272 - " قال الله تعالى " إذا ابتليت عبدي المؤمن ، و لم يشكني إلى عواده أطلقته من
أساري ، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ، و دما خيرا من دمه ، ثم يستأنف العمل "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 487 :
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 1 / 349 ) و من طريقه البيهقي في " سننه "
( 3 / 375 ) من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن سعيد ابن أبي
سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال : " صحيح على شرط الشيخين ، و لم يخرجاه " .
و وافقه الذهبي في " تلخيصه " .
و أما في " المهذب " و هو مختصر سنن البيهقي ، فأشار إلى أن له علة ، فقال :
" لم يخرجه الستة ، لعلته " .
و كأنه يريد بها الوقف ، فقد أخرجه البيهقي عقب هذا المرفوع من طريق أبي صخر
حميد بن زياد أن سعيد المقبري حدثه قال : سمعت أبا هريرة يقول :
" قال الله عز و جل : أبتلي عبدي المؤمن ، فإذا لم يشك إلى عواده ذلك ، حللت
عنه عقدي ، و أبدلته دما خيرا من دمه ، و لحما خيرا من لحمه ، ثم قلت له :
أئتنف العمل " .
قلت : و رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا صخر هذا فيه كلام من قبل حفظه ، و في
" التقريب " : " صدوق يهم " .
قلت : فمثله حسن الحديث ، لكنه لا يصلح لمعارضة الرواية المرفوعة ، لأن رواتها
كلهم ثقات لا مغمز فيهم ، فإما أن يقال : إن أبا صخر وهم في وقفه و الصواب
المرفوع ، و إما أن يقال : إن أبا هريرة كان يرفعه تارة ، و يوقفه أخرى ، و كل
حفظ ما وصل إليه ، و الرفع لا يعارض الوقف ، و لاسيما و هو في حكم المرفوع .
لكن وجدت له علة أخرى غريبة ، فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل
الترمذي آخر السنن ( 206 / 1 ) .
" قاعدة مهمة : حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ، و معرفتهم
للرجال و أحاديث كل واحد منهم ، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث
فلان ، و لا يشبه حديث فلان ، فيعللون الأحاديث بذلك ، و هذا مما لا يعبر عنه
بعبارة مختصرة ، و إنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم و المعرفة التي خصوا بها
عن سائر أهل العلم ، كما سبق ذكره في غير موضع ، فمن ذلك ... " ثم ذكر أمثلة
كثيرة ، بعضها مسلم ، و بعضها غير مسلم ، و من ذلك هذا الحديث مع وهمه في عزوه
فقال ( 207 / 1 - 2 ) :
" و من ذلك أن مسلما خرج في " صحيحه " ( ! ) عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن
عاصم بن محمد العمري : حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ( فذكر الحديث
ثم قال : ) قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد :
هذا حديث منكر ، و إنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه
و عبد الله بن سعيد شديد الضعف ، قال يحيى القطان : ما رأيت أحدا أضعف منه .
و رواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة
و هو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد . انتهى " .
قلت : معاذ بن معاذ و هو العنبري ، و أبو بكر الحنفي و اسمه : عبد الكبير
ابن عبد المجيد كلاهما ثقة محتج به في " الصحيحين " ، فلا أرى استنكار حديث هذا
برواية ذاك بدون حجة ظاهرة ، سوى دعوى أن حديثه يشبه أحاديث عبد الله ابن سعيد
الواهي ! فإن هذه المشابهة إن كانت كافية لإقناع من كان من النقاد الحذاق فليس
ذلك بالذي يكفي لاقناع الآخرين الذين قنعوا بصدق الراوي و حفظه و ضبطه ، ثم لم
يشعروا بذلك الشبه ، أو شعروا به ، و لكن لم يروا من الصواب في شيء جعله علة
قادحة يستنكر الحديث من أجلها ، و يسلم للقادح بها مع مخالفته لقاعدة أخرى هي
أهم و أقوى من القاعدة التي بنى ابن رجب عليها رد هذا الحديث و هي أن زيادة
الثقة مقبولة . و من حفظ حجة على من لم يحفظ ، و ما المانع أن يكون الحديث قد
رواه عن أبي سعيد المقبري كل من ولديه : سعيد الثقة ، و عبد الله الضعيف ، و أن
عاصما أخذ الحديث عنهما كليهما ، فكان يرويه تارة عن سعيد فحفظه عنه أبو بكر
الحنفي ، و تارة عن عبد الله فحفظه معاذ بن معاذ ؟ ! لا يوجد قطعا ما يمنع من
القول بهذا ، بل هو أمر لابد منه ، للمحافظة على القاعدة التي ذكرناها ، لقوتها
و اضطرادها ، بخلاف القاعدة الأخرى فإنها غير مضطردة و لا هي منضبطة كما لا
يخفى عمن له فهم و علم في هذا الفن الشريف ، فإن كون الحديث الثقة مشابها لحديث
الضعيف ، لا يوجد في العلم الصحيح ما يدل على أن حديث حديث الضعيف ، و أن الثقة
وهم فيه ، إذ قد يروي الضعيف ما يشبه أحاديث الثقات على قاعدة
" صدقك و هو كذوب " ، فكيف يجوز مع ذلك أن نرد حديث الثقة لمجرد مشابهته لحديث
الضعيف ؟ ! بل العكس هو الصواب : أن نقبل من حديث الضعيف ما يشبه حديث الثقة
و يوافقه . بل إن الراوي المجهول حفظه و ضبطه لا يعرف ذلك منه إلا بعرضه على
أحاديث الثقات ، فما وافقها من حديثه قبل ، و ما عارضه و خالفه ترك . و هذا علم
معروف في " مصطلح الحديث " .
و مما يؤيد صحة هذا الحديث ، و أن أبا بكر الحنفي قد حفظه ، و ليس هو من حديث
عبد الله بن سعيد وحده ، أن الإمام مالك قال في " الموطأ " ( 2 / 940 / 5 ) :
" عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا
مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين ، فقال : انظروا ماذا يقول لعواده ، فإن
هو إذا جاؤوه حمد الله و أثنى عليه ، رفعا ذلك إلى الله عز و جل - و هو أعلم -
فيقول : لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة ، و إن أنا شفيته أن أبدل له لحما
خيرا من لحمه ، و دما خيرا من دمه ، و أن أكفر عنه سيئاته " .
و هذا سند مرسل صحيح ، فهو شاهد قوي لحديث أبي بكر الحنفي الموصول و الحمد لله
على توفيقه .
ثم رأيته موصولا عن مالك ، أخرجه أبو الحسين الأبنوسي في " جزء فيه فوائد عوال
حسان منتقاة غرائب " ( 3 / 2 ) : أخبرنا علي ( هو الدارقطني ) قال : حدثنا
أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث إملاء سنة ست عشرة و ثلاثمائة قال :
حدثنا علي بن محمد الزياداباذي قال : حدثنا معن بن عيسى قال : حدثنا مالك عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :و قال : " قال الدارقطني : تفرد به علي بن محمد عن معن عن مالك ، و ما
نكتبه إلا عن ابن أبي داود " .
قلت : لكن الزباداباذي هذا كأنه مجهول ، فقد أورده السمعاني في هذه النسبة ،
و ذكر أنه روى عنه جماعة ( و في النسخة سقط ) و لم يحك فيه جرحا و لا تعديلا .
و أورده في " الميزان " و تبعه في " اللسان " من أجل هذا الحديث و قال :
" و أشار الدارقطني في " غرائب مالك " إلى لينه . و أنه تفرد عن معن عن مالك به
و قال : إنما هو في " الموطأ " بسند منقطع عن غير سهيل " .