تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون


    قال الامام ابن القيم رحمه الله
    الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    أصحاب الرأي والقياس حملوا معاني النصوص فوق ما حملها الشارع وأصحاب الألفاظ والظواهر قصروا بمعانيها عن مراده
    فأولئك قالوا إذا وقعت قطرة من دم في البحر فالقياس أنه ينجس ونجسوا بها الماء الكثير مع أنه لم يتغير منه شيء البتة بتلك القطرة
    وهؤلاء قالوا إذا بال جرة من بول وصبها في الماء لم تنجسه وإذا بال في الماء نفسه ولو أدنى شيء نجسه
    ونجس أصحاب الرأي والمقاييس القناطير المقنطرة ولو كانت ألف ألف قنطار من سمن أو زيت أو شيرج بمثل رأس الإبرة من البول و الدم والشعرة الواحدة من الكلب والخنزير عند من ينجس شعرهما
    وأصحاب الظواهر والألفاظ عندهم لو وقع الكلب والخنزير بكماله أو أي ميتة كانت في أي ذائب كان من زيت أو شيرج أو خل أو دبس أو ودك غير السمن ألقيت الميتة فقط وكان ذلك المائع حلالا طاهرا كله فإن وقع ما عدا الفأرة في السمن من كلب أو وخنزير أو أي نجاسة كانت فهو طاهر حلال ما لم يتغير
    ...............

    والمقصود أن الواجب فيما عَلَّق عليه الشارعُ الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يُتجاوز بألفاظها ومعانيها، ولا يُقصر بها، ويُعطى اللفظ حقَّه والمعنى حقَّه؛
    [اعلام الموقعين]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    الظاهرية عطلوا النصوص عن مدلولاتها فجمدوا على ظواهر النصوص،
    كما قال ابن حزم قال:” لو لم يأتِ في القرءان الأمر بالإحسان للوالدين لما كان في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] دلالة على حرمة ضربهما؛ يعني: يحرم على الولد أن يقول لوالديه أو لأحدهما: أف، لكن لا يحرم عليه ضربهما بدلالة هذه الآيات. فالظاهرية جمدوا على الظاهر، وعطلوا النصوص عن مدلولاتها.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
    فإن مباحث القياس لم تُحرَّر على طريقة فقهاء أهل الحديث في كتب الأصول التي وصلتنا، وأكثرها على منهج المتكلمين وأهل الرأي الذين لم يُنصِفوا أهلَ الحديث في الغالب، ونسبوا إليهم ما لا يقولون به، وعدُّوهم مثل الظاهرية مخالفين للقياس. ونحن نعرف أن الظاهرية أنكروا القياس وحجيته والحاجة إليه، وسَدوا على أنفسهم باب التمثيل والتعليل واعتبار الحِكَم والمصالح،
    فاحتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، وحمَّلوهما فوق الحاجة، ووسَّعوهما أكثر مما يسعانِه، فحيث فهموا من النص حكمًا أثبتوه، وحيث لم يفهموه منه نفوه وحملوه على الاستصحاب. فهم وإن أحسنوا في اعتنائهم بالنصوص وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة وبيانِهم تناقضَ أهلها واضطرابهم في القياس تأصيلاً وتفصيلا، وذِكْرِ أمثلةِ من تفريقهم بين المتماثلين وجمعِهم بين المختلفين- إلاّ أنهم أخطأوا من وجوه عديدة:

    منها: رد القياس الصحيح، ولا سيما المنصوص على علته
    ومنها: تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكيم دلَّ عليه النصُّ ولم يفهموا دلالتَه عليه، وسبب هذا الخطأ حَصْرهم الدلالةَ في مجرد ظاهر اللفظ دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعُرْفِه عند المخاطبين.
    ومنها: تحميل الاستصحاب فوق ما يستحقّه، وجَزْمُهم بموجبه، لعدم علمهم بالناقل. وليس عدم العلم علمًا بالعدم.
    أما أصحاب الرأي والقياس فلم يعتنوا بالنصوص كما ينبغي، ولم يعتقدوها وافيةً بالأحكام ولا شاملةً لها، حتى قال بعضهم:
    إن النصوص لا تَفي بعُشُر معشار أحكام العباد، فالحاجة إلى القياس فوق الحاجة إلى النصوص، وقالوا: إن النصوص متناهية وحوادث العباد غير متناهية، وإحاطة المتناهي بغير المتناهي ممتنع. فوسَّعوا طرق الرأي والقياس، وعلَّقوا الأحكام بأوصافٍ لا يُعلَم أن الشارع علَّقها بها، واستنبطوا عللاً لا يُعلَم أن الشارم شرع الأحكام لأجلها. ثمّ اضطرهم ذلك إلى أن عارضوا بين كثير من النصوص والقياس؟ ثمَّ اضطربوا فتارةً يقدمون القياس، وتارةً يقدمون النصّ، وتارةً يفرقون بين النصّ المشهور وغير المشهور، واضطرهم ذلك أيضًا إلى أن اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شرِعت على خلاف القياس. فكان خطؤهم من وجوه:

    أحدها: ظنُّهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث.
    الثالث: اعتقادهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف القياس، وادعوا فيها الاستحسان، فظنوا أن الاستحسان خلاف القياس.
    الرابع: اعتبارهم عللاً وأوصافًا لم يعلم اعتبار الشارع لها، وإلغاؤهم عللاً وأوصافا اعتبرها الشارع.
    الخامس: تناقضهم في نفس القياس، ففرقوا- كثيرًا- بين المتماثلين وجمعوا بين المختلفين.
    والصواب الذي عليه أئمة السنة والحديث أن الله تعالى قد أنزل الكتاب والميزان، فكلاهما في الإنزال أخوان، وفي معرفة الأحكام شقيقان، فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة، ولا دلالة الأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح، بل كلها متعاضدة متناصرة يُصدِّق بعضها بعضا، ويشهد بعضُها لبعض.
    والنصوص محيطة بأحكام الحوادث، ولم يُحِلْنا الله ورسوله على
    الرأي، بل قد بيَّن الأحكام كلها، والنصوص كافية وافيةٌ بها، والقياس الصحيح حق مطابق للنصوص، فهما دليلان: الكتاب والميزان. وقد تخفى دلالةُ النصّ أو لا تبلغُ العالمَ فيعدِل إلى القياس، ثمّ قد يظهر موافقًا للنص فيكون قياسًا صحيحًا، وقد يظهر مخالفًا له فيكون فاسدًا.
    هذا المذهب الثالث- الذي هو مذهب فقهاء أهل الحديث

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    قال ابن القيم رحمه الله : « وأصحاب الرأي والقياس حمَّلوا معاني النصوص فوق ما حمَّلها الشارع ، وأصحاب الألفاظ والظواهر قصَّروا بمعانيها عن مراده » [ إعلام الموقعين (2/392) ]
    و الحق وسط بين طرفين : الطرف الأول : من يقدم الرأي على الكتاب والسنة أو يأولهما بأدنى قرينة ، أو بلا قرينة من الأساس .
    الطرف الثاني : من يلغي القياس ابتداءاً ويقول ليست الأحكام في الكتاب والسنة معللة ، وليس لنا إلا ظاهر الألفاظ .
    والوسط بين هذين الطرفين هو أن القياس منه ما هو مذموم ومنه ما هو ممدوح .
    فالمذموم منه : ما كان في مقابلة النص .
    وهذا هو القياس الذي ورد النهي عنه وذمه من الصحابة والتابعين.
    والممدوح منه هو إلحاق النظير بالنظير على وجه صحيح، وهو ما قبله الصحابة والتابعون والعلماء من بعدهم .

    قال الشيخ الشنقيطي : « وعلى كل حال : فالقياس هو قسمان : قياس صحيح وقياس فاسد ، فما جاء به الظاهرية – من ذم القياس – والسلف فهو ينطبق على القياس الفاسد ، والصحابة كانوا بإجماع على القياس الصحيح » [ المذكرة : (ص432)]
    قال ابن عبد البر : « وأما القياس على الأصل والحكم للشيء بنظيره : فهذا مما لا يختلف فيه أحد من السلف ، بل كل من روي عنه ذم القياس : قد وجد له القياس الصحيح منصوصاً ، لا يدفع هذا إلا جاهل أو متجاهل مخالف للسلف في الأحكام » [ جامع بيان العلم وفضله (2/77)] .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    ما هي الطريقة الظاهرية


    الطريقة الظاهرية معروفة ، وهي التي يسير عليها داود بن علي الظاهري ، وأبو محمد ابن حزم ، ومن يقول بقولهما .
    ومعناها : الأخذ بظاهر النصوص وعدم النظر في التعليل والقياس ، فلا قياس عندهم ولا تعليل ، بل يقولون بظاهر الأوامر والنواهي ، ولا ينظرون إلى العلل والمعاني ، فسموا ظاهرية لهذا المعنى ؛ لأنهم أخذوا بالظاهر ولم ينظروا في العلل والحكم والأقيسة الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة ، ولكن قولهم في الجملة أحسن من قول أهل الرأي المجرد الذين يحكمون الآراء والأقيسة ، ويعرضون عن العناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، لكن عليهم نقص ومؤاخذات في جمودهم على الظاهر ، وعدم رعايتهم للعلل والحكم والأسرار التي نبه عليها الشارع وقصدها ، ولهذا غلطوا في مسائل كثيرة دل عليها الكتاب والسنة .[مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز ]

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    داود الظاهري تحايل للقاء أحمد بن حنبل . . حيث كان صديقا لابنه صالح . .
    ورفض الموافقة على لقائه . . احتراما لكلام أهل العلم في خراسان مثل محمد بن يحيى و محمد بن رافع . .
    . .
    وهو كان من أهل البيان والأدلة كما وصفه الإمام أبو زرعة الرازي ولكن . .
    .. .

    قال سعيد بن عمرو البرذعي: قال لي أبو زرعة: ترى داود هذا، لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والأدلة، ولكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور، فكتب إلي محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى، وعمرو بن زرارة وحسين بن منصور، ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، ولم أبد له شيئًا من ذلك،
    فقدم بغداد، وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلم صالحًا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه فأتى صالح أباه.
    فقال له: رجل سألني أن يأتيك.
    قال: ما اسمه؟
    قال: داود.
    قال: من أين؟
    قال: من أهل أصبهان.
    قال: أي شيء صناعته؟
    قال: وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن.
    فقال: هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم القرآن محدث، فلا يقربني.
    قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره.
    فقال أبو عبد الله: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذنن له في المصير إلي.
    .
    .
    ومن يخطئ في تلك المسألة لاشك أن أي اجتهاد يتفرد به مجرد رأي خاطئ! خصوصا نفي التعليل . . مثل مسألة ـن الخمر من أصناف محددة . . بينما لو كان هناك خمر غير ماذكر في الحديث وإن كان شديداً فلا حرج. . .
    .
    ولكن هذا لايمنع أن كلمة "القياس" على وزن كلمة "الخياس"
    . .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الظاهرية وأصحاب الرأي مفرطون

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    ولكن هذا لايمنع أن كلمة "القياس" على وزن كلمة "الخياس"
    . .
    من جهة أوزان الكلمات وتصريف الفعل والاشتقاق هى على وزنها
    أما من جهة المعنى
    فكلمة "الخياس"
    الخَيْسُ، بالفتح: مصدر خاسَ الشيءُ يَخِيسُ خَيْساً تَغَيَّر وفَسَد وأَنْتَن
    وخاسَتِ الجيفة أَي أَرْوَحَتْ
    وخاسَ الطعامُ والبي خَيْساً: كَسَدَ حتى فسد، وهو من ذلك كأَنه كَسَدَ حتى فسد
    قال الليث: يقا للشيء يبقى في موضع فيَفْسُد ويتغير كالجوز والتمر: خائسٌ، وقد خاس يَخِيسُ، فإِذا أَنتن، فهو مَغِلٌ،
    وخيَّسَ الرجلَ والدابة تَخْيِيسا وخاسَهما: ذللهما
    المعجم: لسان العرب
    ـ خَيْسُ: الغَمُّ والخطأُ، والضلالُ،
    ـ قد خاسَ بالعَهْدِ يَخِيسُ خَيْساً وخَيَساناً: غَدَرَ، ونَكَث،
    ـ خاسَ الجِيفَةُ: أرْوَحَتْ.
    المعجم: عربي عامة
    خسّ الرّجل
    تَفُه، رذُل وحقُر وهان :-خسَّ سلُوكهُ وفعلُه ورأيُه.
    المعجم: عربي عامة
    خسّ الرّجل
    حقُر وتَفُه :-خسَّ فِعْلُه وقَوْلُه.
    المعجم: عربي عامة
    خسّ الرّجل
    فعل الخسيس، أتى بخسيس من الأفعال.
    خَسَّ
    خَسَّ الرَّجُلُ خَسَّ ُ خَسًّا: فَعَل الخسيسَ.
    و خَسَّ النَّصِيبُ: قَلَّ.
    و خَسَّ نَصيبَه: قَلَّلَه.
    لا تستبيح الدنايا خيس مكرمة …................. إلا احتمت من سجاياهم بأخياس
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    "القياس" على وزن كلمة "الخياس"
    . .
    اذا جعلت القياس أبو لمى على وزن الخياس فأنت حاطب ليل لا تفرق بين الغث والسمين ووضعت يدك على الافعى وأنت تحسبها من الحطب

    قال ابن عبد البر : حاطب الليل للذي يجمع الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والباطل والحق؛ لأن المحتطب بالليل ربما ضم أفعى فنهشته وهو يحسبها من الحطب.
    وقال الذهبي : قال يحيى بن يوسف الزمي: حدثنا ابن عيينة: قال لي عبد الكريم الجوزي: يا أبا محمد، تدري ما حاطب ليل؟ قلت: لا. قال: هو الرجل يخرج في الليل، فيحتطب، فيضع يده على أفعى، فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه، قتله علمه، كما قتلت الأفعى حاطب الليل.
    سير أعلام النبلاء (5/ 272) .
    *
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    "القياس" على وزن كلمة "الخياس"
    . .
    *********

    ردَّ أئمة التحقيق ، وبينوا أنه ليس كل قياس معتبر ، كما لا يمكن رد القياس الصحيح المنضبط ونفيه من الشرع .
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " إعلام الموقعين " ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " .
    قال الشنقيطي رحمه الله :
    اعلم أن تحقيق المقام في هذه المسألة
    : أن القياس قسمان :
    قياس صحيح ،
    وقياس فاسد .
    أما القياس الفاسد : فهو الذي ترِدُ عليه الأدلة التي ذكرها الظاهرية ،
    وتدل على بطلانه ، ولا شك أنه باطل ،
    وأنه ليس من الدِّين كما قالوا ، وكما هو الحق .
    وأما القياس الصحيح :
    فلا يرِد عليه شيء من تلك الأدلة ، ولا يناقض بعضه بعضاً ، ولا يناقض البتة نصّاً صحيحاً من كتاب ، أو سنَّة ، فكما لا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة : فإنه لا تتناقض دلالة الأقيسة الصحيحة ، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح ، بل كلها متصادقة ، متعاضدة ، متناصرة ، يصدق بعضها بعضاً ، ويشهد بعضها لبعض ، فلا يناقض القياس الصحيح النصَّ الصحيح أبداً .
    وضابط القياس الصحيح هو : أن تكون العلة التي علق الشارع بها الحكم وشرعه من أجلها موجودة بتمامها في الفرع ، من غير معارض في الفرع يمنع حكمها فيه ، وكذلك القياس المعروف بـ " القياس في معنى الأصل " الذي هو الإلحاق بنفي الفارق المؤثر في الحكم . فمثل ذلك لا تأتي الشريعة بخلافه ، ولا يعارض نصّاً ، ولا يتعارض هو في نفسه .
    وسنضرب لك أمثلة من ذلك تستدل بها على جهل الظاهرية القادح ، الفاضح ، وقولهم على الله ، وعلى رسوله ، وعلى دينه أبطل الباطل ، الذي لا يشك عاقل في بطلانه ، وعظم ضرره على الدين ،
    بدعوى أنهم واقفون مع النصوص ، وأن كل ما لم يصرح بلفظه في كتاب ، أو سنَّة فهو معفو عنه ، ولو صرح بعلة الحكم المشتملة على مقصود الشارع من حكمة التشريع
    ،
    فأهدروا المصالح المقصودة من التشريع ،
    وقالوا على الله ما يقتضي أنه يشرع المضار الظاهرة لخلقه .
    فمن ذلك :
    ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه : من أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لاَ يَقْضِينَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَين وَهُوَ غَضْبان ) ، فالنَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح نهى عن الحُكم في وقت الغضب ، ولا يشك عاقل أنه خص وقت الغضب بالنهي دون وقت الرضا ؛ لأن الغضب يشوِّش الفكر ، فيمنع من استيفاء النظر في الحكم ، فيكون ذلك سبباً لضياع حقوق المسلمين ، فيلزم على قول الظاهرية - كما قدمنا إيضاحه - : أن النهي يختص بحالة الغضب ، ولا يتعداها إلى غيرها من حالات تشويش الفكر المانعة من استيفاء النظر في الحكم ، فلو كان القاضي في حزن مفرط يؤثر عليه تأثيراً أشد من تأثير الغضب بأضعاف ، أو كان في جوع ، أو عطش مفرط يؤثر عليه أعظم من تأثير الغضب : فعلى قول الظاهرية : فحُكمُه بين الناس في تلك الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم : عفو ، جائز ؛ لأن الله سكت عنه في زعمهم ، فيكون الله قد عفا للقاضي عن التسبب في إضاعة حقوق المسلمين التي نصبه الإمام من أجل صيانتها وحفظها من الضياع ، مع أن تنصيص النَّبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن الحكم في حالة الغضب دليل واضح على المنع من الحكم في حالة تشويش الفكر تشويشاً كتشويش الغضب أو أشد منه ، كما لا يخفى على عاقل ،
    فانظر عقول الظاهرية ، وقولهم على الله ما يقتضي أنه أباح للقضاة الحكم في حقوق المسلمين في الأحوال المانعة من القدرة على استيفاء النظر في الأحكام ، مع نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم الصريح عن ذلك في صورة من صوره ، وهي الغضب ، بزعمهم أنهم واقفون مع النصوص .
    ومن ذلك :
    قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، فالله جل وعلا في هذه الآية الكريمة نص على أن الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يجلدون ثمانين جلدة ، وترد شهادتهم ، ويحكم بفسقهم ، ثم استثنى من ذلك من تاب من القاذفين من بعد ذلك ، وأصلح ، ولم يتعرض في هذا النص لحكم الذين يرمون المحصنين الذكور .
    فيلزم على قول الظاهرية :
    أن من قذف محصناً ذكراً ليس على أئمة المسلمين جلدَه ، ولا رد شهادته ، ولا الحكم بفسقه ؛ لأن الله سكت عن ذلك في زعمهم ، وما سكت عنه فهو عفو ! .
    فانظر عقول الظاهرية ، وما يقولون على الله ورسوله من عظائم الأمور ، بدعوى الوقوف مع النص .
    ودعوى بعض الظاهرية : أن آية ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ) شاملة للذكور بلفظها ، بدعوى أن المعنى : يرمون الفروج المحصنات من فروج الإناث ، والذكور : من تلاعبهم ، وجهلهم بنصوص الشرع ، وهل تمكن تلك الدعوى في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ ) ؟! ، فهل يمكنهم أن يقولوا : إن الفروج هي الغافلات المؤمنات ، وكذلك قوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَآءِ ) ، وقوله تعالى : ( مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) كما هو واضح .
    ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد : فإنه لا يشك عاقل أن علة نهيه عنه أن البول يستقر فيه لركوده فيقذره ، فيلزم على قول الظاهرية : أنه لو ملأ آنية كثيرة من البول ، ثم صبها في الماء الراكد ، أو تغوط فيه : أن كل ذلك عفو ؛ لأنه مسكوت عنه ، فيكون الله - على قولهم - ينهى عن جعل قليل من البول فيه إذا باشر البول فيه ، ويأذن في جعل أضعاف ذلك من البول فيه ، بصبه فيه من الآنية ، وكذلك يأذن في التغوط فيها .
    وهذا لو صدر من أدنى عاقل : لكان تناقضاً معيباً عند جميع العقلاء ، فكيف بمن ينسب ذلك إلى الله ورسوله عياذاً بالله تعالى بدعوى الوقوف مع النصوص ، وربما ظن الإنسان الأجر ، والقربة فيما هو إلى الإثم والمعصية أقرب ، .....
    ومن ذلك :
    نهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء ، مع سكوته عن حكم التضحية بالعمياء ، فإنه يلزم على قول الظاهرية : أن يناط ذلك الحكم بخصوص لفظ العوَر خاصة . فتكون العمياء مما سكت الله عن حكم التضحية به ، فيكون ذلك عفواً ، وإدخال العمياء في اسم العوراء لغة غير صحيح ؛ لأن المفهوم من العوَر غير المفهوم من العمَى ؛ لأن العور لا يطلق إلا في صورة فيها عين تبصر ، بخلاف العمَى فلا يطلق في ذلك ، وتفسير العور : بأنه عمى إحدى العينين لا ينافي المغايرة ؛ لأن العمى المقيد بإحدى العينين غير العمى الشامل للعينين معاً ، وبالجملة : فالمعنى المفهوم من لفظ العور غير المعنى المفهوم من لفظ العمى . فوقوف الظاهرية مع لفظ النص يلزمه جواز التضحية بالعمياء ؛ لأنها مسكوت عنها .
    وأمثال هذا منهم كثيرة جدّاً .
    وقصدنا : التنبيه على بطلان أساس دعواهم ، وهو الوقوف مع اللفظ من غير نظر إلى معاني التشريع ، والحكم ، والمصالح التي هي مناط الأحكام ، وإلحاق النظير بنظيره الذي لا فرق بينه وبينه يؤثر في الحكم .
    " أضواء البيان " ( 4 / 211 – 214 ) .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    فالمعنى المفهوم من لفظ العور غير المعنى المفهوم من لفظ العمى . فوقوف الظاهرية مع لفظ النص يلزمه جواز التضحية بالعمياء ؛ لأنها مسكوت عنها .
    وأمثال هذا منهم كثيرة جدّاً .
    وكذلك اذا كان المعنى المفهوم من القياس هو المعنى المفهوم من الخياس وعلى وزنه فلا فرق بين القياس الصحيح والباطل ولا فرق بين الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور-وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ ۝ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ ۝ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ ۝ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ۝ إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ
    فلا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة، كالأعمى والبصير لا يستويان، بل بينهما فرق وبون كثير، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات،
    وكذلك[ لا يستوى القياس الصحيح والفاسد]
    ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )
    أي :
    وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون فيه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •