قال تعالى: “فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا”
قال بن كثير رحمه الله تعالى أي حذرًا من أن تميلوا عن الحق، وتحيدوا عن الصواب،
قال القرطبي في تفسيره : ( ذلك ما كنت منه تحيد ) تميل ، قال الحسن : تهرب وقال ابن عباس : تكره ، وأصل الحيد الميل ، يقال : حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا : إذا ملت عنه.
ومن الأمثلة فى الحيدة فى العقيدة مناظرة عبد العزيز المكى لبشر المريسي
قال عبد العزيز: فحاد بشر عن جوابي وأبا أن يصرح بالكفر فيقول: ليس لله علم، فيكون قد رد نص التنزيل فتتبين ضلالته وكفره، وأبى أن يقول: إن الله علماً، فأسأله عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا؟ وعلم ما أريد، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله وإبطال حجته، فاجتلب كلاماً لم أسأله عنه، فقال: معنى علمه إن لا يجهل. فأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين لا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشيء، وإنما يكون الإقرار بالشيء ثم الخبر عن معناه، فليقر بشر أن لله علماً كما أخبرنا في كتابه، فإن سألته عن معنى العلم وهذا مما لا أسأله عنه فليجبن أن الله لا يجهل، وقد حاد بشر يا أمير المؤمنين عن جوابي.
فقال بشر: وهل تعرف الحيدة؟ قلت: نعم إني أعرف الحيدة في كتاب الله عز وجل وهي سبيل الكفار التي اتبعتها.
فقال لي المأمون:
يا عبد العزيز هل تعرف الحيدة في كتاب الله عز وجل؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين .... فقال: وأين هي من كتاب الله عز وجل.
فقلت:
قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه:
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}
وإنما قال لهم إبراهيم هذا ليكذبهم فيعيب آلهتهم ويسفه أحلامهم
فعرفوا ما أراد بهم،
وإنهم بين أمرين إما أن يقولوا نعم يسمعوننا حين ندعو وينفعوننا ويضروننا،
فيشهد عليهم بلغة قومهم إنهم قد كذبوا.
أو يقولوا لا يسمعوننا حين ندعو ولا ينفعوننا ولا يضروننا فينفوا عن آلهتهم القدرة.
وعلموا أن الحجة لإبراهيم عليه السلام في أي القولين أجابوه عليهم قائمة.
فحادوا عن كلامه واجتلبوه كلاما من غير ما سألهم عنه فقالوا:
{بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}ولم يكن هذا جوابا لمسألة إبراهيم عليه السلام،