وقفة محاسبة









كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18).

فيا أخي.. اعلم أن قوله -تعالى-: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ): هو أمر بالمحاسبة للنفس على ما قدمت لغدها المنتظر.

فها هي أيام العمر قد انقضى منها ما انقضى، وها هي أيام رمضان قد انقضى منها أكثر من ثلثها. فماذا قدمت فيها ليوم الحساب؟ وهل حاسبت نفسك على ما قدمت؟!

أخي.. اعلم أن المحاسبة هي:

ـ أن ينظر المسلم في فرائضه الواجبة عليه، كنظر التاجر إلى رأس ماله.

ـ وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال.

ـ وينظر إلى المعاصي والذنوب، كالخسارة في التجارة.

ـ ثم يخلو بنفسه ساعة من آخر كل يوم، يحاسب فيها نفسه على عمل يومه.

ـ فإذا رأى نقصًا في الفرائض والواجبات، لامها ووبخها، وقام إلى جبره في الحال، فإن كان مما يُقضى قضاه، وإن كان مما لا يقضى جبره بالإكثار من النوافل.

ـ وإن رأى نقصًا في النوافل، عوَّض الناقص وجبره.

ـ وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي، استغفر، وندم، وأناب، وعمل من الخير ما يراه مصلحًا لما أفسد، هذا هو المراد من المحاسبة للنفس، وهي إحدى طرق إصلاحها، وتأديبها وتزكيتها وتطهيرها.

أخي.. كان سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)(رواه مسلم).

وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا".

وروي عنه: "أنه كان إذا جن عليه الليل، يضرب قدميه بالدرة، ويقول لنفسه: ماذا عملت اليوم؟".

أخي الحبيب: اعلم أن النجاة يوم الحساب متوقفة على المحاسبة للنفس في الدنيا.

قال -تعالى-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)(آل عمران:30).

وقال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47).

وقال -تعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49).

وقال -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (الزلزلة:6).

فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة، وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم، وصدق المراقبة.


فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسرته.
فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.