الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

أما بعد؛
فهذا مختصر رسالة المحجة في سير الدلجة لابن رجب الحنبي - رحمه الله - المتوفى سنة 795.
وقد التزمت بما يلي في الاختصار:
أولاً: نقل عبارات المصنف كما جاءت إلا فيما اقتضاه المقام.
ثانياً: عملت المختصر على شكل نقاط.
ثالثاً: اختصرت ما شرحه المؤلف معتمدا فقط على ما صح من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أما ما اعتمد على الضعيف منها فلم أنقله في هذا المختصر لأن الغرض هو العمل بالحديث. والله من وراء القصد.


النص:
شرَح المصنف في هذه الرسالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن ينجي أحدًا منكم عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيءٌ من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا).

وفي لفظ: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة). وهذان الحديثان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري من حديث عائشة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا وأبشروا؛ فإنه لا يدخل الجنة أحدا عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يغمدني الله بمغفرة ورحمة). ومن حديثها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ).

وفي هذا الحديث فوائد:
1- عمل الإنسان لا يُنجيه من النار ولا يدخله الجنة وإنما ذلك كله يحصل بمغفرة الله ورحمته.

2-
في معنى الباء في قوله صلى الله عليه وسلم (بعمله) قولان:
الأول: برحمته ولكن انقسام المنازل بحسب الأعمال.
الثاني: أن الباء المثبتة هي باء السببية. والمنفية المقابلة. وبيَّن أن العمل وإن كان سببا لدخول الجنة فإنما هو من فضل الله ورحمته.

3-
أن الجنة والعمل من فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين ولهذا يقول أهل الجنة عند دخولها: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 43]. فلما اعترفوا لله بنعمته عليهم بالجنة وبأسبابها من الهداية، وحمدوا الله على ذلك كله جُوزُوا بأن نُودوا ﴿ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43] فأضيف العمل إليهم وشُكروا عليه.

4-
مضاعفة الحسنات إنما هي من فضل الله عزّ وجلّ وإحسانه، حيث جازى بالحسنة عشرا ثم ضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وهذا مأخوذ من معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لن يَدخل أحدٌ الجنة بعمله). فمن أراد الله سعادته أضعف الله له حسناته حتى يستوفي منها الغرماء، ويبقى له ما يدخل بها الجنة ومن أراد الله شقاوته لم تضاعف حسناته كما تضاعف لمن أراد الله سعادته فيدخل النار؛ فهذا من عدله وذاك من فضله. فلا نجاة للعبد بدون المغفرة والعفو والرحمة والتجاوز.

5- وأن العمل وإن عَظُم فإنه لا يستقل بنجاة العبد ولا يستحق به على دخول الجنة، ولا النجاة من النار. وحينئذ فيفلس العبد من عمله، وييأس من الاتكال عليه ومن النظر إليه وإن كثر العمل وحسن فكيف بمن ليس له كثير عمل وليس له عمل حسن. فإن هذا ينبغي أن يشغله الفكر في التقصير في عمله، ويشتغل بالتوبة من تقصيره، والاستغفار منه.

6- على المؤمن أن يقطع نظره عن عمله بالكلية، وأن لا ينظر إلا إلى فضل الله ومنته عليه.

7-
على المؤمن الطالب للنجاة من النار والدخول للجنة أن يطلب ذلك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضاه ومحبته. فيبحث عن خصال التقوى وخصال الإحسان التي شرعها الله في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والتقرب بذلك إلى الله عزوجل فإنه لا طريق للعبد يصله إلى رضى مولاه وقربه ورحمته وعفوه ومغفرته سوى ذلك.

8-
ومن الأعمال التي يحبها الله تعالى (ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلا)؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن قطع العمل كما قال لعبد الله بن عمرو بن العاص (لاتكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل).

9- ومن الأعمال التي يحبها الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير دون ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير قال تعالى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (يسروا ولا تعسروا). وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من عزم على التبتل والاختصاء وقيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن كل ليلة فقال: (ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني).؛ وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا) وهو التوسط في العبادة بين الإفراط والتفريط فهما كلمتان بمعنى واحد أو متقارب.

10- ليست الفضائل بكثرة الأعمال البدنية، لكن بكونها خالصة لله عز وجلّ، صوابا على متابعة السنة وبكثرة معارف القلوب بالجوارح.

11- أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم لم يسبقوا من بعدهم بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بسلامة صدورهم والنصيحة للأمة وصدق نياتهم وتعلق قلوبهم بالآخرة وإعراضهم عن الدنيا.

12- أفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان.

13- وقد جاء في هذا الحديث أوقات السير إلى الله تعالى وهي آخر الليل وأول النهار وآخره وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة). وقد ذكرها الله عز وجل في كتابه ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾ [الإنسان:25، 26].

14-
فأول النهار وآخره يجتمع فيهما عمل واجب وآخر تطوع؛ فأما العمل الواجب فهو صلاة الصبح وصلاة العصر وهما البردان اللذان من حافظ عليها دخل الجنة. فأما عمل التطوع فهو ذكر الله بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

15- والوقت الثالث هو وقت الدلجة والإدلاج هو سير آخر الليل والمراد في الحديث هو عمل آخر الليل وهو وقت الاستغفار كما قال تعالى ﴿ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17].

16-
وفي تكرير أمره صلى الله عليه وسلم بالقصد إشارة إلى المداومة عليه؛ فإن شدة السير والاجتهاد مظنة السآمة والانقطاع، والقصد أقرب إلى الدوام.

17-
فغاية السير يوصل المؤمن إلى ربه ومن لا يعرف الطريق إلى ربه لم يسلك إليه فيه؛ فهو والبهيمة سواء.

18-
والطريق إلى الله هو سلوك صراطه المستقيم، الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه وأمر الخلق كلهم بسلوكه والسير فيه.

19-
والوصول إلى الله نوعان: أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة. فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته؛ فإذا عرفته أحبته وأَنست به، فوجدته منها قريبا ولدعائها مجيبا. وأما الوصول الأخروي فالدخول إلى الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه على تفاوت في الدرجات.

20-
فإن الصراط المستقيم في الدنيا يشمل ثلاث درجات: درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان. فمن سلك درجة الإسلام إلى أن يموت عليها منعته من الخلود في النار، ولم يكن له بد من دخول الجنة وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه. ومن سلك على درجة الإيمان إلى أن يموت عليها منعته من دخول النار بالكلية. ومن سلك على درجة الإحسان إلى أن يموت عليها وصل بعد الموت إلى الله ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26].

21-
فقيمة كل امرئ ما يطلب؛ فمن كان يطلب الله فلا قيمة له من طلب الله فهو أجلّ من أن يقوّم، ومن طلب غيره فهو أخس من أن يكون له قيمة.

22-
وفي سير العباد لزم التنبيه على ما يصير هباء منثورا من الأعمال:
النوع الاول: أن يكون له أعمال يرجو بها الخير فتصير هباء منثورا وتبدل سيئات. قال تعالى ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
النوع الثاني: وقريب من هذا أن يعمل الإنسان ذنبا يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه. قال تعالى ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].
النوع الثالث: وأصعب من هذا من زين له سوء عمله فرآه حسنا. قال تعالى ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].
النوع الرابع: الرياء.
النوع الخامس: من عمل أعمالا صالحة وكانت عليه مظالم فهو يظن أن أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب؛ فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار.
النوع السادس: وقد يكون له سيئات تحبط بعض أعماله وأعمال جوارحه سوى التوحيد.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.









رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/1073...#ixzz7cwjB4d1n