( قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ )
أي: الصَّحابةُ ، وتلامذةُ الصَّحابةِ ؛ والعلماءُ الَّذينَ هُمْ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ ؛ وَرَثَةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( فإنهم على علمٍ وقفوا ، وببصرٍ نافذٍ كفُّوا ).
فقسم حالَ الصَّحابةِ إلى قسمين:
الأوَّل: أنَّهم وقفوا على علمٍ ، فهم أعلمُ النَّاسِ ، أعلم هذه الأمَّةِ هم صحابةُ رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- وهم أحرى بالعلمِ من غيرِهِم ، وما بعدهم ينقصُ فيهم العلمُ.
فالصَّحابةُ هم أهلُ العلمِ، وأهلُ الإدراكِ ، وأهل العقولِ المستقيمةِ ، وأهلُ الأفهامِ المستنيرةِ ،
هم أهلُ فهمِ الكتابِ والسّنَّةِ ،
وتفسيرُ الكتابِ والسّنَّةِ إنَّما يؤخَذُ من مشكاةِ الصَّحابةِ رضوانُ الله عليهم .
وصفهم عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رضي الله عنه-
بقولِهِ:
(فإنَّهُم على علمٍ وقفوا) وقفوا على علمٍ ، العلمِ عن رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- أو على علمٍ علموه من الكتابِ والسّنَّةِ بما فهموه بما تقتضيه لغةُ العربِ ،
أو بما علَّمَه بعضُهُم بعضاً ،
فما ذكروه من المسائلِ ذكروه على علمٍ وعلى بصيرةٍ، هذا هو القسمُ الأوَّلُ.

والقسمُ الثَّاني:
ما كفّوا عنه وسكتُوا عنه ، قال : ( وببصرٍ نافذٍ كفّوا ) ببصرٍ نافذٍ كفّوا عمَّا كفّوا عنه ،
فلم يدخلوا في مسائلَ ممَّا دخل فيها من بعدهم ؛ لأجلِ عجزِهِم ، لا ،
ولكن لأجلِ نفوذِ بصرِهِم وبصيرتِهِم ، وفهمِهِم وإدراكِهِم وعلمِهِم ،
فإنَّهم تكلَّمُوا فيما تكلموا فيه على علمٍ وقفوا عليه
، وما سكتوا عنه أو لم يدخلوا فيه فإنَّهُم كفّوا عنه ببصرٍ وبصيرةٍ ،
وهذا هو الَّذي يجبُ .

فإنه يجبُ علينا أن ننبذَ الآراءَ والعقولَ والأفهامَ الَّتي تخالفُ ما كان عليه صحابةُ رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- في أمورِ الاعتقادِ جميعاً، بل وفي أمورِ الدِّين جميعاً .
فكلُّ ما كان عليه صحابةُ رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-
فهذا هو الميزانُ المستقيمُ الَّذي تزنُ به فهمَكَ
،
وتَزِنُ به الأحوالَ والأمورَ والفئاتِ والنَّاسَ ، لأنَّنا أُمِرْنَا بالاتِّباعِ.

وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رضي الله عنه- أوصانا بهذه الوصيَّةِ الكافيةِ الشَّافيةِ ، بأنَّنَا نتَّبعُ الصَّحابةَ ؛ لأنَّهُم تكلَّمُوا فيما تكلَّموا فيهِ على علمٍ.
فهديُ الصَّحابةِ واجبُ الاتِّباعِ ؛
سواءٌ كان ذلك في الأمورِ الاعتقاديَّةِ ،
أو كان ذلك في الأمورِ العمليَّةِ ،
أو كان ذلك في الأمورِ السّلوكيَّةِ ، يعني في أمور الأخلاقِ ، والعباداتِ ، والزُّهدِ ، ونحوِ ذلك.

فما جاوز طريقتَهُم فهو غُلُوٌّ ،
وما قَصُرَ عن طريقتهم فهو تحسيرٌ ، فما دونهم مقصِّرٌ،
وما زادَ على ما أتوا به فهو من الغلاةِ، والَّذين سيكونُ مآلُهُم إلى التَّقصيرِ والحسرةِ.

فهذا كلامُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ كمنهجٍ عامٍّ ،
وهو الَّذي
اتَّبعه الأئمَّةُ في أبوابِ الاعتقادِ والعملِ والسّلوكِ إلى آخره .
فقالوا: ما جاء عن الصَّحابةِ نأخذُهُ،
فمنهاجُ الصَّحابةِ هو الميزانُ، وفهمُ الصَّحابةِ هو الميزانُ ، وطريقةُ الصَّحابةِ هي الميزانُ ، فهم أهلُ العلومِ، وأهلُ العقولِ ، وأهلُ الأفهام .
[شرح لمة الاعتقاد للشيخ صالح ال الشيخ]
***
قال الشيخ ابن عثيمين

إنَّ مِن الناسِ منْ قَصَّرَ في اتِّباعِهم فكانَ جَافِيًا ، ومِن الناسِ مَنْ تَجَاوَزَهم فكانَ غَالِيًا ، والصِّراطُ المستقيمُ ما بينَ الغُلُوِّ والتَّقْصِيرِ .
**
قال الشيخ صالح الفوزان

(فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر)
(ما فوقهم): ما زاد على هديهم (محسر) يعني غالي ,محسر هو الغالي المتجاوز للحد.
(وما دونهم مقصر) الذي تكاسل عن اتباعهم وعن علمهم، فالذين خالفوا السلف بين أمرين: إما غالي وإما جافي , الأول محسر ,يعني: غالي ومتجاوز للحد ,والذي قصر دونهم، هذا مقصر ,لم يلحق بهم، وكلا الأمرين مذموم، والسلامة في السير معهم ,لا التقدم عليهم ,ولا التأخر عنهم، فسر معهم في منهجهم...
فالسلف بين المحسر وهو الغالي ,وبين المقصر وهو الجافي ,وهم على هدى مستقيم , هدى بين ضلالتين ,وحق بين باطلين، هذه طريقة السلف - رحمهم الله -بين الغالي والجافي، ودين الله بين الغالي والجافي ,دين الاعتدال والاستقامة،وهو الذي أمرنا الله أن نسأله أن يهدينا إياه في قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } , المعتدل بين الغالي والجافي.