خصائص فنية في القصة الأدبية


د. محمد بن سعد الدبل





إذا كان ثمَّة خصائص فنية أخرى مما يلحُّ على توافره في القصة الأدبية نُقَّاد الأدب ودارسوه كوقفتهم عند البناء الشعوري: العاطفة، والخيال، والفكرة، والصورة الأدبية، فإن القصص النبوي الكريم عامر بهذه الخصائص الفنية.

فالعاطفة النبوية النابعة مِن نفس محمد الزكية، وروحه الطاهرة، وإحساسه العميق عاطفة جياشة صادقة مشبوبة لا يُثيرها إلا حبُّ الخير، وعامل الشفقة على الأمة الإسلامية، بل على الإنسانية جمعاء، عاطفة تأخذ بمجامع القلوب المؤمنة الحيَّة، وتأسر النفوس المنقادة بحب الخير والعطاء الإنساني مِن خلال الكلمة الأدبية المعبِّرة، وبخاصة كلمات القصة النبوية؛ فهي قطعة نثرية بديعة "تحوي رائع التجارب في موضوعات متنوِّعة، تُعطي ذخيرة حية تمدُّ الأدب والأدباء، وتفتح لهم آفاقًا واسعة بعيدة المدى في أعماق التاريخ والحضارة والوجود الإنساني والكوني في الماضي والمستقبل، وتتيح لهم بكل ذلك أن يُضيفوا إلى تجاربهم تجارب أخرى؛ مما يُعطي الأعمال الأدبية - والقصصية بشكل خاص[1] - لونًا فنيًّا بديعًا في الإطار والمضمون، ولا غرو في ذلك؛ لأنه كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هو إلهام وإبداع لا يخلولق أبد الدهر.

وإذا تأمل الناظر في عنصر الخيال في الأدب النبوي الخالد فإنه سيجد من الخصائص الفنية لهذا العنصر مثل ما تحمله العاطفة؛ من حيث العمق، والبعد، والتحليق في آفاق الكلمة الأدبية المعبِّرة مِن غير جنوح إلى التهويمات والتخيُّلات الكاذبة التي يُمليها تكلُّف الصنعة مِن خلال زخرُف القول والبُعد في أغوار المدلول المعنوي للفظة، باستعمال شواذِّ اللغة الداعية إلى التقعير والتكلف.

ولذلك قلَّ في كلامه - صلى الله عليه وسلم - استعمال اللون المجازي ما لم تدعُ الحاجة إليه، ومن هنا فقد عريت قصته - صلى الله عليه وسلم - عن الثلاثة من بني إسرائيل، قد عريت عن المجازات اللفظية التي كثيرًا ما يَجنح إليها الأدباء للاستعانة بها في رسم الصورة الأدبية، حتى ليكاد الكثير منهم أن يغرق في هذا الأسلوب إلى أن يُفضي بعبارته إلى التعمية والإلغاز، وتلك عاقبة التفريط.

بل إن الخيال في القصة النبوية كثيرًا ما يتحقَّق على الصفة التي ترضي الذوق الأدبي، وتحلِّق بالنفس الإنسانية من خلال ما يتسع له المعنى النبوي، من غير أن يكون للألفاظ تأثير في رسم أبعاد هذا الخيال، كما في هذه القصة: قصة الثلاثة من بني إسرائيل، ويكاد هذا الأسلوب البديع أن يكون مما اختصَّ به كلامه - صلى الله عليه وسلم.

أما الفكرة فحسب الناظر أن يتملاها في كل عبارة مِن كلامه، سواء في الحديث المرويِّ بالسند عن حكم مِن الأحكام، أو في الخطبة، أو في الرسالة، أو في العهود، فإنها تتجلى للناظر في سهولة ويُسْر حتى يدرك الغرض من الكلام النبوي، ويعرف المراد منه في أول لفظة أو جملة أو عبارة من النص الذي يقرؤه.

وأما الصورة الأدبية في كلامه - صلى الله عليه وسلم - فإنها الصورة ذات الأبعاد التي يحدِّد إطارها ويَحكمها إلهام النبوَّة وتفجُّر البلاغة والفصاحة إطنابًا وإيجازًا، وحسبنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((واختصر لي الكلام اختصارًا)).

ويكفي في التعرف على ملامح الصورة الأدبية في القصص النبوي أن القصة النبوية ترسم الصورة للمتلقي وفق إطار يشع مِن "نور الله"، فتتلاحم الصور لتواجه قوى الشر التي تحاول إبعاد الإنسانية عن فطرتها وإيمانها بما تقدمه تلك القوى من ألوان الأدب النابع من تصورات مُنحرِفة مشوَّهة[2]، ونجد في أعمال كثير من الأدباء المعاصرين الذين اصطبَغ عطائهم الأدبي بصبغة إسلامية مكَّنت له التأثير والذيوع والانتشار، وبخاصة في مجال القصة والشعر مما سنقف عليه مِن خلال إيراد عدد مِن النصوص البديعة في هذين اللونين من الأدب الإسلامي، نجد الصورة الأدبية المرسومة بحدٍّ مرسوم.


ولقد كثرت القصص الإسلامية المعاصرة كثرةً يحتاج معها في طريقة الاختيار والدراسة إلى مزيد من التأني، ومن هنا سأقتصر على إيراد ثلاث من القصص الروائية، إحداهن للأديب الإسلامي: "نجيب الكيلاني"، والثانية للأديب المسلم: "أحمد بدوي"، والثالثة للكاتبة الإسلامية: "عزيزة الإبراشي".



[1] القصص في الحديث النبوي، ص: 399.

[2] المصدر السابق، ص: 400.