حب النساء









كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)، فكل هذه المحبوبات ترجع إلى الثلاث المذكورات فحب النساء واشتهائهن غريزة أصيلة في البشر، وتأتي كذلك المحبوبات تباعًا؛ فحب البنين هو من الحب للجاه، والباقي من الشهوات تعود لحب للمال.

ولذا ففي شأن النساء قد قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُم ْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) (رواه مسلم)؛ لأن الفتنة بهن قد تصد عن طاعة الله -تعالى-، أو توقع الإنسان في المحرمات، فمعنى الحديث: تَجَنَّبُوا الافْتِتَان بِالدنيا وَبِالنِّسَاءِ، وَتَدْخُل فِي النِّسَاء الزَّوْجَات وَغَيْرهنَّ، وَأَكْثَرهنَّ فِتْنَة الزَّوْجَات، لِدَوَامِ فِتْنَتهنَّ وَابْتِلاء أَكْثَر النَّاس بِهِنَّ، وفي السنة نشير إلى دور أم النعمان بن بشير الذي جاء والده ليخصه بمال لم يعط بقية أبنائه مثله فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) (متفق عليه).

وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن إبليس لقي موسى -عليه الصلاة والسلام- فقال: "يا موسى إن لك علي حقـًا إياك أن تجالس امرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك، ورسولك إليها" انتهى.

ومن ثمَّ قال: (فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) يريد قتل النفس التي أمر بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل، قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته، وقيل يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت؛ لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل، ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء؛ لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته.

عندما يحب الرجل المرأة ويقع أسيرًا لذلك الحب فقد يجره ذلك لإرضائها بما لا يرضي الله -تعالى-، فقد يعق والديه، أو يقطع الأرحام، وقد يسيء الجوار، أو تمتد يده للمال الحرام فهنا يأتي دور المحذور.

ومع هذا فالإسلام لا يقف حائلاً دون محبة المحبوبات، وإنما يهذب تلك المشاعر، ويضبط تلك الشهوات فلا تخرج من إطارها الشرعي فتنفلت إلى الوقوع في المحرمات، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حُبِّبَ إِلَىَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، فذكر النساء... أترى حبب إليه ما يبعده عن ربه؟! لا والله، بل حبب إليه ما يقربه من ربه.


ولقد أوصى رسول الله بالنساء خيرًا، وأخبر أن إيذائهن ليس من فعل الأخيار؛ فحب النساء ليس عيبًا في ذاته، بل فيما يجر إليه إن لم يضبطه العاقل الحصيف.