نعمة الإسلام



الشيخ: عبدالمتعال محمد علي





منّ الله علينا بنعمة عظمى، تفيض خيرًا يعم القاصي والداني، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، الفرد والمجتمع ألا إنها نعمة الإسلام قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153). وإنما نبتت هذه النعمة العظيمة والجزيلة من الله عزوجل، وزرع شجرتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونماها حتى أثمرت أمَّة بالغة الشأن، عالية القدر قال -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران: 164).

إنَّ أمَّة الإسلام يمتد ظلها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً؛ لأنها تعيش في ظلال دين عالمي، يهدي الناس إلى النور، وتستمر دعوته إلى قيام الساعة قال -جل شأنه-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقال -جل شأنه-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).

وهذا الدين الحنيف جاء لإنقاذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن الآفات الاجتماعية إلى سراج الأخلاق الحسنة، والقيم النافعة، والسلوك المستقيم، قال -جل شأنه-: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: 151: 152).

ولا شك أنَّ ما حواه هذا الدين من عقيدة صحيحة ومبادئ سامية، وأخلاق مستقيمة، وأحكام تنظم حياة الفرد والمجتمع، لكفيلة أن تجعل الأمة الإسلامية سيدة الأمم، ورائدة المجتمعات، ترفرف عليها أعلام الحرية، والرخاء، والسلام والأمن فتصبح قوية الجانب شديدة البأس، آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، قال -سبحانه-: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج: 41).

ويوم أن تمسكت الأمة الإسلامية بالإسلام شريعة، وعقيدة، وأخلاقا، ومعاملة سادت على الأمم وبلغت شأواً عظيماً، واتسعت رقعتها، وكثرت دولها، وشمل سلطانها الشرق والغرب، فكانت بحق خير أمة قال -جل شأنه-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).


وظلت الأمة الإسلامية هكذا أمدًا من الزمن شامخة عالية الجانب، يهابها عدوها، خوفًا من قوة شوكتها، وكثرة عدتها وعددها، إلا أنه انسلخ بعض منها؛ فتفرقوا، وانصرفوا عن الطريق السوي فضلوا الطريق، وما نراه في واقعنا المعاصر يدعو إلى التأمل، وإمعان النظر في سبل إرجاع مجدنا التليد، ولن يكون ذلك إلا بأن تكون حياتنا منبثقة من الإسلام فنتخذه شرعةً ومنهاجًا، وهاديًا يرشدنا إلى سبيل الرشاد، وليس هذا ببعيد، قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران: 103).