واجبات المعلم تجاه دينه ونفسه


د. طه فارس





أولاً: تصحيح العلاقة بينه وبين الله تعالى:
الحياة رِحلة، وأحلى ما فيها أن يَعرِف الإنسانُ ذاتَه، ويتَعرَّفَ إلى من لا غِنَى له عنه، مَن أنعمَ عليه بنعمتي الإيجادِ والإمدادِ، ألا وهو ربُّهُ وخالقُهُ عزَّ وجلَّ.

ولا بُدَّ للمُعلِّم الذي يبحثُ عن أسباب النَّجاحِ في الدُّنيا، أن يسلك سبيل الفَلاحِ والنجاح في الآخرة، ولا يتحققُ له ذلك إلا بالاستقامة على أمر الله تعالى، والتزام أوامره، والانتهاء عن نواهيه.

فإذا ما استقام على أمر الله تعالى، صلحت علائقُهُ مع النَّاس عموماً، وعاش مطمئن القلب، مستقر النفس، سعيداً، يملأ الإيمان بالله تعالى قلبَه رِضاً وقَنَاعة بما قُسم له من هذه الحياة[1].

ثانياً: اتِّخَاذُ مهنَةِ التَّعليمِ طريقاً وسبيلاً من سُبُل الدَّعوة إلى الله تعالى:
التَّعليمُ فُرْصَة رائعةٌ للدَّعوَة إلى الله تعالى، ومن فضل الله تعالى على المُعَلِّم أن هيَّأَ له قلوبَ وعقولَ الطُّلاب، لتكونَ أرضاً خِصبَةً يزرَعُ فيها من الخير ما يشاء، فلو أنَّ كلَّ معلِّم ـ أيَّاً كان تخصُّصُهُ ـ اغتنمَ مهنَةَ التَّعليم طريقاً لدعوة النشئ المُسْلِم إلى الأخلاق الفاضلة، والعملِ الصالح، الذي ينفعُهُم وينفعُ مجتمعاتهم؛ لكان لذلك أثرٌ عظيم في تغيير المجتمع، والسيرِ به نَحْوَ الهِدَاية والرَّشادِ، حيث يرضى الله تعالى علينا جميعاً[2].

ثالثاً: التَّحَلِّي بالأخلاقِ الإسلاميَّة الطيِّبة والابتعادُ عن أضدادها:
المُعلِّمُ هو مَحلُّ القُدوَة بين طلابِه وأفرادِ مجتمعِه، وأنظارُ الجميعِ مُتَوجِّهَةٌ إليه، وهو أولى الناس بالتَّحلي بالأخلاق الطيبة الفاضلة، التي تجعل منه قُدوةً حسنةً للجميع، فيَلتزم الصِّدقَ والأمانة، والعِفَّة والحَياءَ، والصَّبر والحِلم، والرِّفق والأَناة، والهدوء والتَّواضع، ونحوها من أخلاق حسنة.

ويبتعد عن كلِّ ما يناقضُ ذلك من كذب وخِداع، ورِياء ونفاق، وعُجب وكِبر، وغُرورٍ وفُحشٍ، وحِقدٍ وحَسد، وبُخلٍ وبَذَخٍ، وغِشٍّ ووقاحة، وتضجر وطَيش، وتسرعٍ وغَضَبٍ، ونحوها من أخلاق سيئة قبيحة[3].

رابعاً: تسخِيرُ اختصاصِه بما يَعُود بالنَّفع على دينه وأمَّته:
كلُّ مسلم في هذه الدُّنيا أينما كان، هو على ثَغْرَة من ثَغَرَات الإسلامِ، فلا ينبغي أن يُؤْتَى الإسلامُ من قِبَلِهِ بسبب إهمالِه وتقصيرِه، فلذلك ينبغي على المُعلِّم ـ أيَّاً كان تخصُّصه ـ أن يُسَخِّرَ إمكاناتِه العلميةَ والعمليةَ لخِدمةِ دينه وأمته، ولا ينتظر أن يُطلَبَ منه ذلك، بل يبذل عِلمَهُ وجَهدَه بدافعٍ إيمانيٍّ، مُبتَغِياً الأجرَ والمَثُوبةَ منَ الله تعالى، راغباً في نفع أمته ومجتمعه الذي يعيش فيه[4].

فمعلِّمُ الرِّياضيات يستطيع من خلال بعض النظريات أن يؤكِّد لطلابِهِ حقيقةً من حقائقِ الإيمان، ويبيِّنَ دِقَّةَ صُنعِ الله تعالى في هذا الكون، ومعلِّمُ الكيمياء يستطيع من خلال بيان خصائص المادَّة أن يَلِفتَ الانتباه إلى أنَّ قدرةَ الله تعالى هي وراء هذا التنوعِ، وأن هذا التنوُّعَ لم يأت صُدفَةً ولا عَبَثَاً، ومعلِّم العلومِ الطبيعيَّة يستطيع من خلال مادته أن يلفت انتباهَ طلبته إلى عظمةِ خَلقِ الله تعالى في الإنسان وما يحيط به من كائنات،... وهكذا جميعُ التَّخصُّصَات.


[1] فقد قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عنه أبو هريرة: « مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَن يَعْمَلُ بِهِنَّ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ: « اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُن أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُن أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ». أخرجه الترمذي 4 /551 برقم 2305؛ وأحمد في مسنده 2 /310؛ وانظر: كشف الخفاء 1 /44؛ قال عنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم100: حديث حسن.

[2] وقد حثنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فخاطبَ كلَّ مؤمنٍ قائلاً: « بلِغُوا عني ولو آيةً» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو برقم 3274، وقال لعليِّ رضي الله عنه مُبيِّنَاً له عظيمَ فضلِ الدَّعوَة إلى الله تعالى: « لأَن يَهديَ اللهُ بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرُ النعم» أخرجه البخاري عن سهل بن سعد 3 /1357 برقم 3498، وحمر النعم: هي الإبل الحمراء، وهي أنفس أموال العرب.

[3] فقد كان المُعلِّم الأوَّلُ صلى الله عليه وسلم القدوةَ الحسنة لكلِّ معلِّم بعدَه، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وكان من أحسن النَّاس وأعظمهم خُلقاً، وقد امتدح الله أخلاقه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وبيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطرَ القُدوة عندما يكون سيءَ الخُلق فقال: « إنَّ شرَّ الرِّعَاء الحُطَمَةُ»، أخرجه مسلم عن عائذ بن عمرو3 /1461 برقم 1830، ومعنى الحطمة: هو الظلوم الذي لا يرحم.


[4] وقد بيَّن لنا الحبيبُ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم أنَّ أحبَّ الخَلق عند الله هو من ينفع عباده، فقال صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن أحبِّ النَّاس إلى الله: « أحبُّ العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله»، ذكره العجلوني في كشف الخفاء1 /53 وقال: رواه عبدالله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن الحسن مرسلاً، وقد حكم الألباني بحسنه في صحيح الجامع برقم 172، وفي رواية: « الخلق كلهم عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله» ذكره العجلوني في كشف الخفاء 1/380ـ381 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأبو النعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود مرفوعاً؛ وقد قال العجلوني: له طرق بعضها يقوي بعضاً.