أحوال المأموم مع الإمام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُون).

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ، ولا بالانصراف ، فإني أراكم أمامي ومن خلفي).
وقد جاء في معنى هذا النصِّ الكثير من نصوص السنة المؤكِّدة على وجوبِ متابعة الإمام، وأن الواجب على المسلم أن يلتزم بحركة إمامه، غير ما يخل بالصلاة، كالزيادة أو النقص، فالحكم هنا يختلف، كما سيأتي بيانه، وما سوى ذلك، فالواجب متابعة الإمام، إلا أن أحوال الناس مع الإمام لا تخرج عن أربعة أقسام، وهي إجمالا: سبق، وتخلف، وموافقة، ومتابعة، وهي إليك على التفصيل:

الأول: السبق، كأن يسبق المأموم إمامه، في ركوع أو سجود أو قيام ونحوه، فهذا فعل محرم، وقد ورد في ذلك وعيد شديد ، ففي صحيح مسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا يَأْمَنُ الَّذِى يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِى صَلاَتِهِ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ فِى صُورَةِ حِمَارٍ »، وهذا وعيد وزجر شديد، على من سبق الإمام، برفع رأسه قبله، من سجود أو ركوع ونحوه.
وهل تصح صلاة من سَبَقَ إمامَه أم لا؟ فالجواب إن كان السبق بتكبيرة الإحرام، فهذا لم تنعقد صلاته أصلا، سواء كان عامدا أم جاهلا، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا كبَّر فكبِّروا ولا تكبروا حتى يكبر ) فعليه أن يخرج، ويعيد تكبيرة الإحرام، ثم يتابع إمامه فيما بقي من الصلاة.
أما إن كان قد سبق الإمام بغير تكبيرة الإحرام، فإن كان قد سبقه عمدا، فهذا صلاته باطلة.
وإن كان عن جهل أو سهو وغفلة، فصلاته صحيحة، مع كون الواجب الانتباه في الصلاة.
الثاني: التخلُّف، وهو التأخُّرُ عن متابعةِ الإمام، فهو مقابل للسبق، بأن يتأخر عن الإمام في المتابعة، إما أن يتأخر عن الإمام، والإمام مازال في الركن، أو يتأخر حتى ينتقل الإمام إلى ركن آخر، وله حالتان:
فإن كان لعذر، فالصلاة صحيحة بكل حال، وعلى المأموم أن يتابع الإمام، وتصح صلاته.
أما إن كان عن عمد فصلاته باطلة على الأرجح من أقوال أهل العلم، إلا إن كان الإمام مازال في الركن -وهو التخلُّف في الرُّكن- فانتقل المأموم حتى أدرك الإمام في نفس الركن، فصلاته صحيحة، كأن يتأخر عمدا عن الركوع مع الإمام، حتى يبقى شئ يسير في ركوع الإمام، فيركع المأموم، ويدرك الإمام، فهذا تصح صلاته، مع الكراهة.
أما إن كان التخلف بالركن، كأن يتأخر عن الإمام حتى ينتقل إلى ركن آخر، فالفقهاء يفرقون بين الركوع والسجود، والصحيح أن من تأخَّر عمدا عن إمامه حتى انتقل إلى ركن آخر، فصلاته باطلة، لعموم النهي، ولأن تصحيح الصلاة والحال كذلك مضادة لنهي الشارع الصريح في هذا الباب.
الثالث: الموافقة، وهي موافقة الإمام ، إما في الأقوال أو في الأفعال.
فإن كانت في الأقوال، فإن كانت في تكبيرة الإحرام، فإن كبرت قبل الإمام أو معه، فلا تنعقد صلاتك، بل لابد أن تكبِّر بعد انتهائِه من التكبير نهائيا.
وإن كانت الموافقة في التسليمِ من الصلاةِ، فإن العُلماءَ نصُّوا على كراهةِ ذلك، لكن السُّنة أن تنتظرَ حتَّى يسلِّمَ التسليمتين ثم تسلِّم، وما سوى ذلك من الأقوال، فلا تضرُّ الموافقة فيها.
أما الموافقةُ في الأفعال، كأن يوافقَ الإمام في هَوِيِّه للرُّكوعِ أو السُّجُودِ، أو الرَّفعِ منهما، فهذا مخالف للهدي النبوي، حيث كانت السُّنة في المتابعةِ لا الموافقةِ، وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العلم إلى كراهةِ ذلك، لمخالفته للأمر، حيث قال: (فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا).
الرابع: المتابعة، وهي السُّنة، وهي ما يجبُ أن يحافظَ عليه المأمومُ مع إمامِهِ، وبيانُها ما ورد في الصحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه) لم يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجداً، ثم نَقَعَ سجوداً بعدَه.
بمعنى أن السُّنة في متابعةِ الإمامِ أن تنتظرَ حتى ينتقلَ إلى الرُّكنِ المنتَقَل إليه انتقالا تاما، ثم تنتقلَ إليه.
تنبيه:
إن كان يترتب على متابعة الإمام بطلان الصلاة، كأن يقوم الإمام لركعة زائدة، والمأموم يعلم أنها زائدة، فهنا يجب على المأموم تنبيه إمامه، ولا يجوز له أن يقوم معه، لما يترتب عليه من زيادة في الصلاة عمدا، وهذا لا يجوز، بل يجلس وينتظر الإمام ثم يسلم معه، فإن قام معه مع علمه بالزيادة بطلت صلاته.
وكذلك إذا نقص الإمامُ من صلاتِه، وعلم المأمومُ وجبَ عليه أن ينبِّه الإمام، فإن أجابه، فبِها، وإلا وجب عليه أن يتم صلاته، ولو خالف الإمام، فإنما وجب متابعة الإمام من أجل كمال الصلاة وصلاحها، فإن كان يترتَّب على المتابعة إبطالُ الصلاةِ بزيادةٍ أو نقصٍ متعمَّدَيْن، فلا يجوز إذن.مسألة هامة: هل ينتظر المأموم حتى يكبر الإمام أم ينتقل بمجرد انتقاله؟
فإن المأموم له في هذا الأمر حالان: الأولى: إن كان المأموم يرى الإمام، فإن المسنون له الانتقال بمجرد انتقال الإمام للركن على وجه الكمال، فإن أتمَّ الإمام الركوع أو السجود، سُنَّ للمأموم أن ينتقل، ولو تأخر التكبير أو التسميع، وهذا من الأخطاء المنتشرة بين الناس، وهو أن المأموم ينتظر الإمام ليكبر أولا، وهو محض خطأ، ما دام أنه يرى الإمام قد انتقل، والتأخير في ذلك مذموم؛ لأنه نوع من مخالفة الإمام والتأخر عنه، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه عليه وسلم: ( وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) فجعل الحكم منوطا بالانتقال، وليس بالنطق بتكبيرات الانتقال.وكما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قالَ: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا قالَ: "سَمِعَ اللهِ لِمَن حَمِدَهُ" لَمْ يَحْنِ أحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حتَّى يَقَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ". فجعل الحكم منوطا بالانتقال، وليس بالتكبير، فمجرد أن يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض، يسجد الصحابة رضي الله عنهم، بقطع النظر عن نطقه بالتكبير. ومن الناحية العقلية، فإنه لو كان الحكم منوطا بنطق الإمام بالتكبير، فلربما أوقع في مفسدة، وهي ما إذا كان الإمام يبكر بالتكبير، فإن الناس سيوافقونه في السجود والركوع والرفع منهما والتسليم ونحوه، وهذا خلاف السنة، بل مكروه.الحال الثانية: إن لم يكن المأموم يرى الإمام، كما هو حال أكثر المأمومين، فإن علم أن إمامه لا يكبر إلا قرب وصوله إلى الركن المُنتقَل إليه، فإنه ينتقل بعد قوله.وإن علم أن الإمام يبكر بالتكبير، فلينتظر حتى يغلب على ظنه وصول الإمام إلى الركن التالي.وإن جهل حال الإمام، انتقل بمجرد سماع تكبير الإمام.
تلك السنة، والمحافظة عليها واجب كل مسلم، والله تعالى أعلم

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي