تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: كيف الطريق إلى أن يحبك الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي كيف الطريق إلى أن يحبك الله



    كيف الطريق إلى أن يحبك الله (1-4)









    كتبه/ ياسر عبد التواب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإنها غاية من أسمى الغايات، وغرضًا أنبل الأغراض التي يستهدفها المرء في حياته، أن يظفر بمحبة الله، وتحصيل بره ورضاه.

    والله -سبحانه- إذا أحب إنسانـًا وفقه للصالحات، وأعانه على السمو إلى أقصى الغايات، وأمده بالنصر الذي يعلي من شأنه، ويرفع من قدره، ويحفظه من كل سوء يصيبه، أو أذى يناله، وفي الحديث: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ) (رواه أحمد، وقال الألباني: صحيح لغيره).

    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظِ اللَّهَ) يعني: احفظ حدودَه، وحقوقَه، وأوامرَه، ونواهيَه، وحفظُ ذلك: هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتنابِ، وعندَ حدوده فلا يتجاوزُ ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو مِنَ الحافظين لحدود الله الذين مدحهمُ الله في كتابه، وقال -عز وجل-: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) (ق:32-33)، وفـُسر الحفيظ ها هنا بالحافظ لأوامرِ الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.

    ومن أعظم ما يجبُ حِفظُه من أوامر الله الصَّلاةُ، وقد أمر الله بالمحافظة عليها، فقال: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238)، ومدح المحافظين عليها بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج:34).

    كذلك نحافظ على الطهارة، فإنَّها مفتاحُ الصلاة، وقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

    وممَّا يُؤمر بحفظه الأيمانُ، قال الله -عز وجل-: (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:89)، فإنَّ الأيمان يقع الناس فيها كثيرًا، ويُهْمِل كثيرٌ منهم ما يجب بها، فلا يحفظه، ولا يلتزمه.

    ومن ذلك حفظُ الرأس والبطن كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المرفوع: (الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    وحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظُ السَّمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظُ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عَنِ الإصرار على محرم.

    قال الله -عز وجل-: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:235)، وقد جمع الله ذلك كُلَّه في قوله: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36).

    ويتضمن أيضًا حفظُ البطنِ من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومِنْ أعظم ما يجبُ حفظُه من نواهي الله -عز وجل-: اللسانُ والفرجُ، وفي حديث أبي هريرة، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَفِظَ ما بَينَ لَحييه وما بَينَ رِجليهِ دَخَلَ الجنة) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

    وخرَّج الإمام أحمد من حديث أبي موسى عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ فُقْمَيْهِ -اللَّحْى يريد من حفظ فرجه ولسانه- وَفَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    وأمر الله -عز وجل- بحفظ الفروج، ومدحَ الحافظين لها، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور:30).

    مَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله.

    "وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته كما قيل في قوله -تعالى-: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) (الكهف:82)، أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما. قال سعيد بن المسيب لابنه: لأزيدنَّ في صلاتي مِنْ أجلِك رجاءَ أنْ أُحْفَظَ فيكَ، ثم تلا هذه الآية: (وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً)، وقال عمرُ بن عبد العزيز: ما من مؤمن يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه".

    وقال ابن المنكدرِ: إنَّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولده والدويرات التي حوله فما يزالونَ في حفظ من الله وستر" اهـ من جامع العلوم والحكم -ابن رجب الحنبلي- شرح حديث رقم 19.


    فهي علاقة يكون فيها الجزاء من جنس العمل، ولكن الأجر يضاعف.

    فقط أرِ الله -تعالى- من نفسك المحبة، ثم اجن بعد ذلك ثمارها مضاعفة إلى أضعاف كثيرة من الفتح، والرضا، والأنس، والتوفيق للطاعات والقربات.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: كيف الطريق إلى أن يحبك الله



    كيف الطريق إلى أن يحبك الله (2-4)









    كتبه/ ياسر عبد التواب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فللظفر بمحبة الله منهج مرسوم وطريق معلوم، وفي طليعة هذا المنهج متابعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحسن الاقتداء به، والتأسي به في أقواله وأفعاله، والتخلق بأخلاقه وآدابه، فذلك أهدى السبل، وأقرب الطرق، وآية كمال الإيمان وصدق اليقين.

    يقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).

    ومنها أيضًا القيام بشرائع الإسلام وشعائره، والاضطلاع بفرائضه ونوافله، واحتمال أعبائه وتبعاته هي الركائز الأساسية لمن يحاول القرب من الله.

    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (إِنَّ اللَّهَ -تعالى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري)، ومعنى آذنته: أعلمته بأني محارب له. وقوله: استعاذني روي بالباء وروى بالنون.

    قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "الْمُرَاد بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِم بِاَللَّهِ الْمُوَاظِب عَلَى طَاعَته الْمُخْلِص فِي عِبَادَته. وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ وُجُود أَحَدٍ يُعَادِيهِ لأَنَّ الْمُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَنْ شَأْن الْوَلِيِّ الْحِلْم وَالصَّفْح عَمَّنْ يَجْهَل عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُعَامَلَة ِ الدُّنْيَوِيَّة ِ مَثَلا، بَلْ قَدْ تَقَع عَنْ بُغْضٍ يَنْشَأُ عَنْ التَّعَصُّبِ كَالرَّافِضِيِّ فِي بُغْضِهِ لأَبِي بَكْرٍ، وَالْمُبْتَدِع فِي بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ، فَتَقَعُ الْمُعَادَاةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا مِنْ جَانِب الْوَلِيِّ فَلِلَّهِ -تعالى- وَفِي اللَّه، وَأَمَّا مِنْ جَانِب الآخَر فَلِمَا تَقَدَّمَ... وَغَايَة الْحَرْب الْهَلاك وَاَللَّه لا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى فَقَدْ تَعَرَّضَ لإِهْلاكِي إِيَّاهُ. فَأَطْلَقَ الْحَرْبَ وَأَرَادَ لازِمَهُ أَيْ أَعْمَلُ بِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارَبُ. قَالَ الْفَاكِهَانِيّ ُ: فِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، لأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ الْبَلِيغِ، لأَنَّ مَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ اللَّهَ وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ ثَبَتَ فِي جَانِب الْمُوَالاةِ، فَمَنْ وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّه أَكْرَمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ: لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى تَوَلاهُ اللَّهُ بِالْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ عَدُوَّ الْعَدُوّ صِدِّيقٌ وَصِدِّيقَ الْعَدُوِّ عَدُوٌّ، فَعَدُوُّ وَلِيِّ اللَّهِ عَدُوُّ اللَّهِ فَمَنْ عَادَاهُ كَانَ كَمَنْ حَارَبَهُ وَمَنْ حَارَبَهُ فَكَأَنَّمَا حَارَبَ اللَّه.

    وقَوْله: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا اِفْتَرَضْت عَلَيْهِ): يَجُوزُ فِي "أَحَبّ" الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ جَمِيعُ فَرَائِضِ الْعَيْنِ وَالْكِفَايَةِ.. . وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَدَاء الْفَرَائِض أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّه. قَالَ الطُّوفِيُّ: الأَمْرُ بِالْفَرَائِضِ جَازِمٌ وَيَقَعُ بِتَرْكِهَا الْمُعَاقَبَةُ بِخِلافِ النَّفْلِ فِي الأَمْرَيْنِ وَإِنْ اِشْتَرَكَ مَعَ الْفَرَائِضِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ فَكَانَتْ الْفَرَائِضُ أَكْمَلَ، فَلِهَذَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ -تعالى- وَأَشَدَّ تَقْرِيبًا، وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ كَالأَصْلِ وَالأُسِّ وَالنَّفْلُ كَالْفَرْعِ وَالْبِنَاءِ، وَفِي الإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ اِمْتِثَالُ الأَمْرِ وَاحْتِرَامُ الآمِرِ وَتَعْظِيمُهُ بِالانْقِيَادِ إِلَيْهِ وَإِظْهَارُ عَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الْعَمَلِ، وَاَلَّذِي يُؤَدِّي الْفَرَائِض قَدْ يَفْعَلهُ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ وَمُؤَدِّي النَّفْلِ لا يَفْعَلُهُ إِلا إِيثَارًا لِلْخِدْمَةِ فَيُجَازَى بِالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ مَطْلُوبِ مَنْ يَتَقَرَّبُ بِخِدْمَتِهِ".

    فلنهتم بأداء الفرائض والنوافل يحبنا الله -تعالى-.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: كيف الطريق إلى أن يحبك الله

    كيف الطريق إلى أن يحبك الله (3-4)









    كتبه/ ياسر عبد التواب



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فهناك مجموعة من الخصال جاء النص بها صريحًا على محبة الله -تعالى- لمن يفعلها ومنها: نظافة البدن، والثوب، والقلب، والعقل، والسلوك والخلق، توصل إلى الله مباشرة؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ) (البقرة:222).


    فالله يحبك إن أتيته تائبًا فهلا سارعت بالتوبة كلما بدر منك ذنب؟

    ويحبك إن كنت متطهرًا فهلا اجتهدت في التخلص من النجاسات؟

    والنجاسة: نجاسة البدن، والثوب، وأيضًا القلب، والعقل، وهي تحجب عن الله وتقطع الصلة دونه.

    قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:28)، فنجاستهم معنوية لا حسية؛ لأن المسلمين لم يكونوا يتخلصون من آثارهم ولا يغسلون ما استعمله المشركين فعلم من ذلك أن نجاستهم في أفكارهم وعقائدهم وأخلاقهم؛ فإذا أردت أن تجتنب النجاسة فأولى بك أن تجتنب النجاسة المعنوية ربما قبل الحسية، فتحسن أخلاقك وعقيدتك، وتبعد شبح السوء والتشبه بأهله.

    قال -سبحانه-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) (يونس:100).

    فالنظافة تعني أولاً التخلص من الذنوب، والاجتهاد في التوبة منها؛ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "الذنوب أربعة: ذنبان مغفوران، وذنبان لا يغفران، رجل عمل ذنبًا خطأ فالله يمن ولا يعذبه عليها، وقد قال فيما أنزل: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الأحزاب:5).

    ورجل عمل ذنبًا قد علم ما فيه فتاب إلى الله منه، وندم على ما فعل، وقد جزى الله أهل هذا الذنب أفضل الجزاء، فقال في كتابه: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا ْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135).

    وذنبان لا يغفرهما لأهلهما: رجل قد عمل ذنبًا قد علم ما فيه، فأصر عليه ولم يتب إلى الله منه، ولن يتوب الله على عبد حتى يتوب، ولن يغفر الله لمذنب حتى يستغفر.


    ورجل عمله فرآه حسنـًا؛ قال -تعالى-: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8)، فإن هذه التي يهلك فيها عامة من يهلك من هذه الأمة".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: كيف الطريق إلى أن يحبك الله

    كيف الطريق إلى أن يحبك الله (4-4)



    كتبه/ ياسر عبد التواب



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    ومما يجلب لك محبة الله -تعالى- الاعتراف بنعمة الله، وحمده والثناء عليه، وشكره باللسان والقلب؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا) (رواه مسلم).

    وهذا الشعور بالنعمة هو خصلة عظيمة -تستوجب الشكر أيضًا- فيتبع هذا الشكر عمل يراه العبد المؤمن من شكره لربه بأن يسخر النعم التي منحها لطاعة ربه، وعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ. أَوْ قَالَ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه).

    لقد أخبر -سبحانه- أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)، فهذه غاية الخلق وغاية الأمر فقال: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123).

    ويجوز أن يكون قوله: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ): تعليلاً لقضائه لهم بالنصر ولأمره لهم بالتقوى ولهما معًا وهو الظاهر، كما قال ابن القيم في عدة الصابرين:

    "فالشكر غاية الخلق والأمر، وقد صرح -سبحانه- بأنه غاية أمره وإرساله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله -تعالى-: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:151-152)، قالوا: فالشكر مراد لنفسه، والصبر مراد لغيره، والصبر إنما حمد لإفضائه وإيصاله إلى الشكر؛ فهو خادم الشكر، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).

    وثبت في المسند والترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ -رضي الله عنه-: (يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ) فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ: (أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)، وقال ابن أبي الدنيا: عن هشام بن عروة قال: كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

    وذكر أيضًا عن يحيى بن عطارد القرشي عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يرزق الله عبدًا الشكر فيحرمه الزيادة) لأن الله -تعالى- يقول: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم:7).

    وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابًا"، ولهذا كانوا يسمون الشكر (الحافظ)؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، و(الجالب)؛ لأنه يجلب النعم المفقودة، وذكر ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"، وقال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله"، وكان يقال: "الشكر قيد النعم" انتهى من عدة الصابرين.


    وقد أمر الله -تعالى- نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11)، والله -تعالى- يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال، وقال علي بن الجعدي: "سمعت سفيان الثوري يقول: إن داوود -عليه الصلاة والسلام- قال: الحمد لله حمدًا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، فأوحي الله إليه: يا داود أتعبت الملائكة".


    فهلم نكن من الشاكرين حتى ننال رضا رب العالمين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •