القراءة أساس تقدم الأمم.. وبها بدأ الوحي


أحمد إبراهيم عصر







﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].. تلك كانت أول آية أنزلها الله - سبحانه وتعالى - على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، وهي وإن دلَّت على شيء فإنما تدلُّ على أهمية القراءة باعتبارها إحدى أدوات بناء الأمم وتقدُّم الشعوب، ويُحكى أن أول مكتبة وضعها الفراعنة كتبوا على بابها: "هنا غذاء النفوس وطب العقول"، فالقراءة وسيلة التقدُّم والرقيِّ والمعرفة والازدهار، ولا يمكن أن يتصوَّر تقدُّم أمة ما دون أن تكون قارئةً ومطلعةً على ما يدور حولها، ومما لا يَحمل الشك أن الإنسان القارئ والمطّلع والذي يكون على دراية بما يدور حوله، وقادرًا على مواكبة التطورات المعرفية والعلمية التي تُستحدث كل يوم - لا شك أنه لا يُمكن أن يَتساوى بأي شكل من الأشكال مع الإنسان الذي لا يقرأ ولا يَعلم ما يدور حوله، فما هي أهمية القراءة، وما فوائدها، وما الذي يُمكن أن تقدِّمه للإنسان القارئ، وكيف يُمكن للإنسان أن يكون قارئًا جيدًا؟ كلها أسئلة أجاب عنها وأوضحها الخبراء، على النحو التالي:
في البداية يقول الدكتور فتحي سعيد - أستاذ التنمية البشرية -:
مما لا يَحتمل الشك أن القراءة هي أهم وسائل التعليم في حياة أي إنسان، والتي يستطيع الإنسان من خلالها أن يَكتسب مزيدًا من الأفكار والرُّؤى والمعارف والعلوم التي تُفيده في سائر مجالات الحياة، ومن خلالها يتمكن الإنسان من تطوير ذاته والوصول إلى آفاق جديدة ربما كان لا يَستطيع الوصول إليها قبل ذلك، وتتضح أهمية القراءة بشكل أكبر في الدول التي تسعى دائمًا إلى نشرِ العلم، والتي تحرص على تسهيل أسباب العلم؛ حيث تحرص هذه الدول على أن تجعل المدخل لهذا كله من خلال القراءة وتشجيع المواطن عليها؛ بحيث يتم نشرُها بشكل واسع بين مختلف فئات المجتمع، فإن القراءة كانت - على مرِّ العصور وستظل - أفضل أدوات تناقل المعرفة بين العقول البشرية المختلفة باعتبارها الصفة المميِّزة للشعوب المتقدمة، ولعل أهمية القراءة تتَّضح بشكل أكبر إذا ما نظرنا إلى القرآن الكريم الذي أول ما نزل منه نزل قول الله - سبحانه وتعالى - في سورة العلق: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5] فهذه كانت الكلمات الأولى التي تم توجيهها إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي إن دلَّت فإنما تدلُّ على أن القراءة في الإسلام في غاية الأهمية التي يَحرص الإسلام على نشرها بين أفراد المجتمع.

ويُضيف: إن القراء في عصرنا الحديث قد أصبح لها أهمية كبيرة؛ نظرًا لأنها أصبحت جزءًا رئيسًا في حياة كل إنسان، فلا سبيل للإبداع أو للابتكار أو الوصول إلى الاختراعات صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال القراءة، وإذا ما نظرْنا إلى الأمم من حولنا فإننا نستطيع القول: إن الأمم المتقدمة والقائدة للعالم الآن هي تلك الأمم التي اهتمَّت بالقراءة وبالعلم بصفة عامة، فاستطاعت هذه الأمم أن تتغلب على الجهل والتخلف من خلال القراءة والمعرفة، مشيرًا إلى أن الإنسان دائمًا في حاجة إلى الوصول لابتكارات جديدة ومجالات أكثر اتساعًا، وهذا لن يتأتى بالطبع إلا من خلال القراءة والعلم والمعرفة، فإن العقل دائمًا ما يحتاج إلى وسيط معرفي حتى يتمكن من إدراك الأشياء من حوله، وهذا الوسيط إنما يُمكن إيجاده من خلال القراءة الجيدة، فهذا الوسيط يرتبط بشكل مباشر بمقدار القراءة، وكلما تحسَّن هذا الوسيط تحسن فهمنا للوجود وأصبحنا مدركين لما حولنا بشكل جيّد وفعّال.

وكذلك يؤكد الدكتور محمد الششتاوي - المختص الاجتماعي -:
إن القراءة لها أهمية كبيرة في حياتنا، وهي مهارة مكتسبة يمكن أن تحقق لأصحابها النجاح والتقدم والرقي في كافة مناحي حياته، سواء في حاضره أو مستقبله، فإذا أمعنّا النظر حولنا سنعلم علم اليقين أن القراءة إنما هي جزء أساسي ومكمِّل لحياة الفرد العملية والشخصية وكافة مجالات الحياة، فضلاً عن أنها بمثابة المدخل الرئيس لكافة أبواب المعارف والعلوم المتنوِّعة، وفي هذا الصدد نجد أن هناك العديد من الفوائد التي يُمكن أن تتحقَّق من خلال القراءة، لعلَّ مِن أهمِّها أنها تجعل الفرد لدية القدرة، ومؤهلاً لاكتساب مهارات جديدة ومتنوعة، والتي تعرف باسم: "مهارات التعليم الذاتي"، والتي تعد الآن بمثابة ضرورة لا غِنى عنها في الحياة ولا يُمكن لأي شخص أن يُجاري التطورات المستحدثة كل يوم بدونها، كما أن القراءة لها تأثير كبير أيضًا على شخصية الفرد وطريقة حديثة مع الآخرين؛ حيث إن الإنسان القارئ يكون في مقدوره مناقشة الآخرين بصورة راقية في مختلف المجالات؛ نظرًا لقراءته واطلاعه على الكثير من الأمور التي تجعل الفرد يمتلك شخصية قوية وله القدرة على التأثير فيمن حوله، ولعل من أهم الفوائد التي تُحققها القراءة أيضًا: أنها تساعد الإنسان على استثمار وقته بصورة صحيحة ومفيدة له في دينه ودنياه، خاصة أن الله - سبحانه وتعالى - سوف يحاسب كل إنسان ويسأله عما أفنى عمره فيه.

ويضيف: إنه من فوائد القراءة أيضًا: أنها تساعد الطالب في المدرسة أو في الجامعة على التعلم وتُهيئه لتقبُّل المواد التي يقوم بدراستها، فهي تعمل على إيجاد علاقة بين التلميذ وكتابه، وتعمل على توطيد هذه العلاقة بصورة إيجابيَّة نظرًا لتفتُّح عقله واتساع مداركه؛ مما يجعله قادرًا على اكتساب مهارات وخبرات متنوعة ومتعدِّدة، ومن الفوائد التي تتحقق من خلال القراءة كذلك أنها تُساعد على التعرف على ثقافات متنوعة، واقتحام علوم أخرى جديدة على الإنسان، فضلاً عن أن المرء حينما يقرأ فإنه غالبًا لا يقرأ في مجال واحد، وإنما يَغوص في العديد من المجالات المختلفة التي تُساعده على توسيع مداركه وتنمية قدراته حتى يكون في النهاية شخصيةً قويةً قادرة على مواكبة التطوُّرات العلمية الجديدة.

ومن جانبه يقول الدكتور فتحي سعيد - أستاذ التنمية البشرية -:
الآن كل يوم وكل أسبوع وكل شهر تَخرُج كتب جديدة وكثيرة، ومِن ثَم فإننا نكون بحاجة إلى مهارة القراءة، وإلى أن نكون قراءً جيِّدين وإيجابيين؛ بحيث تكون القراءة لدينا عادةً حتى نتمكَّن من مواكبة التطور المعرفي المستمر، وإذا أردْنا أن نعرف القارئ الجيد أو القارئ الإيجابي فيُمكن القول: إنه قارئ فعال يُطبِّق ما يتعلمه، ويفهم ما يقرؤه، ويقرأ 50 % في تخصُّصه، و50 % الأخرى في تخصُّصات مختلفة، وهو يعلم شيئًا في كل شيء، ويعلم كل شيء في شيء، فالقارئ الجيد يكون عنده اطِّلاع على المجالات المختلفة، ولكنه في نفس الوقت يركِّز على مجاله؛ بحيث يكون لديه القدرة على التطوير في هذا المجال، فهو إنسان يقرأ ليتعلم وليس فقط للمتعة، مشيرًا إلى أن من يريد أن يكون قارئًا جيدًا فعليه أن يضَع لنفسه خطة معيَّنة في القراءة بما يتناسب مع قدراته ووقته، فليس هناك وقت محدَّد معيَّن للقراءة مثلاً، وإنما يقرأ الفرد في الوقت الذي يتناسب معه، وليس هناك مقدار معين للقراءة، ولكن قد يكون هناك حدٌّ أدنى، فعلى الإنسان المبتدئ أن يقرأ كتابًا شهريًّا على الأقل.