ملاحظات في دفع الإشكالات بين آل البيت والصحابة











محمد رفعت أحمد زنجير






يظن فريق من المسلمين أن هنالك حربا خفية بين الصحابة رضي الله عنهم وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تحولت إلى حرب علنية في أيام الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه،، وقد تناولت دراسات كثيرة تفنيد هذا الأمر، مثل كتاب العواصم من القواصم لابن العربي، وغيره، وهاهنا سننعرض بعض الملاحظات التي تؤكد أنهم كانوا مؤمنين إخوة، وأن ما شجر بينهم فيما بعد كان خلافا سياسيا وليس عقديا، وأننا كمسلمين علينا بناء مستقبل واعد يشترك فيه الجميع من دون إقصاء ولا إلغاء بعيداً عن التشاحن والبغضاء، فلا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، وذلك كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.


أولاً: معنى آل البيت

أقرباء الرجل هم أهله وعشيرته، وفي الشريعة والقانون تم وضع درجات للأقرباء، فهنالك:

قرابة الأصول والفروع (الآباء والأبناء) وتكون من الدرجة الأولى للأبوين وكذلك للأبناء، ومن الدرجة الثانية للأجداد والأحفاد...

و قرابة الحواشي وهم من ليسوا في أصول أو فروع الإنسان، وتكون درجة ثانية للإخوة، ودرجة ثالثة للأعمام والأخواال، ودرجة رابعة لأبناء وبنات العمومة والأخوال

وهنالك قرابة المصاهرة ويكون أقرباء الزوجة بنفس درجة القرابة للزوج، والعكس صحيح، فقرابة والد الزوجة بالنسبة للزوج هي من الدرجة الأولى.

وليس بين الزوج وزوجته درجة قرابة فكل منهما يقوم مقام الآخر فكأنهما شيء واحد، قال تعالى : (وخلق منها زوجها) (1)

وعليه عندما نقول أقرباء الرجل فنعني: أصول الرجل وفروعه وزوجاته وحواشيه، وعندما نقول آل بيته فإن معنى آل البيت يعم الآباء والأبناء والزوجات، ولا يعقل أن يعم الأبناء وهم قرابة من الدرجة الأولى ولا يعم الأزواج اللواتي هن سبب وجود الأبناء، وهم بمنزلة نفس المرء في الشريعة والقانون.

ثانياً: شبهة وردها

إذا لم يكن أزواجه صلى الله عليه وسلم من آل بيته كما يزعم بعضهم، فخديجة ليست من آل بيته، وفاطمة عليها السلام ليست من آل بيت علي كرم الله وجهه، فكيف يكون علي من آل بيتها ولا تكون هي من آله؟! هل علي من آل البيت بسبب أنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيستوي بهذا مع ابن عباس مثلا وبقية إخوته، وهذه قرابة من الدرجة الرابعة، أم أنه من آل البيت بسبب المصاهرة فيستوي بهذا مع عثمان؟ وهي قرابة من الدرجة الأولى.

ثالثا: فضائل الشيخين

إذا كان الصهر من الآل، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يُعتبر من آل بيت أبي بكر وعمر وأبي سفيان بسبب المصاهرة، وقرابة الصهر مع أبي الزوجة وأمها هي من الدرجة الأولى، فكيف يشقى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ حاشا وكلا!

والرسول صلى الله عليه وسلم يثق بالشيخين، فقد اختار الصديق رفيقا له بالهجرة، وكانت أسماء ذات النطاقين تحضر لهما الطعام في الغار، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش كما ذكر ابن إسحاق، في حين لم يكن أحد من بني هاشم يعرف شيئا عن تفاصيل هجرته ومخبئه في غار ثور، ولولا ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وأسرة أبي بكر رضي الله عنهم ما جعلهم مخزن سره يوم الهجرة.

رابعاً: إثبات أن الزوجة من الأهل

الزوجة هي بمنزلة النفس عند الزوج، فهي أقرب من الأهل جميعا، وقد أطلق عليها القرآن لفظ الأهل في مواضع عدة، ففي قصة إبراهيم وبشارة الملائكة لززوجه سارة قال تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) (هود/72-73)

وفي قصة يوسف ورد في كلام امرأة العزيز لفظ أهل بمعنى زوجة، قال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يوسف/25).

وفي قصة موسى عليه السلام حين سار ليلا يصطحب زوجته سماها سبحانه أهله، قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ، إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (سورة طه/9-10)

وفي خطابه سبحانه وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهن بالحجاب، سماهن الحق سبحانه أهل البيت، قال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا). (سورة الأحزاب: 32-34).

وليس ثمة ما يشير إلى أن هذه الآيات كانت بحق أحد غير نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يوضح ذلك سياق الآيات، ولو أن نساء الرجل لسن من أهل بيته كما يظن البعض؛ إذاً لانتفى أن تكون خديجة من آل البيت، وانتفى أن تكون فاطمة من آل علي، رضي الله تعالى عنهن جميعاً.

وفي السنة سمى النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة أهله، فقال في شأن عبد الله بن أبي بن سلول في قصة الإفك: (من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا) (مسلم/ 2770).

خامساً حديث العباءة وتأويله

طالما تعد الزوجة من الأهل، فلماذا اقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث العباءة أهل بيته على أربعة فقط ؟

روت عائشة، قالت: خرج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ غداةً وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسنُ بن عليٍ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(2). أليس المراد من آل البيت هؤلاء؟.

قلنا: هذا الحديث يدل على أن فاطمة وأولادها وزوجها علي رضي الله عنهم جميعاً من آل البيت، ولكن لا ينفي أن له أهلاً سواهم، فأهل الرجل هم أزواجه وأولاده وأصهاره، فالآية عامة، والحديث من إطلاق الكل وإرادة الجزء، أي هؤلاء بعض من آل بيتي؛ وإلا فلا يمكن أن تكون البنت من آل البيت دون سواها، ويؤكد ما ذهبنا إليه قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (سورة هود: 73). فالآية نزلت في شأن سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي دعاء من الملائكة لأهل بيت إبراهيم، ولم يكن في هذا البيت إلا إبراهيم وزوجه، فكلمة أهل البيت تدل على أن الزوجة مقصودة في هذه الآية، وهي من آل البيت.

وهذا الحديث يدل على أمانة الصديقة بنت الصديق، إذ رغم خلافها السياسي مع علي ـ رضي الله عنه ـ فقد أقرت بفضله ولم تخف هذا الحديث ولا غيره، رضي الله عن الجميع.

فإن قيل: إذا دخل علي في آل البيت فهل يدخل عثمان؟

والجواب: أن علياً إن دخل كصهر فعثمان يدخل كذلك، لأنه زوج ابنتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإن دخل كابن عم، فإن عثمان من أبناء عمومة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويلتقي معه في النسب، ولكنه من أبناء عبد شمس وليس من أبناء هاشم، فيبعد أن يدخل بهذا الاعتبار، والأولى منه في هذه الحالة أولاد العباس، وأولاد بقية أعمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممن أسلم منهم.

فإن قيل: هل التطهير خاص بآل البيت؟

فالجواب: التطهير عام في المؤمنين، قال تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (سورة الأنفال: 11)، وهذه الآية تحدثت عن التطهير الحسي، وأما التطهير المعنوي فقد جاء في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (سورة التوبة: 103). وقد شهد الله لهم بالسكينة في قلوبهم، وزيادة إيمانهم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (سورة الفتح: 4). فتطهير الله تعالى لصحابة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشبه تطهيره آل البيت، فهم في الطهر بمعناه العام سواء!، وهذا لا يمنع أن يكون بعضهم أطهر من بعض!.

فإن قيل: إن المصدر المؤكد (تطهيراً) يدل على زيادة التطهير لآل البيت.

فالجواب: نعم، لما كان نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متميزات ولسن كأحد من النساء في المنزلة، فقد أمرهن في الآيات الكريمة السابقة بالتقوى والحجاب، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يطهرهن الله بهذه العبادات من الرجس، وهذه الأوامر ليست خاصة بهن، بل هي عامة للمؤمنين أيضاً، كوصية يعقوب لأولاده بعبادة الله وحده، فهي ليست وصية لهم دون سواهم، وإنما تأكيد عليهم لقربهم منه أكثر من غيرهم، والتطهير لنساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو ارتفاعهن بالتقوى والعبادة والحشمة عن بقية النساء، صيانة لبيت النبوة من جهة، ودرءاَ لألسنة الفاسدين من المنافقين الذين يلوكون ألسنتهم بأعراض الناس، ولذلك قال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (سورة النور: 12).

فإن قيل: هل التطهير يعني العصمة؟.

قلنا: معنى طهرت الشي: نظفته، فكيف أنظفه إذا كان نظيفاً؟!. فطالما طهرهم من الذنوب وأدران أهل الجاهلية الأولى؛ فهو لم يعصمهم، وإنما سامحهم، والمعصوم وحده هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المبلغ عن ربه، قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (سورة الفتح: 1-2).

سادسا: قصة المباهلة وآل البيت

قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). (سورة آل عمران: 61).

يلاحظ الجمع: أبناءنا، ونساءنا وأنفسنا، لتشمل جميع المؤمنين أو خيارهم، ولو كان سيدعو امرأة واحدة أو ولداً واحداً لم يجمع، ثم ماذا نعمل بالضمير في أنفسنا؟ هل يتحدث عن نفسه ويجعلها أنفس؟ من المعتاد أن يتحدث المفرد بلغة الجمع، ولكن لا يجمع لفظ يدل على المفرد (نفس) ثم يضيف له (نا) إلا إذا كانت القضية تعني الجميع، ولا تعنيه وحده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويؤكد هذا أن كلمة أنفس جاءت حديثاً للجماعة في القرآن، كما في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُ مْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (سورة الأنعام: 130)، وقال أيضاً: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة الأعراف: 23).

فإن قيل: لما نزلت الآية السابقة، دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) (3) ، فهل هؤلاء وحدهم قد طلبوا للمباهلة؟.

قلنا: الآية تقول نساءنا ولفظ الجمع ليس يفيد امرأة واحدة بعينها وهي السيدة فاطمة... وكذا الشأن في بقية ألفاظ المدعوين كما فصلنا سابقاً، والمراد من الحديث إذاً: هؤلاء أخص آل بيتي، لأن الآية ابتدأت بذكر الأبناء، وقد توفي أبناؤه وبناته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، ولم يبق له إلا فاطمة وأبناؤها رضي الله عنهم، فأمر طبيعي أن يدعوها مع أبنائها وزوجها علي ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ فقد كان بمنزلة أخيه الصغير، وبقول هؤلاء أهل بيتي، ولكن لا يعني هذا حصر آل البيت فيهم دون سواهم، فهو من ذكر لفظ الكل وإرادة البعض، أي هؤلاء بعض أهل بيتي، أو خاصة أهل بيتي، فلا بد من الجمع بين النصوص وفهمها وفق مقتضى لغة العرب!.

والآية السابقة نزلت في شأن نصارى نجران، وقد جاء وفدهم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فدعاهم للمباهلة فتريثوا في أمرهم، ثم رفضوا، وطلبوا من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبعث معهم أحد أصحابه فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، فلم تحدث المباهلة، ولم يدع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض أفراد أسرته دون بعض، ليقال بعد ذلك: هؤلاء فقط آل البيت، والله أعلم.(4)

سابعاً: دفاع الله تعالى عن آل البيت

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (سورة النور:11-12).

قصة الإفك معروفة، وقد دافع الله عن زوجة نبيه عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبرأها مما قيل في حقها من زور وبهتان، ثم أمر الله تعالى المؤمنين بحسن الظن، ونهاهم سبحانه عن الخوض في ما لا علم لهم به، قال تعالى: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)، ثم أعقب ذلك بعدة آيات قوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (سورة النور: 26). وهذه آية عامة، تبين أن الله تعالى أعد لكل زوج ما يشاكله، ولكنها جاءت في سياق قصة الإفك، فهي تأكيد لتبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي طيبة وزوجة النبي الطيب صلى الله عليه وسلم(5)، وقد صان الله جنابها بآياته البينة التي أنزلها في سورة النور، وفي هذا الصدد قال الزمخشري: ".. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) (سورة يوسف: 26). وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه. وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها: إني عبد الله. وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات. فانظر، كم بينها وبين تبرئة أولئك؟! وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم، وخيرة الأولين والآخرين، وحجة الله على العالمين". (6)

ثامناً: لا وراثة للنبوة، وبقاء النسب الشريف من السيدة الزهراء عليها وعلى أبيها السلام

1- قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة الأنبياء: 7).

فالأنبياء جميعاً من الرجال، ومحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خاتمهم، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (سورة الأحزاب: 40). يلاحظ أنه نفى أبوته عن أيٍ من المؤمنين، ثم أعقب ذلك بذكر أنه خاتم النبيين، فلو كان أباً لأحد من الرجال لاحتمل أن لا يكون خاتم النبيين!، يؤيد هذا قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لو عاش إبراهيم لكان صديقاً نبياً). (7)

وعليه فلا وراثة للنبوة، لأن إبراهيم قد مات صغيراً، وجميع الذكور من أولاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ماتوا صغاراً في حياته، والأنبياء من الرجال، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43). والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يخلف رجلاً.

بقيت الوراثة من جهة الملك، وهي منفية عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذلك لأنه عبد رسول وليس بملك رسول.

وقد بقي نسبه الشريف من جهة السيدة فاطمة رضي الله عنها، ونحن نعتقد بطهارة هذا النسب، وللمسلمين أن يختاروا من يحكمهم، فإذا اختاروا رجلاً يجمع حسن العمل وطهارة النسب؛ فذلك شيء حسن!، وقد قيل في فضل الانتساب لآل البيت الأطهار:

من مثلكم لرسولِ الله ينتســـــــــــ بُ

ليت الملوك لهـــــــا من جدكم نسبُ

ما للسلاطين أحســــــــــاب ٌ بجانبكم

هذا هو الشرف المعروف والحسبُ

وإذا اختاروه لعمله فقط فلهم ذلك، وآل بيت النبوة لا يزينهم الملك بل هم يزينون الملك، فإذا جاءهم الملك طوعاً فحباً وكرامة، وإذا لم يأتهم كانوا أزهد الناس فيه، ولذلك تنازل سيدنا الحسن عن الخلافة لمعاوية حرصاً على وحدة الأمة، رضي الله عن الصحابة والآل جميعاً، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

ويؤيد ما ذهبنا إليه من أن آل البيت أكبر شأناً من أن يبحثوا عن مُلْكٍ وسلطان قول ابن عمر للحسين رضي الله عنهما: "إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعةٌ من رسول الله؛ والله ما يليها أحد منكم أبداً؛ وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم". (8)

وفي الإطار نفسه قال ابن عباس للحسين ـ رضي الله عنهما ـ مشفقاً ومحذراً وناصحاً: "يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل االعراق قوم غدر، فلا تغترن بهم...". (9)

وهذا كان شعور معظم الصحابة، فقد كانوا يخافون على الحسين، ويخافون من وقوع الفتن، وفي هذا السياق أيضاً قال عبد الله بن عمرو: "عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح هذا الأمر، وببني هاشم يختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان".(10)

تاسعاً: ونستنتج مما سبق:

أن آل البيت الأطهار هم أشرف الناس، وحبهم واجب، قال الشافعي: (11)

يا آلَ بيت رســــــولِ اللهِ حبُكُمُ

فرضٌ منَ اللهِ في القرآنِ أنزلهُ

يكفيكــــم من عظيمِ الفخرِ أنَّكمُ

منْ لم يصلَّ عليكمْ لا صلاةَ لهُ

ولكنَّ شرفهم العظيم لا يعني تفضيلهم على من سواهم من كبار الصحابة مطلقاً، لأن الله تعالى حدد التفضيل بالتقوى وحدها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات: 13).

ويتكون آل البيت ابتداءً من نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذريته وأحفاده... وقد عاتب الله بعض نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد بينا قصة المباهلة وعلاقتها بآل البيت، وذكرنا كيف دافع الله تعالى عن آل البيت، وتبين أنه لا وراثة للنبوة، فآل البيت ليسوا بأنبياء، وليسوا ملوكاً لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس ملكاً فيورث، بل هو سيد العابدين، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) (سورة الكهف: 1).

وقد وعد الله تعالى نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثواب الآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) (الأحزاب:31). كما وعد الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثواب الآخرة أيضاً، قال تعالى: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) (سورة الضحى: 4). وقد خيره ربه في حياته بين أن يكون نبياً عبداً، أو نبياً ملكاً، فاختار أن يكون: (نبياً عبداً) (12) ، وتحدثنا عن بقاء النسب الشريف من السيدة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها.

* * *

عاشرا: من روى حديث العباءة في فضلهم؟

روى حديث العباءة السيدة عائشة، ولو كان هنالك أية حساسية بين الصحابة وآل البيت لما روت الحديث، ولكنها الصديقة بنت الصديق، وهي (زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة) كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه لمن ذكرها بسوء.

أحد عشر: حديث أزواجه من آل بيته وآل بيته من حرم الصدقة من بعده

يؤكد ذلك ما روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم بالله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

اثنا عشر: الأخذ عن الصحابة

هنالك فرقة من المسلمين تدعي الأخذ عن الأئمة من آل البيت، وهم في الحقيقة إنما يأخذون دينهم عن رواة الأئمة، فكيف ساغ الأخذ عن رواة مجهولين لم يزكهم القرآن؟ ولم لم يأخذوا عن صاحب الدين الذي جاء به مباشرة؟ وكيف جاز الأخذ عن رواة الأئمة وأحوالهم مختلف فيها جرحاً وتعديلاً؟ ولا يأخذون عن رواة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد زكاهم القرآن، وأخذوا عنه صلى الله عليه وسلم مباشرة، ثم هل الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ دينه للناس جميعا، أم بلغ آل بيته فقط؟ إذا كان قد بلغ الجميع فلماذا لا يأخذون دينهم عن الصحابة ويقتصرون على آل البيت؟ هل كان محمد رسولاً لآل بيته فقط؟ حاشا وكلا...

ثلاثة عشر: المآسي أصابت الجميع

المآسي والحروب والعنت لاقاه الجميع من الآل والصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكثر الصحابة قد قتلوا، ابتداء بعمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم جميعاً، والمآسي ليست خاصة بأهل البيت عليهم السلام.

أربعة عشر: المناقب واالفضائل للجميع

فضائل الصحابة وآل البيت كثيرة، فلماذا تأخذ بعض الفرق بحديث الثقلين ولا يأخذون بأحاديث الفضائل الأخرى مثل: ( آية الإيمان حب الأنصار، و آية النفاق بغض الأنصار ). متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي لفظ مسلم (حب الأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق ).

وقوله تعالى في سورة الواقعة عن السابقين (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) والثلة الجماعة الكثيرة. وهي آل البيت والصحابة وسلف الأمة، وقوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى ) وهي في مدح أبي بكر، وأما علي رضي الله عنه فكني بأبي تراب لأنه لا مال لديه، وأحاديث فضائل الصحابة كثيرة جدا، تم شطبها والاكتفاء بالحديث عن فضائل أهل البيت وهذا خلل في المنهج وبعد عن الموضوعية.

خمسة عشر: علاقات متداخلة بين آل البيت والصحابة

آل البيت جزء من الصحابة، لأنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة جزء من آل البيت، لقوله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت) رواه الحاكم في المستدرك والطبراني، وفي ذلك قال أبو فراس:

كانت مودة سلمان له نسبا

ولم يكن بين نوح وابنه رحم

وكل آية تشيد بآل البيت على وجه الخصوص تشمل الصحابة أيضاً على العموم، وذلك لأن الرسول أبٌ لهم جميعاً، قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً) (سورة الأحزاب: 6). فكون أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كالأمهات فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنزلة الأب للمؤمنين جميعاً. (13)

ستة عشر: لماذا لا نتحدث في الفتن؟

أحداث الفتنة الكبرى بين بعض الصحابة وآل البيت، لا ينبغي الخوض فيها لعدم كفاية الأدلة من جهة، وتلك أمة قد خلت هم بين يدي الحكيم الخبير الرحمن الرحيم، وما شجر بينهم يحاسبهم الله عليه ولا يخرج أحدا من الدين، فالمعاصي لا تقتضي تكفير أصحابها، ولا يكفر الصحابة لو أنهم لم يبايعوا عليا لسبب ما، ولم يشتم علي الصحابة، بل ذكر طلحة والزبير بالخير، وصلى على الشهداء من الطرفين، وأغلب الصحابة قضوا شهداء كعمر وعثمان وعلي والحسين رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم، ومن يدري فربما يعفو أهل البيت عمن ظلمهم؟ وقد يعفو الحسين عمن قتله يوم القيامة! فهو من نسل نبي العفو والرحمة الذي قال لقومه الذي أخرجوه وحاربوه ثم صارت رقابهم إليه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، والعفو أكبر من القتل، ولذلك قال المتنبي:

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم

ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

إن أنت أكرمت الكريم تمردا

والعرب أمة من الأحرار، ومحمد سيد الأحرار صلى الله عليه وآله وسلم، وما بنوه إلا شبهه، قال الشاعر:

بأبه اقتدى علي بالكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

سبعة عشر: ملاحظات

1 - لم يكن سيدنا علي رضي الله عنه واثقا من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيختاره خليفة من بعده، وفي حديث جرى بين علي والعباس ما يؤكد ذلك، روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ عَلِيٌّ إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . صحيح البخاري

2- كان شعار الأنبياء والمرسلين: (لا أسألكم عليه من أجر) فالدعوة مجانية، ولو خص سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم آل بيته بالخلافة لربما وجد الطاعنون مستندا من وراء ذلك، فقد يدعون أنه عليه الصلاة والسلام طلب العز والرياسة من وراء دعوته، فلما مات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجعل فيهم الرياسة لم يبق ثمة شبهة في أن دعوته كانت خالصة مخلصة لله تعالى، وأنه لا يريد من حطام الدنيا شيئا سواء له أو لآل بيته من بعده صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - آل البيت أعظم من الملوك، فهم يملكون القلوب، وقد طهرهم الله تعالى من الرجس، فلا يضيرهم أن لا يحكموا، ولا يعزهم أن يحكموا...

4 - عذابات وجراح وآلام آل البيت من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أن تتخذ وسيلة للمتاجرة بها من أجل حيازة الدنيا، وينبغي أن يوحد حب آل البيت جميع المسلمين على البر والتقوى، وينبغي أن لا تتخذ دماء الصحابة وآل البيت وكذلك الصالحين في شعارات هدامة، ولا تكون وسيلة للمقاولين بها، كي يحوزوا الجاه والمناصب باسم آل البيت الصابرين المطهرين الشهداء...

5 - هنالك دول اليوم ترفع شعار محبة آل البيت عليهم السلام، إذا لماذا لا يعينون حاكم من آل البيت؟! ولماذا يجرون انتخابات لاختيار رئيس لهم...؟. وإذا كانت لهم أسبابهم التي تفرض عليهم ذلك، فلماذا لا يعذرون جمهور الأمة إذا اختاروا حكاما من غير آل البيت وهم يفعلون ذلك؟.

6 - هنالك عند بعضهم غلو في آل البيت والصحابة والأولياء والصالحين رضي الله عنهم جميعاً، وهذا لا ينبغي أن يكون، فجوهر العقيدة الإسلامية هو التوحيد، وهو تنزيه الله عن المثل والشبيه والند له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله... وهو سبحانه منزه عن أن يحل في شيء أو يحل فيه شيء، والخلق كلهم عبيده لا شركاؤه، ولا أحد يشفع أو يضر وينفع إلا بإذنه، وقد تم إلصاق بعض الخرافات بأهل البيت والأولياء والصالحين حري أن ينزهوا عنها...

ثمانية عشر: في منهج الحوار

إن منهج الحديث والتأويل جيد، ولكن أحيانا لا يمكن لأي طرف من الفرق الإسلامية أن يقيم به الحجة على الآخر، لأن لكل فرقة رواتها وأسانيدها وكتبها وهي لا تعترف بصحة ما لدى الفرق الأخرى، فلا بد في هذه الحالة من العودة للقرآن والعقل، والقرآن جاء بالشورى لا بالوصاية، وأمر بالتعايش لا بالخصام والتنابذ، ونهى عن الاقتتال والفرقة والغلو وكل أساليب العنف.

وعليه لا بد لنا من العيش تحت ظلال القاعدة الذهبية التي تأمرنا بأن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.

ما أحوجنا إلى الوحدة الإسلامية، وتناسي عذابات وآلام الماضي، وبناء مستقبل مشرق لهذه الأمة يقوم على التعاون والتعاضد والإلفة والمحبة لمشاركة العالم في بناء الحضارة الراشدة وتطويرها وتسديدها. ولئلا تدفع الأجيال من دموعها ودمائها عربون عداوات ومشاحنات وربما حروب طائفية لا تنتهي، وتأكل الأخضر واليابس.

اللهم أصلح أحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام الطيبين، وعلى من تبعهم على الهدى إلى يوم الدين.

====

- انظر: المصدر:

http://alnamoos13.blogspot.ca/2014/07/blog-post.html

https://www.mohamah.net/law/%D9%83%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D8%AF%D8%B1%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7 %D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A %D8%AA%D9%87%D8%A7/

2 - رواه مسلم، مشكاة المصابيح، (3/1731).

3 - رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، انظر: مشكاة المصابيح، (3/1731).

4 - انظر: السيرة النبوية، لابن هشام، (3/3-8).

5 - انظر: تفسير الكشاف، (3/225).

6 - تفسير الكشاف، (3/223).

7 - رواه أحمد وابن ماجه، انظر: فيض القدير، (5/320-321).

8 - البداية والنهاية، (8/162).

9 - المرجع السابق، (8/162).

10 - المرجع السابق، (8/163).

11 - ديوان الشافعي، ص (12).

12 - انظر: مشكاة المصابيح، (3/1622) الحديث رقم: (5835 - 5836).


13 - انظر: تفسير الكشاف، (3/523).