في أغلب الأحيان - وكأنه اجماع، ثم تراها يسوء ظنها بالرجل وكأنه لا يطلب طلبا كهذا الا رجل فاسق ذاهب المروءة والعدالة، ولا حول ولا قوة الا بالله!
    ولعل السبب في ذلك الغلو من قبل بعض الأخوات – من قلة الفقه والنظر – يكمن في حرصهن على مخالفة ما غلب وفشا من المفاسد في أكثر بلاد المسلمين في موضوع الخطبة بين الشاب والفتاة، حتى انك لترى الناس تبيح للخاطب من مخطوبته أمورا لا تباح الا للرجل من امرأته، كالخلوة بها أو الخروج معها للنزهة وغيرها، أو المزاح واللعب والامساك بيدها وما الى ذلك. ولو أنهن تأملن ونظرن في كلام أهل العلم وفي أدلة مسألة نظر الخاطب، لوجدن أنه وان وجد خلاف بين الفقهاء في حدود ما يباح للخاطب النظر اليه منها تفصيلا، الا أنهم مجمعون على أن ذلك النظر بالجملة مباح على خلاف الأصل – لوجود الحاجة أو الضرورة الداعية اليه - ولا حرج فيه وعلى أن مقصده الشرعي هو أن يرى الخاطب من المرأة ما يرغبه في نكاحها. وكذا فلو أنهن تفقهن في المسألة لفهمن أنه لا دخل لها على الاطلاق بتلك المخالفات والتجاوزات التي تقع في كثير من بلاد المسلمين تحت صفة "الخطوبة"!
    وكم من فتاة طيبة على دين وخلق، ضيعت على نفسها فرصة الزواج من شاب حسن الديانة والخلق، لا لشيء الا لأنها تأبى عليه – من جهلها - أن يرى منها ما أباح له الشرع أن يراه في حال الخطبة، فتحرمه من أن يرى منها ما يرغبه فيها، وقد أباحه الشرع له أن ينظر اليه، ظنا منها بأنها بذلك تكون على عفاف وخلق، وبأنه اذ يريد منها ذلك فانه لا مروءة فيه ولا حياء، فالله المستعان!
    وحتى لا نطيل، فسنمضي بحول الله الى دراسة أقوال أهل العلم والنصوص الثابتة في تلك المسألة، ثم نرجح من بين تلك الأقوال ما يظهر صوابه، والله تعالى أعلم بالصواب وهو المسؤول أن يسدد عملنا لما فيه الخير، وأن يرزقنا الاخلاص في القول والعمل..
    آمين.

    أقوال الفقهاء في المسألة وحججهم فيما ذهبوا اليه:

    أولا: الاقتصار على الوجه والكفين، وهو قول الجمهور (الشافعية والمالكية والحنفية)

    المالكية: قال في حاشية الدسوقي "وَقَوْلُهُ وَكَفَّيْهَا أَيْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا فَالْمُرَادُ يَدَيْهَا لِكُوعَيْهَا وَإِنَّمَا أُذِنَ لِلْخَاطِبِ في نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَدُلُّ على الْجَمَالِ وَعَدَمِهِ وَالْيَدَانِ يَدُلَّانِ على خَصَابَةِ الْبَدَنِ وَطَرَاوَتِهِ وَعَلَى عَدَمِ ذلك" اهـ. (2/215)

    الشافعية: قال صاحب حاشية اعانة الطالبين: "( قوله ليعرف جمالها ) علة لنظره وجهها ( قوله وكفيها ) معطوف على وجهها أي وينظر كفيها. وقوله ليعرف خصوبة بدنها علة له والخصوبة النعومة. وفي الخطيب والحكمة في الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن " اهـ. (3/257)
    وقال صاحب حاشية البجيرمي: "ثُمَّ الْمَنْظُورُ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى الْمَفْصِلِ وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَيْهِمَا نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ ا هـ قَوْلُهُ : ( وَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تُوجَدُ فِي الْأَمَةِ فَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ مِنْ الْأَمَةِ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ كَالْحُرَّةِ لِلْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا" (10/88)د
    وقال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: "( ولا ينظر ) من الحرة ( غير الوجه والكفين ) ظهرا وبطنا لأنها مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } والحكمة في الاقتصار على ذلك أن في الوجه ما يستدل به على الجمال وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن" (3/128)

    الحنفية: قال الكاساني في بدائع الصنائع: "إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ كان عن شَهْوَةٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَقْدِيمِ النَّظَرِ أَدَلُّ على الْأُلْفَةِ وَالْمُوَافَقَة ِ الدَّاعِيَةِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ على ما قال النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي اللَّهُ عنه حين أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا فإنه أَحْرَى أَنْ يدوم ( ( ( يؤدم ) ) ) بَيْنَكُمَا" (5/122)

    ثانيا: الاقتصار على ما يظهر من المرأة غالبا، (الوجه والكفان والقدمان والرقبة) وهو قول الحنابلة.

    قال الحجاوي في زاد المستقنع: "وله نظر ما يظهر غالبا "مرارا" بلا خلوة." (1/161)
    وقال البهوتي في الروض المربع: ""و" يباح "له" أي لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته " نظر ما يظهر غالبا" كوجه ورقبة ويد وقدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم امرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أحمد وأبو داود "مرارا" أي يكرر النظر "بلا خلوة" إن أمن ثوران الشهوة ولا يحتاج إلى إذنها" (1/332)
    وقال مجد الدين بن تيمية في المحرر: "ويجوز لمن أراد خطبة امرأة أن ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كالرقبة واليد والقدم" (2/13)
    وقال ابن قدامة في المغني: "لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها وقد [ روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها ] رواه أبو داود وفي هذا أحاديث كثيرة سوى هذا ولأن النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالنظر إلى الأمة المستامة" (7/453)
    وقال: "وله أن يردد النظر إليها ويتأمل محاسنها لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك" (7/453)

    ثالثا: التوسع فيما شاء النظر اليه منها، عدا العورة المغلظة. وهو قول الظاهرية.

    وهو قول داود وابن حزم،
    جاء في المحلى: "ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة، فله أن ينظر منها متغفلاً، وغير متغفل إلى ما بطن منها وما ظهر" (11/219)
    قال الشوكاني في نيل الأوطار: "فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أن يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا" (6/170)

    فأما النصوص فمنها:
    -حديث الواهبة عن سهل بن سعد الساعدي والمتفق عليه، "أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد النظر إليها وصوبه ، ثم طأطأ رأسه" واللفظ للبخاري.
    -حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما، رواه الخمسة الا أبو داود، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 1523)
    -حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وغيره قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم . فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنظرت إليها ؟ " قال : لا . قال : " فاذهب فانظر إليها . فإن في أعين الأنصار شيئا " .
    -حديث جابر في سنن أبي داود أن النبي عليه السلام قال: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها (حسنه الألباني، ارواء الغليل 1791)
    -حديث أبي حميد عن النبي عليه السلام أنه قال "إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته" ، و إن كانت لا تعلم. (أخرجه وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/279 والألباني في الصحيحة رقم 507)
    -حديث محمد بن مسلمة عند ابن ماجة وعند البيهقي في السنن الكبرى من طريق سهل بن أبي حثمة أن النبي عليه السلام قال: "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة ، فلا بأس أن ينظر إليها "، صححه الألباني في صحيح ابن ماجة رقم 1522، وفي الصحيحة رقم 98.

    الترجيح..

    الذي يظهر لنا والله أعلم هو قوة مذهب الحنابلة في النظر الى ما يظهر من المرأة عادة، كالوجه والرقبة واليد والقدم – وزاد بعضهم الساق - وليس الاقتصار على الوجه والكفين وفقط في كل حالة. وضابط الأمر ما يتحقق به مقصد النظر للخطبة، فان اكتفى الخاطب في ذلك بالوجه والكفين لم يكن له تجاوزهما، وان احتاج الى نظر الرأس والشعر، فلما فعل تحقق المقصود بذلك، لم يكن له أن يزيد عليه، لأن الأمر كله انما شرع بخلاف الأصل (وهو المنع) لقصد تبين حسن المخطوبة، ترغيبا للخاطب في نكاحها، كما سيأتي بيانه بحول الله.
    وذلك يتبين بالنظر في النصوص الواردة في الباب، وفي حجج الأئمة والفقهاء رحمهم الله.
    ومما يجدر ذكره ابتداءً، أنه قد وقع خلاف بين العلماء رحمهم الله فيما اذا كان هذا النظر عند الخطبة مستحبا أم مباحا، والظاهر والله أعلم أنه مستحب مندوب اليه. فالذين قصروه على الاباحة قالوا أنه جاء بعد عموم النهي والحظر في النظر، واذا جاء الأمر بعد الحظر فانه يكون أمر اباحة وليس للندب أو الاستحباب، والصواب أن هذه القاعدة ليست على اطلاقها، وانما يعتبر في ذلك بدلالة النصوص بمجملها، مع تبين العلة فيها، وعند استقراء النصوص يتبين أن الأمر للندب كما في حديث المغيرة، اذ قرر عليه السلام أن هذا النظر "أحرى لأن يؤدم بينكما".. وهذا مطلب مراد في كل حال وهو مقصد لا يحسن اهماله مع القدرة عليه..
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع: " قوله: «وله نظر ما يظهر غالباً مراراً بلا خلوة» ، «وله» ، اللام للإباحة، والضمير يعود على من أراد خطبة امرأة، ولو قال: للخاطب، لكان أولى وأوضح، أي: ولمن أراد خطبة امرأة نظر... إلى آخره.
    وظاهر كلام المؤلف هنا أن النظر للمخطوبة مباح وليس بمطلوب؛ وعلَّلوا كونه مباحاً أنه ورد بعد الحظر، فيكون مباحاً كالأمر بعد الحظر عند أكثر الأصوليين يكون للإباحة، ولكن العلماء ـ رحمهم الله ـ يعبرون بما يفيد الإباحة أحياناً لدفع توهم المنع، لا لإثبات الحكم المباح، مثلاً قالوا في باب الحج: ويجوز للقارن والمفرد أن يتحول إلى عمرة ليصير متمتعاً، مع أن الأمر سنة.
    قال صاحب الفروع: لعلهم عبروا بالجواز لدفع قول من يقول بالمنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، فهنا قال: «وله نظر» فيحتمل أن المؤلف عبر بما يدل على الإباحة دفعاً لتوهم المنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، ولهذا نقول: يسن لمن أراد أن يخطب امرأة أن ينظر إلى ما يظهر غالباً، فإن كان المؤلف أراد دفع توهم المنع فلا إشكال، وإن كان أراد إثبات حكم الإباحة، فالمسألة فيها قول آخر وهو أنه سنة وهو الصواب، إلا إذا علم الإنسان بصفتها بدون نظر، فلا حاجة، كما لو أرسل امرأة يثق بها تماماً فإنه لا حاجة إلى أن ينظر.
    على أنه في الحقيقة نظر الغير لا يغني عن نظر النفس، فقد تكون المرأة جميلة عند شخص وغير جميلة عند شخص آخر، وقد يرى الإنسان ـ مثلاً ـ المرأة على حال غير حالها الطبيعية؛ لأنه أحياناً يكون الإنسان في حال السرور وما أشبه ذلك له حال، وفي حال الحزن له حال، وفي الحال الطبيعية له حال أخرى، ثم إنه ـ أيضاً ـ بعض الأحيان إذا علمت المرأة أنه سينظر إليها أدخلت على نفسها تحسينات، فإذا نظر إليها ظن أنها جميلة جداً، وهي ليست كذلك.
    وعلى كل حال نقول: إن ظاهر السنة أن النظر إلى المخطوبة سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر به وقال: «إنه أحرى أن يؤدم بينكما» (1) ، أي: يؤلف بينكما."
    اهـ. الشرح الممتع (12/10)
    وعند تأمل أحاديث الباب، نقول أن حديث الواهبة، نص على أنه عليه الصلاة والسلام صعد النظر اليها وصوبه، وليس في هذا دليل على أنه حصر نظره في الوجه والكفين وفقط،، فقد يقال أنه عليه السلام لما رأى أنها ليس فيما ظهر له منها – أيا كان – ما يعجبه، لم يتكلف النظر أو السؤال عن أكثر من ذلك.. فلو أن وجه المرأة – مثلا - لم يعجب الخاطب من بادي النظر فانه لن يحتاج الى تطلب ما هو أكثر من ذلك، وقد تحقق المراد في حقه اذ علم أنها لا تعجبه.

    وأما حديث المغيرة بن شعبة وقول النبي عليه السلام له: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، فانه أطلق فيه القول بالنظر، والمقام مقام حاجة الى البيان والضبط كما هو واضح فلا يصح فيه كتمان البيان عن وقت الحاجة، فلو أنه ليس له الا النظر الى الوجه والكفين منها وفقط، لم يسغ أن يكتم النبي عليه السلام بيان ذلك له اذ يأمره بالنظر "اليها" بهذا الاطلاق.

    وأما حديث أبي هريرة وقول النبي عليه السلام " فاذهب فانظر إليها . فإن في أعين الأنصار شيئا"
    فقد يقول فيه قائل أنه يبين أن المراد من النظر النظر الى الوجه بالذات لأنه تكلم عن شيء في العين.. ونقول أنه لا يلزم من ذلك التخصيص، والا لقيل أن المشروع والمقصود من النظر هو النظر الى العين وفقط دون غيرها، وهذا لا نعلم قائلا به! فلا يؤخذ من الحديث تقييد أو تخصيص، وانما هو تعليل لحالة بعينها.

    وأما حديث جابر فهو أقوى ما رأيت دلالة على أن الأمر مناطه تحقق مقصد الترغيب في النكاح.. فان تحقق المقصد من النظر الى الوجه لم يجز مجاوزته لانتفاء العلة حينئذ والتي نقلت الحكم الى خلاف الأصل.. ذلك أن الرسول عليه السلام في رواية جابر يقول: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فكان الحد هو تحقق ما يكفي ليدعوه الى نكاحها.. فان لم يكفه الوجه في ذلك، فلينظر الى الرأس، وان لم تكفه اليد، فلينظر الى القدم.. وفي العادة فانه يكفي في ذلك النظر الى المرأة وهي فيما تظهر به بين محارمها، فالذي يظهر منها عادة – بحسب عادة السلف فهي الضابط – في بيتها وبين محارمها هو اليد والقدم وما قد يظهر من الساق، والرأس والشعر والرقبة.. وليس هناك دليل على أن جابرا لما تخبأ لها لينظر اليها عملا بهذا الحديث، كان يتحرى ألا ينظر الا الى وجهها وكفيها وفقط! بل لا يكون من التخبؤ فائدة أصلا لو كان لا يريد الا النظر الى الوجه والكفين!
    ولو أن الخاطب المتخبئ لمخطوبته تمكن من رؤية رأسها حاسرة– مع أمن الفتنة، وربما بالاتفاق مع وليها من غير علمها – فبأي دليل يقال له أنه قد جاوز بذلك ما يبيحه الشرع له وهو الوجه والكفان فقط؟؟ وهل يطالب ان رآها حاسرة وهو مختبئ لها، بغض بصره عن ذلك حتى لا ينظر منها الى ما لا يجوز له النظر اليه؟؟ يحتاج صاحب هذه الدعوى الى دليل يخالف به عموم الحديث!

    ومع ذلك فاننا نقول أن مبالغة الظاهرية في اطلاق ما له أن ينظر اليه منها حتى جعلوه جميع جسدها ما ظهر منه وما بطن هكذا باطلاق، انما هي مبالغة مردودة عند أصحاب المروءة والحياء قبل أن تكون مخالفة لما أجمع عليه الفقهاء.. فليس من المتصور بحال من الأحوال أن يذهب الرجل الى ولي المرأة ويطلب منه أن تخرج له عارية، أو أنه يتخبأ لها ليراها وهي تستحم – مثلا!! هذا أمر تأباه الفطرة ولا يتصور أن يبيحه الشرع الحكيم حتى للخاطب الذي يريد أن ينكح تلك المرأة! ونظر الخاطب الى ما يظهر من المرأة عادة – وهو ما تكلم به الحنابلة منها – تتحقق به الكفاية ولا يحتاج الرجل الى الزايدة على ذلك ليرى منها ما يرغبه في نكاحها! أما الصدر والبطن والأرداف والقبل والأفخاذ، وغير ذلك مما لا يظهر منها عادة بل وأكيره ليس لأحد أن يراه منها – اجماعا - الا حليلها.. هذه مواضع يؤدي النظر اليها الى اثارة الشهوة وليس الى تبين ما اذا كانت صورة المرأة تعجب الخاطب أو لا تعجبه! وجميع النساء يشتركن في اثارة الشهوة – بضرورة الخلقة - فيمن ينظر منهن الى تلك المواضع الا أن تكون المرأة مشوهة! والمقصد الشرعي انما هو تبين محاسن المرأة وليس التشهي بها!

    قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم في ( باب ندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها ) ( وكفيها قبل خطبتها ): "قوله صلى الله عليه و سلم للمتزوج امرأة من الانصار ( أنظرت اليها قال لا قال فاذهب فانظر اليها فإن في أعين الانصار شيئا ) هكذا الرواية شيئا بالهمز وهو واحد الأشياء قيل المراد صغر وقيل زرقة وفي هذا دلالة لجواز ذكر مثل هذا للنصيحة وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء وحكى القاضي عن قوم كراهته وهذا خطأ مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لاجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها ثم انه انما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وقال داود ينظر إلى جميع بدنها وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والاجماع" اهـ.
    قلت يفهم من كلام النووي رحمه الله أن هناك اجماعا على مشروعية النظر للخاطب وعلى وجود حد للناظر لا يجاوزه، أقله من المرأة الوجه والكفان (وهذا القدر لا خلاف في مشروعية النظر اليه)، أما ما زاد على الوجه والكفين في ذلك فهو ما وقع في تقرير حده الخلاف، والله أعلم.

    فان قال قائل أن الحد هو العورة، قلنا أي عورة؟ عورة الصلاة؟ أم عورة النظر؟ وان كان فعورة نظر الرجل الى المرأة، أم نظر المرأة الى المرأة، أم عورة نظر المحارم الى المرأة؟ أيما تلك الضوابط والحدود اخترتم فعليكم تقديم البينة على جعلها هي ضابط النظر للخاطب، والنصوص دونكم ليس فيها من ذلك شيء، فليس لكم الى ذلك من سبيل! بل اننا نقول أنه على قول المانعين لكشف الوجه والكفين، والذين يدخلون الوجه والكفين في عورة المرأة، فانه لا فرق بين نظر الخاطب الى شعرها وساقها – مثلا – وبين نظره الى وجهها وكفيها، لأنها عندهم كل جسدها عورة بلا استثناء، والوجه يستوي في ذلك مع سائر الأعضاء! فلا فرق بين الوجه والرقبة، وبين الكف والقدم في ذلك! فان أجازوا له أن ينظر الى وجهها وكفيها، فبأي برهان منعوه من أن ينظر الى شعرها ورقبتها وقدمها وكذا، وهم لا فرق عندهم في الحكم بين أي عضو من أعضائها وما سواه من الأعضاء؟؟

    أما قولهم بأن النظر الى الكفين يكفي لتبين نضارة وطراوة الجسد ونعومته وكذا، فهذا أمر ليس على اطلاقه وقد يتفاوت فيه الرجال، وليس فيه نص حتى يجزموا بأنه يكفي لكل ناظر في كل حالة لأن يحكم به على هذا الذي يقولون! كما أنه لا يخفى أن الوصول الى هذا الحكم على جسد المرأة من خلال حال الكف والأصابع انما يحتاج الى خبرة من الناظر في أجساد النساء لن تجدها متوفرة في أكثر الرجال! وهو تكلف لما قد يورث العنت اذ لا يفي بالمراد.
    ولو كان النظر الى الوجه والكف يكفي، لما كان هناك من حاجة لأن يتخبأ جابر رضي الله عنه ليرى من مخطوبته ما رأى.. لا نقول بأنه تحرى أن يرى منها كل ما ذهب الظاهرية الى جواز رؤيته من المخطوبة، ولكن نقول بأنه لو كان يكفيه النظر الى الكف والوجه لتحقيق المراد، فلا يحتاج تحقيق ذلك المراد الى التخبؤ أصلا! فالوجه والكفين عند الجمهور ليسا بعورة.. فيمكن للخاطب أن يتحرى النظر اليهما منها دون حاجة الى أن يتخبأ لها، اذ لن يراها خارج بيتها غالبا الا وسيرى منها الوجه والكفين بسهولة ان أراد ذلك!

    وقال بعض أهل العلم أن المقصد من التخبؤ لها في حديث جابر هو أن يرى منها محاسن سلوكها ومعاملتها للناس، هل تنظر الى الرجال أم لا، هل تذهب الى مواطن الشبهات، هل تخالط من ليس لها مخالطتهم من الرجال الاجانب، هل تمازحهم، هل كذا، هل كذا؟ ونقول أن ظاهر اللفظ لا يدل على هذا. فليس هو مقصد التخبؤ لها – وان كان من الممكن أن يدخل فيه ولا شك، ففي أي حال لو أنه رأى منها ما يريبه فانه سيدع الأمر كله.. وبما أن هذه المسائل السلوكية تحتاج عادة الى مراقبة طويلة للحكم عليها بانصاف، وفي الغالب فان المتقدم الى فتاة ليخطبها فانه سيكون قد أوفى ما يريد معرفته عن دينها وعن سلوكها من الثقات ممن يعرفونها سؤالا عنها من قبل، فان التخبؤ لهذا الغرض لن يكون له حاجة حينئذ! فكيف يفهم جابر من وصية النبي عليه السلام أنه يحتاج الى الرؤية بعينه لما يكفي فيه خبر الثقة العدل بشأنها؟ لولا أنه فهم أنه يحتاج الى النظر الى ما لا يغني خبر الثقة فيه عن رؤيته بالعين، لما أقدم على ذلك، ولكفاه وصف الواصفين لها ولسلوكها بل ولصورتها! فتعليلهم هذا واهن بعيد، مخالف لما يظهر من النص.
    والحاصل أن الذي يظهر والله أعلم بالصواب، أن الضابط الأسلم في ذلك هو على وفق مذهب الحنابلة من عدم تقييد النظر بالوجه والكفين بالذات، بل يجعل حد ذلك هو ما يظهر من المرأة عادة في بيتها بين محارمها – على عادة السلف الصالح - ولا يزاد على ذلك، ولا يطُلب ما يجاوزه، لدلالة العادة على أن النظر الى هذا القدر من المرأة – يعني ما تكشفه في العادة في بيتها - لا يحتاج الخاطب الى تجاوزه لرؤية ما يرغبه في نكاحها..

    الخلاصة:

    قد تبين بحول الله وقوته أن نظر الخاطب الى المخطوبة طلبة مرغوبة وسنة مستحبة مندوبة، وليس حكمه عند حد الاباحة فحسب..
    كما تبين أن قول الجمهور بأن حاجة الخاطب تندفع بمجرد النظر الى الوجه والكفين دون غيرهما، هو قول لا برهان عليه، وان صح في حق رجل بعينه او امرأة بعينها فلن يصح بالضرورة في سائر الناس.. بل قد يحتاج الخاطب الى أكثر من ذلك، تبعا لما يفهم من حديث جابر رضي الله عنه وغيره مما في الباب من الأدلة.. وعند التأمل فمن النساء من لا يظهر جمال وجهها الا بانكشاف شعرها – مثلا – فيكون من الخير لها والأعدل في حقها ألا تحرم الخاطب من رؤية حسن صورتها على نحوها الكامل، فيصد عنها من مجرد رؤية وجهها في الخمار، مع أنها قد تعجبه لو رآها حاسرة الرأس.
    فتبين أن المذهب الذي ترتاح اليه النفس في ذلك – والله أعلم - هو جواز نظر الخاطب الى ما يظهر من المرأة على الحال الذي تكون عليه عادة في بيتها وسط محارمها، فينظر الى الوجه والشعر (الرأس) والرقبة والكفين والقدم وان ظهر له شيء من الساق فلا حرج، وهو مفهوم قول الحنابلة بأنه ينظر الى ما يظهر منها عادة، والله أعلى وأعلم بالصواب..
    والذي أراه أوسط الطرق في ذلك في ظل أحوالنا وبيتونا في زماننا هذا، فأراه أسد للذرائع وأوفى للمراد والمقصود من النظر في الخطبة باذن الله، أن تحرص الفتاة من نفسها اذا ما علمت أن خاطبا سيأتي لزيارتها في بيتها – منفردا – لرؤيتها، أن تخرج له – في وجود أسرتها – حاسرة الرأس والرقبة، مكشوفة اليدين، برداء فضفاض، ولا تتكلف ستر قدميها بل تكون على ما تلبس في قدميها عادة في بيتها، ولا تزين شعرها بزينة مخصوصة وانما ترسله على طبيعته كما تكون في بيتها بين محارمها، ولا تتكلف أن تتزين في وجهها منعا لوقوع الغرر ولعدم الدليل على مشروعيته في تلك الحال، ولا تتطيب له لعدم الدليل على اباحة ذلك للخاطب تمييزا عن غيره من الرجال الأجانب، فيبقى على الأصل.. فان فعلت ذلك ونظر الخاطب الى هذا منها، فما أظنه سيحتاج الى أكثر من هذا ليتبين ما اذا كانت تعجبه أو لا تعجبه، بل هو كاف جدا – باذن الله – لتحقق المقصود.. ولو أنه احتاج لتكرار تلك الزيارة والنظر فله ذلك كما تقرر في كلام أهل العلم على نحو ما تقدم نقله، وهو فرصة للمخطوبة أيضا لأن تنظر اليه وتتبين المرة تلو المرة ان كان يعجبها.. فان قررت من الزيارة الأولى أنه لا يعجبها، انتهى الأمر ولا تكرار.
    فلتدع الأخوات عنهن التشدد بالجهل، فما ظهر غلو ولا تشدد الا من جهل بالسنة المطهرة، وما يؤدي ذلك منهن الا الى فساد مقصد الخطبة نفسها وتعرض الخاطب للغرر بعد الزواج، ولا يخفى ما قد يسببه ذلك بعد الزواج من نفور بين الزوجين.. ونحن في زمان فتن، يحاصر الرجل بصور العري والتهتك في كل مكان، فان لم يجد في امرأته التي اختارها وهو راض بصورتها وخلقتها، ما يعلم أنه يغنيه عن النظر الى غيرها من النساء، ويكفيه لقضاء شهوته، فانه ستكون فتنة في الأرض وفساد عظيم! فلتعن الفتاة خاطبها على أن يرى منها ما يرغبه فيها، في حدود الشرع المطهر، ولا تتحرج من ذلك، فان ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم، أحرى أن يؤدم بينهما، والله نسأل أن يهدي المسلمين والمسلمات، وأن يوفقهم الى الحق والخير والبر في القول والعمل.. انه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه..
    وأنهي هذه الرسالة عند هذا الحد، فما أصبت فيها فمن الله الكريم المنان وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وان كان نصيبي الخطأ فيما ذهبت اليه فالله أسأل ان أكون من أهل الأجر الواحد في ذلك،
    والحمد لله رب العالمين.

    وكتبه
    أبو الفداء بن مسعود

    تحريرا في العاشر من رمضان، في العام 1429 من الهجرة
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  2. #2

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    ثالثا: التوسع فيما شاء النظر اليه منها، عدا العورة المغلظة. وهو قول الظاهرية.

    وهو قول داود وابن حزم،
    فهذه مسألة نقلت خطأ فيما نقل عن أهل الظاهر أو الإمام داود الظاهري ذكرها أهل الفقه في كتب الاختلاف،
    نقل عن الإمام داود كما في حلية العلماء وغيره من كتب الاختلاف أن الإمام داود الظاهري رحمه الله قال: ( يجوز النظر إلى عورة المخطوبة ) استدلالا بحديث : ( انظر منها إلى ما يدعوك إلى نكاحها ) ..
    وهذا النقل لم ينقله أئمة النقل ممن هم أعلم بمذهب أهل الظاهر من غيرهم، وقد قال ابن القطان الفاسي في كتابه ( أحكام النظر ) ما معناه: ليس هذا قول داود، ولم أجده في كتب أصحابه، وإنما هذا قاله عنهم أبو حامد الإسفرائيني .
    وقال نصاً: ( وما يحكى عن داود من إباحة النظر إلى الفرج لم أره عنه في كتب أصحابه، وإنما حكاه أبو حامد الإسفرائيني، وقد تقدمت الأدلة المانعة من النظر إلى العورة، وهي بإطلاقها تتناول المحل خصوصاً وليس هناك ما يعارضها نحكيه ) النظر في أحكام النظر بحاسة البصر صفحة 392-394
    ومعلوم أنه متأخر، وأنه من الشافعيين، فلا بد أن يكون له مستند لقوله، فمن أين جاء بهذا النقل ؟ هذا حقنا من السؤال ولا بد.
    فإن كان أئمة أهل الظاهر لم ينقلوا هذا النقل، فمن أين جاء به ؟ إلا أن يكون استخرجه على ما ظن أنها أصول أهل الظاهر كما يفعل القرطبي فوقع في الخطأ.
    والإمام ابن القطان الفاسي كان في عصر السلطان المنصوري الظاهري أمير المؤمنين في المغرب في القرن السابع، وهو مطلع على كتب الظاهرية، وينقل عنها الشيء الكثير، ونفيه أن يكون هذا قول داود أو أصحابه دليل على أنه ليس بقول لداود رضي الله عنه، ولا أحداً من أصحابه كما هو ظاهر العبارة.
    فبهذا يظهر لنا أن هذا القول ليس بقول داود الظاهري، ولا من جاء بعده من أئمة أهل الظاهر، ولا يشكل علينا اختيار الإمام ابن حزم في قوله في هذه المسألة: أنه ينظر منها إلى ما بطن وما ظهر بعلمها أو بغير علمها، لأنه قرر أن العورة لا يجوز النظر إليها، فهو يشير إلى أن الحديث مخصص بعدم جواز النظر إلى العورة وهو حكم جاء بالنصوص الأخرى ..
    وليست طريقة أهل الظاهر العلم بالنص بانفراده إذا كانت هناك نصوص أخرى في نفس الباب، فلا بد من تقييد ما يظن أنه مطلق في النصوص ببعضها.
    ولو كان قول ابن حزم يدل على جواز النظر إلى العورة لذكره ابن القطان الفاسي وهو يعالج قضية النظر إلى المخطوبة، ونفى هذا عن الظاهرية، مما يؤكد ما حكيناه من تقييد الإطلاق في الحديث.
    فلا يصح بعد هذا القول بأن داود الظاهري، أو غيره من أئمة الظاهرية قالوا بجواز النظر إلى عورة المخطوبة،
    ولم أذكر ما نقلته أعلاه للدفاع فقط عن الظاهرية في هذه المسألة فالواجب قبل ذلك هو نبذ الآراء الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة فإشاعة أن أئمة مثل داود أو ابن حزم قالوا بهذا القول قد يجرئ بعض الناس على هذا الرأي كما جرأ آخرين وأخذوا بمسائل منكرة وردت عن بعض الفقهاء الكبار كقول الجمهور بأن عورة الأمة سواء مسلمة أو كافرة هو كالرجل (ما بين السرة والركبة) أو قولهم أن عورة المرأة مع المرأة هو ما بين السرة والركبة
    وبالله تعالى التوفيق
    أبو محمد المصري

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    أخى أبوالفداء بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على جهودك فى تحقيق مسألة النظر إلى المخطوبة ، ولكن لى عدة ملاحظات من باب النصح امتثالا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة"

    النصيحة الأولى : أنك ذكرت أقوال المذاهب الأربعة نقلا عن أتباع الأئمة وليس عن الأئمة مباشرة ، وهذا خطا علمى كثيرا ما يحدث إشكاليات ، إذ إن الأتباع منهم من يخالف إمامه ومنهم من يوافقه ، ومن ثم كان من الأفضل كما هو شأن البحث العلمى أن نعود بالقول إلى أصحابه أى إلى أصله بدلا من اللجوء إلى الفرعيات التى تشعب الموضوع ، وربما يأت واحد من الناس يقول لا ليس هذا مذهب الشافعية اعتمادا على قول واحد آخر من محققى المذهب وهكذا بالنسبة لسائر الدذاهب.

    النصيحة الثانية : أنك ذكرت أن أهل الظاهر يرون جوزا النظر إلى المرأة ما عدا العورة المغلظة ، وعزوت ذلك للظاهرية كلهم ثم قلت وهو قول داود وابن حزم ، ولا أدرى من أين أتيت بهذا القول عن الظاهرية وعن داود وابن حزم خاصة وأنه ليس قول ابن حزم ونقل خطا عن داود كما سيتضح بعد قليل ، ثم إنك ناقضت نفسك بعد ذلك عندما نقلت عن الشوكانى قوله بأن داود يقول بجواز النظر إلى جميع بدن المرأة ، أليس العورة المغلظة ضمن جميع بدن المرأة أم ماذا قصدت من نقلك الذى نقلته عن الشوكانى .

    النصيحة الثالثة : أن ما نقل عن داود من قوله السابق لم يورده أحد من الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم فابن حزم ناقش المسألة وقصر الأمر على الوجه والكفين وليس كما قلت أخى الكريم ، ولم يذكر عن داود ماذكرته ، ولوكان داود قال هذا الكلام لناقشه ابن حزم وأبطل قوله شانه فى كل مسألة وصولا للحق وابتغاء للأجر ، كما أن ابن القطان الفاسى توفى 628هـ أبطل نسبة القول السابق لداود ، وابن القطان هذا رغم كونه كان مالكيا وكان قاضيا للقضاه فى عهد المنصور الموحدى الظاهرى وابنه الناصر ، وظل حتى عصر المستنصر الموحدى ، فإنه إما تحول ظاهريا بعد مالكيته أو ظل مالكيا ذو نزعة ظاهرية واضحة ، إذ إنه درس المذهب الظاهرى على يدى الخليفة المنصور الموحدى وأعلن صراحة أن المنصور شيخا منشيوخه ، ووافقه فى كثير من أقواله الظاهرية ،فابن القطان بعد ابنحزم أعلم من الشوكانى ومن أى أحد آخر بفقه الظاهرية ، حتى ولو كان الشوكانى صاحب نزعة ظاهرية ، فابن حزم وابن القطان مقدمان عليه فى النقل .

    النصيحة الرابعة : عليك يا أخى الكريم بالامانة والدقة والتروى فى النقل حتى لا تنقل أجزاء وتبتر أجزاء أخرى أو تتركها مما يحدث خلالا كبيرا فى قول الفقهاء بل يجعل قولهم من قبيل من قال قال " لا تقربوا الصلاة" ولم يكمل وأنتم سكارى ، فما نقلته عن ابن حزم يتضح منه أن ابن حزم لا يرى النظر إلى الوجه والكفين فحسب مع أن الرجل رحمه الله ما زاد عن ذلك وهذا قوله رضى الله عنه فى الجزء التاسع من المحلى طبعة دار الكتب العلمية تحقيق الدكتور سليمان البندارى ، مسألة 1873 صفحة 161 قال رضى الله عنه " ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر ، ولا يجوز فى أمة يريد شراءها ، ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط ، لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره" انتهى كلامه رحمه الله فانظر رعاك الله إلى هذا القول كاملا وانظر إلى ما نقلته أنت وشتان بين القولين.
    فالأمانة أيها الإخوة الكرام فى النقل عن كل واحد حتى لا ننسب لأحد العلماء ما لم يقولوه ، مما يتسبب فى إشكاليات كثيرة والله من وراء القصد.
    أرجو يا أخى أن تنظر إلى هذه النصائح على أنها لله أولا وأخيرا ، بعيدة كل البعد عن التعصب أو الظهور وحاشانا من ذلك ، نسأل الله أن يسبل علينا وعليك ستره وأن يغفر لنا ويرحمنا ويتقبل منا أعمالنا إنه ولى ذلك والقادر عليه.
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    جزاك الله خيرا أخى أبومحمد المصرى وبارك فيك وشكر سعيك ورفع درجتك وجمعنا الله وإياك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، فقد افدت فى مسألة خطا ما نقل عن داود رحمه الله ، واحتججت بخير من يحتج به بابن القطان الفاسى رحمه الله ، فجزاك الله خير الجزاء
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    الحمد لله وحده، والسلاة والسلام على من لا نبي بعده..
    أما بعد
    الأخوان الفاضلان، أبا محمد والدكتور عبد الباقي، شكر الله لكما ملاحظتكما، وجزاكما عن أخيكما خيرا..

    فأما نقلي عن بعض أتباع المذهب وليس عن أئمة المذهب نفسه، فالذي تحريته هو تتبع القول المشهور من المذهب، والا فأتباع المذاهب كانوا - كما تعلمون - ينسبون الأقوال أحيانا الى الأئمة من باب التفريع على مذهبهم وعلى قواعدهم العامة وليس من باب أنه قول منقول عن الامام حقيقة.. وتحري ألا يكون النقل الا لكلام صحيح السند والثبوت نسبة الى امام المذهب مباشرة هذا أمر فيه من التعنت ما فيه، ولا يسهل تطلبه في كل المسائل، بارك الله فيكم.. فاذا كان القول الذي نقلته من كل مذهب هو المشهور في المذهب، فما الفرق بين أن يكون منقولا عن الامام نقلا مباشرا، معزوا اليه، وبين أن يكون منقولا عن واحد من أتباع المذهب من الفقهاء رحمهم الله؟ كان المرادمن النقل عندي استقراء الأقوال المشهورة عند علماء المذاهب، وليس تحقيق نسبتها الى الأئمة الأربعة بالذات.. ولعله يكون هناك فرق علمي دقيق بين أن أقول "مذهب مالك" وبين أن أقول "مذهب المالكية" (قاصدا المشهور عنهم عموما)
    .. فتأمل بارك الله فيك.

    وأما الكلام في مذهب الظاهرية فلن أنتصر لما نقلته عنهم فيه، مدعيا أنه هو العمدة في مذهبهم دون غيره من الأقوال، ولعلي كان يحسن بي في هذا المقام أن أقول "وهو قول منسوب الى أئمة الظاهرية".. ونقل القول على أنه منسوب الى أئمة الظاهرية - اذ وجد في كلام بعض من لهم نسبة الى المذهب واطلاع عليه كما نقلت عن الشوكاني - أحوط من نقله بصورة توحي بالجزم بنسبته اليهم دون غيره.. أصبتم في ذلك وسددتم، بارك الله فيكم.. أما تكلف البحث في أي العلماء أولى بالكلام عن مذهب الظاهرية وأولى بأن نصدق انه المختار من المذهب عنده، هل هو ابن قطان أم الشوكاني أم فلان أم فلان، فهذا لا حاجة لي فيه في هذا المقام، طالما أن القول موجود وظاهر في كلام من لهم نسبة الى الظاهرية.. هذه مادة بحث مستقل "أعني تحرير مذهب ابن حزم ودواد تحديدا في المسألة، وليس عموم ما جاء في كلام بعض فقهاء الظاهرية"..
    وفي الحقيقة فاضافتي لقولي "عدا العورة المغلظة" على المشهور من مذهبهم - وهو النظر الى ما ظهر من المخطوبة وما بطن - انما هو قيد أتيت به تنزيها للظاهرية عن أن يفهم من اطلاق هذا القول أنهم يجيزون نظر الخاطب الى مواضع السوأة من المخطوبة!! فهذا كما بينت في تضاعيف الكلام، أمر تأباه الفطرة والمروءة ولا يتصور نسبته الى امام فقيه أبدا! فليس في الكلام تناقض ان شاء الله.. وان كان الأصوب والأحرى ولا شك ألا أعنون لمذهبهم بكلام يأتي من فهمي وتصوري لمذهبهم، ولكن بكلامهم هم ما أمكن..
    والذي أتصوره أن الشوكاني رحمه الله كان أحسن فهما لما في المحلى من أن يفوته مدلول تلك الزيادة التي تممت بها النقل - أيها الدكتور الفاضل - من كلام ابن حزم رحمه الله..
    فكلام ابن حزم رحمه الله جاء كالتالي:
    "ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر ، ولا يجوز فى أمة يريد شراءها ، ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط ، لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره.."
    ومن المستغرب جدا أن يقدم كلامه بأن للرجل أن ينظر من المرأة الى ما ظهر وما بطن، ثم يرجع وينقض ذلك التقرير في نفس الجملة بقوله أنه لا يجوز له الا النظر الى الوجه والكفين من ذلك وفقط!! فالوجه والكفان لا يعبر عنهما بأنهما مما بطن منها وينظر الخاطب اليه متغفلا وغير متغفل! فما وجه هذا الذي قاله بعد ذلك مباشرة من أنه لا يجوز له النظر الا الى الوجه والكفين منها؟ هل في العبارة تناقض؟ أم تراه وقع فيها سقط أو تصحيف أو نحو ذلك؟ حقيقة لم أتكلف التأول لتوجيه الكلام، ولست أملك الوصول الى المخطوطة أو الى كلام المحققين فيها لأتبين ان كانت الجملة هكذا صحيحة أم فيها شبهة سقط.. ولما علمت أن ظاهر الكلام الأول هو المشهور عن مذهبه، ووجدته مقررا عند الشوكاني، اكتفيت بهذا النقل عنه..
    والمتتبع لقواعد الظاهرية يعلم أن وقوع مثل هذا القيد عندهم فيه مخالفة لأصولهم، لأنه - كما هو واضح - لا يدل عليه نص صريح!! فمن أي نص من نصوص الباب يؤخذ التقيد بالوجه والكفين في النظر دون غيرهما؟ النصوص لا فيها ذكر للوجه ولا للكفين ولا لأي عضو بعينه! لهذا استظهرت هذا القول عنهم، وقررته على أنه مذهبهم، والله أعلم بالصواب.

    وعلى أي حال، فسآخذ بنصيحتك أيها الفاضل دكتور عبد الباقي، وأنزل عن نسبة هذا المذهب بالذات الى داود وابن حزم رحمهما الله.. وأقول أن من الظاهرية عموما - كابن قطان وغيره - من يوافق الجمهور على قيدهم، ومنهم من استظهر القول بنفي ذلك - كالشوكاني.. فهل هذا التفصيل أضبط وأوعب في نظركم لما ورد عن أئمة الظاهرية من أقوال؟
    جزاكم الله خيرا على مدارستكم النافعة.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    بارك الله فيكم أخى أبى الفداء وهكذا شأن أهل العلم وكما قال الشافعى رحمه الله " العلم رحم بين أهله" نسأل الله السلامة وإن أردت تحقيق لقول الظاهرية فى هذا الشان حققناه وإن اكتفيت بذلك فكما ترى وإن كنت أن الأمر وضح والحمد لله جزاكم الله خيرا
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    أخى الكريم كان شأن داوود وابن حزم رضى الله عنهما مثل شان من تلاهما، ونقل عن داود لا يصح ، فالظاهرية شأنهم شأن من قال بالنظر إلى الوجه والكفين ولا تزيد إلا عن طريق امرأة ، ثم إن كلام ابن حزم على ما ظهر وما بطن لا يكون مباشرة بل يكون خفية كما فعل جابر بن عبدالله ، وابن حزم ربط بين قول النبى وتطبيق الصحابة فيه ، ولكن دون أن ينظر الخاطب إلى امرأة عارية ، هذا هو كلام الرجل وكتابته طافحة بذلك وواضحة كل الوضوح فى مسائل أخرى
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    "ثم إن كلام ابن حزم على ما ظهر وما بطن لا يكون مباشرة بل يكون خفية كما فعل جابر بن عبدالله "

    كيف هذا أخي المبارك وهو يقول في أول الكلام "متغفلا" و"غير متغفل"، ولا يقصر ذلك على حال التغفل فقط كما هو واضح؟؟

    الكلام في هذا الجزء من النص فيه تقرير لكون الخاطب له أن ينظر الى ما ظهر وما بطن من جسد مخطوبته:

    1 - في غفلة منها (متخبئا لها): في خفية عنها
    2 - أو في غير تغفل لها..

    فلما يأتي بعد ذلك مباشرة وفي نفس الفقرة ويقول أنه ليس للخاطب من ذلك الا الوجه والكفان، فهذا تناقض ظاهر، والله أعلم!

    أنا الآن أتكلم عن الاشكال في هذا النص تحديدا - ما دمتَ قد تطرقتَ اليه بالتأول والتوجيه - وأقول أن كلامك هذا لا يرفع عنه الاشكال، بارك الله فيك..
    كيف نحل اشكال التعارض الواضح بين قوله المطلق: "فله أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر "
    وقوله المطلق الذي يليه مباشرة: "ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط" ؟؟؟ تقييدكم النظر الى ما ظهر منها وما بطن بكونه متخفيا لها، يخالف النص الأول كما هو واضح.


    ملاحظة: لست أتكلم عن تقرير مذهب ابن حزم رحمه الله في المسألة، فقد قررنا أن من الظاهرية من قال بقول الجمهور ومنهم من لم يقيد بقيدهم (وهم مصدر ذلك القول الذي اشتهرت نسبته اليهم).. ولكني أتكلم الآن عن هذا النص تحديدا وما فيه من اشكال.. فأرجو أن نحصر النقاش فيه.. وان تنفلتم علينا بنص آخر فيه كلام واضح وظاهر من كلامه يقرر مذهبه في تلك المسألة، رحمه الله، فزيادة علم منكم، وانا سائلون الله لكم الأجر والمثوبة.. وجزاكم الله خيرا.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    بارك الله فيك أخى الكريم أبا الفداء النص يا أخى يحتمل أمرين
    الأول : إما أن ابن حزم رحمه الله أراد بالمتغفل على ما بطن لها وغير متغفل على ما ظهر وهذا هو الظاهر من حديث جابر الذى احتج به وفيه قول جابر وكان متغفلا "فكنت أتخبأ تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعانى إليها" ، وغير المتغفل يكون راجع إلى ما ظهر ومن ثم قال رحمه الله بعدم جواز النظر إلا إلى الوجه والكفين وهذا لا يكون إلا لغير المتغفل ويؤيده قوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" ولعل هذا يتضح جليا فى نص آخر لابن حزم فى ج9 من المحلى مسألة 1874 ص163 غذ يقول " وقد أوضحنا فى كتاب الصلاة أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين فحكم العورة سواء فيما ذكرنا إلا ما لا خلاف فيه من أنه لا يحل لغير الزوج النظر إليه من الفرج والدبر" ، وعند الحديث عن عورة المرأة أفاض ابن حزم فى ذلك .
    الثانى ك أن يكون قوله غير متغفلا تصحيف أو زيادة وأنا لا أرى ذلك فلعل الرجل رحمه الله وكما ذكر أهل اللغة كانت له تعبيرات غيبة فى بعض الأحيان فعلع هذا منها وأراد منه ما ذكرنا وأنتظر ردك أخى الكريم .

    ملحوظة : ما ورد عن داوود لا يوجد فى أى كتاب من كتب الظاهرية ولم ينقله أحد من الظاهرية وقد بين أخونا أبومحمد المصرى ذلك ، كما أن منهج الظاهرية فى المسألة وما طرحه ابن حزم فى محلاه هو النظر إلى الوجه والكفين لغير المتغفل ، أما المتغفل الذى يريد الخطبة فكما أشرت فقد رخص له فى النظر اعتمادا على حديث جابر رضى الله عنه .
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    بارك الله فيك أيها الفاضل..
    طرحت الآن أطروحتين لتأول العبارة..
    الأولى قولك: "أراد بالمتغفل على ما بطن لها وغير متغفل على ما ظهر"
    فلعلك تقصد أنه استمعل أسلوب اللف والنشر المرتب في الكلام؟ لو كان كذلك لكان ذلك مأخذا عليه رحمه الله لأن العبارة الناتجة عبارة موهمة، تفتقر الى قرينة تفهم المراد، وتؤدي في المتبادر الى الأذهان الى خلاف المعنى الذي يريد! ومن ضوابط استعمال هذا الأسلوب ألا يقع منه الايهام، بوجود القرينة.. يعني لو قلت مثلا، أحضر محمد وأحمد الكتاب والقلم، فان أول معنً يفهمه السامع هو أنهما أحضرا جميعا، تلك الأشياء جميعا، ولن يتبادر الى ذهني أنك تريد ان محمدا أحضر الكتاب بينما أحضر أحمد القلم! وتأمل أسلوب اللف والنشر المرتب في قوله تعالى: ((وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ)) فقرينة وقوع اللف والنشر هنا والتي أفهمت المراد دون التباس = أن الليل هو الذي يسكن فيه الناس - بدلالة الحس وغير هذا من النص - بينما النهار هو الذي نبتغي فيه من فضله..
    ولا يقال في هذا النص أن قوله رحمه الله "ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط" هو القرينة التي يفهم منها وقوع اللف والنشر في الجملة الأولى.. لأنه لو استعملنا أسلوب السبر والتقسيم في المعاني التي قد تكون محتملة من الجملة الأولى، على القول بامكان وجود اللف والنشر هنا، فاننا نجدها كالتالي:
    1 - للخاطب أن ينظر الى ما بطن وما ظهر منها (جميعا) متغفلا لها وغير متغفل (على السواء) = هذا بفرض عدم وجود اللف والنشر
    2 - للخاطب أن ينظر الى ما بطن منها متغفلا والى ما ظهر منها غير متغفل (على الترتيب) = وهذا بفرض وقوع اللف والنشر المرتب وهو ما تفضلتم به.
    3 - للخاطب أن ينظر الى ما بطن منها غير متغفل والى ما ظهر منها متغفلا (على عكس الترتيب) = وهذا على فرض وقوع اللف والنشر المشوش (العكسي).. وان فتحنا الاحتمال للف والنشر المرتب فما الذي يمنع من احتمال وجود هذا النوع؟

    هذه هي الاحتمالات الثلاثة الممكنة للنص بفتح باب اللف والنشر.. والذي يظهر جليا أن الجملة الثانية "ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط" ليست مانعة لأي من تلك الاحتمالات، لأن الكلام فيها على اطلاقه! بل عند التأمل فانها تمنع النظر الى ما بطن منها مطلقا بلا قيد لا في تغفل ولا غيره!! لأن الوجه والكفين لا يدخلان فيما بطن منها كما هو واضح!

    ومن هنا فأنا أميل الى وقوع السقط في هذا النص من المحلى لشدة اضطرابه، والله أعلم، ولكن ليس على التوجيه الذي ذكرتموه بارك الله فيكم.
    وعلى أي حال، فقد أسقطت هذا النص من استدلالي على كلام الظاهرية لابهامه واحتماله، وأوصي الاخوة بعدم الاستدلال منه على مذهب ابن حزم رحمه الله في تلك المسألة..
    شكر الله لكم المدارسة القيمة.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    العزيز الغالى أبوالفداء بارك الله فيك وجعلنا وإياكم من الراضخين للحق والعاملين به أينما وجد بقراءتك للمسألة عند ابن حزم تجد أن مذهبه النظر للوجه والكفين وكذا مذهبه فى محلاه وأنا كظاهرى لا أعرف للرجل غير هذا وللأسف ليست عندى مخطوطة لبحث الأمر ولكن ما أمل إليه إما أن الرجل رحمه الله قصد ما قلته سلفا وإما أن تصحيفا أو سقطا كما ذهبت وقع فى كلامه من النساخ وعموما شكر الله لك على مدارستك الرحيمة ونسألى الله المزد من المشاركات لإثراء المكتبة الإسلامية
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  12. #12

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    بارك الله في الجميع وأغبطكم على لغة الحوار والمدارسة الراقية التى أتمنى أن نتعلمها وتسود بيننا جميعاً
    أنا لدى تفسير ربما يكون بسيطاً لما قد يظن من تناقض في قول ابن حزم.
    هو قال متغفلاً وغير متغفل ثم قيده بالوجه والكفين فكأنه يقول للخاطب انظر إلى وجهها وكفيها بعلمها (غير متغفل) وإن كانت من النوع شديد الحياء انظر إليهما دون علمها (متغفلاً) ....هكذا ببساطة
    أبو محمد المصري

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    395

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    وفيك بارك أخى أبومحمد العمرى ومنحنا الله وإياك القبول وفرج عنا الكروب .
    دكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى الظاهرى

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    آمين وفيك بارك الله أيها المفضال..
    قلت: "هو قال متغفلاً وغير متغفل ثم قيده بالوجه والكفين فكأنه يقول للخاطب انظر إلى وجهها وكفيها بعلمها (غير متغفل) وإن كانت من النوع شديد الحياء انظر إليهما دون علمها (متغفلاً) ....هكذا ببساطة"

    ولكن هذا التأويل ليس في العبارة قرينة ترجحه، لا سيما وقد جئت فيه بكلام لم يصرح به الرجل رحمة الله عليه..
    وكذلك، فما موقع قوله رحمه الله "الى ما بطن منها وظهر" في هذا التأويل الذي ذكرته؟ وكيف يدخل شيء من الوجه والكفين في قوله "ما بطن" ومعلوم أن مذهبه رحمه الله أنهما ليسا من عورة المرأة ولا تتكلف سترهما، فأين ما بطن منها في المسألة على هذا التوجيه؟
    الاشكال أصلا أيها الفاضل يأتي من التناقض الواقع بين هذا الاطلاق وبين التقييد الذي جاء بعده في منعه النظر الى ما سوى الوجه والكفين منها، فتأمل!

    فلا يزال يرجح عندي أن هذا النص فيه سقط من النساخ، فلا يحتج به على مذهب ابن حزم في المسألة، والله أعلم بالصواب.
    وفقنا الله واياكم الى ما يحب ويرضى.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: رسالة: النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب

    جزاكم الله خيرا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    2

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أيها الأكارم بارك الله فيكم استأذنكم في أن أدلي بدلوي بعد مدة من طرح الموضوع إذ لم أطلع عليه من قبل.
    مذهب ابن حزم في المسألة مشهور عنه، وقد عزاه إليه غير واحد من العلماء العارفين بمذاهب الفقهاء، وقد شنع عليه فيه من شنع.
    وكلامه المنقول في المشاركات أعلاه غير متضارب، فأوله يقرر فيه جواز النظر إلى ما ظهر من بدن المخطوبة وما بطن، عدا العورة المغلظة، وأما آخر كلامه فهو بخصوص الأمة التي يراد شراؤها، فتلك لا ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين، وعلة التفريق بينهما واضحة. والله أعلم.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •