تسمية المحرمات بغير أسمائها


فهد بن عبد العزيز الشويرخ


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن كيد الشيطان: تسمية الأمور المحرمة بغير اسمائها, ليهون على الناس فعلها, بل إنه قد يسميها بأسماء تُحبّ النفوس مسمياتها, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وأول كيده ومكره: أنه كاد الأبوين بالأيمان الكاذبة أنه ناصح لهما وأنه إنما يريد خلودهما في الجنة قال تعالى: { فوسوس لهما الشيطان لِيُبدي لهما ما وُرِىَ عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما من الناصحين * فدلاهما بغرور} ﴾ [الأعراف:20-22] فآدم وحواء...كذبهما عدو الله وغرهما وخدعهما, بأن سمى تلك الشجرة شجرة الخلد, فهذا أول المكر والكيد ومنه ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوس مسمياتها
وورّث عدو الله هذا المكر لأوليائه وحزبه عند خداعهم للمؤمنين."
فلنحذر ممن يتحيل في تحليل ما يحرم بتغير اسمه" فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرّ, والحرير, والخمر, والمعازف, ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروحُ عليهم بسارحة لهم, يأتيهم _ يعني الفقير _ لحاجة, فيقولوا: ارجع إلينا غداً, فيُبيتهم الله, ويضع العلم, ويُمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.)) [أخرجه البخاري]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغير اسمه.
لقد سُميت بعض المحرمات بغير مسمياتها, ومن ذلك:
تسمية الردة عن دين الإسلام بـــــــ "حرية الرأي", و"حرية الفكر":
الردة عن الإسلام محبطة لعمل صاحبها, ومآله في الآخرة النار, قال الله جل وعلا: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة:217] قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: أن الردة مبطلة للأعمال إذا مات عليها,...وأن المرتد مخلد في النار...وأن المرتد لا يعامل في الدنيا بأحكام المؤمنين...فلا يغسل, ولا يكفن, ولا يصلي عليه, ولا يدفن مع المسلمين.
من كان على باطل فيؤد أن كل الناس على باطله, ولذا تجد أهل الباطل يحاولون بكل الوسائل أن يجذبوا الناس إلى باطلهم, فالكفار يقاتلون بكل الطرق من أجل أن يرتد المسلمون عن دينهم, قال الله عز وجل { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } [البقرة:217] قال العلامة العثيمين رحمه الله: { ولا يزالون} تفيد الاستمرار, وأنه ليس في وقت دون وقت, وأن محاولتهم ارتداد المسلمين عن دينهم مستمرة.
ومن أساليبهم التي قد يخدعون بها بعض المسلمين تسمية الردة عن دين الإسلام:
"حرية الرأي", و"حرية الفكر", يقول العلامة صالح بن فوزان الفوزان: أعداء الإسلام....يسمون الخروج من الدين: حرية في الدين والعقيدة, وربما ينخدع بدعاياتهم الأغرار والجهال, ويفرح بها المنافقون, والذين في قلوبهم مرض والأشرار."
فأحذر أخي المسلم من أساليبهم, وابتعد عن كل وسيلة تكون سبباً في تأثرك بشبهاتهم, فأنت في تعيش في نور ساطع فاحذر الظلمات, وأنت تحيا في سعادة فلا تخرج إلى الشقاوة, وأنت في نعيم فالحذر الذهاب إلى الجحيم.
تسمية الربا بـ "قرض", "فوائد", " عمولة", "ودائع", "معاملات بنكية" ونحوها
يسمى فائدة, وقرض, ونحوها, تقول اللحنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية في الفتوى رقم (17386) : الربا فإنه محرم وإن سمي بغير اسمه، كتسميته فائدة أو عمولة أو نحو ذلك.
وقال الشيخ عبدالله بن صالح القصير, في كتابه: " الذكرى بخطر الربا ": تبين لك أن الربا في العصر الحاضر ما هو إلا تطبيق قبيح لربا الجاهلية الأولى غاية ما في الأمر تغير مسماه العام غالباً حيث يطلق عليه: خدمات بنكية...وعند العامة: دينة أو مداينات, وفي جزئياته يطلقون عليه: قرض, فائدة, حساب توفير, ودائع إئتمان, خدمات, ونحو ذلك.
لقد تساهل كثير من المسلمين في التعامل بالربا إقراضاً وافتراضاً بسبب الانخداع بتلك المسميات, فينبغي ترك التعامل بالربا, قال الله جل وعلا: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } [البقرة:278]
فمن تلاعب به الشيطان, وأصرّ على التعامل بالربا فهو محارب لله ورسوله, قال الله جل جلاله: { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة:279] قال العلامة السعدي رحمه الله: وهذا من أعظم ما يدل على شناعة الربا, حيث جعل المصرّ عليه محارباً لله ورسوله.
وقال العلامة العثيمين: من فوائد الآية: عظم الربا لعظم عقوبته, وإنما كان بهذه المثابة ردعاً لمتعاطيه عن الاستمرار فيه.
وانتشار الربا من علامات الساعة, روى الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين يدي الساعة يظهر الربا )

تسمية الخمر بـــــــ "الشراب الروحي":
الخمر أم الخبائث, انتشر شربها في زماننا انتشاراً كبيراً, وأعظم من ذلك بيعها وشربها علانية في بعض البلدان الإسلامية, وذلك من علامات الساعة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أشرط الساعة أن ....يشرب الخمر} [متفق عليه]
لقد أصبح كثير من المسلمين يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها, أخرج الإمام أبي داود في سننه, عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( «ليشربن ناس من أمتي الخمر, يسمونها بغير اسمها» )) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: صححه ابن حبان, وله شواهد كثيرة.
وبوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب: الأشربة, " باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويُسميه بغير اسمه."
لقد سميت الخمر بأسماء كثيرة, من باب التغرير, وخداع المسلمين الذين ينفرون من شرب الخمر, فإذا سميت باسم غير اسمها, تساهلوا في شربها, قال العلامة محمد بن صالخ العثيمين رحمه الله: من الناس من يُسمى الخمر بغير اسمها, وبناءً على هذا الاسم يستحلُّها, كقولهم: إنه الشراب الروحي, فإذا قيل عنه هكذا انفتحت النفس له, وبحث عنه الإنسان, فإذا بحث عنه وإذا هو الشراب الخبيث المدمر للروح والعقل, لكن يسمون هذا من أجل التمويه والتزويق.
فاحذر الخمر, فهي بلاء عظيم وشر مستطير تدمر البدن والعقل, والغالب أنها تكون جسر إلى تعاطي المخدرات وإدمانها. ومن مات ولم يتب منها لم يشرب الخمر في الآخرة.

تسمية اللواط بـ " المثلية" وتسمية الزنا بـ " الحرية الجسدية":
يقول الله جل وعلا:{ ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام:151] قال العلامة السعدي رحمه الله: والنهي عن قربان الفواحش أبلغ في النهي عن مجرد فعلها, فإنه يتناول النهي عن مقدماتها, ووسائلها الموصلة إليها.
إن من أعظم الفواحش: الزنا, واللواط. والفطر السوية تنفر من هاتين الفاحشتين, لكن شيطان الإنس وعلى رأسهم اليهود يسعون لنشر هاتين الفاحشتين بين الناس, جاء في دائرة المعارف اليهودية...إن تعاليم المأسونية محاطة بالسرية الدائمة, وتنص في صميمها على تقديس الجنس, والحرية التامة في نشر الإباحية.
ولقد نجحوا في نشر الإباحية في العالم, عبر وسائل مختلفة متنوعة, منها: تسمية الفواحش بأسماء لا تنفر منها, ليسهل على الناس فعلها, فسموا الزنا بــــــ " الحرية الجنسية ", و "الحرية الشخصية ", و : الحرية الجسدية ", ونحوها من الأسماء.
أما " اللوطي" فيسمى بـــ "المثلي" يقول الدكتور إبراهيم بن محمد الحقيل: مما غير مسماه لإشاعته في الناس, وتحسينهم لهم, وإزالة النفرة والوحشة منه لديهم: فاحشة قوم لوط, فسميت قديماً (لواطاً)...وفي الحضارة المعاصرة سميت هذه الفاحشة في أول الأمر شذوذاً...والدعاة الجدد لفاحشة قوم لوط غير راضين عن وصف فاحشتهم بالشذوذ, ووصفهم بالشذوذ...ويرون أن فاحشتهم ليست إلا شيئاً طبيعياً ويجبُّ أن يرضى به البشر, وأن يكون مألوفاً في أوساطهم, فعمدوا إلى تطبيع الناس على هذا المنكر العظيم باعتماد مصطلح (المثلية)...وهذا من تزيف المصطلحات ...فالحذر الحذر من دعاة إلى أبواب جهنم يدعون الناس إلى فواحش قوم لوط, ويجاهرون بها, ويشيعونها, ويستحلونها, نعوذ بالله منهم ومن إفكهم.
تسمية القمار بـــ " اليانصيب":
عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال, أمن حلال أم من حرام» [ أخرجه البخاري]
لقد تساهل بعض المسلمين بأكل الحرام, فلا يتحرون أكل الحلال, بل يجمعون المال من الحلال والحرام, بعد أن زين لهم الشيطان تسمية بعض المكاسب المحرمة بأمور لا تنفر منها النفوس, ومن ذلك الميسر, وهو القمار, حيث صار يسمى بـ " اليانصيب" قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: عمليات " اليانصيب " عنوان لعب القمار, وهو الميسر, وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع, كما قال الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة:91]
ولا يحلّ لجميع المسلمين اللعب بالقمار مطلقاً سواء كان ذلك المال الذي يحصل بالقمار يصرف في جهات بر, أو في غير ذلك, لكونه خبيثاً محرماً لعموم الأدلة, ولأن الكسب الحاصل بالقمار من الكسب الحرام الذي يجب تركه, والحذر منه, والله ولي التوفيق.
ويقول الدكتور: سليمان بن أحمد الملحم في كتابه: "القمار حقيقته وأحكامه ": تفنن المحتالون في مخادعة الناس والتغرير بهم واستدراجهم إلى القمار تحت شعارات براقة, وآمال خادعة. ومن صور القمار الحديث ما يسمى بــــ " نظام الدولار الصاروخي " وهو شكل من أشكال اليانصيب, وأنموذج من نماذجه مع مغالطة للحقيقة, وتلبيس على الناس.
تسمية الرشوة بـــــــ " الهدية ", و " المكافأة " و" الإكرامية" ونحوها:
الرشوة من المكاسب المحرمة, ومرتكبها متوعد باللعن, واللعن هو الطرد من رحمة الله عز وجل, فعن ثوبان رضي الله عنه, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي, والمرتشي, والرائش.[أخرجه الأمام أحمد]
ولقد تساهل بعض المسلمين بأكل الرشوة, بعد أن زين لهم الشيطان تسميتها بأسماء محببة للنفوس, فسميت هدية, ومكافأة, و إكرامية, ونحوها, والأسماء في الشريعة لا تغير في الحقائق شيئاً, يقول سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: الواجب على الرئيس أن لا يقبل الهدايا, فقد تكون رشوة, ووسيلة إلى المداهنة والخيانة.
تسمية الكذب من أجل أن يضحك الناس بـــ " الكذب الأبيض "
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: والعجيب أن بعض الناس يقول: الكذب ينقسم إلى قسمين: أبيض وأسود،
ونحن نقول: الكذب ينقسم إلى قسمٍ واحدٍ، وهُو الأسود، لا يوجد كذب أبيض إطلاقًا، هذا الذي قسمه إلى قسمين، قال: الأبيضُ هو الذي ليس به أكلُ مال لأحدٍ، ولا اعتداء على أحدٍ، كذب من أجل أن يضحك الناس، فعند هذا الرجل أنه أبيض، أمَّا إذا كذب ليأكل أموال الناس بالباطل، مثل رجل عنده حق لفلان، وطلبه صاحب الحق؛ لكن قال: ليس لك عندي شيء، يقول: هذا هو الكذب المحرم، أما الكذب الذي من أجل أن يضحك الناس فهذا ليس بمُحرَّم؛ لأنه أبيض.
سبحان الله أين البياض؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل لمن حدَّث فكذب لِيُضحك به القوم، ويل له، ثُم ويل له» ؛ ولهذا نجد أولئك القوم الذين يأتون بالتمثيليات وغيرها من الأشياء الكذب واقعين في هذا، وهم لا يعلمون.

وختاماً فلنبتعد عن التغير والتبديل في الأسماء الشرعية, يقول العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: لنترك التغير والتبديل في الحقائق الشرعية.
ولنحافظ على أسماء المحرمات, التي وردت في نصوص الكتاب والسنة, حتى يبقى لها أثرها في نفوسنا, وبالتالي لا نتساهل في ارتكابها, ولنحذر من الدعاة الذين على أبواب جهنم ممن هم من أبناء جلدتنا, وممن يتكلمون بلغتنا, الذين يغيرون ويبدلون أسماء المحرمات لتكن مقبولة مستساغة عند المسلمين, فتغير الأسماء لا يغير من حقيقتها, ومن حكمها في الشريعة, قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه إنما حرم هذه المحرمات...لما اشتملت عليه من المفاسد المضرة بالدنيا والدين, ولم يحرمها لأجل أسمائها وصورها.