بسم الله الرحمن الرحيم

كيف التوفيق بين قوله تعالى" إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ" والنصوص التي تثبت خوفهم؟

يقول الله تعالى:" إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ".
والظاهر أن هذا الخبر عام يشمل جميع الرسل كما يدل عليه لفظ (المرسلون)([1])، كما أنه خبر يتعلق بالدارين لأنه سبحانه لم يقيده بزمن دون زمن.
وقد روي عن الحسن تعالى أنه قال:" لا يخاف لدي المرسلون في الآخرة وفي الدنيا"([2]).
إن كان ذلك كذلك فكيف التوفيق بين هذه الآية وغيرها من النصوص التي تخبر عن خوف الرسل والأنبياء يوم المعاد؟
كقوله تعالى:"يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ "-المائدة:109-.
فلشدة الهول وغلبة الخوف ينسون ماذا قال لهم المرسلون.
وفي حديث الشفاعة الطويل يمتنع أفضل الرسل وهم أولوا العزم من الشفاعة للناس للقضاء بينهم بين يدي رب العباد، وما ذلك إلا لعظم الموقف وشدة الهول يوم التناد.
فهذه النصوص وغيرها دلت على ما يلحق الرسل والأنبياء من الخوف في ذلك المقام مع أن الله تعالى نفى عنهم الخوف (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ).

ومن وجوه الجمع:
1- أن الخوف المنفي في قوله تعالى:" إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ" إنما هو الخوف من غير الله جل في علاه، أما الخوف منه سبحانه فمن أسمى صفاتهم وأعلى نعوتهم، كما وصفهم البارئ سبحانه بقوله:" إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"-الأنبياء:90-، ومن صفات المؤمنين وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون ما ذكره الله تعالى:"وَالَّذِي نَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ"-المؤمنون:60-.
وقال تعالى:" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، فحصر الخشية في أهل العلم وأئمة العلماء الأنبياء.
يقول الخازن تعالى في تفسيره:" إني لا يخاف لدي المرسلون ( يريد إذا أمنتهم لا يخافون أما الخوف الذي هو شرط الإيمان، فلا يفارقهم قال النبيّ ( ) ( أنا أخشاكم لله )"([3]).
ويقول السمعاني تعالى:"فإن قيل : أليس أن جميع الأنبياء خافوا الله ، وقد كان النبي () يخشى الله ، وقد قال : ' أنا أخشاكم ' ؟ والجواب عنه : أن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يجوز أن يخلو أحد منه."([4]).
ويقول العلامة السعدي تعالى:"لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره وتصريفه وأمره، فالذين اختصهم الله برسالته واصطفاهم لوحيه لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله خصوصا عند زيادة القرب منه والحظوة بتكليمه"([5]).

2- ومن وجوه الجمع أن الخوف المنفي إنما هو الخوف المرتبط بسوء عاقبة، كما قال القاضي البيضاوي تعالى:" لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه"([6]).
ويقول أبو المظفر السمعاني تعالى:"فأما هذا الخوف من العقوبة على الكفر والكبائر ، والله تعالى قد عصم الأنبياء من الكفر والكبائر"([7]).






([1] ) وهو لفظ جمع معرف بالألف واللام فيفيد العموم.

([2] ) تفسير ابن أبى زمنين.

([3] ) تفسير الخازن:5/134.

([4] ) تفسير السمعاني:4/79-80.

([5] ) تفسير البيضاوي:260.

([6] ) تفسير البيضاوي:260.

([7] ) تفسير السمعاني.