الى ابنتي لمى:
قد ميز الله سيدنا داود بالقضاء بين المتخاصمين, فقد علمه الله "الحكمة وفصل الخطاب"
.
ومع ذلك ولأن الله يريد به الخير, امتحنه, فاخطأ في عمق تخصصه "القضاء" الذي يتميز به عن بقية خلق الله, انبياء وغيرهم.
.
وسيدنا داود كان خطؤه العَجَلة, ولكنه ادرك خطأه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ.
.
وأظنك لو كنت مكانه فأتاك خصمان, أحدهما يملك 99 نعجة والآخر نعجة واحدة, وتحدث أولاً صاحب النعجة الواحدة, فما يسمى قانون التحيز النفسي ومع صراخ صاحب النعجة, سيجعلك تحكم له قبل أن تستمع للطرف الثاني! على الأقل في قرارة نفسك!
.
لخصت الآيات الكريمة كل ماحدث, وهي بالنسبة لي من الآيات المفسرة لنفسها.
فهو قد ميزه الله بالحكمة وفصل الخطاب:
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
ثم يخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
إذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
فتأمل, تحدث صاحب النعجة الواحدة أولاً:
إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
وعندما انتهى صاحب النعجة من كلامه, اندفع سيدنا داود ولم ينتظر, فقد صدقه وحكم ووعظ ووصف أحوال بعض الناس قبل ان يستمع للطرف الثاني:
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
انتبه لخطئه, واستغفر فغفر الله له, ووعده بالجنة.
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
ثم أرشده أن يحكم بين الناس بالحق, ولا يتبع الهوى, والهوى هنا مجرد ماوقع في نفسه من ظلم الطرف الثاني,
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
.
.
ودعيك من القصة الشنيعة في كتب اليهود, التي تساهل ابن كثير في نقلها!