تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    (الاهتمام)
    يزداد الاهتمام اليوم بالإسلام والمسلمين من قِبل أولئك الذين لا يدينون بالإسلام وليسوا من المسلمين،ليس هذا الاهتمام جديدًا على الإسلام والمسلمين؛ فقد اهتم به الآخرون منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام يقدم نفسه على أنه بديلٌ لجميع الأنظمة والقوانين القائمة التي تريد أن تهيئ للإنسان حياةً طيبة، وتحقق له الرفاه الاجتماعي، ولكنها في نظر المسلمين تقصر دون ذلك؛ لأنها لا تملك القدرة على وضع النظام المتكامل، الذي يهيئ للإنسان حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
    وازدياد الاهتمام بالإسلام والمسلمين اليوم ناتج على ما يبدو عن سببين رئيسيين؛ أولهما: هذه العودة الصادقة، التي يسميها بعض المتابعين بالصحوة أو الإحيائية الثانية، إلى الإسلام في المجتمعات المسلمة، والجاليات المسلمة المغتربة في المجتمعات غير المسلمة.
    والمسلمون اليوم - بفضل الله تعالى - موجودون في كل المجتمعات، وهم في ازدياد ملحوظ يأتي على حساب الثقافات الأخرى، التي ما فتئ المنتمون لها يحذرون من هذا "الطوفان" الذي يجتاح مجتمعاتهم في ضوء تناقصهم السكاني "الديموغرافي"، ومن ثم يغيِّر في التركيبة السكانية والتوجهات الثقافية.
    وكان المسلمون موجودين من قبل في الغرب خصوصًا، ولكنهم لم يكونوا يجهرون بإسلامهم بالصورة الواضحة التي يعلنونها اليوم، بل إن منهم من نسي الإسلام في تلك المجتمعات غير المسلمة، وربما أنه هرب من المجتمع الإسلامي المتدين واندمج في الثقافة الغربية بقدر عالٍ من النبه، فوصل به الأمر إلى الانسلاخ التدرجي من الهوية الإسلامية.
    وحيث وجد الفراغ الروحي لدى هذه الفئة بحثوا من جديد عن جوانب التعلق بالله تعالى، من خلال العقائد الموجودة في المجتمعات التي يعيشون فيها، ومن ذلك إعادة النظر فيما انسلخوا عنه من قبل، والتفكير بالعودة إليه في ضوء القلق الذي يجتاح الثقافات الأخرى، التي نظر إليها من قبل على أنها هي البديل الأولى.
    هذا مع عدم إغفال ما ترتب على هذه العودة، أو الصحوة أو الإحيائية، من تطورات في فهم الإسلام، خرجت به في حالات عن الفهم الصحيح، مما ترتب عليه نشوء حالات من الغلو (التطرف) من جانبين؛ غلو في الالتصاق بالدين، وغلو في تكييف الدين للحياة الجديدة، لا تكييف الحياة الجديدة للدين، وبرزت آثار ذلك محليًّا وعالميًّا على المستوى الفردي أو على مستوى الجماعة، مما كان سببًا في امتطاء الإسلام في أعمال لا يقرها الإسلام الذي قام على السماحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن داخل المجتمع المسلم وخارجه.
    والسبب الثاني الرئيسي لزيادة الاهتمام بالإسلام أنه مع عودة المسلمين إلى الإسلام بدأ انحسار العقائد الأخرى لدى الآخر[1]، تلك التي كانت تشغل الساحة العالمية؛ كالشيوعية مثلًا، فعندما انقشعت الشيوعية عاد معتنقوها إلى خلفياتهم السابقة، التي أخفيت قبل تسعين سنة مضت منذ الثورة البلشفية في ذي الحجة من سنة 1335هـ أكتوبر من سنة 1917م، فالنصارى بدؤوا يتلمسون نصرانيتهم من جديد، والمسلمون وجدوا في العودة إلى الإسلام بديلًا للتوجه الشيوعي أو الاشتراكي أو القومي المناهض أو العلماني للدين، الذي فرض على معظمهم بقوة السلطان والثورات، حتى وصل بعضهم إلى الاقتناع به خيارًا وحيدًا للحياة[2].
    ومع هذا التفرغ لوحظ أن الذي يمكن أن يملأ هذا الفراغ هو الإسلام؛ ولذا كان لا بد من زيادة الاهتمام بالإسلام والمسلمين، ليس بالضرورة رغبةً في التعرف عليه لتبنِّيه، ولكن الذي يبدو هو محاولات تجنبه، والحد من انتشاره وعدم حلوله بديلًا للأنظمة المنتعشة والقائمة آنذاك.
    ومن المؤسف أن الإسلام في المجتمعات غير المسلمة يقدم علميًّا وثقافيًّا من خلال مجموعة من مراكز الدراسات الإسلامية أو العربية أو الشرق أوسطية الأكاديمية، ويجمعها جميعًا اسم المراكز الاستشراقية، وبعض هذه المراكز ينطلق من خلفية معادية للإسلام، فهي تصور الإسلام بالصورة التي صوره فيها طلائع أرباب هذه المراكز قبل أكثر من ثمانمائة سنة خَلَت[3]، لا سيما مع انتهاء حروب الفرنجة أو الحروب الصليبية، وعودة الصليبيين إلى ديارهم من دون تحقيق الأهداف التي جاؤوا إلى الشرق من أجلها[4].
    ولا يعتقد، في الجانب الآخر، أن المراكز الإسلامية "الدعوية"[5] التي يديرها مسلمون قد وفقت إلى الآن في تقديم الإسلام بصورته الواضحة لغير المسلمين على المستوى الذي تقدمه لهم مراكز الدراسات الإسلامية الاستشراقية، لأسباب متعددة، من أهمها: قلة العلماء في المراكز الإسلامية، وقلة الإمكانات من الأموال والكتب، وبالتالي ضحالة المعلومات التي تقدم الإسلام للآخر بصورته الواضحة.
    ومع أن المراكز الإسلامية "الدعوية" التي أقامتها الجاليات المسلمة المغتربة ذات طابع دعوي، إلا أنها تقتصر في أغلب الأحيان على دعوة المسلمين أنفسهم، وإن كانت أحيانًا تمد خدماتها لغير المسلمين.
    ويحاول الدعاة والعلماء الآن في المجتمعات المسلمة والتجمعات الإسلامية، نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام إلى المجتمعات غير المسلمة، كما أنهم يحاولون كذلك توضيحَ الإسلام الصحيح للمسلمين العائدين إلى الإسلام، مثل حرصهم على تقديمه لغير المسلمين.
    وليست هذه المناقشات بصدد طرح أوليات العمل الإسلامي في الخارج، بقدر ما يراد منها التوكيد أن هذا الاهتمام المتزايد بالإسلام والمسلمين اليوم يفرض على المسلمين نمطًا مختلفًا من التعامل مع الآخر في الجوانب العلمية والدعوية، يستوجب الحرص المتواصل، من قِبل المعنيين بشأن العلاقات بين الشرق والغرب، أو العالم الإسلامي والآخر، على العمل لتقديم الإسلام بصورته الصحيحة، بدلًا من أن يتركَ المجال لتلك الفئات التي أخطأت في فهم الإسلام، ونقلت هذا الخطأ في الفهم إلى الآخرين، فتراكمت الأخطاء، وخسر الجميع.


    [1] يعبر بالآخر بدلًا عن الغير كلما وردت؛ لما يحدثه لفظ الغير من لبس في اختيار اليهود له يعبرون به عن غير اليهود، وربما يسمونهم الأغيار، مع الأخذ بالاعتبار قرارات المثقفين العرب، الذين عقدوا لقاءً في تونس، سنة 1405هـ/ 1985م، سعوا فيه إلى وضع إستراتيجية ثقافية عربية، ومن ضمنها اختيار "الغير" بدلًا من "الآخر"،وكنت قد استخدمت لفظة "الغير" في الطبعتين السابقتين، فعدلت عنها في هذه الطبعة.
    [2] انظر: هيثم الجنابي،الإسلام في أوراسيا - دمشق: دار المدى، 2003م - ص 287.
    [3] انظر على سبيل المثال: هنري ماسيه،الإسلام/ ترجمة بهيج شعبان، تقديم مصطفى الرافعي، تعليق محمد جواد مغنية - ط 3 - بيروت: منشورات عويدات، 1988م - ص 282.
    [4] سيأتي نقاش دوافع الحروب الصليبية في المحدد الخامس: الحروب،وانظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - بيروت: دار الفارابي، 2008م - ص 182.
    [5] سميت بالدعوية هنا؛ لأنها تمارس الدعوة إلى الله بالمفهوم الشامل لمصطلح الدعوة إلى الله، الذي تتعدد وسائله، وتقيم شعائر الإسلام، بخلاف المراكز "العلمية" التي تنحو منحى معاكسًا لهذه المراكز، فتعتمد في الغالب الإسهام في تشويه الإسلام.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    (الحقائق)

    هناك حقائق عدة تحكم العلاقة بين المسلمين والغرب، وليس كما يقال عادة بين الإسلام والغرب، ولا بد من وضع هذه الحقائق في الحسبان عند اعتبار هذه العلاقة، ومن هذه الحقائق تلك التي ذكرها المؤلف هادي المدرسي في كتابه: لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب[1]، ومجمل هذه الحقائق يتلخص في الآتي:
    1- الحقيقة الأولى: أن ذاكرة المسلمين تحتفظ بصورة سلبية حول تعامل الآخر معهم؛ ذلك أن العالم الإسلامي قد تعرض، ولا يزال يتعرض، لهجمات غير مسوغةٍ من قبل أرباب الديانات الأخرى وأتباعها.
    2- الحقيقة الثانية: أن معظم أقطار العالم الإسلامي قد تعرضت للاحتلال "الاستعمار" العسكري المباشر، الذي جثم على المجتمع المسلم رَدَحًا من الزمان، تخطى في بعض الجهات مئات السنين، وترك آثارًا سلبية ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، لا تزال المجتمعات المسلمة تعاني منها.
    3- الحقيقة الثالثة: أن هناك تمييزًا ضد المسلمين قائم على سوء فهم العالم الإسلامي، مبني على استقاء المعلومات من علماء غربيين مستشرقين، لم يكونوا في مجملهم منصفين للمسلمين، ولقد ذكر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن المسلمين أنه: "ليس هنالك من شعب له صورة سلبية عند الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي"[2]، فيُكبَّر ما يتعرض له الغربيون من بعض المسلمين، ويُصغَّر ما يتعرض له المسلمون من بعض الغربيين.
    4- الحقيقة الرابعة: أن هناك خلطًا بين المسلمين وبعض الحكومات التي لا تمثل بالضرورة المسلمين فيها، وحتى تزداد الصورة وضوحًا، فإن هذا ينطبق على الحكومات الشيوعية التي فرضت على شعوب مسلمة، ومثل هذا يقال عن أولئك الذين سعوا إلى تبني الشيوعية أو الاشتراكية أو القومية أو العلمانية بديلًا من الإسلام.
    أفرزت هذه الحقائق الأربع تنميطَ العالم الإسلامي إلى أنه عالم يتعطش للحروب، مع أنه هو المحارَب، وبالتالي ظهر الفهم الخاطئ أن الإسلام يدعو أتباعه إلى العنف والإرهاب، بالمفهوم الغربي للإرهاب، القائم على الترويع والتخريب، وأخذ الأبرياء بأخطاء المذنبين.
    كما أفرزت هذه الحقائق اعتبار المسلمين قوة جيوسياسية موحدة متزايدة من حيث السكان والثروات؛ إذ يؤلف المسلمون الأكثرية في ستين (60) دولة، ويتجاوز نمو المسلمين 15% من حيث تحول الناس إليه (الهداية)، ومن حيث التكاثر، ويحتضن العالم الإسلامي 66% من نفط العالم، و37% من الغاز[3]، والموارد البشرية، ونسبًا عالية من الثروات الطبيعية الأخرى؛ كالفوسفات مثلًا،ومن ثم ظهرت الدعوة إلى تجزئة العالم الإسلامي وتفتيته ومنعه من الوحدة، بل وإثارة المشكلات؛ لتضرب دول العالم الإسلامي بعضها ببعض، فيدعم الطرفان بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما حدث بين العراق وإيران، ثم بين العراق والكويت.
    ومن الدعم غير المباشر كذلك زيادة حدة التوترات في العالم الإسلامي في المجال الفكري، ثم تأييد حركة الحداثة لمواجهة الحركات الإسلامية[4]، التي تسمى بالأصولية، وضرب هؤلاء بأولئك[5]، وكذلك تأييد الحركات الانفصالية للأقليات غير المسلمة داخل العالم الإسلامي، كما هو حاصل في جنوب السودان وشرق تيمور في إندونيسيا،وربما قيل: إن هذه الحقائق الأربع لم تنطلق من واقعية في التطبيق، وبالتالي فإنها غير صحيحة، ويذكر هادي المدرسي أن عدم واقعيتها وعدم صحتها نابعٌ من وجهات عدة:
    أولها: أنها تستند إلى مبدأ احتلالي "استعماري" قديم، هو: فرِّقْ تَسُدْ، وهو مصطلح سياسي عسكري اقتصادي، الأصل اللاتيني له: "divide et impera"،ويعني تجزئة قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة بعضها مع بعض، مما يسهل التعامل معها، كذلك يتطرق المصطلح للقوى المتفرقة التي لم يسبق أن اتحدت، والتي يراد منعها من الاتحاد وتشكيل قوة كبيرة يصعب التعامل معها[6]،ويترجم ذلك قول الشاعر العربي:
    تأبى الرماحُ إذا اجتمَعْنَ تكسُّرًا *** وإذا افترَقْنَ تكسَّرَتْ آحادَا.
    وثانيها: أن الإسلام يقف بأتباعه صفًّا واحدًا لأي عدو خارجي، مهما كانت المحاولات لتمزيقه إلى طوائف وقوميات وأعراق.
    وثالثها: أن هناك انبعاثًا جديدًا في العالم الإسلامي سمي بالصحوة، وهناك من يتحفظ على هذه التسمية، والإسلام ليس دينًا منفصلًا عن الحياة، كما هو الحال التي آلت إليه في الأديان الأخرى، وأن الإسلام نفسَه بالمسلمين هو الذي يأتي في "مقدمة الأسباب المحورية التي أدت إلى انهيار الشيوعية في العالم الشيوعي نفسه"[7].


    [1] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - بيروت: دار الجديد، 1996م - ص 174.
    [2] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 102.
    [3] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 100 - 101.
    [4] انظر: عبدالإله بلقزيز، محاور،الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004م - ص 147 - (سلسلة حوارات المستقبل العربي: 1).
    [5] انظر: محمد عمارة،الأصولية بين الغرب والإسلام - القاهرة: دار الشرق، 1418هـ/ 1998م - ص96.
    [6] انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة على موقعها في الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" - 6/ 12/ 1430هـ، الموافق 23/ 11/ 2009م.
    [7] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 102.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    المسلمات
    تنطلق المسلمات الآتية من خلال عدد من النقاط التي يمكن أن ينظر إليها على أنها كذلك، أو على أقل تقدير ينبغي أن ينظر إليها على أنها الأرضية التي تمهد لهذه المسلمات، على ألا ينظر إليها على أنها موجهات بقدر ما هي تحديد للهوية التي تنطلق منها،ويمكن النظر إلى هذه المسلمات من خلال الآتي:
    أولًا: أن الحديث عن الإسلام وعلاقته بالثقافات الأخرى السابقة والقائمة واللاحقة حديث طويل ومتفرع، ويخضع للرأي في كثير من الأحوال، إلا أن ضابطه دائمًا، من وجهة نظرنا نحن المسلمين، مبدأ الولاء والبراء من جهة[1]، والتعامل المطلوب والتفاعل المتوقع القائم على السماحة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، دون الذل والتهاون من جهة ثانية.
    ثانيًا: لم تعد كلمة الغرب توحي بالجهة المقابلة للشرق، ولكنها أضحت مدلولًا اصطلاحيًّا يعني ثقافةً غربية، بغض النظر عن الجهة،وأمست هذه الثقافة الغربية تفضي إلى مناقضة الإسلام، مما يدعو إلى اتخاذ موقف من هذه الثقافة،ومما يدعو أيضًا إلى تصحيح هذا المفهوم القائم على التناقض.
    ثالثًا: أن الموقف المتخذ تجاه الغرب قد يكون على أنواع ثلاثة:
    فالنوع الأول: هو الذي يلفظ الغربَ، بكل ما توحيه الكلمة من ثقافة مستعلية، بل وأعراق تزعم الفوقية، إلى درجة القول: إن الغربيين أنصاف آلهة، وغيرهم من الملونين أنصاف بشر!
    والنوع الثاني: هو ذلك الموقف الذي يتقرب إلى الغرب، ويحاول تطويع الإسلام له، لا تطويعَه للإسلام، ويعتذر للغرب إذا كان في الإسلام ما لا يتفق مع الثقافة الغربية.
    والنوع الثالث: هو ذلك الموقف الذي يرى أن الغرب ساحةٌ مفتوحة، متعطشة إلى الاستقرار الروحي والذهني والاجتماعي، وأن الفرصة مؤاتية لتقديم هذا الاستقرار بأنواعه من خلال الإسلام.
    رابعًا: أن الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه القوة الكامنة، أو العدو القادم، أو الخطر القائم[2]،وهو على ما يبدو يخشى هذه القوة القادمة؛ لِما يعتقد من أنها ستؤثر مباشرة في معطيات الحضارة الغربية، وسترجع الشعوب والحضارات إلى الوراء، وما يتبع ذلك من خسران للتجربة الديمقراطية الغربية في المنزل والمكتب والمدينة والمقاطعة والولاية والدولة.
    خامسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهو الإسلام هنا، يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، بُنِيت على تشويه الإسلام، ذلك التشويه الذي أججته مواقف المسلمين من الحروب الصليبية، وعدم سماحهم للحملات بالنجاح على حساب المسلمين.
    سادسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهم المسلمون هنا، يقوم أيضًا على فكرة التنصير، وأن الشرق ينبغي أن يكون غربًا في المفهوم الديني كذلك، وأنه في سبيل إنقاذ الشرق من أي شر لا بد أن يتحول الشرق إلى عالم نصراني.
    سابعًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهي البلاد الإسلامية هنا، يقوم كذلك على خلفية احتلالية "استعمارية"، كانت في يوم من الأيام هي المسيطرة على الشرق، حينما كان الشرق نائمًا لا يملك قدرات بشرية تفكر وتقود وتعمل.
    ثامنًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهي البلاد الأخرى هنا، يقوم أيضًا على نظرة عرقية، مُفادها تفوُّق الأعراق الأوروبية من آرية وغيرها على الأعراق الأخرى، بل والأجناس الأخرى؛ كالسامية، فيما يتعلق بالعرب من المسلمين،وهذه النظرة وما قبلها أَمْلَتْ على الغرب الشعور بالفوقية والسمو على الأجناس الأخرى.
    تاسعًا: أن الشرق الآن، والعالم الإسلامي منه بخاصة، يعيش حالةً من النهوض نسميها بالصحوة، أو بالعودة إلى الدين، مما يجعل نوع العلاقة مع الغرب يأخذ شكلًا آخر هو أقرب إلى الأشكال التي قامت عليها العلاقة قبل الحملات الصليبية التسع، وأثناءها، وبعدها قليلًا.
    عاشرًا: أننا لا نزال حقيقةً في حوار ذاتي داخلي حول العلاقة مع الغرب، من منطلق الأنواع الثلاثة التي ذكرت من قبل في "ثالثًا"،ويعتم د الأمر عندنا على فهم الشرق وفهم الغرب في آنٍ واحد، مما يوحي بالتخصصية هنا.
    من هذه النقاط العشر السابقة ينطلق النقاش حول المحددات، في معالجة العلاقة بين الشرق والغرب من وجهة نظر فريدة سوف تسعى إلى أن تقف عند كل فقرة من الفقرات أو النقاط أو المحددات، وتناقشها مناقشة تعبر عن ذاتية المناقش المبنية على قاعدة علمية موضوعية، مما يجعلها نفسها قابلة للنقاش، ومن باب أَوْلى قابلة للأخذ والرد.


    [1] الولاء والبراء مفهوم شرعي، ذو صلةٍ بعقيدة المسلم في علاقته مع الغير،وهناك جدلٌ قائمٌ حول معناه ومبناه،كما أن هناك تفسيرات قد يظهر عليها التشدد، وأخرى قد يظهر عليها التسامح في التعامل مع الآخر، لا سيما مع أولئك الذين هم ليسوا في حالة حرب مع المسلمين،وهذا ما يأخذ به هذا الكتاب،انظر: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني،الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف - الرياض: دار طيبة، 1405هـ/ 1985م - ص 476،
    [2] انظر: فنسان جيسير،الإسلاموفوبيا/ ترجمة محمد صالح ناجي الغامدي وقسم السيد آدم بله - الرياض: المجلة العربية، 1430هـ/ 2009م - ص192.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    (الجغرافيا)



    انطلق الاهتمام بالبعد الجهوي الجغرافي منذ القدم، حيث العلاقات بين الفرس والروم من جهة، والعلاقات بين الهنود والروم من جهة أخرى،وهي وإن لم تكن علاقات ظاهرة وقوية إلا أنها تعد الانطلاقة التي روعيت فيها الجهوية بين الشرق والغرب، وكتب يوهان فلفجانج جوته (1749 - 1832) ديوان الشرق والغرب، وكتب فريدريش عن لغة الهند وحكمتها[1]،ثم زاد المفهوم الجهوي بوضوح أكثر في القرون الأولى لظهور الإسلام، عندما بدأ الاهتمام بصياغة علاقة جهوية بين الشرق والغرب، وكتب نورمان دانييل كتابًا أعطاه هذا العنوان: الإسلام والغرب[2].
    ولقد كُتِب الكثير عن الشرق والغرب من كتب ومقالات ومحاضرات،ولا يزال الموضوع يزداد حيوية بازدياد الحوار بين الشرق والغرب، أو بين المسلمين والغرب على وجه التحديد، مهما أخذ الحوار من أشكال كان من آخرها ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية (نيويورك وواشنطن)، في الثلث الأخير من السنة الميلادية 2001م، (الثلاثاء 11/ 9/ 2001م)، الموافق 22/ 6/ 1422هـ.
    وسعيًا إلى استبعاد البعد الجغرافي في هذا النقاش، نجد أنه يعيش الآن في الغرب ما يزيد على سبعة وخمسين مليونًا وستمائة وخمسين ألف (57،650،000) مسلم ومسلمة، لهم أماكنهم التي يؤدون فيها عباداتهم، وأوجه نشاطهم الأخرى، ومنها آلاف المساجد التي تقدر في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأكثر من ستة آلاف (6000) مسجد[3]، وفي فرنسا حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة (3،500) مسجد، منها مائة وعشرة (110) مساجد في باريس الكبرى، هذا عدا عن المدارس الرسمية والخاصة، والمقابر والمجازر والمحلات التجارية والنوادي والمكتبات.
    واعترفت بعض الدول الغربية بالدين الإسلامي، وكونِه في دول أخرى يكون الدين الثاني في الدولة؛ كما في بلجيكا،ودخل المسلمون المعترك السياسي في الحكومات المحلية والمجالس البلدية؛ كما في فرنسا وبريطانيا، مما يوحي ذلك كله أن هناك تأثيرًا للمسلمين في الغرب يفوق حادثة عارضة حسبت على المسلمين، مهما كانت آثارها السلبية التي خلفتها،وهذا يدل على مزيد من التنامي للإسلام في الغرب.
    وفي ضوء هذا التنامي المستمر للإسلام بفعل التأثير الطيب والحكمة والممارسة الجادة للإسلام من قبل أهله وترسيخ مفهوم القدوة في السلوكيات، ينتشر الإسلام في الغرب، كما انتشر من قبل في الشرق، وفي جنوب العالم القديم.
    ومما يطرح الآن في الإعلام أن حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م، قد كان لها أثرها السلبي على انتشار الإسلام في الغرب،وهذا هو التوجه السائد عند طرح هذا الموضوع، والتوجه غير السائد هو أن الحادثة مهما كانت قوتها ومهما كان وقعها ومهما ألصقت بالمسلمين، إلا أنه لا ينتظر لها أن تؤثر سلبًا.
    ومما ذكر في هذا المجال ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس، وكان يؤدي عملًا علميًّا في الولايات المتحدة الأمريكية، في خطبة له في المركز الإسلامي بواشنطن العاصمة؛ إذ ألقى في أحد أيام الجمعة خطبةً مؤداها ومنطلقها قوله تبارك وتعالى في حديث الإفك: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]،وليس هذا تقليلًا من آثار ما حدث، ولكنه حدث على أي الأحوال، ولا تزال ظروفه التي حدث بها موضع غموض وجدل وحوار[4].
    ويظهر أن هذا الغموض والجدل والحوار سيدوم طويلًا، وسينتج عنه تعضيدٌ لحركة الاستشراق السياسي، التي مر عليها حين من الدهر كانت فيه راكدة، فجاءت الأحداث لتعيد لهذه الظاهرة شيئًا من حيويتها وبريقها الذي كانت عليه، بما في ذلك تركيزها على الظاهرات الاجتماعية، واتخاذ الأنثروبولوجيا مرتعًا خصبًا لها[5]، بدلًا من الاهتمام بشؤون الإسلام الأخرى التي سبقت تغطيتها من قِبل المستشرقين الأوائل، الذين لم يكونوا جميعًا بالضرورة إيجابيين مع القضايا الإسلامية[6]، وستثري المكتبة العالمية، ومنها العربية والإسلامية، بالمزيد من الكتب والدراسات والبحوث التي ستتحدث عن الإسلام والمسلمين، وبيان الموقف الإسلامي من الأحداث القائمة التي تلت حادث يوم الثلاثاء 22/ 6/ 1422هـ الموافق 11/ 9/ 2009م، وبيان الموقف الإسلامي المؤصل من العنف والتخريب، والتخويف والإرهاب.
    وسيكون هناك طرح من المدرسة اليهودية/ الصهيونية في الاستشراق في محاولة لبيان أن هذا هو الإسلام، وستكون هناك ردود فعل من المتلقين من غير اليهود، وربما من بعض اليهود الذين سبروا اليهودية/ الصهيونية، وقد تعرفوا على موقفهم من العرب والمسلمين.


    [1] انظر: إدوارد سعيد،الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق/ ترجمة محمد عناني - القاهرة: رؤية، 2006م - ص 76.
    [2]لا بد من التفكير في وضع قائمة وراقية (ببليوجرافية) تحليلية حول ما كتب عن موضوع الشرق والغرب، عن طريق مراكز البحث العلمية؛ إذ إن مثل هذا الجهد العلمي يحتاج إلى عمل مؤسسي، ولا يتصور أن يضطلع به شخص بعينه، حتى مع هذا التطور الهائل في تقانة المعلومات ونقلها إلكترونيًّا.
    [3] انظر: نشرة أصفار،أوسع دراسة عن الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية: صيرورة المستقبل من "أمة الإسلام" إلى عصر المؤسسات والجامعات - أصفار - ع 68 (تموز 2004م) - ص 5.
    [4]انظر على سبيل المثال: تيري ميسان،11 أيلول 2001: الخديعة المرعبة/ ترجمة سوزان قازان ومايا سلمان - دمشق: دار كنعان، 2002م - ص218،وانظر كذلك التقرير الرسمي عن هذا الحدث الذي صدر عن الكونجرس الأمريكي لسنة 2004م في 600 صفحة.
    [5]أعدت مجلة الاجتهاد، التي تصدر من بيروت، ويرأس تحريرها كلٌّ من الأستاذ الدكتور الفضل شلق والأستاذ الدكتور رضوان السيد: ملفًّا موسعًا عن الاستشراق والأنثروبولوجيا ، غطى خمسة أعداد 47 و48 و49 و50 و51 للسنتين صيف وخريف 1421 إلى ربيع وصيف 1422هـ، الموافق 2000 - 2001م،والمؤلم علميًّا وفكريًّا أن تتوقف هذه المطبوعة عن الصدور.
    [6] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - الرياض: مكتبة التوبة، 1424هـ/ 2003م - ص 210.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    (التسويغ)




    يصعب على المرء أن يمر في هذا الظرف المؤلم المتمثل في أحداث الثاني والعشرين من جمادى الثانية 1422هـ الموافق الحادي عشر من سبتمبر 2001م وتداعياتها من دون أن تظهر علامات الاستنكار المكتوبة أو المذاعة حوله،والذين يقرؤون بعض الكتابات الغربية في الصحافة الغربية يقرؤون عجبًا من القول؛ إذ جُنِّدت أقلام للتعليق على الحدث النتيجة الذي تضررت منه الحضارة اليوم، وأعادت التفكير في هذا التقدم المادي الذي بدت عليه الهشاشة، لا سيما أنه تقدم قام على حساب المثل والمعطيات الروحية للأمم.
    ولقد قيل كثيرًا من قبل: إن هذه الحضارة التي نعيشها اليوم إنما تؤكد على البعد المادي للحياة، ومن ثم فإنها حضارة الضياع،وتبع هذا تجاهل ما أنجزته هذه الحضارة من صنوف الثقافة والسلوكيات الإنسانية التي تتمناها بعض الشعوب، وكانت هناك دعوات ولا تزال إلى الالتفات إلى البعد الروحي للحياة دونما إغفال الأبعاد المادية.
    ومن الصعب على المرء أن يقف موقفًا ذاتيًّا غير موضوعي حول هذا الظرف المؤلم الذي يمر به العالم الإسلامي خصوصًا، ويمر به العالم عمومًا، فمهما قيل على المستوى الرسمي إلا أن الطرح الإعلامي والسلوكيات الشعبية في أوروبا وأمريكا ثم في أستراليا وما جاورها، حمَّلَتِ الإسلام مسؤولية ما حدث، وهذا يذكر بالدعوة الملحة إلى أن تصرفات المسلم، أيًّا كان هذا المسلم، ليست دائمًا هي حجة على الإسلام، بل إن الإسلام نفسه هو الحجة على تصرفات المسلمين وسلوكياتهم.
    ومع بساطة هذا الطرح إلا أنه لم يؤخذ في الحسبان عند النظر والتحليل إلى الأحداث التخريبية الترويعية، التي يزعم أنها قامت بسبب من أفراد مشتبه فيهم ينتمون للإسلام،يقول عبدالوهاب المؤدب: "ليس الإسلام أصلَ الداء الذي أقصد تناولَه؛ فأولئك الذين اعتنقوا الإسلام عملوا على إبدال حتى بنية الحضارة، فليس الإسلام بالتالي هو أصلَ المصيبة، بل المصيبة هي ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام"[1].
    وتعلو المرءَ الدهشةُ من إخوة غير متخصصين في علوم الشرع ينبرون على المنابر وفي وسائل الإعلام بجرأة غير مسبوقة في طرح آرائهم واعتقاداتهم حول موقف من المواقف أو حادثة من الحوادث، ويجعلون من هذه الآراء أحكامًا شرعية صريحة قاطعة، في الوقت الذي لا نجد فيه لهم حظًّا من العلم الشرعي، وإن كانوا نوابغ في تخصصات علمية أخرى،ولا يراد من هذا الاستنكارِ على هذه الفئة الحجرُ على الآراء والأفكار؛ لأنه قد يفهم ذلك من هذا الطرح.
    ولقد سمعت أستاذًا في الفلسفة في جامعة عربية ومن خلال قناة فضائية ينفي تمامًا استمرارية الجهاد، وأنه شعيرةٌ انتهت بانتهاء انتشار الإسلام، ولم يعد هناك جهادٌ إلا ما يتداول من بقاء الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس،أما الجهاد بمفهوم القتال ونشر الدين والدفاع عن الأرض والمقدسات من منطلقات شرعية واضحة فهو عند هذا الأستاذ قد انتهى[2].
    وفي مثل هذه الأقوال فتش عن المستشرقين وأثرهم على المفكرين المسلمين،فهم الذين روجوا لتعطيل الجهاد بمفهوم القتال؛ لأنه كان ولا يزال الوسيلة التي يخشاها المحتلون "المستعمرون"، الذين احتلوا بلادًا كثيرة، من بينها معظم بلاد المسلمين، فظهرت الأقوال التي بُنِيَت عليها فرق داخل المسلمين؛ كالأحمدية[3]، تدعو إلى تعطيل الجهاد؛ رغبة في عدم مقاومة المحتلين،والدخو ل في هذا الموضوع يستدعي سياحة علمية فكرية تطول، ولعل الفرصة تتاح لمواصلة طرح هذا الموضوع بقدر عالٍ من الموضوعية المنشودة.





    [1] انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي/ نقله إلى العربية محمد بنيس وعبدالوهاب المؤدب - بيروت: دار النهار، 2002م - ص 8.
    [2] قسَّم ابن القيم الجهاد إلى أربع مراتب، وتحت كل مرتبة مراتب فرعية، بحيث أعطى الجهاد ثلاث عشرة مرتبة، ولم يُغفِل القتال كإحدى هذه المراتب،انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي،زاد المعاد في هدي خير العباد/ حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط - 5 مج - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1399هـ/ 1978م - 3: 9 - 11.
    [3] انظر: محمد بن إبراهيم الحمد،القاديانية - الرياض: دار القاسم، 1417هـ/ ؟996م - ص 32 - (سلسلة رسائل في الأديان والمذاهب والفرق، 3) وانظر أيضًا: القاديانية - ص 416 - 420 - في: الندوة العالمية للشباب الإسلامي،الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة/ بإشراف مانع بن حماد الجهني - ط 5 - 2 مج - الرياض: دار الندوة العالمية، 1424هـ/ 2003م - ص1224.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    المحدد الأول – الجهوية (1) الالتقاء










    جرى التوكيد في القسم الأول من هذه المقالات عند مناقشة منطلقات العلاقة بين الشرق والغرب على إغفال الجغرافيا أو الجهة؛ ذلك أن نعت الطرفين بصورة قابلة للمقارنة يؤيد هذا الإغفال، وهما طرفان في ظاهرهما غير متقابلين، فالغرب، جهة، والشرق في هذا الاستخدام الاصطلاحي يمثل دينًا لا يعترف بالجهات من حيث التأثير،ولعل من أسباب التوكيد على استخدام كلمة الإسلام في مقابل الغرب الإيعاز الفعلي بأن الغرب ثقافة، وبالتالي الابتعاد عن المقابل الجغرافي، وهو الشرق،والحديث لا ينصب على الغرب في مقابل الشرق، بل على الإسلام الدين في مقابل الغرب الثقافة والتوَجُّه.
    والابتعاد عن الشرق الجهة والثقافة الشرقية مقصود أيضًا بالتوكيد على الإسلام؛ لأن مدار الحديث هو المقابلة بين الإسلام؛ لكونه اليوم متركزًا أكثر في الشرق بالنسبة للغرب، ولكون الشرق أيضًا مليئًا بالثقافات والملل والنحل الأخرى غير الإسلام.
    ويؤيد هذا التوزيع زعم بعض مفكري الغرب، وهو الشاعر روديارد كيبلنج (1865 - 1936م)، بمقولته المشهورة: إن الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان،وهو يعني بهذا أنهما سيظلان مختلفين، فسيظل الشرق شرقًا بمعطياته الثقافية والحضارية والآثارية والتراثية، وسيظل الغرب غربًا بمعطياته الثقافية والحضارية والتقانة والنظام[1].
    ويزعم هذا الادعاء أن الشرق قد أدى دوره في الحياة، ثم تنازل للغرب الذي يقود اليوم مسيرة الحضارة،وبقي الشرق على ما هو عليه في ماضيه وتاريخه مجالًا للدراسة والسياحة، والهروب من الغرب ومادياته في رحلات استجمام، وتعرف على التراث، واطلاع على الآثار، ثم يعود الغرب ليواصل البناء بعد أن قضى مدة من الراحة والاستجمام.
    ثم ينهل الشرق من الغرب عندما يهاجر الشرقيون هجراتٍ دائمةً أو موقتة إلى الغرب، فينصهرون فيه ويتمثلون معطياته متنازلين عن ماضيهم وعراقتهم، إلا في مجالات العروض في مناسبات شعبية يكون فيها لباسٌ شعبي أو أكلات أو رقصات شعبية وغناء شعبي، وكأن الشرق لم يكن يجيد سوى هذه المظاهر التي لا تعبر عنه، وإن كانت قد أضحت جزءًا من تراثه،وهذا التوجه هو جزء من حملة التغريب[2] التي هي محدد آتٍ من هذه المحددات[3].
    ثم يأتي التوكيد على عدم الخوض في الشرق في مقابل الغرب؛ ذلك أن الحديث عن الشرق/ الإسلام والغرب أثبت النزوع إلى المقارنة دون النظر إلى الجهة، فالإسلام اليوم قد سرى في الغرب، وأمسى هناك في الغرب مسلمون كثيرون في عددهم، مهمون في تأثيرهم، فانتشرت المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس والمؤسسات الأخرى التجارية والثقافية.
    ولا تزال المساجد تقام في عواصم الغرب ومدنه الأخرى على شكل قوي، مدعوم من بعض الدول الإسلامية بحكم المسؤولية، ومن بعض الدول الغربية بحكم القانون، ومن الجاليات بحكم الحاجة، ولا يزال المغتربون المسلمون في الغرب يحرصون على إقامة مؤسساتهم الدينية والعلمية بدعم من المسلمين في الشرق، ومن دون دعم منهم كذلك في حالات لا يستهان بها.
    ثم قامت المؤسسات السياسية للجاليات المسلمة المغتربة، وخاضت غمار التأثير السياسي من خلال قيام مفهوم الدهلزة العربية والإسلامية[4]، وأضحى هناك نوابٌ مسلمون، وعمد مسلمون للمدن الصغيرة والكبيرة، وافتتحت بعض البرلمانات دوراتها بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وحصلت حالات اعتذار من جهات تجارية أو ثقافية عند حدوث إهانة ضد الإسلام والمسلمين، في دعاية أو إعلان أو منتج ثقافي، وذلك بفضل تأثير الدهلزة العربية الإسلامية.
    ولم تلاقِ هذه الأساليب ترحيبًا من بعض المسلمين أنفسهم، في البدء لأسباب مختلفة[5]،وعندما ظهر تأثيرها الإيجابي بدأ الاعتراف بها على استحياء،وهي على أي حال تسير الآن سيرًا حسنًا، تؤيدها وتدعمها في تلك الجهود بعض البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في البلاد الغربية التي لا يخفى تأثيرها كلما وفقت إلى رجال واعين مدركين، يتمتعون بمصداقية وبثقة عالية بمبادئهم ومُثُلهم وسلوكياتهم.
    والحق أن البعثات الدبلوماسية قد سبقت مفهوم الدهلزة المنظمة، باتباع هذا الأسلوب من قبل، فكأنها هي التي مهدت الطريق إلى القبول، ولا يلتفت إلى تلك الممارسات غير المسؤولة من بعض رجال البعثات الذين أرادوا التنصل من هويتهم والالتصاق بالغرب، أولئك التغريبيون الذين لم ينالوا الاحترام والتقدير من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية في الغرب؛ لأنهم أخلوا بمهماتهم التي جاؤوا من أجلها.
    ودخول المسلمين في الوسط الغربي إنما هو امتداد لانتشار الإسلام في العالم،وإبراز المسلمين الإسلام إبرازًا موضوعيًّا إنما هو شكل من أشكال الدعوة، يسهم في التقليص من المحددات السلبية في العلاقة بين الشرق والغرب، ويبرز الإسلام للغرب بالصورة التي لم يعتد الغرب عليها، مما كان سببًا في نفوره من الإسلام، الذي صوره له الآخرون بصور بشعة غير حضارية متخلفة، إلى آخر هذه الأوصاف التي لا يراها الغربيون في المسلمين المقيمين بينهم، بل إنهم يرون أن الإسلام أضحى خطرًا يهدد العلمانية والديموقراطية، مما أظهر مصطلحًا جديدًا متداولًا في الإعلام الغربي اليوم هو "الخوف من الإسلام"[6].
    وقد أثبت الإسلام، في الزمان الماضي وفي الوقت الحاضر، بطلان نظرية الشاعر روديارد كيبلنج في أن الشرق شرق والغرب غرب، فأمكن للمسلمين أن يعيشوا في الغرب ويتعايشوا مع أهله، مع احتفاظهم الكامل بهويتهم وتأثيرهم إيجابًا على أهل الغرب، الأمر الذي فرض احترام الغربيين للمسلمين، ومراعاة مشاعرهم في المناسبات الدينية؛ كالصلاة والصيام والعيدين والزواج ونحوها،ولا اعتبار لبعض الحركات التي اتسمت بالتضايق من الوجود الإسلامي بالغرب[7].
    يثبت هذا موضوعيًّا أن الغرب ليس كله متحاملًا على الإسلام والمسلمين، وأن الخير باقٍ في الناس، حتى لو قام بينهم اختلاف في المنطلقات، هذا مع عدم إغفال النصوص الشرعية الصريحة "المحكمة" التي تؤكد على عدم الاتفاق مع الخلفية الثقافية الغربية، القائمة على مرتكزات نصرانية ويهودية؛ من مثل قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، وقوله تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82].
    ولا تأتي هذه المناقشات لتتجاهل، في سبيل التقريب بين الشرق والغرب، هذه الآيات ومدلولاتها، بل إنها تحذر من ذلك، حتى لو كان الزمان زمانَ معايشة وتطبيع وحوار، إلا أن هذا كله لا يأتي على حساب ما نؤمن به ونعتقده جازمين من استمرار هذه المواقف المبدئية من اليهود والنصارى على تباينٍ في درجات الاختلاف.
    من هنا، ومن واقع هذا التأثير الإيجابي داخل الغرب نفسه، ندرك حكمةً من حكَم الله تعالى في إغفال الجهوية لهذا الدين، وبالتالي تستمر مسؤولية المسلمين في كل مكان من هذا الكون في نشر الإسلام لمصلحة الكون، بصورته الناصعة البعيدة عن التحزبات التي يحكمها الهوى، وتتنازعها الميول الحزبية التي ربما غلَّبت البُعد السياسي على الأبعاد الأخرى لهذا الدين،ويتم نشر الإسلام بالوسائل المناسبة والمقبولة والمؤثرة، وقبل ذلك تمثُّل المسلمين إسلامهم في أنفسهم وفي مجتمعهم، وذلك ليبدؤوا بالوسيلة التي أثبتت جدارتها وجدواها عندما يكونون قدوة للآخرين في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم ومع غيرهم.





    [1] انظر: إدوارد سعيد،الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق - مرجع سابق - ص،103، 349، 351، 353.
    [2] انظر: محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية - ط 5 - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1402هـ/ 1982م - ص278،حيث يركز الكتاب على التغريب.
    [3] انظر: محمد عبدالحليم مرسي،التغريب في التعليم في العالم الإسلامي - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1409هـ/ 1988م - ص 92 - (سلسلة من ينابيع الثقافة: 19).
    [4] يعبر عنها بكلمة "Lobbying"،أو جماعات الضغط والتأثير.
    [5] هناك فئة من المسلمين المقيمين في الغرب ترفض التعايش معه، وترى أنه سبب المصائب التي حلت ببلاد المسلمين، ومن ثم هجرة هذه الفئة، فتحجم عن المشاركات الاجتماعية والسياسية.
    [6] انظر: فنسان جيسير،الإسلاموفوبيا - مرجع سابق - ص192.
    [7] انظر: علي بن إبراهيم النملة،مجالات التأثر والتأثير بين الثقافات: المثاقفة بين شرق وغرب - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010م - ص 179.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    المحدد الأول – الجهوية (2)

    المناهضة




    جرت الإشارة في الوقفة السابقة من هذا المحدد إلى أن الغرب لم يعد تلك الجهة الجغرافية التي تقع شمال البحر الأبيض المتوسط وغربه الشمالي؛ أي إن الغرب اليوم مفهومٌ ليس مقتصرًا على أوروبا وأمريكا، بل الغرب يعني ثقافات وأنماطَ حياة، إذا ما ذكرت بمصاحبة كلمة الإسلام أريد بها ما قد يناقض الإسلام ويتعارض معه، بل ربما يراد بها أكثر من ذلك، إذا ما نظرنا للتحديات التي يواجهها المسلمون من مفهوم الغرب.
    ومن المهم فهم الغرب بهذا المفهوم لمصلحة تكمن في عدم الرغبة في حصر الإسلام بالشرق في مقابل كلمة الغرب؛ فالإسلام اليوم في كل مكان بما في ذلك الغرب الجغرافي، بل إنه هناك في نمو مطرد، يشهد عليه الإقبال المتزايد من الغربيين ذكورًا وإناثًا، بمختلف خلفياتهم العرقية والعنصرية،ولم يكن الإسلام يومًا محصورًا بالمكان، ولن يكون كذلك.
    وعليه، فإن الحديث عن الغرب قد يقصد من ورائه الحديث عن أولئك الذين يتبنون الفكرة الغربية في النظر إلى الإسلام، حتى وإن كان الناظرون إليه في أقصى الشرق، بل وحتى إن كان الناظرون إليه في الوسط، حيث يتركز المسلمون العرب في الجزء الغربي من قارة آسيا، والجزء الشمالي من قارة إفريقيا، من دون التحديد الدقيق لهذه الأجزاء.
    ومن ناحية أخرى، لا يعني الغرب جغرافيًّا مناهضة الإسلام؛ فليس كل الغربيين يضمرون العداء للإسلام والمسلمين، بل إن فيهم المتعطشين إلى الحق، متى ما وفق أهله إلى تقديمه تقديمًا صحيحًا سليمًا، من حيث المضمون وأسلوب التقديم؛ ولذا فلا أصل لنظرة البعض في رفض كل ما هو غربي، وافتراض أنه يضمر للإسلام والمسلمين العداء.
    ولا تمنع هذه النظرة من أن يكون المرء كيِّسًا فطِنًا بعيدًا عن السذاجة، بحيث يميز من خلال الممارسات والأفعال، من دون الدخول في النيات، ودونما طرح الانطباعة المسبقة القائمة على النمطية في النظرة إلى الغرب.
    وإذا كان الغرب قد نظر إلى الإسلام والمسلمين بنمطية مؤداها سلبي، فليس من الحكمة ولا من الدعوة أن ينظر المسلمون إلى الغرب هذه النظرة القائمة على رد الفعل، ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [فاطر: 18].
    وليس الهدف المجابهة والتصدي بقدر ما هو المواجهة والعمل على إقناع الآخر بعصمة ما نملك، رغبةً في إقباله عليه، لا رغبةً بالضرورة في التغلب عليه؛ ولذا فإن النظرة إلى الغرب ينبغي أن تؤكد على أنه أرضٌ خصبةٌ للدعوة من ناحية، وعلى أنه بحاجة إليها من ناحية أخرى.
    وينبغي التوكيد أن هناك من يتزعم السعي إلى تقليص رقعة الإسلام، ومن ثم تقليص عدد المسلمين بالوسائل المباشرة، أو بالوسائط المبطنة، باسم التنمية والحفاظ على سلامة الجنس البشري، وما إلى ذلك من الشعارات التي قد يبدو من ظاهرها الرحمة، وكأن الإنسان أرحم من الله تعالى بعباده، وكأنهم هم الذين يقسمون رحمة الله تعالى على البشر،﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].
    وأولئك هم النخبة الدينية أو السياسية أو الثقافية أو الرأسمالية أو الاحتلالية "الاستعمارية"، التي لا تحب أن ترى الإسلام منتشرًا؛ لأنها تدرك أنه سيحول دون تحقيق رغبات خاصة، فردية أو طائفية أو حزبية أو طبقية، وسيجعل الناس سواسية؛ لأنه سينظر إلى الإنسان على أنه إنسان مجرد من أي وصف لاحق لإنسانيته؛ فهو بريء من العنصرية والإقليمية والطبقية والعِرقية، وهذا التجرد يتعارض مع بعض السياقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الغرب؛ ولذا فهي ترفض الإسلام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة




    المحدد الثاني الإرهاب (1) المصطلح




    من محددات العلاقة بين الشرق والغرب هذه الظاهرة العالمية التي تعارف الناس عليها واختاروا لها مصطلح "الإرهاب"، المقابل السريع للمصطلح الأجنبي Terrorism، الذي كان الأولى أن ينظر إليه على أنه أقرب إلى العنف منه إلى الإرهاب،ويمكن الادعاء أن الذين تصدوا للمصطلح الأجنبي وأعطوه المقابل العربي "الإرهاب" لم يكونوا دقيقين في الترجمة، لا سيما وأن إشاعة هذا المصطلح العربي قامت على أكتاف الإعلام، الذي روج لهذا المصطلح من دون النظر إلى الدقة في النقل عن المقابل الأجنبي[1].
    ولم يتفق دوليًّا على تعريف الإرهاب، رغم محاولات البعض الوصول إلى صيغة مشتركة تجمع شتات الأفكار التي تتضمنها التعريفات الكثيرة، التي فاقت المائة وعشرة (110) تعريفات، بحيث قيل: إن وصف ظاهرة الإرهاب أسهل من تعريفها[2].
    وهذا الاعتراض نابعٌ من أن المفهوم الإسلامي للإرهاب يختلف تمامًا، في المؤدى، عن المفهوم الشائع الآن؛ ذلك أن المسلمين مطالَبون بإعداد ما استطاعوا من قوة وعتاد ليرهبوا به عدو الله وعدوهم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، والمعلوم لدى علماء الأمة المعتبرين أنه ليس المقصود هنا أن هذا الدين يدعو إلى الإرهاب بهذا المفهوم المتداول إعلاميًّا؛ ذلك أن الإسلام لا يقر هذا الإرهاب بحال من الأحوال،وقد فهم الناس الإرهاب على أنه استخدام العنف في التدمير والهدم والترويع والتعرض للأبرياء، من دون التفريق بين المستهدف وغير المستهدف، بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ والشجر والبِيَع والكنائس والمنشآت المدنية والمنازل.
    ويكفي لإثبات أصالة هذا المنهج العودة إلى وصايا أبي بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما سنَّه لقُوَّاده في الغزوات التي انطلقت من المدينة المنورة، وما يسنه وإخوته من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم هو من سنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم ((...فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا، عَضُّوا عليها بالنواجذ؛ فإنما المؤمن كالجمل الأَنِفِ حيثما انقيد انقاد))[3]، وكذا وصيةُ خليفةِ خليفةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه إلى الفاتحين من القيادات العسكرية الإسلامية، فلا إرهاب في ذلك بالمفهوم الجديد المتداول حاليًّا للإرهاب، فلا عنف ولا ترويع ولا هدم ولا تعذيب ولا اغتصاب ولا اجتياح، ولا إهانة للمعابد ومؤسسات المجتمع المدني كافة.
    هذا في حال المواجهة الحربية التي تكون في أوج الرغبة في النصر واختصار الطريق إليه، ولكن ليس على حساب كرامة الإنسان والمساس بالضرورات الخمس التي أمر الله بحفظها له في كل الأحوال: النفس والمال والدين والنسل والعقل،وهي التي كما يقول الشاطبي: "لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة،وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين"[4]،وهي التي، كما يقول أبو حامد الغزالي: "تتضمن حفظَ مقصودٍ من المقاصد الخمسة، وهي حفظ النفس والمال والنسب والدين والعقل، التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها"[5].
    أما في حال السلم، فالوضع أدق وأوضح منه في حال الحرب، فليس هناك ما يسوغ الترويع والعنف في أي حال[6].
    ومنذ أن وقعت أحداث الحادي عشر من شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2001م (22/ 6/ 1422هـ) والأطروحات تترى حول موضوع لم يتفق عليه بعد، من حيث المفهوم، وإن اتفق عليه - تقريبًا - من حيث اللفظ لمصطلح "الإرهاب"، مع أن بعض الكتاب المسلمين لا يزالون مترددين في قبول المصطلح، كما مر بيانه في الوقفة السابقة؛ ذلك لأنه مصطلح أخف وطأة من المفهوم الذي يحمله، فهو اسم لم يوافق مسماه، ولفظ لم يطابق معناه، كما أنه ورد في القرآن الكريم المنزَّل من خالق عظيم، مما يعني أن له معنًى ومفهومًا غير المفهوم الذي يطلق المصطلح عليه، فإرعاب الناس وقتل الأبرياء وترويع الآمنين، كلُّ هذا أكثر من مجرد إرهاب.
    وعلى أي حال، يبدو أن المصطلح قد طغى على هذا المفهوم، بحيث أصبح أي نشاط غير عادي داخلًا في هذا المفهوم[7].
    وإذا ما سلمنا جدلًا بالمصطلح المفهوم الحديث لهذه الكلمة "الإرهاب"، فإن علينا أن نتخلى عن المصطلح الشرعي للإرهاب؛ ولذا كان لزامًا علينا دائمًا أن تُحدَّد هذه الكلمة بمحدِّدات تنقلها عن المفهوم الشرعي،وكان الأولى أن نبحث عن المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي، الذي لن يكون بحال "الإرهاب"، بل ربما "العنف" أو "التخريب"، أو أي مصطلح عربي ذي دلالة تخريبية ترويعية عنيفة، مع أنه حين ينقل إلى لغات أخرى يخشى ألا يُلتفَتَ إلى ذلك السعي للتفريق بين المفهوم الشرعي والمفهوم الإعلامي.





    [1] انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح في الفكر العربي: الاضطراب في النقل المعاصر للمفهومات - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010م،ص 250.
    [2] انظر: أمل يازجي ومحمد عزيز شكري،الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن - دمشق: دار الفكر، 1423هـ/ 2002م - ص 93.
    [3] الحديث رواه ابن ماجه في باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: 34، بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي.
    [4] إبراهيم اللخمي الشاطبي،الموافقات في أصول الأحكام/ تعليق محمد خضر حسين، تصحيح محمد منير - القاهرة: المطبعة السلفية، 1341هـ - 2: 4.
    [5] انظر: محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد،المستصفى من علم الأصول - 1: 287.
    [6] انظر: كمال مجيد،العنف: دراسة لأثر العولمة على الشعوب المقهورة - لندن: دار الحكمة، 2001م - ص 217.
    [7] انظر: جلبير الأشقر،صدام الهمجيات: الإرهاب، الإرهاب المقابل والفوضى العالمية قبل 11 أيلول وبعده - نقله إلى العربية: كميل داغر - بيروت: دار الطليعة، 2002م - ص 157.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    المحدد الثاني الإرهاب (2) الإعلام


    ولقد اقترن الإرهاب لدى الغرب بالمسلمين، لا سيما في الوقت الراهن،وأضحت أي عملية تخريبية مقرونةً بالعرب المسلمين بغض النظر عن الوجهة الجغرافية التي حدث بها التخريب وقام بها العنف[1]، ولأن العالم أصبح اليوم عالة على الإعلام الغربي في ترسيخ المفهومات فإن الإعلام الغربي استطاع أن يبعد النظر والتركيز والأضواء عن التخريب الصادر عن الأمم الأخرى، لا سيما الأمم المتحدرة عن الأصول الأوروبية، كما يحصل في الأمريكيتين، وكما يحصل من اليهود في فلسطين المحتلة[2].
    بل إن الإعلام الغربي قد استطاع أن يتجاهل العمليات الترويعية التخريبية التي قام بها أفراد غربيون في عقر دارهم، وقامت ضد رؤساء الدول؛ كاغتيال جون ف.كينيدي ومارتن لوثر كينج في الستينيات الميلادية، ومحاولة اغتيال رونالد ريغان الرئيس الجمهوري للولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات الميلادية، أو ضد الشعوب؛ كتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما بولاية أوكلاهوما، أو ضد المنشآت الحكومية والحيوية في الغرب نفسه، أو مدارس الأطفال ومؤسسات المجتمع المدني، مما يؤكد دائمًا على أن الإرهاب لا يحمل هُوية ولا دينًا، ولا يمكن أن يعزى إلى ثقافة بعينها.
    بل إن مؤثراتٍ آنيةً في حساب التاريخ قد تكون مسؤولةً عن ترسخ الإرهاب في جهة أكثر من ترسخه في جهات أخرى من العالم، بل إن التركيز الإعلامي وحساسية الموقع قد يكون لها أثر في التركيز الجهوي على العمليات الإرهابية، من خلال إرهاب الأفراد من جهة، وإرهاب التنظيمات أو الجماعات من جهة أخرى، وإرهاب الدولة من جهة ثالثة[3]، كما أنه يتجاهل أولئك المرتزقة من الغربيين الذين عاثوا في الأرض فسادًا[4]: (بلاك ووتر) الأميركية في العراق مثالًا.
    ليس هذا تسويغًا لقيام تخريب عربي، ولكن النسبة بين الفعلين غير قابلة للمقارنة،وإذا درسنا بعض أسباب هذه العمليات التخريبية العربية نرى أنها انبعثت عندما قدَّم الغرب التسهيلات والوعود والدعم لقيام دولة يهودية في قلب الأمة، تخلصًا من عُقَدٍ أوروبية على حساب شعب آخر، ونصره ظالمًا لا مظلومًا، وسعى إلى ترسيخه بكل ما أوتي من قوة مادية ومعنوية، وليس هذا أيضًا مسوغًا لقيام العمليات التخريبية العربية، وإنما هو تتبُّع للبواعث والأسباب[5].
    وليس العرب، وبالتالي المسلمون، تخريبيين، ولا دينهم ولا ثقافتهم المستمدة من الدين ولا آدابهم تدعو إلى الترويع والإرهاب، كما هو المفهوم الغربي للإرهاب[6]، وليسوا كذلك متعطشين إلى الدماء، وليسوا همجيين متوحشين،وكل هذه وغيرها اتهامات ليست جديدة على الإسلام ولا على المسلمين، بل إنها جزء من تلك الحملة التي يهمها ألا يكون هناك تقارب بين الشرق/ المسلمين والغرب؛ رغبة في حماية الغربيين من الإسلام، ورغبة في الحد من انتشار الإسلام في الغرب وفي غير الغرب[7].
    وهي حملة قديمة تتجدد وتتضافر فيها جهود مختلفة من تنصير واستشراق واحتلال وعلمانية[8]، وأعانت عليها حركات محلية داخل المجتمع المسلم قامت بأعمال لا تتفق مع التوجه الإسلامي في الحكم على الأحداث والتعامل معها، فكانت القابلية لذلك،وكانت هذه الحركات وبعض الجماعات أرضًا خصبةً للتدليل على أن الإسلام والعرب ميَّالون إلى التخريب والترويع والهدم.
    وفي الوقت الذي ننحو فيه باللائمة على الغرب في تشويه الإسلام، نجد أنفسنا نعين على هذا التشويه؛ بسبب سوء فهم بعضنا نحن للإسلام، وبالتالي سوء تطبيقنا له على المستوى السياسي، وعلى مستوى العلاقات الدولية على الخصوص، ثم على المستويات الأخرى الفكرية والاجتماعية والسلوكية والمظهرية؛ مما أدى إلى اتهامنا واتهام ديننا واتهام علمائنا بالتركيز على الأحوال الشخصية فقط، والبعد عن الواقع وفقه الواقع[9].
    وعليه، فإنه في هذا المحدِّد من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، يظهر أن المسؤولية مشتركةٌ بين الطرفين دونما تغليب طرف على الآخر؛ ذلك أنه عندما وفق من قبلنا في تقديم الإسلام كانت النتيجة قبوله من الآخر، والإقبال عليه.
    وممن وفِّق في تقديم الإسلام تقديمًا مناسبًا أولئك التجار المسلمون الذين لم يذهبوا قصدًا للدعوة، ولكنهم استخدموا الحكمة؛ فكانوا قدوة استطاعوا بها نشر الإسلام.
    يضاعف هذا من مسؤولية المسلمين من الدعاة وغيرهم وعلى مختلف الصُّعُد في حمل الإسلام إلى الآخر بصورته التي ينبغي أن يحمل عليها، وتخليصه من تلك الشبهات التي أثيرت حوله وحول معتنقيه، ومنها شبه التخريب والترويع والهدم؛ أي: شبهة الإرهاب بالمفهوم "الإعلامي" للإرهاب، عندها يمكن ضمان تقبُّل غير المسلمين له، وتلك مسؤولية عظيمة.




    [1] انظر في مناقشة هذا المفهوم: زين العابدين الركابي،الأدمغة المفخخة - الرياض: غيناء للنشر، 1424هـ/ 2003م - ص 246.
    [2] انظر: عصام محفوظ،الإرهاب بين السلام والإسلام - بيروت: دار الفارابي، 2003م - ص 181.
    [3] انظر: أحمد طحان،عولمة الإرهاب: إسرائيل - أمريكا والإسلام - بيروت: دار المعرفة، 1424هـ/ 2003م - ص 455.
    [4] انظر: غازي عبدالرحمن القصيبي،أمريكا والسعودية: حملة إعلامية أم مواجهة سياسية - ط4 - بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002م - ص 135.
    [5] في البحث في أسباب الإرهاب انظر ص 35 - 53 - في: علي بن إبراهيم النملة،فكر التصدي للإرهاب: المفهوم - الأسباب - الأوزار - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1428هـ/ 2007م - ص 115.
    [6] انظر: جابر عصفور،مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب العربي المعاصر - بيروت: دار الفارابي، 2003م - ص 310.
    [7] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - ط 5 - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010م - ص 46 و53.
    [8] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - مرجع سابق ص 85 - 88.
    [9] انظر: سمير سليمان، (مشرف)،العلاقات الإسلامية - المسيحية،قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل - بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1994م - ص367،وانظر كذلك: أليكسي جوارفسكي،الإسلام والمسيحية - مرجع سابق - ص 236.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة




    الإرهاب
    الإرهابي


    وحيث كان هناك ضخٌّ مكثفٌ على ربط الإرهاب بهذا المفهوم بالمسلمين، فقد أضحى أي نشاط يقوم به المسلمون داخلًا في هذا المفهوم[1]، حتى لقد تطرف من تطرف بوصف المترددين على المساجد، أو التمسك ببعض المظاهر الخارجية للسمت الإسلامي، بهذا الوصف، وكأنه يراد أن يقلع المسلمون عن عبادات ومعاملات هي من صُلب الدين، ومن ذلك الدعوة إلى الله تعالى بين المسلمين وبين غير المسلمين، حتى لقد كتب من كتب أنه رغم ما مر على العالم من عمليات إرهابية لا تزال فئات من المسلمين تمارس الدعوة بين المسلمين في الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، الذين غُيِّبوا عن الدين أكثر من تسعين سنة، فما بالكم بالدعوة بين غير المسلمين؟!
    هذه الكتابات نفسُها لم تتنبه إلى ما تقوم به الحملات التنصيرية في المجتمع المسلم، وهي مدعومة دعمًا مباشرًا من الدول، لما تقدمه هذه الحملات من توطئة لأطماع سياسية واقتصادية،ولعل الكتَّاب لم يتنبهوا أيضًا إلى مئات المليارات من الدولارات التي تنفق على هذه الحملات؛ إذ بلغت الميزانية للعام 1430هـ/ 2009م ثلاثمائة واثنين وتسعين مليار (392،000،000،0000) دولار، كما أعلنته النشرة الدولية للإرساليات التنصيرية في طبعة جديدة منشورة، وتناقلته المجلات المَعنيَّة بهذا النشاط[2].
    ولعل مِن واجبات الباحث المهتم بهذا الوضع: أن يدعوَ في طرحه لهذا المحدد وغيره من المحددات للاعتدال والوسطية والسماحة التي جاء بها هذا الدين، وأن ينبه إلى ما تعيشه بعض الجماعات من غلوٍّ وتنطُّع وتشدُّد وتزمُّت لا ينكر.
    ولا بد أن يُكشَف ذلك كله من علماء الأمة ومفكريها، قبل كتَّابها ذوي الأعمدة الراتبة في الصحافة، تلك التي تعتمد في معظمها على تقارير استخبارية، حتى لقد أضحى ما يكتب هؤلاء شبه مسلَّمٍ به، حتى إذا كان يمس الثوابت ويزعزع الجذور.
    وهناك أسماء ظهرت في هذا المجال وكان لها تأثير واضح على المتلقين، منهم، مثلًا، من يكتب في أعمدة الصحافة، ومنهم من يحاضر في المنتديات الثقافية والفكرية والأدبية فيسمع لقولهم، بل ويقدَّمون على أولئك الذين هم أقرب منهم إلى الصواب والعلم الشرعي الصحيح[3].
    ولا يتوقع في ضوء الأحداث القائمة أن تتوقف الدعوة إلى الله تعالى، فهي كانت ماضية من قبل، وستستمر بإذن الله من بعد، ويمكن الحديث فيها عن مسألة التطويع والتكييف، ومراعاة الزمان والمكان، وكل ما له علاقة بالوسائل.
    والمجال مفتوح، وإن لم يرغب بعض المعنيين المباشرين في مجال الدعوة بصفتهم الشخصية وليس الصفة الرسمية؛ إذ لا يملك أحدٌ أن يمنع أحدًا من أن يطرح رؤاه في هذا المجال، من حيث الوسائل والسياسات والأهداف والإجراءات، إلا أنه من حيث المفهوم فإن ذلك مكفول بقيام هذا الدين وانتشاره بين الناس.
    يقول عماد الدين خليل: "إن الإسلام بوسطيته العقدية وتركيبه المتوازن الذي يلم ويناغم بين سائر الثنائيات التي مزقت الحياة البشرية - لهو الحل الوحيد لمستقبل الإنسان إذا أريد لهذا المستقبل أن يتشكل بعيدًا عن الممرات الضيقة والطرق المسدودة للحضارة الغربية وللمذاهب الوضعية المعاصرة على السواء"[4].
    إن عدد المسلمين أكثر بكثير من أن تُحسَب عليهم تصرفات أشخاص معدودين أساؤوا إلى أنفسهم، وأساؤوا إلى غيرهم، بما قاموا به من ترويع للناس، ونشر الرعب بينهم، فهم مسؤولون عن أفعالهم: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [فاطر: 18].
    وعدم الاتفاق معهم في الأسلوب والوسيلة لا يصل إلى أن تتعطل شعائر إسلامية اعتذارًا للآخر، أو تلبية غير مباشرة لطلبات أو رغبات من الآخر لتعطيل بعض الشعائر الإسلامية التي كانت في الماضي قائمة، وهي الآن تتجدد ولم تعُدْ غريبة على المجتمع المسلم،يقال هذا في الوقت الذي تظهر فيه رغبة في بعض التنازلات من قِبل كتَّاب عرب ومسلمين؛ لأنهم ربما لم يكونوا متحمسين لمجال الدعوة، بل ويعتذرون للآخر عنها وعن القائمين عليها.
    برز هذا واضحًا حينما تقرر إغلاق مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي قام لترسيخ مفهوم الحوار الحضاري، وربما أنه لم يُرضِ بعض الأطراف، وربما وربما، فلا اعتذار، فتقرر إغلاقه، لا سيما أنه يحمل اسم رمز عربي له جهوده في مجال رأب الصدع العربي ولم الشمل ونشر الخير.
    والمطلوب الوصول إليه هو ألا يُستغلَّ موقفٌ لم يكن في مصلحة المسلمين ليكون مجالًا لبعض الكتاب لتقويض أصول الدين والحط من قدر القائمين عليه من الولاة والعلماء والدعاة والمنتمين إليه انتماءً في حمل الهمِّ على درجات متفاوتة من ثقل هذا الهم المحمول، ولئلا نعين غيرنا علينا بحسن نية أو نحو ذلك، وألا يتحول بعضنا إلى معاول هدم من دون إدراك لذلك إدراكًا واضحًا، لا سيما مع توافر إمكانية صنع القابلية للوصول إلى هذا الموقف، وذلك من خلال ممارسة ما يمكن أن يسمى بالإرهاب الثقافي[5]، بحيث يأتي زمان نجد فيه أنفسنا أو أولادنا أو أحفادنا وقد انقدنا إلى تيارات تصبُّ في النهاية في تحجيم ما نحن عليه بتقديم البديل الذي لا يُتوقع له الفلاح، مهما بدا كذلك للوهلة الأولى.
    ثم إن المسؤولية لا تغفل أثر هؤلاء الولاة والعلماء والدعاة في مواصلة الجهد بعزم وجزم في تقديم هذا الدين بالصورة التي جاء عليها وبلَّغها بها سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام - عليهم رضوان الله تعالى - دون اللجوء إلى الزيادة في ذلك؛ إذ إن الزيادة في ذلك كالنقص فيه، بل ربما أكد علماؤنا أن الزيادة فيه أشد من النقص منه،ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى التركيز على سماحة هذا الدين واعتداله ووسطيته.
    -------------------------------------
    [1] انظر على سبيل المثال: فريد هاليداي،ساعتان هزتا العالم 11 أيلول/ سبتمبر 2001م: الأسباب والنتائج - ترجمة: عبدالإله النعيمي - بيروت: دار الساقي، 2001م - ص 256.
    [2] سيتم التعرُّض للإحصائيات في المحدد ذي العلاقة بالتنصير.
    [3] انظر على سبيل المثال: محمد الطالبي،أمة الوسط: الإسلام وتحديات العصر - تونس: دار سراس، 1996م - ص 167.
    [4] انظر: عماد الدين خليل،نظرة الغرب إلى حاضر الإسلام ومستقبله - بيروت: دار النفائس، 1420هـ/ 1999م - ص 132.
    [5] انظر: مشال يمين،العولمة والإرهاب الثقافي - شؤون الأوسط - ع 113 (شتاء 2004م) - ص 67 - 82.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة





    ( الحقوق )

    من محددات العلاقة بين الشرق والغرب: النظر إلى الحقوق والواجبات، وقد رسخ الإسلام مفهوم الحقوق في توكيده على الضرورات الخمس: النفس والعِرض والمال والدين والنسل، وانبثقت من هذه الضرورات الخمس ضروراتٌ فرعية، تقوم عليها الضرورات الأصلية، وبالتالي فإن الإسلام ينظر إلى الحرية على سبيل المثال، من منطلق رباني محدد غير مطلق، وهو يؤمن بحرية الفكر وحرية الرأي وحرية السلوك وحرية التصرف في الممتلكات، كل ذلك في حدود إنما قامت لتضمن عدمَ إساءة مفهوم الحرية، بحيث لا تجرح شعور الآخرين، أو تؤثِّر على المصلحة العامة[1].
    وعندما انتفض الغرب وبدأ النهضة أوجد المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية التي تُعنى بالنظر في تصريف شؤون الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ثم بدأ بعد ذلك بوضع الأنظمة والقوانين التي صاغها من منطلقاته ومن منطقه وعقليته، دون النظر بالضرورة إلى المنطلقات الأخرى أو العقليات الأخرى،ثم صاغ هذه الأنظمة والقوانين على شكل اتفاقيات دولية ترعاها مؤسساتٌ ومنظماتٌ دولية، مثل هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، وطالبت الدول الأعضاء في هذه المنظمات بالمصادقة عليها، وبالتالي تطبيقها في مجتمعاتها[2].
    ومن هنا برز الإشكال لدى كثير من الدول الإسلامية، إن لم يكن لديها كلها؛ ذلك أنه وجدت موادُّ وفِقراتٌ في هذه القوانين والاتفاقيات، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (8/ 2/ 1368هـ - 10/ 12/ 1948م)، تتعارض صراحةً مع المفهوم الإسلامي لحق من الحقوق، فكان أن تحفظت بعض الدول على هذه المواد، وامتنعت دولٌ أخرى عن التوقيع على الاتفاقيات، بَلهَ المصادقة عليها،ومن ذلك حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل.
    ولا بد هنا من التعريج على خلفية هذه القوانين الدولية؛ إذ الذي يظهر أنها لا يمكن أن تتجرد من الخلفية الدينية، مهما صِيغت في مجتمعات غير متدينة، أو مجتمعات تتبنى منهج العلمانية في الحكم والحياة.
    ومهما كان الشخص علمانيًّا إلا أنه لا يخلو من وضع بصمات خلفيته الثقافية عندما يأتي الأمر لصياغة قانون دولي، وهذا ما صرحت به بعض الدول الإسلامية عندما سوغت تحفُّظها على بعض مواد هذه القوانين وفقراتها، مما يعني "أنها سيطرة نظام غربي ذي نكهة دينية على دين آخر يملِك البديل، ويعتقد أنه الأولى من ذلك النظام الموضوع"[3].
    ومن الحقوق والواجبات التي افترق فيها النظام الإسلامي عن الغرب: حق الحياة لكل إنسان يتماشى في سلوكياته مع السمت العام، فإذا خالف هذا السمتَ العام المبنيَّ على المفهوم الإسلامي للسمت العام، فقَدَ الفردُ حقه في الحرية أو الحياة، بحسب المخالفة التي تبدر عنه، فإما أن يُبعَدَ؛ أي: يُنفى من المجتمع المسلم، أو يُجلَد، أو يعاقَب، أو يُقتَل، ولا يعذب ولا يسمم،وتكون العقوبة واضحة معلنة تشهدها طائفة من المؤمنين، وتعلن على الملأ في وسائل إعلام العصر،﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2].
    ولا ينظُر الإسلام إلى الزنا بأي اسم آخر سمي فيه الزنا على أنه حقٌّ لأي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، رضِي أم لم يرضَ؛ ذلك أن الزنا - رغم أنه يقال عنه: إنه أقدم مهنة في التاريخ إذا ما كان في مجال بيع اللذة - هو مرضٌ اجتماعي له عواقبه التي تؤثر على بناء المجتمع؛ بتفشي الأمراض، واختلاط الأنساب؛ ولذا فليس في الإسلام صداقاتٌ بين الجنسين تفضي إلى الزنا كالموجود في الغرب، وليس فيه خليلاتٌ معلناتٌ أو غير معلنات، وليس فيه شذوذ،ولا يعطي الإسلام الإنسان الحق في شرب الخمور، وتعاطي المخدِّرات، مهما كانت الدوافع، وكذا السرقة بأي شكل من أشكالها، وبأي اسم سميت فيه.
    وعلى أي حال، فالإسلام واضح في مسألة حماية المجتمع من العبث، وذلك من خلال الحزم في إقامة الحدود الشرعية، متى ما ثبتت التهمة على المدعَى عليه بالوسائل الشرعية لثبوت التهمة، من دون تدخُّل أي وسيلة من وسائل بشرية تقهر المدعَى عليه على الاعتراف، ومن دون تدخل أي وسيلة من وسائل بشرية تبرئ المدعى عليه، ولو أن التهمة قد لصقت به؛ ولذا فإن مفهومات الحرية الشخصية وحقوق الإنسان في الإسلام مختلفةٌ عنها في الأنظمة الوضعية الأخرى.
    وهكذا يطول النقاش في هذا المجال، ويحتاج إلى أولئك المتخصصين في القضاء والقانون لإبداء الفروقات بين النظامين/ القانونين[4].
    قد ينظر إلى هذا الاختلاف الجوهري على أنه يحد من قيام علاقات قوية بين الشرق والغرب، ما لم يتنازل الغرب عن الشعور بأن قوانينه هي الصالحة، ونظم غيره من الأمم الأخرى غير معتبرة، رغم أن واضعي الاتفاقيات الدولية في مسائل تتعلق بالإنسان بدؤوا يدركون شيئًا من هذا التضارب، وبالتالي بدؤوا يستأنسون بالأنظمة الأخرى، لا سيما حقوق الإنسان في الإسلام، عندما برزت ظاهرة التحفظات من كثير من الدول الإسلامية، التي عرضَت عليها اتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة، وغيرها من القوانين ذات الصبغة الغربية.
    والواقع أن تطبيق المسلمين للشريعة بما في ذلك الحدود، يتعرض لنقد جارح من تلك الأوساط الغربية، وتُتَّهَمُ الحدود في الإسلام ببُعدها عن الإنسانية والتحضر واحترام حقوق المرء المجرم الذي يقام عليه الحد،وهذا الاتهام المستمر المتواصل قد أثَّر في بعض أبناء المسلمين؛ فأضحَوا يتوارَوْن عن القوم كلما جاء حديث عن الحدود، ويقفون موقفَ المدافع المعتذر المسوغ تسويغًا ضعيفًا يدل على شيء من الانهزامية، وهذا بالتالي يؤثر على إيمان المسلم الذي قد تبدو عليه ضآلة الاقتناع بهذه الحدود في مقابل العقوبات التي يتلقاها المجرم في المجتمع الغربي، والتي يدعو بعضها إلى الأسف من منطوق الحكم على مجرم واضح الإجرام، بل ربما أن بعض هذه العقوبات فيها أحيانًا قسوة غير عادية.
    ويؤثر هذا النقد الجارح على العلاقة بين الشرق (المسلمين) والغرب؛ إذ إن أحدهما ليس مقتنعًا بأسلوب الآخر في النظر إلى الحقوق والواجبات؛ ذلك أن المنطلق مختلف بين الثقافتين.
    أما حقوق المرأة، فالاختلاف فيها واضح وجلي،وكلا النظامين ينظر للمرأة نظرة مختلفة كذلك في المنطلق؛ ذلك أن النقاش حول هذا الموضوع يأخذ منحى عاطفيًّا هجوميًّا، أو دفاعيًّا تسويغيًّا، حتى إن أبناء المجتمع المسلم وبناتِه في مجملهم، وليس كلهم، يقفون وقفات حائرة حول هذا الموضوع[5]،مبعث الحيرة هو ذلك التناقض الغربي في الدعوة إلى حقوق المرأة، وهو في الوقت نفسه ينتهك حقوقها، ويستخدمها سلعة للإغراء والدعارة والاتجار بالفتيات والأطفال المختطفين من مجتمعات فقيرة[6].
    ومنهم من تبنى كثيرًا من المفهومات الغربية في النظرة إلى المرأة، ويدعون إليه إعلاميًّا، وقد يطبقونه في حياتهم، متهمين أصحاب النظرة الإسلامية بالتشدد والتزمت، بل والتطرف في الضغط على المرأة وغمطها حقَّها في المشاركة في عمارة الأرض وبناء المجتمع.
    ولذا ظهرت الكتابات العلمية والعاطفية التي ركزت على حقوق المرأة وواجباتها، وكثير من هذه الكتابات إنما تدافع عن وضع المرأة في الإسلام مقابل وضعها في الغرب بصورة خاصة.
    لا تهدف هذه الوقفة إلى الانسياق في هذا الموضوع الحساس، سوى إلى التوكيد على أنه محدد من محددات العلاقة بين الشرق (المسلمين) والغرب،وهو محدد غامضٌ غموض مواجهة المشكلة، لا غموض المبادئ العامة لحقوق المرأة في أن تحيا حياة إنسانية تحفظ لها كرامتها، وتعترف بأثرها في بناء المجتمع وتحقيق رفاهه.




    [1] انظر: عدنان بن محمد بن عبدالعزيز الوزان،موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام وسماتها في المملكة العربية السعودية،مج8،بيروت: مؤسسة الرسالة، 1425هـ/ 2005م - 1: 44 - 49.
    [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح - مرجع سابق - الفصل الثالث: الحقوق - ص 185 - 200.
    [3] انظر: العلمانية - ص 180 - 182 - 183 - في: نعمان عبدالرزاق السامرائي،نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام - لندن: دار الحكمة، 1417هـ - ص 185.
    [4] انظر: رضوان السيد،حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بين الخصوصية والعالمية - التوحيد - مج 15 ع 84 (تشرين الأول/ أكتوبر 1996م) - ص 38.
    [5] انظر: محمد فائق،حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية - ص 195 - 208 - في: مركز دراسات الوحدة العربية،حقوق الإنسان العربي/ إعداد نخبة من المفكرين العرب - بيروت: المركز، 1999م - ص 300.
    [6] انظر: مفرح بن سليمان بن عبدالله القوسي،حقوق الإنسان في مجال الأسرة من منظور إسلامي - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1429هـ/ 2008م - ص 13.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة




    (العِرقية)

    نظرة الغرب إلى الآخر غير الغربي محدد أساسي من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، بل إن الشخص الأوروبي ينظر إلى غير الأوروبي نظرة قائمة على الفوقية[1]، بغَضِّ النظر عن الخلفية الثقافية لهذا الشخص، فيستوي في ذلك الشرقي وغير الشرقي، سواء أكان هذا الشرقي مسلمًا، أم كان من ذوي الثقافات الأخرى؛ كالهندوس والبوذيين والزرادشت والمجوس والوثنيين الآخرين؛ ولذا لم يتحمل الغرب أن ينظر إلى الإسلام على أنه دين شامل، بل نظر إليه على أنه دين آتٍ من الشرق، ومن العرب تحديدًا؛ ولذا يُستخدم المصطلحان الإسلام والعرب تبادليًّا، بل إن مصطلح العرب عند الغرب طاغٍ على مصطلح الإسلام،ويندر ذكر مصطلح الإسلام في مقابل مصطلح العرب، إلا لدى المستشرقين الذين تمكنوا من التفريق بين المصطلحين.
    أما العامة من الغربيين فإن العرب عندهم تعني الإسلام والمسلمين؛ ولذا فإنه من الغريب عندهم أن يوجد من بين العرب نصارى أو يهود، ويستغرب الغربي أن يتحول الأوروبي إلى الإسلام، وكأنهم ينظرون إليه على أنه تحول عرقًا من الجنس الأنجلوساكسوني أو الجنس الآري إلى الجنس العربي، ولم يتحول من النصرانية أو اليهودية إلى الإسلام دينًا.
    والإصرار على تغليب العرب مصطلحًا على الإسلام ناتج، فيما يظهر، عن الرغبة في التوكيد على محلية الإسلام، وأنه مقصور على العرب الذين كانت لهم نظرة خاصة عن غيرهم، مبنية على ما كانوا عليه قبل الإسلام، في مقابل الأمم الأوروبية المتحضرة، من رومان ويونان (إغريق) وبيزنطيين قبل النصرانية وبعدها.
    وهم يدركون بحماسهم العرقي أنهم يتنازلون هنا عن الحماس الديني، من حيث التوزيع الجغرافي؛ ذلك أنهم برغم كونهم في الغالبية نصارى كاثوليك أو بروتستانت أو أرثوذوكس، يدركون أن النصرانية إنما جاءت من الشرق، ولا يزالون يقصِدون "يحجُّون" بيت المقدس، وأعظم قداس عندهم عند الاحتفال بمولد عيسى ابن مريم - عليهما السلام - هو ذلك القداس الذي يقام في بيت لحم ليل الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر من التقويم الميلادي، على اعتبار أن بيت لحم في فلسطين المحتلة هي المكان الذي ولد فيه عيسى ابن مريم - عليهما السلام - تلك الليلة أو ذلك اليوم[2].
    وكذا الحال يقال عند اليهود؛ إذ إن جغرافية اليهودية انطلقت من الشرق موطن العرب الآن،ولدينا في هذه المواطن مواطنون عربٌ لا يزالون يحتفظون بديانتهم النصرانية الأرثوذوكسية غالبًا، واليهودية،ويدرك هؤلاء أهمية الفصل بين المصطلحين الإسلام والعرب؛ لأنهم عربٌ، ولكنهم غير مسلمين، ويفتخرون بعروبتهم كما يفتخرون بنصرانيتهم ويهوديتهم، وإن قدموا إحداهما على الأخرى في التفضيل من منطلق الولاء والبراء، بل إن منهم من يفتخر بأن ثقافته إسلامية رغم أنه غير مسلم؛ وذلك لِما لقِيَه وبني عقيدته من تعايُش ودي بين المسلمين.
    وتأسيسًا على ذلك يمكن الزعم بأن هذه النظرية العرقية الفوقية قد حالت دون تقبل الأوروبيين (الغرب) للإسلام، وحالت دون قبوله دينًا شاملًا، رغم تزايد أعداد المسلمين في المجتمعات الغربية من المهاجرين ومن المقيمين.
    ولا تزال بعض المجتمعات الغربية لا تعترف بالإسلام دينًا يمنح أتباعه ميزاتٍ رسمية في العمل والدراسة، وتراعي سلوكياتهم المبنية على ما يمليه عليهم الإسلام؛ كالذبح الحلال، واللباس المحتشم للرجال والنساء، والأعياد، لا سيما عيدي الفطر المبارك والأضحى، وصلاة الجمعة، وإقامة المساجد والمراكز الإسلامية، وغير ذلك؛ كالمدارس والمقابر.
    في حين أن المسلمين قد تخلَّوْا عن العرقية المؤدية إلى التفاضل الجنسي، منذ أن أبدلهم الله الإسلام نسبًا عن أي انتماء آخر؛ فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وأصبحت التقوى هي معيار التفاضل، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]،وإنما هي فورة عربية ظهرت عندما بزغ التوجه إلى القومية العربية، فحاول القوميون التوكيد على العروبة أولًا، ثم الدين أيًّا كان ثانيًا، حتى ليقول عمر فروخ - رحمه الله -: إنه كان من العيب التعرُّف على دين العربي على حساب الوحدة والقومية العربية[3].
    وإنما جاءت هذه الفورة في وقت خفَتَ فيه نجمُ المسلمين،وعندما عاد الإسلام إلى الإشعاع تقهقرت الدعوة إلى القومية العربية، ونُظِر إلى العرب بقدر ما يحملون رسالة الإسلام إلى الآخر، الأمر الذي سيؤثر إيجابًا على تقهقر الفوقية العرقية لدى الغرب لمصلحة الإسلام، الذي لم يفرق بين أبيض وأسود؛ أي لم ينظر إلى العرق أو الجنس على أنه عامل من عوامل الانتماء لدى الناس.
    وعليه، فإن العِرقية في كونها محددًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، لا سيما الإسلام، هي عامل موقَّت، يزول مع وضوح الرؤية نحو الإسلام بانتشاره في المجتمع الغربي على الصورة الصحيحة، التي يراد له الانتشار بها دينًا قيمًا صافيًا نقيًّا خالصًا من أي شائبة تنفِّر الناس منه،ويزول كذلك مع التخلي التدرجي للغرب عن عرقيته وشعوره بالفوقية تجاه الأمم والشعوب الأخرى التي يراها من أنصاف البشر،وسيزول بذلك شعور الغربي بأنه نصف إله.



    [1] انظر: إدوارد سعيد،الآلهة التي تفشل دائمًا/ ترجمة حسام الدين مصطفى - بيروت: التكوين للطباعة والنشر والتوزيع، 2003م - ص 7 - 8.
    [2] وعند المحققين كلام حول هذه النظرية له علاقة بوجود النخلة في موسم الرطب، مما يعين على الدقة في تحديد مكان الميلاد وزمانه، سيأتي مجال التعرض إليه؛قال الله تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 25].
    [3] انظر: عمر فروخ،الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة - ص 125 - 143 - في: الإسلام والمستشرقون/ تأليف نخبة من الكتَّاب المسلمين - جدة: عالم المعرفة، 1405هـ/ 1985م - ص 511.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة


    (الحروب - الإرغام)


    من محددات العلاقة بين الشرق والغرب تلك الحروب التي قامت بين المسلمين وغير المسلمين على مر العصور الإسلامية؛ ولذا نجد من التهم التي توجه إلى الإسلام أنه انتشر بالسيف، وأجبر الناس على القبول به بالقوة؛ أي إن الإسلام صنع الناس مسلمين رغمًا عنهم،وتزعَّم هذه التهمةَ نفرٌ من المستشرقين، وجعلوا الجهاد في أحد مفهوماته في الإسلام دليلًا صارخًا على انتشار الإسلام بالسيف، ووجدوا في القرآن الكريم آيات بينات تدعو إلى القتال، بالإضافة إلى آيات الجهاد، فانبرى نفرٌ من المسلمين الاعتذاريين المدافعين يؤكدون على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالإقناع، ويستدلون على ذلك بانتشار الإسلام في شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا.
    الواقع أن الحروب بين المسلمين والغرب تشكل حقبةً تاريخية واضحة المعالم في العلاقة بين الشرق والغرب؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ ينشر الإسلام بالدعوة، وإرسال الوفود إلى قيادات العالم القديم، ثم لما لم يستجيبوا لجأ إلى الغزوات، التي انطلقت إلى شمال الجزيرة العربية؛ أي إلى الغرب، أو الروم، ثم تلاه خلفاؤه من بعده؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ثم الخلافة الأموية فالعباسية فالعثمانية،وكان ت هناك غزوات، قاتل فيها المسلمون الكفارَ والمشركين، ولم يجبروا أحدًا على الدخول في الإسلام، بل إنهم حموا أولئك الذين آثروا البقاء على دينهم؛ اليهودية أو النصرانية مقابل الجزية، التي تؤخذ من القادرين منهم؛ ذلك أنهم دخلوا في حمى الإسلام، وإن لم يدخلوا فيه مسلمين،فصارت لهم أحكامٌ خاصة بهم تعارف أهل العلم على تسميتها بأحكام أهل الذمة الآتي ذكرها، وعاملهم المسلمون على أنهم جزء من المجتمع المسلم[1].
    ثم يأتي ختام القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي لتبدأ سلسلة من الحروب الهجومية القادمة من الغرب وقد حملت الصليب شعارًا لها، ودغدغت فيه عواطف العامة قبل الخاصة، ووعَدَت الجميع بالنعيم في أرض فلسطين، أرض الميعاد،وكانت تحمل شعارات الإغراء الديني قبل الدنيوي، وتحمل الصليب، مما يؤكد على أن الدافع الأول لهذه الحملات المتتابعة كان دينيًّا، ثم تأتي الدوافع الاقتصادية والسياسية بعد ذلك،وهي دوافع غير مغفَلة، ولكنها ليست الدوافعَ الأساسية لهذه الحملات، وإن استغل الحكام السياسيون رجال الدين في حروب الفرنجة "الحروب الصليبية"، فإن رجال الدين أيضًا قد استغلوا الحكام السياسيين[2].
    والتقى الجميع مع التجار في تأجيج هذه الحملات، وصاحبَتْها نوعيةٌ خاصة من الناس ممن لفظهم المجتمع الغربي، فبحثوا عن البديل في أرض السمن والعسل في أرض الميعاد، ولكن هذه الفئة كانت قليلة، ذكرتها تفصيلًا بعض كتب التاريخ التي عاصرت هذه الحملات،وهناك نصوص تاريخية عجيبة ذات صلة بأبعاد اجتماعية وسلوكية ومعرفية كانت من حصيلة الاحتكاك بالفرنجة، قد لا تسمح طبيعة هذا الكتاب بذكرها على الملأ، فيرجع إليها في مظانها[3].
    ولدينا باحثون مؤرخون معاصرون تخصصوا في التاريخ لحروب الفرنجة، التي سماها الغرب بالحروب الصليبية، ليس لمجرد السرد التاريخي، فقد سُبقوا إلى ذلك ممن عاصروا حملات من هذه الحروب من المسلمين وغير المسلمين، ولكن متخصصي اليوم يدرسون هذا التاريخ المهم ويفسرونه ويحللون الأحداث ويقفون عند النصوص،وعن هؤلاء المتخصصين نأخذ الحكم على هذه الحروب ونوازن بينها؛ ذلك أنه تحكُمُ هؤلاء المعاصرين انتماءاتهم التي لا بد أن تنعكس على أحكامهم، رغم علميتهم ونزعتهم الموضوعية،ويهمن ا منهم المنصفون الذين تتبعوا هذه الحروب ففطنوا إلى منطلقاتها وبواعثها، وأدركوا غاياتها وأهدافها، ومزجوا بين الدافع الديني والدوافع الأخرى الاقتصادية والسياسية، ولم يعتذروا للآخر بطمس دافع على حساب دافع آخر[4].
    وعلى أي حال، استمرت هذه الحروب قرنين من الزمان (495 - 692هـ/ 1095 - 1290م) لم يتهيأ فيها النصر للصليبيين، بل وفَّق الله تعالى المسلمين إلى إجلائهم وإعادتهم إلى حيث أتوا، على يد القيادات الإسلامية من أبناء المسلمين، من أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي من القيادات السياسية، وأمثال عدد كبير من القيادات العلمية الإسلامية المعاصرة لتلك الحملات.
    ومع انتهاء هذه الحروب الصليبية لم ينته الشعور بها، فلا تزال تذكر وتردد، سواء بسواء بين المسلمين والنصارى،فمن القيادات النصرانية الحديثة الجنرال الفرنسي غورو الذي قدمه على قبر صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله تعالى - في دمشق قال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"[5]،ومنهم من دخل بيت المقدس، وهو الجنرال اللنبي، إبان الاحتلال البريطاني فقال: "الآن انتهت الحروب الصليبية"[6].
    ومن المسلمين من يردد أن الحروب الصليبية لا تزال قائمة، ووضحت وضوحًا قويًّا إبان حروب البوسنة والهرسك مع الصرب، إلى درجة أن قائد صرب البوسنة الملاحق قضائيًّا رادوفان كاراديتش قال فيما نقل عنه: "لو كان الأمر لي لما توقفت إلا في مكة"! كما صرح وزير الإعلام الصربي بقوله: "نحن طلائع الحروب الصليبية الجديدة"[7]، وكذا الحال في الحرب ضد المسلمين في كوسوفا،كما أن الكلمة "الصليبية" قد خرجت من لسان الرئيس الأمريكي يوم الاعتداء على مركز التجارة العالمي بنيويورك وعلى مبنى وزارة الدفاع بواشنطن في 11/ 9/ 2001م الموافق 22/ 6/ 1433هـ، واضطر للاعتذار بعد ذلك، وقام بزيارة للمركز الإسلامي في واشنطن تعبيرًا عن أسفه عن الإساءة لمشاعر المسلمين، وتهدئة لهذه المشاعر[8].
    على أن سيجموند فرويد يؤكد على عدم صحة القول بسبق اللسان؛ إذ إن ما يخرج بالنطق - كما ينظر - يعبر عن المكنون.
    وعلى أي حال، فإن الحروب التي دارت رحاها بين المسلمين والغرب قرونًا طويلة لا تزال محددًا قويًّا من محددات العلاقة بين المسلمين والغرب، وستظل كذلك ما اعتقد الغرب أن الإسلام يهدد وجوده، وأنه خطر داهم، وأنه العدو الجديد[9]، أو التحدي الجديد[10]، الذي سيقضي على المكتسبات الحضارية التي نعم بها الغرب وسعى إلى تصديرها إلى العالم الآخر ردَحًا من الزمان، لا سيما بعد زوال الخطر الأحمر[11].
    ويؤجج ذلك الشعور عناصر تستفيد ماديًّا من هذا التأجيج، وتسعى إلى الإعانة على طمس الحقائق بالتشويه لهذا الدين الذي يحتاج إلى أشخاص يواجهون حملات التشويه ببيان الحقيقة لهذا الدين، فإذا قامت الحجة على الآخرين برئت ذمة المسلمين، سواء قَبِل الآخرون بالإسلام أم لم يقبلوا به،وسواء توقفت هذه الحروب أم استمرت[12]،وفي هذا يقول المستشرق الألماني فريتس شتيبات (1923 - 2006م): "لست أضيف جديدًا إذا قلت: إننا نلاحظ منذ سنوات قليلة ميلًا شديدًا ومفاجئًا في الغرب إلى اعتبار الإسلام خطرًا يهدد العالم الحر، بل اعتباره مصدر الإزعاج الباقي للسلام على الأرض، لقد بدأت هذه الظاهرة مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية"[13].
    ويضيف شتيبات القول: "وتفسير هذه الظاهرة يفرض نفسه بنفسه، فمن الناس من يشعر، ببساطة، بالحاجة الدائمة لمواجهة خطر أو عدو يهدده، وإذا كان الخطر الشيوعي قد انحسر، فإن الإسلام والمد الإسلامي هما البديل المناسب،ولديَّ يقين مؤكد بأن الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف دوافع غير عقلانية؛ولهذا أعتقد أنه لا ينبغي أن تترك هذه الظاهرة بغير تفسير وتعليق، لا سيما إذا تبنتها جهات محترمةٌ، أو ارتفعت بها أصوات مؤثرةٌ"[14].





    [1] مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخٌ كبيرٌ ضرير البصر، فضرب عمر عضده من خلفه وقال: مِن أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي،قال له: فما ألجأك إلى ما أرى؟! قال: أسأل الجزية والحاجة والسن،فأخذ رضي الله عنه بيده، وذهب إلى بيته فأعطاه ما يكفيه يومه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له: "انظر هذا وضرباءه؛ فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرَمِ"،﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60]، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب"، ووضَع عنه وأمثالِه الجزيةَ،انظر: أبو يوسف،القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، ت 182هـ/ 798م،كتاب الخراج - بيروت: دار المعرفة، د،ت - ص 126.
    [2] انظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - مرجع سابق - ص 182.
    [3] انظر على سبيل المثال: سهيل زكار،الحروب الصليبية - 2 مج - دمشق: دار حسان، 1401هـ/ 1984،وانظر أيضًا: سعيد عبدالفتاح عاشور،الحركة الصليبية: صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى - 2 مج - ط 6.- القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1994م،وانظر كذلك: أمين معلوف،الحروب الصليبية كما رآها العرب/ ترجمة عفيف دمشقية - ط2 - بيروت: دار الفارابي، 1998م - ص 352،وانظر كذلك: كلود كاهن،الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية/ ترجمة أحمد الشيخ - القاهرة: دار سينا للنشر، 1995م - ص384،وانظر كذلك: فوشيه الشارتري،تاريخ الحملة إلى القدس/ ترجمة: زياد العسلي - عمان: دار الشروق، 1990م - ص 267،وانظر كذلك: حسن حبشي/ مترجم ومعلق ومحقق،الحرب الصليبية الثالثة: صلاح الدين وريتشارد - 2 ج - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م - (سلسلة: تاريخ المصريين: 181 - 182)،وانظر كذلك: جوناثان رلي - سميث،الحملة الصليبية الأولى وفكرة الحروب الصليبية/ ترجمة محمد فتحي الشاعر - ط 2 - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م - ص 295.
    [4] انظر: فيليب فارج ويوسف كرباج،المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي/ ترجمة بشير السباعي - القاهرة: سينا للنشر، 1994م - 220ص،وانظر كذلك: أليكسي جوارفكسي،الإسلام والمسيحية/ ترجمة خلف محمد الجراد، راجَع المادة العلمية وقدم له: محمود حمدي زقزوق - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1417هـ/ 1996م - ص 236 - (سلسلة: عالم المعرفة: 215).
    [5] انظر: جلال العالم،قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله - ط 9 - القاهرة: دار السلام، 1399هـ/ 1979م - ص 33.
    [6] انظر: صالح مسعد أبو نصير،جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن - بيروت: دار الفتح، د،ت - ص 65.
    [7] انظر: مهدي رزق الله أحمد،الحملات التنصيرية في العالم الإسلامي: أهدافها وبرامجها (خاصة العالم العربي: السودان ومصر والعراق والجزائر، نماذج) - ص 317 - 388 - في: مجلة البيان ومبرة الأعمال الخيرية بالكويت،مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام - مرجع سابق - ص809.
    [8] انظر: جون ل.غسبوزيتو،الإسلام والغرب عقب 11 أيلول/ سبتمبر: حوار أم صراع حضاري؟ - أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003م - ص 17.
    [9] انظر: فريتز شتيبات،المنظومة الإبراهيمية للحوار - ص 183 - 196 - في: صاموئيل هانتنغتون وآخرون،الغرب وبقية العالم بين صدام الحضارات وحوارها - بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 2000م -؟؟؟ ص.
    [10] انظر: في تفسير دعاة التصدي: الإسلام هو "العدو الجديد"، وانظر كذلك: في تفسير دعاة التراضي: الإسلام هو "التحدي الجديد" - ص 41 - 54 - في: فواز جرجس،أمريكا والإسلام السياسي/ ترجمة غسان غصن - بيروت: دار النهار، 1998م - ص 363.
    [11] انظر: جون ل.غسبوزيتو،التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟/ ترجمة قاسم عبده قاسم - ط2 - القاهرة: دار الشروق، 1422هـ/ 2002م - ص 424.
    [12] انظر الفصل الرابع: الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام؟ - ص 111 - 135 - في: فريد هاليداي،الإسلام والغرب: خرافة المواجهة، الدين والسياسة في الشرق الأوسط/ ترجمة عبدالإله النعيمي - بيروت: دار الساقي، 1997م،ص259،وتكرر الكتاب تحت عنوان: الإسلام وخرافة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط/ ترجمة محمد مستجير - القاهرة: مكتبة مدبولي، 1997م - (القسم الرابع، الجزء الثاني: الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام) - ص 128 - 156 - ص 260.
    [13] انظر: الفصل الثاني: ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان؟ - ص 64 - 65 - في: فريتس شتيبات،الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2004م - ص 206 - (سلسلة عالم المعرفة: 302).
    [14] انظر: الفصل الثاني: ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان؟ - ص 64 - 65 - في: فريتس شتيبات،الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين - المرجع السابق - ص206.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة


    (الحروب - البغضاء)


    أجرت مجلة التسامح مقابلة مع برنارد لويس المستشرق البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية[1]، وهي مجلة علمية إسلامية فكرية تصدر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بسلطنة عُمان، أكد فيها هذا المستشرق المعروف جدًّا لدى المهتمين بهذا الجانب من جوانب المعرفة، أنه لا يؤمن بهذا المصطلح "الاستشراق"، وأنه يرى أنه استخدم في حقبة من حقب التاريخ، وبالتالي فلا بد من وضع هذا المصطلح "الاستشراق" في "زبالة التاريخ"؛ هكذا في نص المقابلة التي أجريت معه في المجلة.
    وليس الحديث بصدد مناقشة زبالة التاريخ؛ لأن لذلك متخصصيه، إلا أن الذي يقول ذلك شخص مؤثر اليوم في السياسة الخارجية للمعسكر الغربي، هكذا كان يعبر عنه، وللولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، وذلك فيما له علاقة بالإسلام والمنطقة التي نسميها الآن الشرق الأوسط، ويستشار بكثافة في ذلك.
    وقد استشير في مسألة احتلال العراق، ويستشار في مسألة العلاقة بين اليهود في فلسطين المحتلة والعرب أو المسلمين المحيطين بها،وقد تكون له رؤى مطبقة الآن على الساحة، لا سيما أن هذا المستشرق، وهو مؤرخ كذلك حسب رغبته، يهوديٌّ قد أعلن انتماءه في أكثرَ من موقف إلى الصهيونية[2].
    ومن هنا يستحضر ما كتبه روبرت مكنمارا ونقلته عنه صحية الحياة، وقد كان هذا الرجل وزيرًا للدفاع إبان الحرب الأمريكية في فيتنام، ثم صار يدير البنك الدولي، فقد ذكر أن الحرب في فيتنام كما الحرب في العراق مصحوبةٌ بالكره والبغض للفيتناميين وللعرب المسلمين في العراق، وليست كالحرب مع دولة أوروبية، تشارك في الهوية الدينية والثقافية والفكرية؛ولذلك فإن هذا العامل ظاهر في التعامل مع العراقيين، ومن ذلك من وقعوا في الأسر، أو تعرضوا للاستجواب[3]، كما حصل في معتقل جوانتانامو بكوبا، وفي سجون العراق التي برز منها سجن أبو غريب، وفي السجون السرية في أفغانستان وأوروبا.
    وليس هذا موضع اختلاف أو اتفاق، سوى أن ماكنمارا رسخه في مقالته في صحيفة الحياة، وسوى أنه لكونه وزير دفاع سابقًا ينتظر أنه ترك له بصمات فكريةً في الوزارة قد لا تختلف عما وضعه المستشرق المؤرخ برنارد لويس، ويضعه الآن من أفكار لا يستبعد أن تكون البغضاء والكره دافعًا من دوافعها،وقد تكون لهذا الدافع بصمات كذلك فيما يحدث في المنطقة بعامة من عمليات إرهابية، مما هو محير فعلًا، ويحتاج إلى المزيد من التأمل مع التصدي وسد المنابع، والعمل على اقتلاع الفتنة من جذورها.
    ولقد شاعت مقولةٌ تحمِّل اليهود كل ما يجري في المنطقة، ثم أضحت هذه المقولة طُرفة تتداول،ويبدو أنها عادت الآن تطرق أبواب النظرة الجدية بعيدًا عن الطرفة؛ إذ يعود السبب الرئيسي لما تشهده المنطقة من قلاقلَ متلاحقةٍ إلى الاحتلال وسياسات القمع التي تمارسها الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين، حتى إنه ليقال بأن الحرب على العراق كانت في أساسها تأمينًا وضمانًا وحمايةً للدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة، وإن أخطأت الطريق إلى العراق بدلًا من جارتها الشرقية (!) طبقًا للوثائق التي ظهرت مؤخرًا عن جماعات المسيحيين المحافظين الجدد، الذين يسيطرون على الإدارة الأمريكية[4].
    وكان من الممكن أن يكون الحال على غير ما هو عليه على مختلف الصُّعُد لو لم يكن هذا العامل قد فرض نفسه بهذه القوة غير الذاتية لليهود في فلسطين المحتلة، حتى من قِبل أهل المنطقة نفسها، بحيث أضفى على الكيان الصهيوني، لا في فلسطين المحتلة فحسب بل على مستوى عالمي، هالةً من القوة ليست لها، ومن الرهبة منها ما لا تستحقه، فجعلها هذا الموقف تكسب معارك سياسية وحربية لم تخضها قط[5]،ولعل هذا الشعور لا يُلغي أننا أمام طريق طويل لا بد أنه بدأ بخطوة أو خطوات، مما يعني أن الوصول إلى نهاية الطريق مهما طالت - بإذن الله تعالى - متحقق،فكان الله في عون السائرين على طريق الحق.




    [1] انظر: أسرة تحرير التسامح،العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس - التسامح - ع 5 (شتاء 1425هـ/ 2003م) - ص 263 - 272.
    [2] انظر في إشكالية العلاقة بين الصهيونية واليهودية في إسرائيل: رشاد عبدالله الشامي،القوى الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1414هـ/ 1994م - ص 13 - 44،(سلسلة عالم المعرفة؛ 186).
    [3] وهذه كلمة من خبير ممارس يقول عنه جيري ماندر، نقلًا عن الدكتور جان زيغلر في كتابه الأخير بعنوان سادة العالم الجدد: قتل ماكنمارا من الناس، وهو على رأس البنك الدولي، أكثر مما فعل عندما كان وزيرًا للدفاع في الولايات المتحدة مسؤولًا عن مذابح فيتنام،انظر: جان زيجلر،سادة العالم الجدد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الفجر/ ترجمة محمد زكريا إسماعيل - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003م - ص 159.
    [4] انظر: Stephen J.Sniegoski،The War on Iraq conceived in Israel - WTM Enterprises، 2003 -www.thronwalker.com/ dith / sneg concl htm).
    [5] انظر: عبدالوهاب المسيري،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 2005م - 1: ص 156 - 158.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    (الحروب - الاعتذار)


    يشهد العالم اليوم محاولات لتصحيح التاريخ،ويتمثل التصحيح من خلال جملة من الاعتذارات التي يقدمها مَن جَنَوْا على غيرهم في الزمن الماضي، وقد رصد عددًا كبيرًا منها الأستاذ/ محمد السماك في كتابه مقدمة للحوار الإسلامي - المسيحي[1]،ومن هذه الاعتذارات الآتي:
    ارتكبت اليابان مجازر ضد الصين في الحرب المعروفة بالحرب الصينية - اليابانية قبل الحرب العالمية وأثناءها، فاعتذرت اليابان على لسان الإمبراطور عندما زار بكين سنة 1412هـ / 1992م، وأبدى استعداد بلاده لتعويض الصينيين بتمويل مشروعات تنموية ضخمة.
    ونتيجة لما ارتكبته اليابان كذلك في حق الصين والفلبين وكوريا، لا سيما النساء منهم، اعتذرت عن ذلك، وتعهدت بتقديم تعويضات لأسر آلاف النسوة اللاتي أسيء التعامل معهن خلال الحرب العالمية الثانية.
    وتعرض المواطنون الأمريكيون المتحدرون من أصول يابانية للإهانة من بني وطنهم الجديد، عندما ضربت اليابان بيرل هاربر، فجمعوا في معسكرات (محميات) اعتقال إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية، فاعتذرت الولايات المتحدة لهم عن ذلك، وعوَّضتهم ماديًّا.
    وتعرض الأمريكيون المتحدرون من أصول إفريقية للتمييز العنصري والاضطهاد لأجيال عديدة، وتطرح الآن قضية الاعتذار لهم من مواطنيهم البِيض، وتعويضهم بالمشروعات التنموية الاجتماعية والاقتصادية، ولعل في اختيار رئيس للبلاد تتحدر أصوله منهم [باراك حسين أوباما] ضربًا من الاعتذار المبطن، والملبس بلباس الديموقراطية.
    وأساءت روسيا معاملة الأسرى اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد قتل جميع الأسرى في الجبهة الشرقية، فاعتذرت روسيا لليابان، وكان هذا الاعتذار مدخلًا لمناقشة وضع الجزر اليابانية التي احتلتها روسيا.
    وارتكبت النازية جرائم بحق العالم، فاعتذرت لليهود فقط، وقدمت ألمانيا لهم تعويضات مالية ضخمة وما تزال، كان لها أثرٌ كبيرٌ في بناء الاقتصاد اليهودي في فلسطين المحتلة.
    وقد كفَّر الفاتيكان العالم الإيطالي الشهير جاليليو سنة 1042هـ/ 1633م، عندما قال بكروية الأرض، فصدر الاعتذار من الفاتيكان في وثيقة سنة 1412هـ/ 1992م تبرئ جاليليو من تهمة الكفر.
    ويعتقد النصارى أن الذين صلبوا المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - هم اليهود، وكانت الإدانة قد صدرت رسميًّا سنة 906هـ/ 1581م، فجاء الاعتذار في الثمانينيات الهجرية/ الستينيات الميلادية (1385هـ/ 1965م)، ببراءة اليهود من صلب المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام[2].
    واعتذر الفاتيكان مرة أخرى لليهود سنة 1413هـ/ 1993م، بسبب سكوته عن المجازر التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، وأوقف بناء دير قرب معسكر أوشوفتز في بولندا؛ لأن بناءه يُعَد إجراءً مدنسًا لأرواح اليهود الذين قتلوا في المعسكر.
    واعتذرت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية لليهود بعد موافقة المرجعية الدينية العليا للكنيسة في الفاتيكان، وجاء الاعتذار بسبب الدور السلبي الذي مارسته الكنيسة إزاء الاعتقالات التي تعرض لها اليهود الفرنسيون أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا.
    وتعرضت الشعوب الأصلية "الهنود الحمر" في أمريكا اللاتينية للاضطهاد وأعمال السخرة من قِبل الحملات الاحتلالية "الاستعمارية" البرتغالية والإسبانية التي سارت تحت راية التنصير الكاثوليكي، فاعتذر الفاتيكان عن ذلك.
    هذه سلسلة من الاعتذارات أريد منها "براءة الذمة"، وتصحيح مسار التاريخ،وينتظر المسلمون جملة من الاعتذارات كذلك منذ الحروب الصليبية إلى حروب البوسنة والهرسك وكوسوفا وفلسطين المحتلة وغزو أفغانستان والعراق، وما يجري الآن تجاه المسلمين في أصقاع متعددة، يستدعي الاعتذار تصحيحًا لمسار التاريخ.
    ولن يتم ذلك إلا بتغيير الصورة النمطية السائدة عن العرب والمسلمين في مناهج التعليم والإعلام والسينما في الدول الغربية، التي تصور الإسلام على أنه همجيةٌ وأصولية وما إلى ذلك من النعوت، التي يوسم بها الإسلام والمسلمون،ولعل هذا هو شكل من أشكال الحوار الذي قدم له الأستاذ محمد السماك في كتابه المذكورِ عنوانُه في مقدمة هذه الوقفة[3].
    ولن يحصل الاعتذار الذي يصحح مسار التاريخ حتى يقوى هذا الحوار ويأخذ أشكالًا بناءة قائمة على الحجة؛ فالفكر يقارَع بالفكر ليس إلا.




    [1] انظر: محمد السماك،مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي - بيروت: دار النفائس، 1418هـ/ 1998م - ص 199.
    [2] ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157].
    [3] انظر: محمد السماك،مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي - مرجع سابق - ص 199.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    (اليهودية- التعاطف)


    اليهودية محدد من محددات العلاقة بين الشرق "المسلمين" والغرب؛ ذلك أن اليهود قد حاربوا النصرانية حين ظهورها، حتى اتهمهم النصارى أنفسهم بقتل المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - صلبًا؛ فاتخذت النصرانية الصليب بعدئذ شعارًا لها،ولم تبرئ اليهود من مقتل عيسى ابن مريم - عليهما السلام - إلا في الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري، الستينيات من القرن العشرين الميلادي (1965م)، إبان رعاية البابا بولس السادس للكنيسة الكاثوليكية - كما مر ذكره - فيما سمي بفاتيكان اثنين، إشارة إلى المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني[1]،ويُعَدُّ هذا البراء وجهة نظر كاثوليكية قد لا تتفق مع الطوائف الأخرى، لا سيما الكنيسة الشرقية؛ فالعداء بين اليهود والنصارى مستحكم وراسخ في الصحيح: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 113].
    ونظرة المسلمين لعيسى ابن مريم - عليهما السلام - ونظرية القتل والصلب واضحة، نزل بها القرآن الكريم: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157].
    وقد دخل بعض اليهود في النصرانية منذ سنواتها الأولى، ويعد مطلع النصف الثاني من القرن الأول الميلادي نقطة تحول في الديانة النصرانية، حين تنصر بولس أو شاؤول (ت 67م)، الذي كان يضطهد النصارى ويؤذيهم في دينهم وكنائسهم، ثم تحول إلى النصرانية وأراد أن يشوهها من داخلها، وقد فعل وسُمِّي بالمخلص عند طائفة من النصارى، مما أعان على التحريف في هذه الديانة الربانية[2].
    ومعظم التحريف جاء في مصلحة اليهود؛ لأنه قام أصلًا على أيادٍ يهودية تحولت إلى قسس وكاردنالات، بل وبابوات،فكان أن تحولت النصرانية عند بعض طوائفها إلى دين يتعاطف مع اليهود، حتى وصل الأمر إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة على أيدي النصارى، من الحكومات الغربية ورجال الدين والفكر والمال في الغرب،ومراحلُ التمهيد للوطن القومي والبحث لليهود عن مكان: معلومةٌ، حتى استقر الأمر ليكون قلبَ العالم الإسلامي في فلسطين، منذ أن سعى هرتزل إلى ذلك سنة 1898م؛ أي: قبل خمسين عامًا من قِيام دولة لليهود في فلسطين المحتلة سنة 1948م/ 1367هـ.
    ويدعم الغرب اليهود في فلسطين المحتلة، حتى تحولت بعض دور العبادة النصرانية في الغرب إلى منابر تأييد للوجود اليهودي في فلسطين، على حساب المسلمين والنصارى الشرقيين، ولهم في ذلك آثار يزعمون أنها دينية، ومنها أن المؤمنين - النصارى هنا - سيقاتلون الكفار - المسلمين هنا - في فلسطين بمعاونة اليهود.
    ولا تكاد تجد كنيسة مشهورة، أو قسًّا مشهورًا، لا يدعو إلى دعم قيام دولة اليهود في فلسطين،هذا في المجتمع الغربي بصورة خاصة، وليس في المجتمع النصراني الشرقي الذي خبَرَ اليهود وأصر على موقفه منهم.
    وانتشر الوباء اليهودي في الغرب، حتى تحول الغرب نفسه إلى مؤسسات تخدم مصالح اليهود،وتزعم اليهود فيها معظم الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، وإن لم يكن السياسيون المباشرون بالضرورة جميعهم يهودًا.
    وقد حذر بنجامين فرانكلين من فتح باب الهجرة لليهود إلى أمريكا الشمالية، وأكد أن الأمريكيين النصارى سيكونون عمالًا لليهود إذا ما حل اليهود بأرض القوم،وهذا مضمون وثيقة محفوظة في قاعة الاستقلال في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية[3].
    وقد انضم المجلس العالمي للكنائس إلى المنظمة الصهيونية العالمية علنًا عام 1397هـ/ 1977م[4]،وظهر مصطلح المسيحية الصهيونية، وهي "حركة معاصرة هدفها مساندة الصهيونية اليهودية التي اتخذت من فلسطين المحتلة - ما يسمى "بدولة إسرائيل" - كيانًا لها"[5]،وقد انطلقت هذه الحركة من أمريكا لتعضيد دولة اليهود في فلسطين المحتلة، وتدَّعي أن عودة اليهود لفلسطين هو تحقيق للنبوءات، وتهيئة لعودة المسيح[6].
    ومما يعملون عليه في هذا المسار سحب العالم الغربي لتأييد اليهود في كل مكان، بما في ذلك تأييده ودعمه لوطن يهودي قومي في فلسطين المحتلة، حتى وصل الأمر الآن إلى ترسيخ الاسم الذي اختاره اليهود لدولتهم: "إسرائيل"، وحتى ليكاد يطغى على الاسم الأصلي "فلسطين" الذي عرفه النصارى والمسلمون من قبل، بل وعرفه اليهود قبل ذلك.
    وكان هذا الموقف الغربي إزاء اليهود، وبالتالي المسلمين، محددًا قويًّا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب؛ إذ يحرص على استمرار هذا الشد بين الشرق والغرب؛ لأن اليهود يدركون أنه ليس في مصلحتهم وجود بذور تقارُب أو تلاقٍ بين الطرفين؛ لأن ذلك سيكون على حساب الوجود اليهودي، ليس في المنطقة فحسب، بل على الأرض كلها؛ إذ إن الصورة الصادقة عن اليهود إنما هي عند المسلمين ولدى بعض النصارى غير الظاهرين للناس،ويكفي أن نتذكر الآن موقف الغرب كله من روجيه جارودي[7] والقس الفرنسي الذي آزره في قضية واحدة حديثة تتعلق بادعاء اليهود إبادة الملايين الستة منهم في خضمِّ الحرب العالمية الثانية[8].
    ولأن العالم، بما في ذلك المسلمون، يعلم طبع اليهود، تظهر النفرة بين العالم واليهود، وتنعكس هذه النفرة على العلاقة بين المسلمين والغرب، ويتعرض من يحذر من ذلك للمضايقة والتجاهل،والسيا سة في الغرب تغلِّب جانب المصالح على أي معنى آخر من المعاني الإنسانية القائمة على الموضوعية والحقوق، إلا في الشأن اليهودي؛ فإن دعم اليهود في فلسطين المحتلة يتعارض مع المصالح العليا للشعوب الغربية[9].
    هذا على المستوى المعلن الذي تترتب عليه قراراتٌ ومصائر، أما غير المعلن رسميًّا والمتروك للمجالس الخاصة فإن الغرب، أفرادًا ومؤسسات، يدرك الهوية اليهودية والطبع اليهودي المخادع، ولا يصرح بهذا الإدراك شخصٌ إلا فقَدَ مكانته السياسية أو العلمية، حتى لو جاء التصريح على سبيل الطرفة واللطافة،ويذكر في هذا المقام ما حل بوزير البيئة جيمس وات في بداية ولاية رونالد رجين في مطلع الأربعمائة والألف الهجرية - الثمانينيات الميلادية، عندما لمز اليهود بتصريح كانت نتيجته أن أجبر على تقديم استقالته من الوزارة[10]،ومن خلال حوادث أخرى متفرقة صرح بها بعض الأشخاص البِيض عن موقفهم من اليهود؛ ففقدوا مكانتهم، وتكتَّم الآخرون على هذا الإدراك وجعلوه خارج نطاق حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الفكر[11].
    والشائع الآن أن اليهود في الغرب يسيِّرون معظم المجتمع على ما يرون من مفهوم للحياة،ولم يقتصروا في تسييرهم هذا على الغرب، بل سعَوا إلى انتشار نفوذهم على البلاد والمجتمعات الأخرى التي أفادت من الحضارة الغربية، على حساب حضارتها وثقافتها ومبادئها ومُثُلِها،وهذا ظاهر واضح في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وضوحًا تامًّا.
    والعقبة الكَأْدَاءُ التي وقفت في طريق تنفيذ الرغبة اليهودية رغم كل شيء هي الإسلام وأتباعه المسلمون، الذين ينبني عليه دينهم - على ما هم عليه من إضعاف - مع ما ينبني عليه من فهم حقيقة اليهود وتطلعاتهم في الحياة، ومواقفهم من الأمم السابقة، ومن الأنبياء والرسل من قبل.
    ويحاول عبدالوهاب المؤدب مرة أخرى الاعتذار لليهود بالتفريق بين اليهود زمن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الذين نزل بهم القرآن الكريم ويهود اليوم، ويرى أن هناك من "ينظر إلى يهود المدينة (من معاصري النبي محمد) وإلى يهود إسرائيل المتحاربين مع الفلسطينيين والعرب النظرة نفسها؛ أي إن العداء لليهودية يختلط بالعداء للصهيونية، ثم يتطور عداءً للسامية دون التنبه إلى أن هذا الأخير من مستوردات الغرب"[12]،وهذه إشكالية لا تفتأ تتردد حول التفريق بين اليهودية والصهيونية[13]، لا سيما فيما له علاقة باليهود في فلسطين المحتلة وقيام دولتهم على البعد الديني والقومي[14].
    ويُدرك اليهودُ هذا الموقف من الإسلام، وعُرِف عنهم أنهم يقرؤون النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تبين هذه الحقيقة، كما تبين مصير اليهود على أيدي المسلمين؛ ولذا نجدهم ينفقون أغلب جهودهم في تأخير هذا المصير.





    [1] انظر: زينب عبدالعزيز،حرب صليبية بكل المقاييس - دمشق: دار الكتاب العربي، 2003م - ص 27 - 53،(سلسلة صليبية الغرب وحضارته: 1).
    [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة،التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص295.
    [3] يشكك عبدالوهاب المؤدب في صحة الوثيقة، ويرى أن اليمين الأمريكي المتطرف قد زورها في العشرينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم، ونسبها إلى مدبج الدستور الفدرالي بنجامين فرانكلين،انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 136.
    [4] انظر: أسعد عبدالرحمن،المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982م - ط2،بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 202.
    [5] انظر: سليمان بن سالم بن ناصر الحسيني،الحملات التنصيرية إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النصرانية والإسلام - لندن: دار الحكمة، 2006م - ص 494.
    [6] انظر: إكرام لمعي (القس)،المسيحية الإنجيلية (البروتستانتية) والموقف من الآخر - ص 153 - 262 - في: رقية العلواني وآخرين،مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحية/ تحرير منى أبو الفضل ونادية محمود مصطفى - دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2008م - ص 264 - (سلسلة التأصيل النظري للدراسات الحضارية؛ 2).
    [7] انظر: روجيه غارودي،الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية - ط 3 - ترجمة: حافظ الجمالي وصياح الجهيم - بيروت: دار عطية، 1997م - ص 373.
    [8] انظر: رضا هلال،المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا - القاهرة: مكتبة الشروق، 1422هـ/ 2001م - ص 272.
    [9] انظر: غريس هالسل،يد الله: لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟ ترجمة محمد السماك - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ/ 2002م - ص122.
    [10] انظر: بول فندلي،من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي - ط5 - بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2002م - ص 622.
    [11] انظر من ذلك: أحمس حسن صبحي،المسلمون والمسيحيون تحت الحصار اليهودي - القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002م - ص 253.
    [12] انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 137.
    [13] انظر في هذه المسألة: عبدالرحمن بن محمد الدوسري،يهود الأمس: سلف سيئ لخلف أسوأ/ راجعه وخرج نصوصه وعلق عليه: مصطفى بن أبو النصر الشلبي - جدة: مكتبة السوادي، 1413هـ/ 1992م - ص 280.
    [14] انظر في تنظيم الصهيونية: أسعد عبدالرحمن،المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982 - ط2،بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 272.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    (اليهودية - الشرخ الأسطوري)
    ومن الكتب التي أعطت موضوع اليهود اعتبارًا مناسبًا لهذه المحددات كتاب حديث، ألَّفه جورج قرم بعنوان: شرق وغرب: الشرخ الأسطوري،ولم يكن هذا هو الكتاب الأول للمؤلف؛ فقد سبقه بعشرة أخرى منذ سنة 1401هـ/ 1981م، وزاد عليه بعد ذلك، وكلها إسهامات يغلِب عليها طابع الفكر السياسي[1]،هذا الكتاب مليء بالمعلومات الموثقة بالمراجع الحديثة حول موضوع الشرق والغرب.
    ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب أبدًا من التعرض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ذلك الموقف الذي بانت آثاره إلى اليوم على العلاقة بين الشرق والغرب، لا سيما ما يسمى بالشرق الأوسط الذي يدين معظم قاطنيه بالإسلام، وتتبنى غالبية القاطنين فيه من غير المسلمين داخل المجتمع المسلم الثقافة الإسلامية، حتى يهود هذه المنطقة العربية قبل الاحتلال كانوا يتبنون الثقافة الإسلامية، دون أن يؤمنوا بالإسلام دينًا؛ إذ إن لهم دينهم الذي يؤمنون به.
    ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، لا سيما من المفكرين الغربيين والمستغربين، من الحديث عن المحرقة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية التي بدأت سنة 1360هـ/ 1939م وانتهت سنة 1366هـ/ 1945م،ومن ذلك الحديث عن معاداة السامية وأسباب هذه المعاداة، فكانت هناك "مماحكات ثقافية عديدة عن طبيعة النازية، وجنون معاداة السامية وأسبابه، فقد تحولت إلى مشاحنات مزقت العالمين الأكاديمي والإعلامي لسنوات، من دون أن يتم الاتفاق حول المسؤولية المنسوبة إلى هذا العامل أو ذاك فيما جرى، وبالأخص المسؤولية التي تقع على عاتق الألمان بشكل جماعي"[2]،وما أثاره كتاب دانيال ج.جولدهاجن بعنوان: الجلادون المتطوعون لهتلر: الألمان العاديون والهولوكست، باريس 1417/ 1997م،وكتاب نورمان فنكلشتاين بعنوان: صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال عذابات اليهود، باريس 1421هـ/ 2001م؛ حيث يرى أن ما قام به الألمان في المحرقة أوجد نوعًا من الطقوس أخذت طابع القدسية[3].
    يقول جورج قرم: "إن صورة اليهودي "التائه" صورة خلقتها الثقافة الغربية؛لذا من الخطأ القول: إن معاداة السامية ترقى إلى أقدم الأزمنة، بل إن رفض التعددية والفردانية وإيثار ما يجمع ويوحد في إضمار الأخوة الشاملة في المسيحية، هي التي أدت إلى نبذ كل الذين لا يعترفون بالمسيح، واضطهادهم في أزمنة القلاقل والحروب،لكن هذا النبذ كان يلائم المحافظين والمتشددين من اليهود، الذين بدا لهم عالم "المشركين" مدنسًا،مما ساهم في تعزيز عقلية الغيتو"[4]،ويعرف الغيتو بالهامش على أنها كلمة "تشير إلى الأحياء التي انكفأ إليها اليهود في المدن الغربية، لتجنب الاضطهاد، وكذلك لتجنب الحياة المشتركة مع "الكفار" من غير اليهود"[5].
    ورغم المحاولات لدمج اليهود في المساق الوطني كما فعلت فرنسا، ورفع شعور اليهود بالدونية، إلا أن اليهودية لا تزال تعيش نوعًا من الانفصام العقائدي، "وتتنازعها التيارات المتعارضة"،فكان أن أنشئت دولة يهودية، أو أنشئ وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة باسم دولة إسرائيل، التي وصفها المؤلف جورج قرم بطفل الأنابيب، لا عيبًا بطفل الأنابيب، ولكن المراد أعمق من ذلك، فلقد "بذلت الدول الغربية جهودًا خارقة لإرساء دولة إسرائيل، بل سعت بكامل وعيها إلى إيجاد هذه الدولة مسخرة كل طاقاتها الممكنة"[6].
    ثم يتساءل المؤلف تساؤلًا منطقيًّا: "كيف يمكن أن يكون الغرب علمانيًّا وجمهوريًّا ويساهم في الوقت نفسه من دون تحفظ في إيجاد دولة مصطنعة تطالب بــ: "حقها" في الوجود استنادًا إلى نص ديني؟ إذا كان التبرير الأخلاقي الذي شرع وجودها بنظر الغرب هو الاضطهاد الذي ألحق باليهود على يد شعب آخر (أي الألمان)، فإنما تم ذلك بمصادرة أرض شعبٍ آخر، أي الفلسطينيين، لا علاقة له بما حصل من اضطهاد في أوروبا للجماعات اليهودية"[7].
    والسؤال منطقي، والمسوغ غير منطقي،ويبدو أن هذه القضية التي أثارت ما أثارت في المنطقة، بحيث تكون سببًا رئيسيًّا فيما يجري في المنطقة، هذه القضية لم تخضع للمنطق، بل إنها دليل "صارخ" على الكيل بمكيالين، مما هو موضع قناعة تامة من قبل عدد غير قليل من المفكرين والمناطقة الغربيين، ويزداد هذا العدد مع مرور الأيام، فهل سيصل ذلك العدد المتزايد من ذوي الاقتناع أو الاقتناعات بعدم منطقية زرع وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة إلى أن يكون هناك تأثير ما على هذا الوجود اليهودي في قلب العالم الإسلامي؟ وبالتالي يخفف من حدة التوتر في العلاقة بين الشرق والغرب؟



    [1] انظر: جورج قرم،المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين - بيروت: دار الفارابي، 2007م - ص 407.
    [2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 86 - 87.
    [3] انظر: نورمان فنكلشتاين،كيف صنع اليهود الهولوكست؟/ ترجمة ماري شهرستان - دمشق: دار الأوائل، 2003م.
    [4] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 87.
    [5] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87.
    [6] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87 - 88.
    [7] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 88.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة




    (اليهودية - العهود)
    في العدد (13610) من السنة الخامسة والأربعين لجريدة عكاظ السعودية الصادر يوم الاثنين 7 شوال 1424هـ الموافق 1 ديسمبر 2003م،وفي الصفحة السابعة (زاوية ثقافة)، نشرت الجريدة مقالًا مطولًا (شغل الصفحة كلها) عن المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد الذي: "نافح عن قضايا الأمة بلغة يفهمها الغرب"، كما تقول الصحيفة،والمقال لم يكن لكاتب واحد، إلا أن المحرر الأستاذ جمال المجايدة استعرض أقوال مجموعة من المفكرين العرب، أمثال الأستاذ شفيق الحوت والدكتور محسن الموسوي والدكتور يوسف الحسن والأستاذ فواز الطرابلسي والأستاذة عائشة إبراهيم سلطان وغيرهم، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد.
    ولقد كانت لي سياحة فكرية مع المفكر الراحل إدوارد سعيد في هذه الوقفات تحت محدد: الاستشراق، عرضت فيها سيرته الذاتية التي كتبها بأسلوبه المعتاد بعنوان خارج المكان،وقد ترجمت سيرتُه شعورَه بأنه لم يكن يقيم في أمريكا إلا بصفته لاجئًا يقيم خارج موطنه الذي عاد إليه، لا بصفته منتصرًا، ولكن أيضًا بصفته لاجئًا في بلده الأصلي.
    ولا إطالة في هذا، فقد كُتب عن الرجل من الكتابات الصحفية والفكرية ما يستحقه من الإشادة، وسيُكتب عنه كذلك كتابات فكرية وعلمية ناقدة؛لأن الرجل قد أكد أننا أقوياء إذا وثقنا بأنفسنا، كما يقول فواز الطرابلسي[1].
    وربما يُترك الخوض في هذا الموضوع إلى الصفحة نفسها التي نشر فيها الاستطلاع والتحقيق الصحفي؛ إذ برز في أسفل الصفحة من جريدة عكاظ صورتان، صورة لقبة الصخرة في القدس الشريف، ويعبر بها عادة عن المسجد الأقصى، وليست هي المسجد الأقصى.
    والصورة الثانية التي تسترعي التوقف طويلا جدًّا والتأمل والاعتبار، والتي لا يقل وقعها عن وقع الصورة الحية لمقتل الصبي محمد الدرة - غفر الله له - من حيث شناعة المنظر، والإساءة إلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحياة أو النفس التي نعدها إحدى الضرورات الخمس:
    الصورة كما وردت في الجريدة تمثل امرأة مسلمة فلسطينية عليها الحجاب الأبيض بين مجموعة من اليهود الجنود، وامرأة أخرى خلفها لا يبدو أنها مسلمة، بل ربما كانت يهودية، تسحب حجاب المرأة الفلسطينية من الخلف، بينما يقوم طفلٌ (صبي) يهودي يلبَس غطاء الرأس المميز لليهود بركل المرأة المسلمة من خلفها، وجنود يهودَ واقفون يتفرجون، وأقرب اعتذار لهم لمن أراد أن يعتذر لهم أن حالهم يقول: "لم أُرِدْها ولم تَسُؤْني"؛ ذلك أنهم مطالبون أمام آلات التصوير بالحفاظ على الأمن من وجهة نظرهم، ولكنهم على ما يبدو يحافظون عليه فعلًا من وجهة نظرهم التي تسمح لهم بالإساءة إلى كرامة الإنسان أي إنسان.
    تلك المحافظة التي سمحت لهم أن يبول أحدهم على رأس أسير فلسطيني في أحد السجون اليهودية أمام آلة التصوير المتحرك، من دون أن يكون لهذا الفعل رد فعل على أي صعيد من الصُّعُد، ولو على صعيد منظمات حقوق الإنسان، وحقوق أسرى الحرب، على اعتبار أن الفلسطينيين يعدون في حال حرب مع اليهود منذ أن اغتصب اليهود أرضهم.
    والصورة ليست جديدة في حق المرأة المسلمة؛ فقد اعتدى عليها يهود بني قينقاع في سوقهم، مما أدى إلى نشوب حربٍ انتصارًا للمرأة المسلمة، وربما كانت سببًا من أسباب إجلاء اليهود عن المدينة المنورة[2]،وأهينت امرأة في العصر العباسي (القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي) أيام الخليفة المعتصم، فاستنجدت به: "وامعتصماه"، فما كان منه إلا أن نجدها في معركة عَمُّورية التي قال فيها أبو تمام قصيدته المشهورة التي مطلعها:
    السيفُ أصدقُ إنباءً مِن الكُتُبِ
    في حدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللعِبِ

    وبالتالي فإنه أصبح لزامًا على جميع المسلمين الانتصار بأي لغة مناسبة غير لغة العنف والإرهاب، لأي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، يتعرض للإهانة في كرامته من قبل أعداء الأمة.
    ولعل في تصور الصورة مع هذه الوقفة ما يكفي عن المزيد من التعليق الذي قد يساء فهمه، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى عدم ترك أي مجال لسوء الفهم، الذي قد يوظف ضد القضية التي نحن بصددها، وهي الانتصار لكل من يتعرض للإساءة، بسبب هويته الدينية أو الثقافية.
    ولا يظهر أن هذه الصورة المعبرة لا تستحق قدرًا من العناية والاهتمام لدى المَعْنيين المخوَّلين القادرين على العمل على تلافي الصورة أو الصور المتكررة بحسب معطيات الزمان والظروف.




    [1] عقد الباحث ملحقًا عن إدوارد سعيد - ص 121 - 129 - في كتاب بعنوان: الالتفاف على الاستشراق: محاولة التنصل من المصطلح - الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1426هـ/ 2005م - ص 182.
    [2] انظر: محمد بن فارس الجميل،الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات،ط 2 .- الرياض: دار الفيصل الثقافية، 1425هـ/ 2004م - ص 70 - 80.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة





    من منطلقات العلاقات الشرق والغرب
    (الاحتلال- المصطلح)
    لا يُرضي بعضَ الباحثين مصطلح الاستعمار، ويفضل المصطلح البديل: الاحتلال، بل لقد ظهر علينا مصطلح جديد بديل للاستعمار، وهو نقيضه: الاستخراب أو الاستدمار؛ لأنه هو الذي يعبر عن الحال التي جثم فيها الغرب على الشرق فلم يعمره، وإنما سعى إلى هدمه وخرابه والقضاء عليه[1]،إلا أن مصطلح الاستعمار قد طغى وصار مميزًا لهذا الحديث، بحيث ينصرف الذهن إلى مفهوم الاحتلال عندما يطلق مصطلح الاستعمار،ويفضل الباحث استخدام مصطلح "الاحتلال" بديلًا لـ: "الاستعمار" من دون ربطه بالمبدل منه "الاستعمار" كلما وجد[2].
    وقبل الدخول في مفهوم الاحتلال محددًا من محددات العلاقة بين الشرق، المسلمين هنا، والغرب لا بد من احتمال هذا المصطلح لزمن، تحدَّد خلاله العلاقة بين الاستشراق والاحتلال من جهة، والتنصير والاحتلال من جهة أخرى، مع الاعتراف بالتداخل بين هذه العوامل الثلاثة، المحددة للعلاقة على التفصيل القادم عند الحديث عن التنصير ثم الاستشراق ثم العلاقة بين التنصير والاستشراق.
    وأثبت البحث العلمي أن هناك علاقة قوية بين كل من الاستشراق والاحتلال[3]؛ ذلك أن الاحتلال قد أفاد كثيرًا من الاستشراق، واستخدم بعض المستشرقين مساندين للمحتلين في وجوه:
    الوجه الأول: أن المستشرقين قد استخدموا مستشارين في وزارات الحربية ووزارات الاحتلال، وكانت هناك وزارات للاحتلال، ثم وزارات الخارجية،وكان بعض المستشرقين موظفين في هذه الوزارات في وظائف استشارية.
    الوجه الثاني:
    أن بعض المستشرقين قد رافقوا المحتلين في حملاتهم الاحتلالية، وأعانوهم على الوصول إلى المناطق التي عرفوها قبل وصول المحتلين إليها، بل إن من المستشرقين من صاغ البيانات الاحتلالية في البلاد العربية المحتلة وباللغة العربية، ومنهم من أذاع هذه البيانات الاحتلالية في الإذاعات الاحتلالية، التي قامت حال وصول المحتل إلى الأرض المحتلة.
    الوجه الثالث: أن بعض المستشرقين كانوا قد سبقوا المحتلين إلى الأراضي التي سيطر عليها المحتلون، بل إن منهم من وُلد في هذه الأراضي، لا سيما في الشام العربي والشمال الإفريقي العربي وشبه الجزيرة الهندية،وسِيَرُ بعض المستشرقين تؤكد على ذلك؛ إذ إن ولادة بعضهم كانت على الأراضي العربية أو الإسلامية[4].
    والوجه الرابع: أن بعض المستشرقين عملوا وكأنهم قواعد معلومات، يستهدي بهم المحتلون، من دون أن يكونوا بالضرورة جميعهم عاملين متفرغين في تلك الوزارات.
    والوجه الخامس: أن الاستشراق كان دافعًا قويًّا للاحتلال، بما قدمه من معلومات سابقة لم تكن مقصودة بالضرورة لغرض احتلالي بعينه، ولكنها كانت معلومات جاهزة، فيها دعوة غير صريحة لاحتلال تلك الديار، لما ينتظر منها أو فيها من معادن وثروات طبيعية، وبما يمكن أن يستفاد من أهلها في بناء المجتمعات الغربية، لا سيما البنية الأساسية لتلك المجتمعات باستخدام ما يسمى خطأ لغويًّا بالعمالة الرخيصة؛ أي العمال الرخيصين، التي ظهرت أخيرًا، هم بشر غير رخيصين، إلا أن المقصود أنهم غير مَهَرة في الغالب، فتكون أجورهم قليلة، بل ربما ذهبنا إلى أبعد من ذلك عندما نلتفت إلى إفريقيا - في مسألة أخذ الرقيق (العبيد) منها يخدمون في البيوت والمزارع "الإقطاعات" والحظائر وغيرها.
    وهناك وجوه أخرى اتضحت فيها جهود بعض المستشرقين في مؤازرة الاحتلال الذي هجم على العالم الإسلامي حينًا من الدهر، على ما سيأتي بيانه في وقفة لاحقة بإذن الله تعالى.
    ومع هذا كله، فإن هذه الوقفة ركزت على التبعيض، وتعمدت الابتعاد عن التعميم، فلم يكن جميع المستشرقين على هذه الشاكلة، بل إن منهم من نأى بنفسه عن الاحتلال ومؤسساته.
    كما نأى غيرهم بأنفسهم عن الولوج في غيابات التنصير، واكتفت هذه الثلة من المستشرقين بالبحث والدراسة والإنتاج العلمي، من نشر ودراسة وتحقيق وفهرسة وتكشيف، وغيرها من الأنشطة العلمية،ومن العدل إثبات ذلك والوقوف عنده،كما أنه من العدل أيضًا إبراز جهود المنصرين في مؤازرة الاحتلال،(إعادة قراءة).
    ------------------------------

    [1]انظر: عبدالحليم عويس، عرض ودراسة،في العمل الإسلامي،ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات - حصاد الفكر - ع 146 (ربيع الآخر 1425هـ/ يونيو 2004م) - ص 63 - 68.
    [2]انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح في الفكر العربي - مرجع سابق - ص 250.
    [3]انظر الفصل الأول من الباب الثاني: العلاقة بين الاستشراق والاستعمار - ص 79 - 103 - في: علي بن إبراهيم الحمد النملة،ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - مرجع سابق - ص 210.
    [4] انظر: نجيب العقيقي،المستشرقون - 3 مج - ط 5 - القاهرة: دار المعارف، 2006م - 110: 1 - 125.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    (الاحتلال - التبعية)
    مرت وقفتان عن الاحتلال، من حيث كونه محددًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، وكانتا قد ركزتا على العلاقة بين الاستشراق والاحتلال من جهة، والتنصير والاحتلال من جهة أخرى، حتى عدت هذه المحددات الثلاثة أهم ركائز البعد بين المسلمين والغرب، بل الأبعاد بين المسلمين والغرب،ويتجاوز الحديث هنا عن التأريخ الدقيق للاحتلال والدول المحتلة.
    لم يألُ الاحتلال عبر تاريخه الطويل للبلاد العربية والإسلامية جهدًا في تغريب المجتمع المسلم، بنزع الإسلام نزعًا من نفوس المسلمين؛ رغبةً في ضمان التبعية السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها من مناحي الحياة، التي يراد بها أن تسير بهَدْيٍ من الإسلام.
    ليس المقصود هنا إلقاء اللوم على الغرب وحده في هذا، وتحميله كل ما حل بالمجتمع المسلم نتيجةً للاحتلال؛ لأن الغرب في هذا إنما يسعى إلى ترسيخ مصالحه في هذا المجتمع وغيره، ويسعى إلى إبعاد أي عامل من عوامل التنغيص لهذا الترسيخ،ويؤيد ذلك ما ذهب إليه المفكر الجزائري مالك بن نبي - رحمة الله عليه - من أن الاحتلال قد وجد قابليةً لدى المسلمين له، فربض بينهم عقودًا طويلة لم ينغِّص وجودَه إلا تلك الأصوات العاقلة التي نبهت إلى أخطاره، ودعت إلى مقاومته والوقوف في وجهه.
    الذين يدرسون الاحتلال ومقاومته يعلمون أن الذين وقفوا في وجهه هم - في الغالب - المسلمون القادة الذين خلدهم التاريخ، وإن كانوا قد عانَوْا في سبيل إخراج المحتل حسًّا ورُوحًا.
    وظلت التبعية للاحتلال والمحتل قائمةً حتى مع مرور عقود عديدة من السنين على أفول نجم الاحتلال،ولا تزال المجتمعات المسلمة تعاني من آثار الاحتلال التي تمثلت في وسائل شتى، منها:
    أولًا: محاولة القضاء على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم التي تربط المسلم بمقومات وجوده، وقصرها على المعابد؛ أي دور العبادة، وهي المساجد هنا، وإبعادها عن المعاهد؛ أي الجامعات والمؤسسات البحثية والمؤسسات التنموية الأخرى،ولا تزال بيننا مؤسسات علمية وتعليمية تصر على التعليم بلغة أخرى غير اللغة العربية في بلاد العرب، وهي في واقع الحال تزيد عددًا ورقعةً.
    ثانيًا: السعي إلى فصل الدين عن الدولة، وإبعاد علماء الدين عن التأثير في السياسة في كثير من الدول الإسلامية، وليس بالضرورة في جميع البلاد الإسلامية، وقصر الدين على السلوكيات الخاصة والأحوال الشخصية مما يطلق عليه العلمانية الجزئية[1]، وبالتالي يتولى أمورَ الدولة أشخاصٌ ليسوا متحمسين لإدخال الفكرة الدينية في السياسة، وإن كانوا قد انطلقوا في البداية من الدين،وليس هذا مجالًا للتشهير والتشفي والنياحة، بل الأمر هنا يعمِد إلى التحليل العلمي الهادئ الذي يشخص واقعًا مَرَّ على هذه الأمة وهي تحاول الخروج منه إلى الأفضل،وربما عمدت قيادات مسلمة إلى عزل الدين عن الحياة، ليس فقط فصل الدين عن الدولة، فيما يطلَق عليه: العلمانية الشاملة[2].
    ثالثًا: إبعاد الدين عن الاقتصاد، والسعي إلى زج المجتمع المسلم في نظامين اقتصاديين كانا قائمين، هما: الاشتراكية والرأسمالية، بل كلنا يذكر أن بلدًا قياديًّا من بلاد المسلمين عندما تبنى الاشتراكية جعل الإسلام هو دين الاشتراكية، وجعل محمدًا صلى الله عليه وسلم وصَحْبَه رضي الله عنهم اشتراكيين، وتغنَّتِ المغنية بأن النبي محمدًا عليه الصلاة والسلام هو إمام الاشتراكيين، ووصَف أحد الكتَّاب - غفر الله له - أبا ذر الغفاري رضي الله عنه بأنه ذلك الاشتراكي الزاهد[3]،وكتب آخر - غفر الله له - عن اشتراكية الإسلام، أو الاشتراكية في الإسلام[4]،وسعت كتابات أخرى إلى "مركسة الإسلام"[5]، و"مركسة البعثة"[6]، وإن لم تصرح بذلك،وكانت على هذا التوجه ردودٌ مختلفة، لعل أفضلها ما كتبه شيخ الأزهر عبدالحليم محمود - رحمه الله تعالى - عن الشيوعية والاشتراكية وموقف الإسلام منها[7].
    رابعًا: تبني الثقافة والآداب الدخيلة، بل تلك التي سئمها أصحابها فصدَّروها إلى من تلقَّفها، ورأى فيها مخرجًا للمأزق الثقافي الذي عاشته الأمة في فترة تغييبها عن الوعي، تلك الفترة الاحتلالية وما سبقها،فظهرت على المجتمع ظاهرة الحداثة التي تبنَّت - على ما ظهر من بعض أطروحاتها - الحرب على التراث، وكان هناك صراع مفتعل بين التراث والمعاصرة، وحورب التراث في سبيل النهوض بالحداثة[8]، وأهينت أوعيةُ معلومات التراث من الكتب والمخطوطات، وصارت تدعى بالكتب الصفراء التي تعيد الناس إلى "الماضوية"، وصارت العناية بالتراث توحي بالتخلُّف والرجعية.
    خامسًا: دعوة المرأة إلى التمرد على الأوضاع التي تعيشها،وهنا يدور خلطٌ بين الأوضاع السيئة التي تعيشها المرأة العربية والمسلمة بسبب تقاليد وعادات محلية لا تحترم بالضرورة المرأة، ولا تنطلق من منطلق ديني، وبين نظرة الإسلام الواضحة للمرأة، بل ربما كان هناك تعمدٌ بلصق هذه العادات والتقاليد بالإسلام، وأنه لم يعطِ المرأة حقوقَها التي حصَلَت عليها نظيراتها في المجتمعات المتقدمة، إن كانت قد حصلت عليها فعلًا، مما يعني الثورة على هذا الوضع، وتبني النموذج الغربي في التعامل مع المرأة، من دون النظر إلى سلبيات هذا النموذج على المرأة نفسها، وبالتالي على المجتمع والأمة.
    سادسًا: بذر الشقاق بين المسلمين على المستويات الرسمية، بالمغالطات في رسم الحدود بين الدول، وإيجاد تداخلات فيما بينها، بحيث تبقى المنطقة في قلق دائم ومنازعات مستمرة، مما يرسخ الحاجة الدائمة إلى الآخر في فض النزاعات، واللجوء إلى التحكيم الدولي، بل النزوع إلى المؤسسات الدولية في الحكم على نزاعات نَعدها سطحية، وإن كانت العزيمة المعلنة قائمةً على التفاهم والود ونبذ الخلاف، والتلاقي عند نقاط اللقاء، وغير هذه العوامل التي يطول بذكرها المقام.
    ويظل الاحتلال، برغم أفوله، عاملًا مهمًّا ومؤثرًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، مما يستحق معه إطالة الوقوف مع هذا العامل الذي ترك آثارًا سلبية على المجتمع المسلم، ما يزال المسلمون يعانون منها، وقد يحتاجون إلى زمن طويل قبل الخروج من هذه المؤثرات لهذا المحدد الواحد.




    [1] انظر: عبدالوهاب المسيري،العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - 2 مج - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ / 2002م - 1: 6.
    [2] انظر: عبدالوهاب المسيري،العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المرجع السابق - 1: 16.
    [3] انظر: عبدالحميد جودة السحار،أبو ذر الغفاري: الاشتراكي الزاهد،القاهرة: دار الهلال، 1385هـ/ 1966م - ص 201 - (سلسلة كتاب الهلال؛ 178)،وانظر أيضًا: عبدالحميد جودة السحار،أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث "الاشتراكية في الإسلام" - ط 10 - القاهرة: مكتبة مصر، د،ت - ص 208،ويرد الدكتور عبدالحليم محمود على هذا التوجه عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - في: أبو ذر الغفاري والشيوعية - ط 4 - القاهرة: دار المعارف، 1985م - ص 87.
    [4] انظر: مصطفى السباعي،اشتراكية الإسلام - ط 2،دمشق: دار المطبوعات العربية، 1379م - 425ص.
    [5] انظر: منصور أبو شافعي،مركسة الإسلام - القاهرة: دار نهضة مصر، 1999م - ص 80 - (سلسلة في التنوير الإسلامي؛ 39).
    [6] انظر: منصور أبو شافعي،مركسة التاريخ النبوي - القاهرة: دار نهضة مصر، 2000م - 96ص - (سلسلة في التنوير الإسلامي؛ 54).
    [7] انظر: عبدالحليم محمود،أبو ذر الغفاري والشيوعية - ط 4 - مرجع سابق - ص 87.
    [8] انظر: عبدالإله بلقزيز، محاور،الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - مرجع سابق - ص 147.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •