تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    موقف من أعجب المواقف القرآنية،هذا الرجل المؤمن الذي ذُكرت قصته في سورة يس،
    رجل عادي من عوام الناس
    بينما هو في طريقه من أقصى المدينة ساعيًا مُجِدًّا في سيره ليبلغ مكان اجتماع الناس ومنتداهم.
    ولربما استرجع في تلك اللحظات ما لقيه المرسلون من عنت وصدود وتكذيب،
    ولعله قد دارت بخلده مشاهد الإهانة والتوبيخ التي قوبل بها أولئك الأخيار، والتي تجعل غالب الظن بعد كل ذلك أن يلقى ما لقيه أئمة الحق أو أشد،
    لكنه مع ذلك ما انفك عن السعي وما تباطأ به المسير أو قعد عن البذل!
    إنه رجل يعرف هدفه جيدًا ويدرك أبعاد قضيته بشكل واضح،
    ويعلم أن مناط تلك القضية ليس مطلق ترتب الثمرة ولا حصول الاستجابة،
    فتلك أمور بيد مولاه،
    لكن الصدع بالحق كان هو مبتغاه والبلاغ عن الله كان هو غاية مسعاه.
    لذلك جاء..
    ومن أقصى المدينة يسعى..
    لم تكن دعوته لنفسه، ولم يكن مطلبه لذاته، ولم يجعل مسعاه لمصلحته، بل أعلن تجرده في أول جملة قائلًا:
    «اتبعوا المرسلين»
    كانت دعوة متجردة نقية،
    كان صدعًا بحق خالص لا تشوبه من شوائب حظ النفس شائبة،
    فهو من اتباع المرسلين الذين لا يسألونكم أجرًا والذين هم كذلك لا يطلبون شيئًا لأنفسهم؛
    كان تجردهم قدوة له، وإخلاصهم أسوة لتفانيه،
    وكل ذلك في منظومة صدق متكاملة هدفها إعلاء كلمة الله وتوحيده بالعبادة والقصد
    وبذل الوسع لإبلاغ رسالة الانبياء.
    كان هذا لسان حاله و مقاله في كلماته البديعة التي خلد ذكرها المولى في كتابه قائلًا:
    {اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ . إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}
    كلمات نورانية رقراقة تخاطب العقل والروح معًا في آنٍ واحد،
    نطق بها الرجل في هذه الظروف العصيبة،
    ورغم كل ذلك التكذيب وتلك العوائق والعقبات التي واجهت من هم أعلى منه منزلة وأجل قدرًا.
    ولئن كان متعذر قبولهم للحق بدعوى مظنة التكذيب وتوقّع عدم الاستجابة،لأن الرجل كان يعيش في قوم كذبوا ثلاثة أنبياء ولم يقبلوا منهم حقًا ولم يصدقوا منهم حرفًا وما استجابوا لهم؛ هو أولى الناس بألا يقبل منه ..
    هو أولى الناس بأن يقطع الطمع في هداية الخلق أو يفقد الأمل في هدايتهم إلى الحق!
    لكنه لم يفعل..
    ولم يتعذر، ولم يتلكأ..
    لم يحقر نفسه، ولم يتعذر بعدم أهمية قوله، أو يحتج بقلة قيمة صدعه..
    بل جاء من أقصى مدينته وسعى وتكلم وصدع ونصح ووعظ..
    ولقد أعذر..
    فأي همة تلك؟! وأى ايمان هذا الذى يكتمه هذا الرجل
    وأي إصرار هذا الذي استقر في نفس رجل كان من الممكن أن يتعذر بحجة وجود الأنبياء وقيامهم بواجب الصدع والبلاغ.
    حتى بعد موته ظلت رغبته في هداية الناس يقظة وحرصه على نصحهم وإرشادهم متأججًا،
    فقال حين عاين النعيم وأبصر الجنة:
    {قِيلَ ادْخُلِ الْـجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْـمُكْرَمِينَ } [يس:٢٦-٢٧].
    وفي ذلك المقام الذي كان من الممكن أن ينشغل فيه عن كل ذلك بالطيبات التي أكرم بها وينسى واجب البلاغ..
    لكنه أيضًا لم يفعل،
    فلم ينقطع أمله في قومه، ولم يتكاسل عن نصحهم وبذل الوسع في الأخذ بأيديهم طالما كان فيه عرق ينبض، واستمر على شأنه هذا حتى بعد أن لم يعد ذاك العرق ينبض وانتقل إلى دار القرار!
    إنه نموذج عجيب ونمط فريد..
    مؤمن آل فرعون.
    ذلك الرجل الذي كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش الطاغية مدعي الألوهية.
    لكن تلك اللحظة التي برزت فيها قيمة الصدع والحرص على الأخذ بيد الخلق إلى الحق،
    كانت قد آنت وحان موعدها،
    ومن ثم تكلم الرجل وفاض ما في قلبه إلى لسانه وجوارحه التي ظهر عليها مدى خوفه على قومه ورغبته في هدايتهم،
    خصوصًا في نداءاته التي كان يتلوها خوفه عليهم، وتتبدى من خلال حروفها تلك القيمة التي نتحدث عنها:
    {يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:٣٠].
    {وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:٣٢].
    {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٣٨].
    {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} [غافر:٤١].
    إنها دعوة الفطرة، والحق، والخير العظيم، والنصيحة، والحرص الأمين على استنقاذ الخلق من العذاب المهين.
    دعوة نصوح نافعة بهيجة، يجللها الحرص على الإفادة، وتفوح منها الرغبة في الخير للمدعو. ألا هكذا فلتكن الدعوة، وعلى ذلك فليكن الداعية.
    ويا لها من قلوب قاسية تلك التي لا تستجيب لمثل هذا الحرص، ولا تتجاوب مع كل هذا اللين والحكمة والموعظة الحسنة.
    لقد كانت كلماته نصيحة نموذجية شاملة جامعة جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير وضرب الأمثال، وحوت المنطق العقلي والمعالجة الإيمانية والبعد التاريخي، وزينها تواضع الداعية وأدبه واحترامه للمخاطب.
    ثم ختم الرجل المؤمن بلاغه، وأتم دعوته،
    وقال بتسليم مطلق وتفويض تام لملك الأنام:
    {فستذكرون مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤]،
    فلم يشترط إجابة، ولم يربط دعوته بامتثال أو قبول من مدعويه،
    بل فوض أمره إلى من إليه يرجع الأمر كله.
    *****
    وإن من الناس من يظن أن صدعه بما يراه حقًا وجهره بما يعتقده صوابًا وصدقًا، إنما هو مرتهن بمظنة استجابة الناس له وطلبهم سماعه وقبولهم قوله، فإن غلب على ذلك الظن أنهم سيستجيبون نطق، وإن آنس منهم رغبة في سماعه صدع، وإن كانت الأخرى سكت وكتم وأعرض.
    تناسوا أن المرء إنما يصدع لينجو، وإنما ينصح ليُرضي ربًا لم يتعبده بالنتائج ولم يكلفه بالثمار،
    وأنه أحوج إلى النطق بالحق والجهر به ممن يسمعونه، سواء استجابوا له أم لم يستجيبوا،
    متمثلًا نهجًا قويمًا لطالما سلكه الدعاة وأقره كتاب الله، فحواه: {مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف:١٦٤].
    وما يدريه ألا يكونوا من أهل قوله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    الدروس المستفادة من قصة مؤمن ال فرعون

    الحكمة فى تحيُّن الفرص واستثمارها،
    وقد كان مؤمن آل فرعون حكيمًا؛
    حيث أخفى وكتم إيمانه عن فرعون وقومه إلى الوقت المناسب؛
    قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾؛ أي: لا أحد يعلم أنه مؤمن، ومكث على هذه الحال إلى أن جاءت الفرصة والوقت المناسب ليُظهر إيمانه ويدافع عن المؤمنين، والنبي عليه الصلاة والسلام في بداية دعوته كانت دعوته سرًّا لمدة ثلاث سنوات؛ لأنَّ الحكمة تقتضي ذلك، ولو أظهر دعوته مباشرة لربما لم ينتشر الدَّين وكانت المفسدة أعظمَ وأكثر من المصلحة، ففي مثل هذه الحالات يجب مراعاة الحكمة، وعدم التسرع والعجلة، وضبط الغيْرة، وفي بداية الدعوة وحينما كان المؤمنون مستضعفون قلة، قد ورد عن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )

    ، فالفرصة لم تكن سانحة ولم تتحيَّن بعد، ولكن بعد سنوات قليلة من الدعوة انقلب الأمر، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحًا منتصرًا قويًّا.

    ***********

    الذبِّ عن اهل الحق؛ حيث قال الله عز وجل عن مؤمن آل فرعون وهو مدافع عن موسى عليه السلام: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ﴾، فقد يسمع الداعية أو غيره من يتَّهم أهل الحق، فيجب عليه الدفاع عنهم والذبِّ عن أعراضهم؛ لأنَّ الدفاع عنهم دفاع عن الدِّين؛ لأنهم هم من يُبلِّغون الدِّين وأحكامه.
    *****
    من صفات الداعية عدم اليأس من دعوة الآخرين، وتكرار دعوتهم بطرق ووسائل مختلفة متنوعة، فقد كرَّر مؤمن آل فرعون دعوته لقومه بطرق ووسائل متنوعة، بدأها بالإقناع العقلي: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ... وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ..﴾، ثم ذكَّرهم بنعم الله عليهم: ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾، ثم خوَّفهم: ﴿ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ﴾، وخوَّفهم كذلك: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾، ثم خوفهم بعقوبات دنيوية أصابت من كان قبلهم: ﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ [غافر: 31]، ثم انتقل إلى وسيلة أخرى، وهي تذكيرهم بعقوبات الآخرة: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، ثم رغَّبهم بما عند الله وحقارة الدنيا وزوالها: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)
    ******
    من وسائل الدعوة حُسن الخطاب والتلطف والرفق واللين في القول؛ حيث كرَّر هذا المؤمن قوله:
    يا قوم- ستة مرات في آيات مختلفة، وهذه الكلمة فيها لطف وشفقة وحب للآخرين ورحمة بهم، وخاطَب بها قومه وهم كفار، والله عز وجل يقول: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾
    ************
    من وسائل الدعوة إلى الله الترغيب باستخدام أسماء الله الحسنى، فقال مؤمن آل فرعون لقومه: (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ)، فلم يقل لهم أدعوكم إلى الجبار أو المتكبر أو القوي، بل ذكر لهم اسمًا من أسماء الله عز وجل يدل على مغفرة الذنوب (الغفار)؛ أي كثير المغفرة يسرف العباد في الذنوب والكفر، ويعصون خالقهم، ثم إذا تابوا ورجعوا غفر لهم سبحانه، وقد فعل مثل ذلك نوح عليه السلام مع قومه، فقال لهم: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾
    فمثل هذه الوسيلة تُرغِّب المدعو في التوبة وتُعرِّفه بخالقه جل وعلا، فيُذكَّر المدعو العاصي ولو بلغ ما بلغ من الذنوب بأن ربه غفور غفار، رحيم رحمن، تواب رحيم، بل وردت أحاديث كثيرة في السنة تبيِّن عظم رحمة الله وفضله وكريم عفوه، ومنها قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: (قال الله تعالى: يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي..)

    *******

    من صفات الداعية التوكل على الله وتفويض الأمور إليه صغيرها وكبيرها،
    قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾
    ***********
    الثبات على طريق الحق يحتاج إلى إصرار وقوّة عزيمة.

    ************
    أن هذا الرجل كان قويَّ الإيمان، راسخ الاعتقاد، صلباً ثابتاً، والدليل على ذلك، تقديمه الإيمان على متاع الدنيا الزائل، وعرض الحياة الرَّخيص، مقارنة بما عند الله تعالى.
    *****
    تدرج المؤمن مع القوم في نصحهم وتعريفهم بما جاء به موسى عليه السلام، وهو في بداية الأمر كان مدافعا عن موسى، ساعيا لمنعهم من قتله، إلى أن كشف النقاب عن حقيقة ما في قلبه.
    **************
    عدم إنكار المنكر سبب لنزول العذاب يقول مؤمن آل فرعون: {يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]،
    قال ابن كثير:
    (قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم: {يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}، أي: قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله، {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}، أي: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر، ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء) تفسير ابن كثير (80/4)
    ***************
    أن الحق لن يَعْدَم له أنصاراً، حتى ولو كثر عدد المبطلين -
    المثال هنا مؤمن آل فرعون

    ********************


    قصَّة مؤمن آل فرعون- مليئة بالعبر والفوائد،
    فيها الحكمة في الدَّعوة إلى الله تعالى
    وكيف أنَّ الدَّاعي إلى الله ينبغي أن يكون على علمٍ بحال المدعوِّين
    ثُم يعرض ما عنده ويدعوهم إلى المقارنة والموازنة وبين ما يدعوهم إليه وبين ما يُقِيمُون عليه حتَّى يتفكَّرُوا في الأمر، مفوِّضًا أمرَهُ إلى الله تعالى طالبًا توفيقه ومدَّه وعونه منه جلَّ وعلا،

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    ومن الاخلاق التى تخلق بها مؤمن آل فرعون
    التلطف في الخطاب، و الحوار مع فرعون وملئه،
    حيث أخذهم بالحوار على طريقة التقسيم،
    فبين لهم أنه لا يخلو موسى من أن يكون كاذباً أو صادقاً:
    {وَإن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر: 28]، أي: يعود عليه ضرر كذبه،
    {وَإن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28]،
    ويلحظ تلطفه معهم بقوله لهم: {يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}،
    ولم يقل كل الذي يعدكم؛
    لأن كلمة البعض قد تستعمل في موضع الكل تلطفاً في الخطاب وتوسعاً في الكلام،
    ومن هذا الباب خطابه لهم بصيغة الجمع،
    {فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا} [غافر: 29]،
    جاعلاً نفسه معهم؛ لأنه منهم في القرابة والظاهر؛
    فكأنه يقول لهم: إن جنودكم لا ترد عنا شيئاً من بأس الله إن أراد إنزال العذاب بنا بسبب كفركم وعنادكم،
    ومن الأخلاق التي تخلق بها مؤمن آل فرعون
    إبرازه العلاقات التي تجمعه بقومه، وهذا يلحظ من خلال تأمل خطابه لهم بعبارة: «يا قومي»،
    وتكرر هذا الخطاب منه ست مرات،
    ولا غرو في ذلك فإن هذا النداء أدعى إلى استجابتهم،
    وأبلغ في إشعارهم بأن الذي يخاطبهم هو واحد منهم في النسب، وتأكيداً لهم بأن الرائد لا يكذب أهله،
    وابن العشيرة لا يخون عشيرته،
    وأنه لذلك يريد النفع لهم،
    ونظير هذا الخطاب الحاني خطاب الخليل عليه السلام آزر ب {يَا أَبَتِ} [مريم: 42]،
    بل ظل عليه السلام يكرر هذه الكلمة في كل عبارة يوجهها إليه؛
    زيادة في التلطف مع أبيه،
    ودعوة مؤمن آل فرعون لقومه شملت العقيدة، والأخلاق،وترك الموبقات
    وبيان ذلك أن هذا الرجل المؤمن بدأ بالإنكار على فرعون
    قتل نفس محرمة، فقال منكراً: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة،
    ثم دعا فرعون وقومه إلى التوحيد والإيمان بالواحد الديان،
    والكفر بالطواغيت والأوثان،
    فقال: {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
    وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر: 42]،
    ثم أرشد قومه إلى اتباع الرشد،
    فقال: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} [غافر: 41]، وقوله: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 38]، ثم ذكر قومه بنعم الله عليهم، فقال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْـمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا} [غافر: 29]، ثم حث قومه على الاعتبار من هلاك الأمم السابقة
    فقال: {يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر: 30]، ثم خوف قومه بيوم القيامة فقال: {وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32]، ثم وعظ قومه بحقارة الدنيا فقال: {يَا قَوْمِ إنَّمَا هَذِهِ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
    *******
    والناظر في واقعنا المعاصر يجد أن كل المعاصي التي سلفت في الأمم الغابرة قد اجتمعت في المجتمعات المعاصرة، مما يجعل التبعات على الدعاة و المصلحين كبيرة في إنكار هذه المنكرات مجتمعة؛ رفعاً للعذاب، وإصلاحاً للناس، ومعذرة إلى الله عز وجل.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    كانت دعوته سرًّا لمدة ثلاث سنوات؛
    ماهو الدليل على هذا الكلام؟
    . . .
    فيا أيها المدثر قم فأنذر من أول مانزل . .
    ومثلها يا أيها المزمل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    ماهو الدليل على هذا الكلام؟
    . . .
    فيا أيها المدثر قم فأنذر من أول مانزل . .
    ومثلها يا أيها المزمل
    ذكر ابن كثير وغيره في تفسير قوله تعالى: ( فاصدع بما تؤمر ‏وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) [الحجر94،95 ] عن ابن مسعود قال: " ‏مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت :فاصدع بما تؤمر) فخرج هو ‏وأصحابه"
    ************************
    *عن أَبي نجيحٍ عَمرو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شيءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه ﷺ مُسْتَخْفِيًا، ..... الى قوله صلى الله عليه وسلم
    وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلى أَهْلِكَ، فَإِذا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِني، رواه مسلم.****
    ***************
    يقصد بالدعوة السرية المرحلة التي أعقبت نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [المدثر:1]. والتي استمرت إلى نزول قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر:94].
    ويكاد يتفق رواة السير على أن مدتها كانت ثلاث سنين، ولم يتوقف كُتَّاب السيرة أمام هذه المدة طويلاً، ولم يفردوا لها عنواناً مستقلاً وفصلاً خاصاً،
    فابن هشام على سبيل المثال يقول نقلاً عن ابن إسحاق:
    ثم إن الله عز وجل أمر رسوله أن يصدع بما جاء منه، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه،
    وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله بإظهار دينه ثلاث سنين -فيما بلغني- من مبعثه.
    ********

    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أمره يدعو إلى الله سرا مستخفيا ، لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه وآمن به ، الشرُّ والأذى من سفاء قريش ، فيتعطل سبيل الدعوة ، حتى نزل قول الله تعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الحجر/ 94 ، فجهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته .
    روى الطبري في " تفسيره " (17/152) عن عبد الله بن عبيدة قال : " مازال النبيّ مستخفيا حتى نزلت ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه " .
    وقال ابن الجوزي رحمه الله :
    " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة ويدعو إِلَى الإسلام سرا ، وكان أَبُو بكر رضي اللَّه عنه يدعو أيضا من يثق به من قومه ممن يغشاه ، ويجلس إليه ، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل قوله عز وجل : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ، فأظهر الدعوة " انتهى من " المنتظم في تاريخ الأمم والملوك " (2/364) .
    وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم هي المركز الرئيسي لانطلاق الدعوة ، واجتماع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين ليعلمهم الدين .
    قال تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) مريم/ 73 .
    قال ابن كثير رحمه الله :
    " (خَيْرٌ مَقَامًا وأَحْسَنُ نَدِيًّا) أَيْ : أَحْسَنُ مَنَازِلَ وَأَرْفَعُ دُوْرًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ، وَهُوَ مَجْمَعُ الرِّجَالِ لِلْحَدِيثِ ، أَيْ : نَادِيهِمْ أَعْمَرُ وَأَكْثَرُ وَارِدًا وَطَارِقًا ، يَعْنُونَ : فَكَيْفَ نَكُونُ وَنَحْنُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عَلَى بَاطِلٍ ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ مُخْتَفُونَ مُسْتَتِرُونَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الدُّورِ عَلَى الْحَقِّ ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) الأحقاف/11 " انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/257) .
    وكان اسم الأرقم بن أبي الأرقم : عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، ويكنى أبا عبد اللَّه .
    " الإصابة " (1/ 196) .
    وروى ابن مندة عن عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم عن جده - وكان بدريا ، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في داره التي عند الصفا حتى تكاملوا أربعين رجلا مسلمين ، وكان آخرهم إسلاما عمر ، فلما تكاملوا أربعين رجلا خرجوا .
    " الإصابة " (1/197) .
    وكان كثير من الصحابة الأوائل رضي الله عنهم قد أسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم ، منهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخباب وعامر بن فهيرة ومعمر بن الحارث وواقد بن عبد الله وعثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم .
    " سير أعلام النبلاء " (3/119) .
    وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه قال : قال عمار : " لقيت صهيبا على باب دار الأرقم وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا ، فعرض علينا الإسلام فأسلمنا ، ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا فخرجنا ونحن مستخفون " .
    "سير أعلام النبلاء" (3/ 350).
    وقال المباركفوري رحمه الله :
    " كان من الحكمة تلقاء اضطهادات المشركين أن يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وألا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين .
    ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزا لدعوته ، ولاجتماعه بالمسلمين " انتهى بتصرف يسير من " الرحيق المختوم " (ص/80) .
    فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مركز دعوي إسلامي ، انطلقت منه الدعوة ، واجتمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يعلمهم ويزكيهم .المصدر الاسلام سؤال وجواب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بدأت سرا عندما أمره الله تعالى بتبليغ الرسالة، فكان يدعو أصدقاءه وأقاربه إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك والأصنام، واستمر على ذلك ثلاث سنين من مبعثه صلى الله عليه وسلم لا يظهر الدعوة في المجالس العامة والأماكن العمومية. فلما نزل عليه قول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {الحجر:94}. أعلن الدعوة على رؤوس الأشهاد وفي مجالس القوم. فكان ذلك بداية الدعوة الجهرية. وقد مرت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أهل العلم ـ بعدة مراحل أساسها أربع: المرحلة الأولى: الدعوة السرية واستمرت ثلاث سنين.
    المرحلة الثانية: الدعوة جهرا وباللسان فقط واستمرت إلى الهجرة.
    المرحلة الثالثة: الدعوة جهرا مع قتال المعتدين والبادئين بالشر والقتال، واستمرت هذه المرحلة إلى عام صلح الحديبية.
    المرحلة الرابعة: الدعوة جهرا مع قتال من وقف في وجه الدعوة ومنع الناس من الدخول فيها بعد إنذاره.. وهذه المرحلة هي التي استقر عليها التشريع في الدعوة والجهاد.المصدر الاسلام سؤال وجواب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    مرحلة الدعوة السرية: وقد أخذت من عمر الدعوة المكية ثلاث سنوات عند أكثر المؤرخين والعلماء، ثم بعد ذلك جاء الأمر بالجهر بالدعوة مع قوله تعالى في سورة الشعراء {وأنذر عشيرتك الأقربين}، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معلنا بدعوته صارخا بها في وجوههم، وداعيا إلى دينه فانتهت مرحلة الدعوة السرية وبدأت مرحلة الدعوة الجهرية. الحكمة من سرية الدعوة
    وكان السبب لسرية الدعوة في بداياتها هو الحفاظ على الدعوة الناشئة وصيانتها من الهلاك والدمار، فقد كانت نبته تحتاج لرعاية وعناية حتى تقوى وتتجذر ويصعب على المعاندين اقتلاعها. كانت الحكمة أن تكون الدعوة في أول أمرها سرا، يتلمس لها من يرجى منه الخير أو من لا يخاف عليها منه، لئلاً يفاجأ أهل مكة بما يهيجهم ويثير حميتهم الجاهلية لآلهتهم وأصنامهم فتثور ثائرتهم على صاحب الدين الجديد.. خصوصا ومكة أنذاك مركز دين العرب، وموطن حجهم، ففيها بيت الله، وحولها كانت الأصنام والأوثان، وكان بمكة سدنة الكعبة والقائمون على هذه الأوثان والأصنام التي تقدسها قبائل العرب بجميع طوائفهم في ذلك الزمان؛ ولهذا كانت مكة وجهة قلوب العرب الدينية والثقافية والتجارية، ولها في قلوبهم تمام التقدير والتقديس والحظوة والمكانة، وهو ما لن يفرط فيه أهل مكة وكفار قريش بل سيدافعون عنه دفاع المستميت. فكانت الحكمة ألا يعلن ويجهر بالدعوة تأجيلا للمواجهة المحتومة حتى يقوى ساق نبتة الإسلام، وتتعمق جذوها وتقوى على مواجهة رياح الكفر العاتية وجبروت المنكرين المنتظر والمتأكد، وحتى يستطيع أصحابها الصبر والصمود أمام هذه الابتلاءات القادمة لا محالة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ فجر الرسالة، حين أنزل الله عليه {يايها المدثر قم فأنذر} يتصفح الناس ويتخير من بينهم الأقرب لتصديقه والأرجى لقبول دعوته، ومن يطمع أن يوافقه على دينه وعقيدته من دون أن يجر على نفسه ودينه وأتباعه ويلات لا طاقة لهم بها في تلك البدايات......
    تميزت هذه المرحلة بالكتمان الشديد حتى من أقرب الناس، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة السرية يدعوا أقاربه وأصدقائه بصورة سرية ، وكذلك انطلق أصحابه يدعون الى الاسلام في حذر كامل وحيطة تامة،، فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة، وهم من جميع بطون قريش، كانوا من أوائل المؤمنين وعرفوا فيما بعد بالسابقين الأولين الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى: {والسابقون الأَولون مِن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضُوا عنه} (التوبة:100).
    و اختار النبي صلوات الله وسلامه عليه "دار الأرقم بن أبي الأرقم"وأما مدة الدعوة السرية فقد ذكر أكثر أهل السير أنها كانت ثلاث سنوات على المشهور.
    وكون الدعوة سرية في هذه المرحلة لا يعني أن خبرها لم يبلغ قريشاً، فقد بلغها إلا أنها لم تكترث لها، ولم تعرها اهتماماً في بداية الأمر، ظناً منها أن محمداً أحد أولئك الحنفاء الذين يتكلمون في الألوهية، وعبادة الله وحده، مما ورثوه من الحنيفية دين إبراهيم - عليه السلام -، كما صنع أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل وأشباههم.
    ولما بدأ عود الدعوة يشتد ويقوى وخاف المشركون من ذيوع خبرها وامتداد أثرها، أخذوا يرقبون -على مر الأيام- أمرها ومصيرها، إلى أن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعلان والمجاهرة بدعوته فعند ذلك وقفوا في سبيلها وناصبوها العداء، وبدأت مرحلة جديدة سميت في تاريخ الدعوة بالدعوة الجهرية أو العلنية. وختام القول: فإن دعوة الإسلام استدعت في بداية أمرها أن تكون دعوة سرية، ريثما يتمكن أمرها، لتنطلق معلنة رسالتها الخاتمة، تلك الرسالة القائمة على إخراج الناس من الغي والضلال إلى الهدى والرشاد، لتكون عزاً ونصراً للمؤمنين ورحمة للعالمين وصدق الله القائل: {قل بفَضل اللَّه وبرحمته فَبذَلك فليفرحوا هُو خَير مما يجمعون} (يونس:58).

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    أهم معالم الدعوة في العهد المكي:

    *العناية القصوى بالتأسيس، والتكوين والتركيز على العقيدة الخالصة لله تعالى ونبذ الشرك بكل أشكاله، وإدخال أناس في الدين الجديد على أساس التوحيد الخالص.


    *مراعاة فقه الأولويات حيث كان التركيز على العقيدة الصحيحة، وبخاصة التوحيد الخالص، ومحاربة الشرك بجميع صنوفه، وعلى القيم الأخلاقية، وعلى التزكية والتربية الشاملة.

    *مراعاة سنة التدرج في جميع جوانبه من حيث نزول الأحكام حيث نزلت بالتدرج خلال الفترة المكية، ومن حيث السرية، ثم الجهرية، ومن حيث خطوات الدعوة، ومن حيث البدء بمواجهة المشركين بالبيان، والصبر، وبحجج القرآن : ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾

    *حماية المسلمين الجدد من خلال منعهم من المواجهة واستعمال القوة، ومنع المواجهة بالقوة، فقال تعالى: { كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    . . يحبون شغل الظلام . .
    معهم نور الايمان
    الحكمة من سرية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في أول البعثة
    يقول ابن عثيمين رحمه الله
    ولا ريب أن من الحكمة أن تكون دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت سراً؛ يأتي إلى الرجل يتوسم فيه الخير ويدعوه إلى الله سبحانه وتعالى، وتقع هذه الدعوة من قلبه كل موقع، فيدخل في الإسلام، ويأتي إلى الثاني، وإلى الثالث. والذين دعوا إلى الإسلام وأسلموا كذلك يتصلون بما يتوسمون فيهم الخير والقبول ويدعونهم إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا حتى يكون حوله المجتمع حينئذ يكون من المناسب أن يجهر بالدعوة ويعلنها؛ بأن لديه أعوانناً، فهذا هو السر في أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بإعلان الدعوة من أول وهلة، وإنما يرجئ الأمر حتى يكون حوله أناس، فهذه هي الحكمة في أن أول الدعوة كان سراً،
    وهكذا ينبغي للداعية إلى الله سبحانه وتعالى أن تكون دعوته في مجتمع عامر بالجهل والضلال على هذا النحو، يدعو فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى يتكون حوله أناس وتقوى جبهته، وحينئذٍ يعلن ما دعا إليه؛ لأنه لو أعلن ما دعا إليه أول الأمر لحصلت فتنة ومشادات ومنازعات، ولم يتمكن من الوصول إلى مقصودهhttps://binothaimeen.net/content/7401.
    وهكذا ينبغي للداعية إلى الله سبحانه وتعالى أن تكون دعوته في مجتمع عامر بالجهل والضلال على هذا النحو
    هل ابن عثيمين يحب شغل الظلام- معذرة هذه دعوى من يعيش فى ظلام الجهل-اذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    قال صاحب كتاب الرحيق المختوم
    قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ وحيث إن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس، ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم‏.‏

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    قال صاحب كتاب الرحيق المختوم
    قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ وحيث إن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس، ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم‏.‏
    وبعد ثلاث سنوات لن يتفاجأ أهل مكة؟ ولن يعذبوهم ويضيقوا عليهم حتى فروا بدينهم للحبشة!! خارج الجزيرة العربية!! يا له من رأي!
    ما هكذا تورد الإبل أخي وليس باراء الضعفاء وكتبهم تدرس السيرة . .
    السيرة لها كتبها المعروفة الأصيلة وعموما رأيه الضعيف أعلاه تفضحه يا أيها المدثر . . رغم أنك كمؤمن بخاطرتك تدرك بطلان هذه الترهات . . ومسألة السرية ظهرت في هذه العصور ولا تخفى الأسباب . .
    فالإسلام بدأ جهريا ومنذ اليوم الأول . .
    . .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    فالإسلام بدأ جهريا ومنذ اليوم الأول . .
    . .
    قال القرطبي: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾؛ أي: بلِّغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم، فقد أمرك الله بذلك، وقوله: فَاصْدَعْ: من الصدع بمعنى الإظهار والإعلان، ومنه قولهم: انصدع الصبح: إذا ظهر بعد ظلام الليل والصديع الفجر لانصداعه؛ أي ظهوره، ويقال: صدع فلان بحجته، إذا تكلم بها جهارًا.

    أي: فاجهر - أيها الرسول الكريم - بدعوتك، وبلِّغ ما أمرناك بتبليغه علانية، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم؛ قال عبدالله بن مسعود: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيًا بدعوته حتى نزلت هذه الآية.
    قال الشنقيطى رحمه الله
    قوله تعالى : { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ } .
    أي فاجهر به وأظهره . من قولهم : صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً ، كقولك : صرح بها .
    وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أمر به علناً في غير خفاء ولا مواربة

    ذكر ابن كثير -رحمه الله- في سبب نزول الآية الكريمة: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، ما نقله أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود t: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيًا حتى نزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}، فخرج هو وأصحابه)
    ومما يدل أيضًا على تكتم المسلمين في أمر دينهم في أوائل المرحلة المكية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضى الله عنه: "اكتم هذا الأمر، وارجع إلى قومك فأخبرهم، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل
    أخرج البخاري -رحمه الله- في جامعه الصحيح معلقًا بصيغة الجزم، قول النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد: "فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة
    رُوي عن عمرو بن عبسة t قال: فقلت له -أي للنبي r-: فمن معك على هذا؟ قال: "حرٌّ وعبد". قال: ومعه يومئذٍ أبو بكر وبلال ممن آمن معه، فقلت: إني متبعك. قال: "إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟! ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني"صحيح مسلم

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من قصة (مؤمن آل فرعون)

    ومن أبحاث الرئاسة العامة للبحوت العلمية والافتاء بالمملكة
    //www.alifta.gov.sa/Ar/IftaContents/Pages
    السيرة > العهد المكي > بدء الدعوة > سرية الدعوة >
    سمات الاستخفاء في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
    المطلب الثاني: سمات الاستخفاء في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - :
    بيان المجمل لمفهوم استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
    يمكن عرض أبرز سمات الاستخفاء كما سيأتي:
    المحور الأول: السمات العامة: هذا المحور يتناول سمات مرحلة
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 300)
    الاستخفاء وبيان ذلك من خلال الفرعين التاليين:
    الفرع الأول: الهدف العام من الاستخفاء:
    إن الهدف العام من استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إنما كان يدور حول محور سلامة الدعوة الإسلامية من أن تجهض في مهدها، مع السماح بإظهار الدعوة، بل عموم تلك المواقف تشير إلى أن الاستسرار بالدعوة هو في الحقيقة حرص على سيرها مطردًا وهادئًا تسير إلى القلوب بخطى ثابتة حتى تتمكن من الإعلام عن نفسها في الوقت المناسب بعد أن يؤمن بها عدد من الناس، وكانت الدعوة تنساب إلى النفوس الطيبة التي هيأها الله تعالى لهذا الأمر .

    الفرع الثاني:
    التدرج في إعلان الدعوة :
    إعلان الدعوة جاء متماشيًا مع الأحداث متدرجًا مع المواقف وفق ما تقتضيه مصلحة الإعلان بصورة لا تلفت الأنظار إليها.
    قال الإمام الزهري رحمه الله: "دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام سرًا وجهرًا فاستجاب لله من شاء من أحداث الرجال، وضعفاء الناس، حتى كثر من آمن به، وكفار قريش غير منكرين لما يقول .
    قال الماوردي :
    "ثم تتابع الناس في الإسلام ورسول الله على استسراره وإن انتشرت دعوته في قريش " .
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 301)
    وقال ابن قيم الجوزية :
    "ودخل الناس واحدًا واحدًا في الإسلام وقريش لا تنكر ذلك" .
    وقال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من النساء والرجال .. حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به.. ولما أسلم هؤلاء النفر وظهر أمرهم بمكة أعظمت ذلك قريش وغضبت له .
    قال ابن هشام : فأمر الله رسوله أن يصدع بما جاءه من الحق، وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله أمره واستتر به إلى أن أمره الله بإظهار دينه ثلاث سنين من مبعثه، ثم قال الله له
    فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
    وقال له:
    وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
    . المحور الثاني: السمات الخاصة:
    وهذا المحور يتناول سمات مرحلة الاستخفاء التي تتصل بأسس الدعوة وبيان ذلك من خلال الفروع التالية:
    الفرع الأول: المدعوون:
    - الاستخفاء غلب على من كان يخشى على نفسه: مما يُجَلِّي استخفاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة فيما يتصل بالمدعوين - أنَّ غالبهم ممن يخشى على نفسه
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 302)
    إشهار إسلامه كان له أن يخفي ذلك، وألا يعلنه وهذا يتيح له الأمن على نفسه. وأما من لم يكن يخشى على نفسه إما لعزته وقوته، وإما لوجود منعة تحميه، فإنه كان لا يبالي بأن يشهر إسلامه. فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد . فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب ، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس ... . ولذا كان إخفاء المدعو عن نفسه بأنه دخل في الإسلام، أو إعلان ذلك إبان مرحلة الاستخفاء إنما كان يرجع إلى المدعو نفسه الذي هو عادة أدرى بخاصة نفسه. -
    استخفاء المدعو كان باختياره:
    لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المدعو بأن يخفي أو يعلن أمر إسلامه على وجه الإلزام وهذا يتضح من قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - : اكتم هذا الأمر . وقد فهم أبو ذر - رضي الله عنه - أن مبعث هذا الأمر هو الحذر من أن يناله مكروه من كفار قريش إذا علموا بإسلامه، وهو الغريب عن مكة، وليس له فيها من يحميه بدليل ما جاء في الرواية الثانية التي أوردها البخاري أيضًا لهذه القصة، فقد جاء ما نصه فيها: ارجع إلى قومك، فأخبرهم، حتى يأتيك أمري . فالإخبار هنا صدر بصيغة الأمر، وهو يشمل إخبار قومه " قبلية غفار " بأمر الدعوة، وبأمر إسلامه..
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 303)
    ومن هنا كان فهم أبي ذر أن الأمر بكتمان إسلامه في مكة إنما هو لمجرد الشفقة عليه، وليس أمر إلزام، ولذا لم يجد حرجًا أن يعلن للرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عزمه على إظهار إسلامه على الملأ من قريش، قال ابن حجر : "وكأنه فهم أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالكتمان ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه، فأعلمه أن به قوة على ذلك، ولهذا أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك" . فعمد أبو ذر - رضي الله عنه - إلى المكان الذي تنتصب فيه آلهة قريش، وقريش تحت أقدام تلك الآلهة المزعومة، ورفع كلمة التوحيد . -
    أما في جانب العبادة التي يقوم بها المدعو في هذه المرحلة:
    فلا ريب أنها كانت تحت طائلة عقوبة قريش إن كانت على جهة الإعلان والتحدي لعقيدة الشرك السائدة في مكة . ولهذا كانت غالبًا ما تؤدى في السر كما تقدم.
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 304)
    ومما يتصل بهذا الجانب أن الدعوة إلى الله في طورها السري كانت تسير ببطء وتؤدة ، إذ رأينا أن الذين تمت دعوتهم هم عدد قليل جدا مقارنة بالمدة الزمنية للمرحلة التي استمرت قرابة ثلاث سنوات. رغبة في التركيز والاختيار البصير للمدعوين الذين يكونون أكثر قدرة على تحمل مسئولية الإيمان وهو فعلاً ما تحقق فيما بعد، فقد كان كل واحد من المدعوين لديه قدرة على تحمل الضغوط الوثنية القاسية التي تفتن المرء عن دينه إلا أن يشاء الله . -
    الدعوة اتسمت بالشمول فيما يتعلق بالمدعوين:
    رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ انطلاقتها في هذه المرحلة إلى ختامها اتسمت بخاصية الشمول ، فمع أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو أقرباءه اللصيقين به ومن كان يأنس فيه الاستعداد لقبول هذه الدعوة من غير الأقارب على ضوء ما سبق ، إلا أن ذلك لم يخص فئة دون أخرى بل شمل الجميع، كما يتضح من التصنيف الآتي للمستجيبين ،
    وهم :
    - الضعفاء: كان من المدعوين صهيب الرومي وبلال الحبشي وهما من أوائل من دخل في الدين الذي لا يفرق بين عربي وأعجمي ولا فضل فيه لأحد إلا بالتقوى، وهذا يدل على أن دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - تتسم بخاصية الشمول حتى وهي في طور الاستسرار. - الأقوياء: كما أن دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المرحلة شملت الأغنياء
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 305)
    والأقوياء والأشراف كأبي طالب من وجهاء قريش الذي لم يسلم وأبي بكر العزيز في قومه مالاً ونسبًا وعلمًا ومن استجاب له وهذا لا ينفي وجود الضعفاء أو الأرقاء في الصف الأول، ولكن الذي ننفيه أن يكونوا هم الغالبية كما يقرره كثير من الكتاب، لأن هذا مخالف للحقائق الثابتة، ولو كانوا كذلك لكانت الدعوة في تلك المرحلة طبقية يقوم فيها الضعفاء والأرقاء ضد الأقوياء وأصحاب النفوذ وهذا لم يحدث. وإنما انتشر أمرهم - أعني الضعفاء - لأن تعذيبهم كان على الملأ ومن قبل الجميع، بينما امتنع الأقوياء بأقوامهم ، فمنهم من عذب ضمن قبيلته، ومنهم من كان مفتونًا في أهله إكرامًا له ولهذا انتشر خبر إسلامهم وخفي خبر إسلام الأقوياء في بادئ الأمر. وإنه لمن القوة للدعوة أن يكون غالبية أتباعها في مرحلة الاستخفاء بالذات من كرام القوم الذين آثروا في سبيل عقيدتهم أن يتحملوا أصنافًا من الهوان والعذاب ما سبق لهم أن عانوا مثلها. ولا ريب أن سَبْق بعض الأرقاء والضعفاء إلى اعتناقه منذ الأيام الأولى هو دليل على شمولية الدعوة في مرحلة الاستسرار، ولو كانت ثمة إحصاءات لسكان أهل مكة يومئذ لوجدنا أن نسبة المدعوين الضعفاء الذين أسلموا إلى الضعفاء الذين لم يسلموا ليست بأكثر من نسبة الأشراف الذين أسلموا إلى غيرهم من أقوامهم ممن لم يسلم .

    ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا أبا بكر وهو من تميم، وعلي بن أبي طالب من بني هاشم، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار، وعبد الله بن مسعود من هذيل، وعمار بن ياسر من عنس، وزيد بن حارثة من كلب، وأبا ذر من غفار، وعمرو بن عبسة من سليم - رضي الله عنهم - ، لقد كانت العالمية واضحة حتى في مرحلة الاستخفاء . -
    المدعو من مهامه القيام بالدعوة: إن استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة لم يمنع المدعوين من القيام بدعوة غيرهم رغم سرية المرحلة؛ لأن الغاية هي
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 307)
    إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولأجل هذه الغاية قام أبو بكر بعد استجابته بدعوة معارفه إلى الإسلام، وكان رجلاً مآلفًا محببًا سهلاً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعوته عدد من الرعيل الأول وطليعة الإسلام ، خمسة من العشرة المبشرين بالجنة ، وهم: عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وزاد بعضهم سادسا وهو أبو عبيدة بن الجراح .
    الفرع الثاني: ميدان الدعوة:
    ومن السمات الخاصة لمرحلة الاستخفاء التي تتصل بأسس الدعوة ما ينم عنه ميدان الدعوة ( دار الأرقم ) الذي اتخذه - صلى الله عليه وسلم - حينما تعرض عدد ممن استجابوا له للأذى، حيث بقي هذا الميدان الدعوي في الخفاء طيلة تلك المرحلة، ومما يدل على ذلك ثلاثة مواقف:
    الأول: موقف علي مع أبي ذر رضي الله عنهما حين أراد أخذه إلى دار الأرقم لمقابلة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمتضمن إخباره بعدد من الاحتياطيات التي توحي بسرية المكان آنذاك وهو ما يشير إليه قوله: "هذا وجهي إليه فاتبعني ، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض .. " .
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 308)
    وسياق هذه القصة كاملة في صحيح البخاري يوحي بجو الاستخفاء الذي كانت تعيشه الدعوة آنذاك، وتتجلى فيه سرية المقر الذي كان يقيم فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يلتقي فيه بأصحابه، وبمن يريد مقابلته لبيان الدعوة الإسلامية التي يدعو إليها.
    الثاني: موقف أم جميل مع أبي بكر - رضي الله عنه - : عندما أخذت أم جميل وأم الخير أبا بكر إلى دار الأرقم بعد أن آذاه المشركون، فقد جاء في الرواية: ": فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به، يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله .
    الثالث: موقف إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث ورد في سياق القصة أنه جاء إلى بيت أخته فاطمة، وزوجها سعيد بن زيد ففوجئ بأن هذا البيت هو مكان من الأمكنة التي تعقد فيها حلقات تعليم الدين التي كان يقوم عليها خباب بن الأرت - رضي الله عنه - ثم لما وقع في قلبه الإسلام ، قال لخباب : "دلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال خباب : هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه". مع أنه كان متوشحًا سيفه يريد الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون أن يدري أين المكان الذي اتخذه عليه الصلاة والسلام مقرًا للدعوة .
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 309)
    واتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم تحديدًا ميدانًا للدعوة لأنه أبلغ في الاستخفاء وذلك لأمور تتضح في جانبين:
    الأول:
    ما يتعلق بصاحب الدار:
    وهو الأرقم بن أبي الأرقم بن الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - رضي الله عنه - وأبرزها ثلاثة أمور:
    1. من المعلوم أن الأرقم - رضي الله عنه - لم يكن معروفًا بإسلامه بادئ الأمر، فما كان يخطر ببال قريش أن يتم لقاء محمد وأصحابه في داره.
    2. أن الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - كان فتى عند إسلامه في حدود السادسة عشرة من عمره، ولهذا فإن الأذهان تنصرف عادة إلى منازل كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام.
    3. قبيلة الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - هم بنو مخزوم، وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم التي ينتسب إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لذا يستبعد أن يختفي في قلب صفوف العدو .
    الثاني:
    ما يتعلق بمكان الدار:
    1 – كانت دار الأرقم تقع على جبل الصفا بمكة وهي منطقة تكتظ
    بالمارة، وتشتد فيها الحركة بصورة طبيعية مما يصعب معه إدراك وجود حركة خاصة بأناس تجتمع في هذه الدار وتنفض منها.
    2 – أن عملية الوصول إليها رغم سريتها لا يحتاج إلى كلفة أو مشقة .
    الفرع الثالث:
    وسائل الدعوة وأساليبها:
    من المعلوم أن الاستخفاء بالدعوة يتطلب اتخاذ وسائل وأساليب تتلاءم مع مقتضيات هذا الظرف، لذا كانت الوسائل التي اتخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محدودة جدًا، حيث اقتصرت على وسيلتي القدوة الحسنة، والقول المباشر من خلال مسلك الدعوة الفردية .
    لذا يمكن القول : إن الوسائل والأساليب في تلك المرحلة لم تكن أمورًا ذات صبغة خاصة أو لها ما يميزها عن وسائل الدعوة وأساليبها في المرحلة الجهرية اللهم إلا من حيث الاقتصار على ما يناسب الاستسرار والاستخفاء، ولهذا لما انطلقت الدعوة إلى الجهرية اتسعت وسائلها تبعًا لذلك.
    الفرع الرابع:
    مضمون الدعوة:
    بالنظر إلى مضامين الدعوة في حال الاستخفاء نجد أنها تمحورت في الأصل على موضوع التوحيد، لقد كان القرآن الكريم ينزل مؤكدًا على ذلك، ولم يتجاوزه إلى المسائل الأخرى إلا قليلاً وراح القرآن يحبك بأسلوبه المعجز وآياته البينات جوانبها الشاملة وبناءها في نفوس المدعوين
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 311)
    الذين استجابوا للدعوة، ويحيلهم واحدًا بعد آخر ويومًا بعد يوم إلى شخوص حية تتحرك بما أنزل من قرآن فتكون حركتها تعبيرًا حيويًا عن التصور الجديد للعقيدة والذي جاء لينعكس بالضرورة على السلوك اليومي للمسلم .
    وبالطبع فالدعوة كانت تتضمن إلى جانب العقيدة موضوع العبادة (الصلاة) وتناولت صلة الأرحام، ومكارم الأخلاق ولم يكن ثمة أمر آخر يستدعي لفت النظر إليه في تلك المرحلة.
    لذا يتأكد القول بأن مضمون الدعوة وجوهرها لم يتغير في مراحل الدعوة الأخيرة عن مراحلها الأول وكذلك حقائقها ومبادئها لم تتبدل مع تطور الدعوة وتغير مراحلها، بل كانت آخذة في استيعاب مناحي الحياة وما يتنزل من تشريع جديد.
    واستنادًا لما تقدم يمكن أن نقول : إن سمات استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة تبلورت في أمور:
    أ – السماح لخبر الدعوة والداعية - صلى الله عليه وسلم - أن يتسربا بهدوء بصورة متدرجة إلى أحياء مكة وشعابها وما جاورها من قرى إذا تحققت المصلحة وانتفت المفسدة مع أخذ الحذر والترقب، لذا في قصة إسلام أبي ذر
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 312)
    وهو من غفار قال: فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر بنشر خبره في غفار بقوله: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري في رواية أبي قتيبة اكتم هذا الأمر، وارجع إلى قومك فأخبرهم، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل
    . وفي راوية عبد الله بن الصامت : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك .
    ب – أن الدعوة في مرحلة الاستخفاء لم تتصادم ولم تتواجه مع الخصوم ولم تجلب لها أعداء، كل ذلك مراعاة لسلامة الدعوة لئلا توأد في مهدها.
    ت – الأصل في الدعوة أنها تتسم في حال الاستخفاء بالشمول والعالمية، وقد يكون هناك تركيز واختيار مبني على بصيرة لأفراد يعتقد بأن الدعوة ستقوى وتنتفع بهم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
    ث – أن المدعوين مطالبون من غير إلزام بإخفاء أمر استجابتهم إلى حين يكون فيه الإعلان ، يجلب للدعوة مصالح ومنافع.
    ج – شعائر الدين الظاهرة كانت تتم في الخفاء لأمرين : أولهما: كي لا يتعرف الخصوم على مدى الاستجابة التي تحققت للدعوة ومن ثم تشعرهم بالتوسع المطرد للدعوة. ثانيهما: تفاديا لكل ما يستفز خصوم الدعوة أو يثيرهم بظهور معالم الدعوة ، في حين أن الدعوة
    ( الجزء رقم : 82، الصفحة رقم: 313)
    تتوخى السلم وتحذر المواجهة.
    ح – مقر الدعوة الذي يكون موئلا للدعوة وملاذًا لأتباعها غير معلن للمصلحة العامة إلا لمن يريد التعرف على الدين الجديد بعد التحقق من سلامة مقصده، لذا كان كثير من المدعوين لا يعرفون مقر الدعوة أنها دار الأرقم إلا من خلال التبيين والإرشاد، وقد تم اتخاذ هذه الدار تحديدًا لكونها أليق بالاستخفاء كما تقدم.
    خ – راعى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنظر إلى واقع حال الدعوة أن ما يتاح له في ظل الاستخفاء هو مسلك الدعوة الفردية واتخذ لذلك وسيلة القدوة الحسنة، والقول المباشر فقط، ولم تتعدى أساليب القول عن أسلوب النصح الذي ينسجم مع طبيعة الاستسرار.
    تلك هي أبرز سمات استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة، وفي ضوء ذلك، وبعد توفيق الله تجاوزت الدعوة تلك المرحلة من خلال الغرس والتأسيس والإعداد حتى تهيأت لمرحلة الدعوة الجهرية امتثالاً لأمر الله بالصدع ، قال ابن هشام : فأمر الله رسوله أن يصدع بما جاءه من الحق، وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله أمره واستتر به إلى أن أمره الله بإظهار دينه ثلاث سنين من مبعثه، ثم قال الله له :
    فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
    وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
    //www.alifta.gov.sa/Ar/IftaContents/Pages

    ******************

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •