وصايا مهمة لطالب العلم



قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق 1)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَلوا اللهَ عِلمًا نافعًا وتعَوَّذوا باللهِ مِن علمٍ لا ينفعُ» (رواه ابن ماجه)، وهذا من أهمية العلم النافع، الذي أنعم اللهُ به على الإنسان، فقال -ممتنا عليكم أيها المؤمنون-: {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة 151)، وإِنَّ مِن شَرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيِّهَا - صلى الله عليه وسلم - تَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ وَتَحُثُّ عَلَيْهَا، تنويهًا بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ وإشارةً إِلَيْهَا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق 1-5)، كما أَقْسَمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- كذلك بِالْقَلَمِ، الَّذِي تُكْتَبُ بِهِ الْعُلُومُ، وَيُسْطَرُ بِهِ الكلامُ الْمَنْثُورُ وَالْمَنْظُومُ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم 1)، فَالعلمُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَمن شرفه أنه يستمر أثرُه وأجرُه بَعْدَ الممات، كما قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ»، وَذكر مِنْهَا: «أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ» (رواه مسلم)، وهذه وصايا مهمة لطالب العلم.
من المهم لكل طالب علم أن يوجه نيته في ذلك لله، فيرفعَ الجهلَ عن نفسه في هذه الحياة، ويستغني بعد ذلك بعمله عن سؤال غير الله، وبعلمه يزدادُ خشيةً لله، فيتعرَّفَ على آياتِ الله في آفاق الأرض والسماء، فيكونَ ممن قال الله -تعالى- عنهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر 28).
من غش فليس مني
وفي طريق طلب العلم عليه أن يتبع السبيلَ الصحيح، ويبتعدَ عن الأسبابِ المحرمةِ كالغِش، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من غش فليس مني» (رواه مسلم).
وعليه كذلك البعدُ عن الذنوبِ والمعاصي، وفعلُ الواجباتِ، وتركُ المحرمات، فإن العلمَ نور، والمعصيةَ ظلمةٌ في القلب تطفئ نورَ العلم. قال الإمامُ مالكٌ للشافعي حين رأى فطنته وذكاءه وهو صغير: يا بني، إني أرى أن الله قد ألقى في قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وعليك يا طالبَ العلم ببرِّ والديكَ وطاعتِهما والإحسانِ إليهما، فلعل دعوةً مستجابةً منهما ينفعُك اللهُ بها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثُ دعَواتٍ يُستجابُ لَهنَّ لا شَكَّ فيهنَّ»، وَذكر مِنْهَا: «ودعْوةُ الوالدِ لولدِه» (رواه ابن ماجه).
وعليكَ كذلك بالدعاء، فإنه من أعظمِ الأسباب، وأجلِّ الآداب، في طريق العلمِ والتعلم، فادع الله في كل ما رجوت، فإنك في عبادة ما دعوت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة» (رواه أبو داود)، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالِاسْتِزَادَ ةِ مِنَ الْعِلْمِ فَقَالَ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه 114)، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقولُ بعد أن يسلم من صلاة الفجر: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا ورزقًا طيِّبًا وعملًا متقبَّلًا» (رواه ابن ماجه).
حسن الخلق وطيب المعاملة
ومن المهم كذلك لكل طالب علم أن يُظهِرَ أحسنَ ما تربى عليه في بيته من الأخلاقِ وحُسنِ المنطق وطِيبِ المعاملة، فهو سفيرُ أهله إلى المجتمع، فيَتَوَاضَعَ لِمُعَلِّمِهِ، ويَتَعَامَلَ مَعَ زُمَلَائِهِ بِالِاحْتِرَامِ ، ويُظْهِرَ أطيبَ الأخلاقِ ويختارَ أحسنَ الكلام، وبذلكَ يَنْتَفِعُ بِالعلمِ ويستزيد، ويكونُ حليفَهُ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْدِيد، وما زال الطلاب النبلاء، يقدرون العلمَ والعلماء، فقد صَلَّى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ قُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَةٌ لِيَرْكَبَهَا، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خَلِّ عَنْهُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ وَالْكُبَـرَاءِ (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ).
فعلى المعلمين والمعلمات، أن يجعلوا التربيةَ الصالحة، والهدايةَ إلى مكارم الأخلاق هـمًّا يضيفونه إلى همّ التعليم، وإن مما ينبغي أن يحرص عليه المعلم أن يكون قدوة صالحة لطلابه، في أقواله وأفعاله، وفي مظهره وتصرفاته، وأن يحرص على النصح لهم، ومن أحسنَ في عمله {فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (هود 115).
منقول