حكم قول (نعيما) لمن حلق أو استحم:
اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة بحسب التكييف الفقهي لها:
--فمن رآها من العادات قال: الأصل في العادات الإباحة، وإذا كان الحكم يدور بين العادات والعبادات فالأصل أنه عادة, جاء في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن العثيمين (5/259):
" شرح حديث عائشة رضي الله عنها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
...
قوله: " أحدث " أي أتى بشيء جديد.
" في أمرنا " أي في ديننا.
" ما ليس منه " أي باعتبار الشرع.
" رد " بمعنى مردود، وهذه الكلمة مصدر، والفعل (رد) ، والمصدر هنا بمعنى اسم المفعول (مردود)".
إلى أن قال (5/260):
"وعلى العكس من ذلك فالأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الإباحة والحل حتى يقوم دليل على المنع.
وهذا الحديث ورد في العبادات وهي التي يقصد الإنسان بها التعبد والتقرب إلى الله، فنقول لمن يزعم شيئا عبادة: هات الدليل على أن هذا عبادة، وإلا فقولك مردود.
ويحتاج هذا الحديث إلى تحرير بالغ.
فأولا: ينبغي معرفة هل هذا عبادة أم عادة.
فمثلا لو أن رجلا قال لصاحبه الذي نجا من هلكة: ما شاء الله، هنيئا لك. فقال له رجل: هذه بدعة. فهذا القول غير صحيح؛ لأن هذا من أمور العادة وليس من أمور العبادة. وفي الشرع ما يشهد لهذا، حيث جعل الناس يهنئون كعب بن مالك بتوبة الله عليه في حديثه الطويل. وكثير من التهاني التي تحدث بين الناس لا يزعم أحد أنها بدعة إلا بدليل؛ لأنها أمور عادات لا عبادات، وكمن قابل رجلا نجح في امتحان فقال له: مبروك. فمن يقول هذه بدعة غير محق في ذلك.
وإذا تردد الأمر بين كونه عبادة أو عادة، فالأصل أنه عادة ولا ينهى عنه حتى يقوم دليل على أنه عبادة.
جاء في الأذكار للنووي ص431:
" بابُ في مسائل تَتَفَرَّعُ على السَّلام مسألة: [في تحية الخارج من الحمَّام] :
- قال أبو سعدٍ المتولّي: التَّحية عند الخروج من الحمّام بأن يُقال له: طابَ حَمَّامُك؛ لا أصل لها، ولكن رُوي أن عليّاً رضيَ الله عنه قال لرجُلٍ خرجَ من الحمامِ: طَهَُرْتَ، فلا نَجِسْتَ.
- قُلْتُ: هذا المحلُ لم يصحُّ فيهِ شيءٌ، ولو قال إنسانٌ لصاحبهِ على سبيل المودة والمؤالفة، واستجلاب الودّ: أَدَامَ الله لك النَّعِيم؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ من الدُّعاء، فلا بأس به".
وهذه فتوى الشيخ عزيز بن فرحان العنزي حفظه الله:
https://ms-my.facebook.com/azizbinfa...3991959181219/
--ومنهم من رأى سد هذا الباب من أجل مداومة الناس على ذلك، وأنه لم يكن لها أصل, هذه فتوى الشيخ الوصابي رحمه الله:
قول جمعة مباركة ونعيماً لمن حلق
كتبها مشرف تقني
الجمعة ۹ ربيع الثاني ۱٤٤۱ هـ الموافق ٦ ديسمبر ۲۰۱۹ مـ | الصيام والاعتكاف، الفتاوى | شارك بتعليقك
قول جمعة مباركة ونعيماً لمن حلق
نص السؤال:ما حكم قول القائل في يوم الجمعة جمعة مباركة وكذلك العبارة الأخرى أو الكلمة الأخرى نعيماً لمن حلق وجزاكم الله خيراً ؟
نص الجواب: التهنئة بيوم الجمعة مما لا يشرع ؛ الجمعة مافي لها تهنئة ، التهنئة جاءت في العيد وفي مناسبات أخرى مثل الزواج :بارك الله لك وبارك عليك ؛ المهم أن الجمعة ما في لها تهنئة ؛ ولا أيضاً الحلاقة الحلق ما في له تهنئة فإن كان حلق الرأس فليس له تهنئة ، وإن كان حلق اللحية فحلقها حرام كيف تهنئه بمعصية ارتكبها ؟!والله المستعان.

https://alwasabi.al3ilm.net/14611

فإن كنت ممن يحب الكلام المختصر فما سبق يكفي نهمتك، ولعلك لا تعدم نفعا من النظر فيما بقي بفائدة تجدها أو تتذكرها أو بتسديد أو نقد فيه نفع، فحينئذ إليك الباقي.
مما ينبغي التنبيه عليه أن للحلاقة أو التقصير أحوالا, فمنه ما يكون نسكا, كما هو معلوم بعد الحج أو العمرة، وكذلك حلق شعر المولود يوم سابعه والتصدق بوزنه فضة، ومنه ما يكون تداويا, كالقشرة أو وجود آفة القمل، أو لإجراء جراحة أو ما أشبهه، ومنه ما يكون معصية, كالقزع، أو حلق اللحية أو تقصيرها، ولعل هذا الاختلاف لا يسعه حكم واحد, فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يؤثر عنهم شيء في التهنئة بعد الحلق والتقصير من العمرة وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وشدة الحاجة إلى ذلك، فلما لم ينقل إلينا فيه شيء مع توفر الدواعي لنقله علمنا أنه مما ترك.
ولو ساغ قول نعيما أو أدام الله نعيمك بعد الاستحمام المعتاد لأنه تنظف والتنظف تنعم فماذا يقال في الحلاقة والتقصير ولهما أحوالهما، بل اختلفت العوائد فيهما, ففي ذخيرة العقبى للشيخ الإتيوبي رحمه الله (38/20):
5055 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، شَعْرًا رَجِلاً، لَيْسَ بِالْجَعْدِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ").
ذكر رحمه الله كلاما كثيرا في شرح الحديث إلى أن قال (38/22):
" وَقَالَ فِي "الفتح" أيضًا 11/ 553 فِي "اللباس": وما دلّ عليه الْحَدِيث منْ كون شعر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إلى قرب منكبيه كَانَ غالب أحواله، وكان ربّما طال، حَتَّى يصير ذؤابة، ويتّخذ منه عقائص، وضفائر، كما أخرج أبو داود، والترمذيّ بسند حسن، منْ حديث أم هانىء رضي الله تعالى عنها، قالت: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، وله أربع غدائر"، وفي لفظ: "أربع ضفائر"، وفي رواية ابن ماجه: "أربع غدائر -يعني ضفائر"، والغدائر -بالغين المعجمة- جمع غَديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه، فالغدائر هي الذوائب، والضفائر هي العقائص.
فحاصل الخبر أن شعره -صلى الله عليه وسلم- طال، حَتَّى صار ذوائب، فضفره أربع عقائص، وهذا محمول عَلَى الحال التي يبعد عهده بتعهّد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر، ونحوه. والله أعلم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان".
إلى أن قال (38/23):
" (المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز الأخذ منْ الشعر. (ومنها): أن إطالة الشعر حَتَّى يكون جمّةً، أو لِمّةً منْ هديه -صلى الله عليه وسلم-. (ومنها): أن فيه بيان أن شعر الرأس يخالف شعر اللحية، حيث جاز تقصيره، بخلاف اللحية، فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بتوفيرها، وعدم التعرّض لها. (ومنها): بيان ما كَانَ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ جمال الخِلقة، فإن هَذَا النوع منْ الشعر هو المحمود عند النَّاس، فإن كلاًّ منْ الجعودة، والسبوطة البحتين غير محمود، وإنما المحمود هو الوسط بينهما، كما كَانَ عليه شعر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل".
والجواز حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، فدل هذا على أن للشارع هدي فيا في الشرع وإن كانت أمور اللباس والزينة في الأصل تخضع للعادات.
وفي عون المعبود في شرح سنن أبي داود (11/159):
" (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّعَرِ)
اعْلَمْ أَنَّ لِشَعْرِ الْإِنْسَانِ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ الْجُمَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْوَفْرَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَاللِّمَّةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَالْجُمَّةُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالْوَفْرَةُ إِلَيَّ شَحْمَةِ الْأُذُنِ واللِّمَّةُ بَيْنَ بَيْنَ نَزَلَ مِنَ الْأُذُنِ وَأَلَمَّ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمَا
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الجمةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَاللِّمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ الْجُمَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْ نِ فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ الْجُمَّةُ وَالْوَفْرَةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ انْتَهَى".
فهذه ثلاثة أحوال ذكرت في الكلام عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعره، وهذا يبين خطأ تقييد المهنئ والداعي بالنعيم في التقصير والحلق.
وفي زاد المعاد (1/167):
" وَكَانَ هَدْيُهُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ تَرْكَهُ كُلَّهُ أَوْ أَخْذَهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْلِقُ بَعْضَهُ وَيَدَعُ بَعْضَهُ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ حَلْقُهُ إِلَّا فِي نُسُكٍ".
وقد أجاز الشارع الحكيم لمن به أذى في رأسه أن يحلقه فقال الله عز وجل: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وإذا كان هذا في الحج والعمرة وهو من المحظورات فيهما فما بالك بجوازه للحاجة في غيرهما.
ففي الحالة الأولى كان الحلق عبادة، ومع هذا لم يؤثر التهنئة عليه مع أنه نهاية عبادة جليلة، وفي الحالة الثانية كان الحلق محظورا يفدى عنه بفدية، ومع أنه كان نعمة للحالق, ففيه ذهاب للأذى عنه، ومع هذا كان محظورا يحتاج إلى جبر، ولولا الحاجة إليه لكان النسك باطلا.
والمهم أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه حلق شعر الرأس حلقا تاما إلا في نسك، وكان غالب حاله أن شعره ما بين شحمة الأذن إلى أن يصل إلى شحمة أذنه، فكان إن شغل عنه طال إلى أن يلامس العاتق، وإن قصره قصره إلى شحمة الأذن، وقد جرت عادتنا نحن التقصير إلى أكثر من ذلك.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود §بَابٌ فِي إِصْلَاحِ الشَّعَرِ، 4163 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» ، قال الألباني عنه أنه حسن صحيح.
قال ابن القيم في حاشيته تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته المطبوع مع عون المعبود (11/147):
" فَإِنَّ الْعَبْد مَأْمُور بِإِكْرَامِ شَعْره وَمَنْهِيّ عَنْ الْمُبَالَغَة وَالزِّيَادَة فِي الرَّفَاهِيَة وَالتَّنَعُّم فَيُكْرِم شَعْره وَلَا يَتَّخِذ الرَّفَاهِيَة وَالتَّنَعُّم دَيْدَنه بَلْ يَتَرَجَّل غِبًّا

هَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق".
وفي شرح سنن أبي داود للشيخ العباد (467/14):
" أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إصلاح الشعر، وهذه الترجمة هي بمعنى ما قلناه في الترجل، والترجل هو تحسين الشعر، والمقصود: الاعتدال والتوسط في ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (من كان له شعر فليكرمه) يعني: يكرمه بعدم إهماله، ولكن بالاعتدال والتوسط كما سبق أن مر، فليس هناك مخالفة بين هذا وبين الحديث السابق؛ لأن هذا فيه عدم الإهمال، وذاك يدل على التوسط والاعتدال، فلا تنافي بين ما جاء هنا وما جاء هناك؛ لأن قوله (فليكرمه) ليس معناه أنه يكون هو شغله الشاغل ويعتني به دائماً وأبداً ويشغل نفسه بالترفه والتنعم، وإنما يكون بالتوسط والاعتدال كما جاء توضيح ذلك في الأحاديث السابقة".
وفي سنن أبي داود باب في تطويل الجُمَّةِ
4190 - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، حدَّثنا معاويةُ بنُ هشامٍ وسفيانُ بنُ عقبة السُّوائي -هو أخو قبيصة- وحُميد بن خُوَار، عن سفيان الثوري، عن عاصم ابنِ كليب، عن أبيه
عن وائل بن حُجْر، قال: أتيتُ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- ولي شعرٌ طويلٌ، فلما رآني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "ذُبابٌ ذُبابٌ". قال: فرجعتُ فجززتُه، ثم أتيته مِنَ الغَدِ، فقال: "إني لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ" .
والشاهد قوله: {لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ}.
وليس سوق كل ما تقدم من أدلة خروجا عن أصل الموضوع، بل هي في صلبه, إذ إن ما سبق من تلك الأدلة واستنباط أحكام منها يدل على أن للشرع هديا فيما يتعلق بترك الشعر أو تقصيره أو حلقه، ولو على سبيل الندب، بل، وبما يفيد الكراهية، فحديث أنس المتقدم في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم استنبط منه النسائي جواز الأخذ من الشعر, لذا أورده في ذلك التبويب, "باب الأخذ من الشعر"، ولئن كان كثير من العلماء أوردوه في تبويباتهم عن اللباس واللباس يخضع للعادة، فإن إيراد النسائي له في المجتبى في باب الأخذ من الشعر يفهم منه حكم شرعي وهو الجواز، وكذلك تبويبات العلماء على حديث {من كان له شعر فليكرمه}، حيث جعلوه تحت تبويبات إصلاح الشعر وإكرامه ودهنه وإصلاحه، ولفظ الأمر {فليكرمه}، كافية في بيان السنية، وكذا حديث, {لم أعنك وهذا أحسن}، استنبط منه النسائي أيضا جواز الأخذ من الشعر، واستنبط منه ابن ماجه رحمه الله كراهية إطالة الشعر حيث أورده في " بَابُ كَرَاهِيَةِ كَثْرَةِ الشَّعَرِ("".
وأما عن خلاف المذاهب الأربعة في سنية الحلق أو بدعيته، أو الكراهة أو أفضلية إبقاء الشعر، لمن قدر على إكرامه أو أن الحلق والإبقاء مباحان، فأمر يطول ذكره ومبسوط في مظانه، ويكفي الإشارة إلى هذا الخلاف في بيان استشعار السلف أن للتعامل مع الشعر هدي في الشرع، وإن تخللت كثير من مسائله العادات، ومما يؤكد ذلك حكاية الإجماع على حرمة حلق شعر المرأة بالكلية.
ومما هو معلوم أن التهنئة تكون في أمر مفرح، فجعل قول نعيما بعد التقصير أو الحلق من باب التهاني لا يخلو من النظر فيما سبق بيانه, فالحلق أو التقصير قد يكون عقوبة كما في النظام العسكري، وقد كانت العرب تفعله بالأسارى إذا منوا عليهم فأطلقوهم،, كما في حال ابن عباد مع المهلهل، وقد يكون الحلق أو التقصير معصية, كما في حلق اللحية، وكما في تدريج الشعر في القزع, قال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة, ص441:
" فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ".
وقد يكون الحلق أو التقصير عبادة ولم تتوافر الدواعي لنقل تهنئة عليه مع شدة الحاجة إلى ذلك، وقد يكون عن مرض، وجعل كل هذه الأحوال سواء في التهنئة بقول نعيما مما لا يسوغ، فليست كل هذه الأحوال نعيما، وقد جعلت الشريعة في إبقاء الشعر الإكرام كما مر، وكان أكثر حال النبي صلى الله عليه وسلم الإبقاء والتقصير إلى شحمة الأذن، وجعلت في الحلق أو التقصير التعبد في أحيان وإذهاب الأذى والمرض، فإبقاء الشعر مع إكرامه نعمة ونظافة وحسن مظهر، وحلقه أو تقصيره عند العجز عن إكرامه نعمة، والتقرب إلى الله بالحلق والتقصير فيما أذن به الشارع نعمة، كل هذا الاختلاف في الأحوال للحلق والتقصير والترك لا ينسجم مع المداومة على الدعاء للمقصر أو المحلق بقولنا نعيما، وهذا كله يقوي كلام المانعين.
والحاصل: أن من قال لأخيه هذا الدعاء متأسيا بمن أجازه من العلماء على سبيل العادة فله سلفه، فله في ذلك سلف، ومن تورع فأمسك فله سلفه إضافة لعدم نقل ذلك عن السلف، وأن التهنئة أو الدعاء بقولنا نعيما لا ينسجم مع اختلاف الأحوال للحلق أو التقصير أو الترك، وكأن النظافة أو التنعم منحصرة في الحلق والتقصير وقد يقترنان بما يجعلهما معصية، وكأن ترك الشعر في جميع أحواله على الضد من ذلك، وقد تقدم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم إبقاء الشعر وحده إلى العاتقين، وأمر من كان له شعر بإكرامه، ومنافع إبقاء الشعر مع تقصيره وعدم كثرته الفاحشة من النعم التي لا تخفى على ذي لب، والله أعلم.