خصائص القصة الشعرية عند الشعراء الصعاليك


د. أحمد الخاني





أولاً: في الشكل:
لنعد إلى النص الأول للقصة الشعرية الصعلوكية في لامية العرب، في غارته الليلية حيث يقول:
دعست على غطش وبغش وصحبتي سعار وإرزيز ووجر وأفكل

فهل يستطيع الدارس لهذا الشعر أن يفهمه دون قاموس يكون إلى جانبه ليفهم قول الشاعر في شعره؟.

يقول الشاعر: خرجت أخبط في الظلام والمطر، والحمى تغلي في جوفي والبرد والرعدة يقضقضان أسناني وأضراسي..

مثل هذه الألفاظ والتراكيب، قد بالغت في الخشونة، حتى في أدب تلك الفترة، وذلك لصعوبة حياة الصعلوك، فجاء أدبهم مرآة لحياتهم.

ولم تكن هذه سمة الأدب في هذا العصر؛ الإغراق في الخشونة، بل جاء بعضه بل قل: كثير منه، مفهوماً سائغاً حتى في عصرنا هذا، فشعر النابغة قد وصف بأنه البرود اليمانية الموشاة.. وشعر زهير في معلقته في منتهى اللباقة، وكأنه شاعر الأناقة، وذلك في تصويره مشهد الظعائن التي سارت تعلو الآكام بمنظرها الجميل، والنساء في الهوادج: (عليهن دل الناعم المتنعم):
علون بأنماط عتاق وكلة
وراد حواشيها مشاكهة الدم


ووركن في السوبان يعلون متنه
عليهن دل الناعم المتنعم


وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم


كأن فُتات العهن في كل منزل
نزلن به حب الفنا لم يحطم


فلما وردن الماء زرقاً جمامه
وضعن عصي الحاضر المتخيم



بعد هذا المشهد المسرحي الطريف الظريف الذي عبر عنه بالصورة والألوان، قطع الشاعر هذا المشهد لينتقل إلى غرضه الرئيسي، وهو مدح هرم بن سنان والحارث ين عوف بطلي الصلح بين عبس وذبيان.

ألفاظها أسهل من ألفاظ الشعراء الصعاليك، وأسلوبها أسلس وألين، حتى إن بعضها يشبه بالوشي، وبالبرود اليمانية، وليست هذه الصفة منطبقة على شيء من أدب الصعاليك.


ثانياً: في المضمون:
أما المضمون في قصة الصعاليك؛ فهو التعبير عن حياة الشاعر، عن شخصه، عن قوته وبطولته وشهامته، والهدف: إثبات الذات. واللون النفسي حزين، لصيق الصلة بنفسه كأنه خلق للألم وشظف العيش والمكابدة. فهو يبدو دائماً؛ إما طالب وإما مطلوب وأدب الصعاليك عموماً مرآة صادقة عن حياة هؤلاء الشعراء.