تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام



    مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام (1)









    كتبه/ نصر رمضان


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإنَّ الرجل العظيم كلما ارتفع إلى آفاق الكمال؛ اتّسع صدره وامتدّ حلمه، وتطلّب للناس الأعذار، والتمس لأخطائهم المسوغات، وأخذهم بالأرفق مِن حالهم, فالشجرة الطيبة تطرح ثمارًا طيبة، والشجرة الخبيثة تطرح ثمارًا خبيثة، وقد قيل: "مِن ثمارهم تعرفهم، وهل تَجْني مِن الشوك عنبًا، أم مِن العوسج تينًا؟!".

    ومِن هؤلاء العظماء, أصحاب النفوس الكبيرة, الإمام الرباني، مفتي الأمة، وبحر العلوم، وسيد الحفاظ، فريد عصره, بركة الأنام، وعلامة الزمان، وترجمان القرآن، عَلَمُ الزهاد، وقامع أهل البدع والعناد، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس, أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين بن تيمية الحراني، نزيل دمشق، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها.

    قال ابن سيد الناس: "كاد يستوعب السنن والآثار حفظًا؛ إِن تكلم فِي التفسير فَهُوَ حامل رايته، وإن أفتى فِي الفقه فَهُوَ مدرك غايته، أَوْ ذاكر بالحَدِيث فَهُوَ صاحب علمه، ذو روايته، أَوْ حاضر بالنِّحَل والملل لَمْ يُرَ أوسع مِن نحلته، ولا أرفع مِن درايته، برز فِي كُل فن عَلَى أبناء جنسه!".

    وقال الذهبي: "ما رأت عيني مثله, ولا رأى هو مثل نفسه".

    وقال ابن دقيق العيد: "لما اجتمعتُ بابن تيمية رأيتُ رجلاً العلوم كلها بيْن عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد!".

    وقال أبو البقاء السبكي: "والله ما يُبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى؛ فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به".

    قال ابن القيم: "علِم الله، ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع كل ما كان فيه مِن ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه مِن الحبس والتهديد والإرهاق، وهو -مع ذلك- مِن أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرِّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه, وقد شاهدتُ مِن قوته، وكلامه، وإقدامه، وكتابه أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم مِن التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر مِن قوته في الحرب أمرًا عظيمًا.

    ورأيته في المنام؛ وكأني ذكرتُ له شيئًا مِن أعمال القلب؛ وأخذت في تعظيمه ومنفعته، فقال: "أما أنا، فطريقتي: الفرح بالله، والسرور به", أو نحو هذا مِن العبارة، وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره، وينادي به عليه حاله, وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقتْ بنا الأرض؛ أتيناه؛ فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه؛ فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة. فسبحان مَن أشهد عباده جنته قبْل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم مِن روحها ونسيمها وطيبها، ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها".

    وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: "وددتُ أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قط، وكان يدعو لهم!".

    وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له؛ فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام مِن فوره إلى بيت أهله فعزاهم, وقال: "إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه -ونحو هذا مِن الكلام- فسُرُّوا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله، ورضي عنه.


    وكان يقول كثيرًا: "ما لي شيء ولا مني شيء، ولا فيَّ شيء", وكان إذا أُثْني عليه في وجهه، يقول: "والله, إني إلى الآن أُجدِّدُ إسلامي، وما أسلمتُ بعد إسلامًا جيدًا!".

    يتبع -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام



    مختصر الكلام في مناقب شيخ الإسلام (2)









    كتبه/ نصر رمضان

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    قال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهما الله-: "وحضرتُه مرة، صلى الفجر ثم جلس يذكر الله -تعالى- إلى قريبٍ مِن انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَ الغداء، سقطت قوتي!".

    وقال لي مرة: "المحبوس: مَن حُبس قلبه عن ربه -تعالى-، والمأسور مَن أسره هواه, ولما دخل إلى القلعة، وصار داخل سورها، نظر إليه وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (الحديد:13)".

    وقال: "وشهدتُه إذا أعيته المسائل، واستصعبت عليه؛ فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجأ إليه، واستنزال الصواب مِن عنده، والاستفتاح مِن خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ, ولا ريب أن مَن وُفق لهذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقةٍ وقصد؛ فقد أعطي حظه مِن التوفيق, ومَن حُرِمَه؛ فقد منع الطريق والرفيق!".

    وقال ابن فضل الله العمري: "اجتمع عليه عصبُ الفقهاء والقضاة بمصر والشام، وحشدوا عليه خيلهم ورجلهم؛ فقطع الجميع، وألزمهم الحجج الواضحات أيّ إلزام، فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام".

    ومع ذلك قال -رحمه الله-: "وأنا والله مِن أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر... وإقامة كل خير، وابن مخلوف لو عمل مهما عمل, والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه, ولا أعين عليه عدوه قط, ولا حول ولا قوة إلا بالله, هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور, فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بيْن المؤمنين, ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين, ولو كنتُ خارجًا لكنتُ أعلم بماذا أعاونه، لكن هذه مسألة قد فعلوها زورًا, والله يختار للمسلمين جميعهم ما فيه الخيرة في دينهم ودنياهم, ولن ينقطع الدَّوْرُ, وتزول الحيرة, إلا بالإنابة إلى الله والاستغفار والتوبة وصدق الالتجاء, فإنه -سبحانه- لا ملجأ منه إلا إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!".

    وقال -رحمه الله-: "هذا وأنا في سعة صدر لمَن يخالفني, فإنه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية؛ فأنا لا أتعدى حدود الله فيه, بل أضبط ما أقوله وأفعله, وأزنه بميزان العدل, وأجعله مؤتمًا بالكتاب الذي أنزله الله, وأجعله هدى للناس, حاكمًا فيما اختلفوا فيه!".

    وقال -رحمه الله-: "فلا أحب أن يُنتصر مِن أحدٍ بسبب كذبه عليَّ أو ظلمه وعدوانه, فإني قد أحللتُ كل مسلم, وأنا أحب الخير لكل المسلمين, وأريد لكل مؤمن مِن الخير ما أحبه لنفسي, والذين كذبوا وظلموا؛ فهم في حل مِن جهتي, وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم, وإلا فحكم الله نافذ فيهم, ولو كان الرجل مشكورًا على سوء عمل؛ لكنتُ أشكر كلَّ مَن كان سببًا في هذه القضية؛ لما يترتب عليه مِن خيري الدنيا والآخرة, لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه, الذي لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له".

    قال ابن مخلوف: "ما رأينا مثل ابن تيمية، حرّضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا!".


    فرحمة الله وبركاته على هذه الأنفس التي:

    تـحـيـا بهم كل أرض يـنـزلـون بهـا كـأنـهـم في بـقــاع الأرض أمـطـار

    وتشتهي العين فيهم منظرًا حـسنـًا كـأنـهـم في عيـون الـنـاس أزهــار

    ونـورهـم يهـتـدي الساري برؤيتـه كـأنـهـم فـي ظــلام الـلـيـل أقــمــار

    لا أوحـش الـلـه ربعـًا مِن زيارتهـم يا مَن لهم في الحشا والقلب تذكار



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •