تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ

    شعار الحج توحيد رب العالمين - وما أمر الله ببناء البيت إلا من أجله
    قال
    Y : وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
    وحذَّر سبحانه في ثنايا آيات الحج من الشرك ورجسه ،
    فقال
    U : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ
    وفي صحيح مسلم من حديث جابر t في صفة حجة النبي e : فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ e فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ e بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ -
    صحيح مسلم ـ كتاب الحج – باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-. 3009 (4/ 39).
    فتوحيد الله وإفراده بالعبادة دون ما سواه هو أساس الدين ، وقطب رحاه الذي تدور عليه جميع العبادات والأعمال .

    والتلبية التي هي شعار الحج تضمنت إعلان التوحيد وإفراد الله وحده بالعبادة والتوجه والقصد ،
    على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية حين كانوا يعلنون الشرك ويجاهرون به في تلبيتهم ،
    فيقولون : ( لبيك لا شريك لك ، إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك )

    فَأَهَلَّ النبى صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ
    وقال : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ "

    فالتوحيد هو أهم مقاصد الحجّ العِظام،
    قال جابر رضي الله تعالى عنه “فأهل بالتوحيد”.لتضمن التلبية معاني التوحيد وأنواعه
    وفي قوله ( لبيك لا شريك لك) إثبات للتوحيد الطلبي وذلك بنفي ما يضاده وهو عموم نفي الشريك عن الله تعالى،
    إضافة إلى ما في معاني ( لبيك ) من معاني التوحيد الطلبي
    وهي : تتضمن الاستجابة والانقياد لله تعالى
    كما تتضمن التقرب إلى الله تعالى والإخلاص في ذلك لأن لُبّ الشيء خالصه.
    كما تتضمن دوام العبودية لله تعالى بالاستمرار والإقامة والملازمة للعبودية،
    وفيها أيضاً دلالة واضحة وصريحة على كمال الحب والذل لله تعالى مع كمال الحب والخضوع له سبحانه وهما ركنا العبودية الحقّة لله عز وجل.
    وفي قوله ( إن الحمد والنعمة لك والملك ) إثبات التوحيد العلمي لله تعالى، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات وأكد تفرد الله تعالى بذلك بقوله عقيبه (لا شريك لك). كما أن التلبية مشتملة على الحمد الذي هو أحب ما يتقرب به العبد إلى الله وأول من يدعى إلى الجنة أهله وهو أول فاتحة الصلاة وخاتمتها .. ومشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها، وعلى الاعتراف بأن الملك كله لله تعالى وحده، فلا ملك على الحقيقة لغيره.
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
    ” فهذا توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمن لإثبات صفات الكمال التي يستحق عليها الحمد، ولإثبات الأفعال التي استحق بها أن يكون منعما، ولإثبات القدرة والمشيئة والإرادة والتصرف والغنى والجود الذي هو حقيقة ملكه.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ

    قال ابن القيم رحمه الله
    : وقد اِشْتَمَلَتْ كَلِمَات التَّلْبِيَة عَلَى قَوَاعِد عَظِيمَة وَفَوَائِد جَلِيلَة :

    إِحْدَاهَا : أَنَّ قَوْلك : ( لَبَّيْكَ ) يَتَضَمَّن إِجَابَة دَاعٍ دَعَاك وَمُنَادٍ نَادَاك ، وَلَا يَصِحّ فِي لُغَة وَلَا عَقْل إِجَابَة مِنْ لَا يَتَكَلَّم وَلَا يَدْعُو مَنْ أَجَابَهُ .
    الثَّانِيَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْمَحَبَّة كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا يُقَال : ( لَبَّيْكَ ) إِلَّا لِمِنْ تُحِبّهُ وَتُعَظِّمهُ ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي مَعْنَاهَا : أَنَا مُوَاجِه لَك بِمَا تُحِبّ ، وَأَنَّهَا مِنْ قَوْلهمْ : اِمْرَأَة لَبَّة ، أَيّ : مَحَبَّة لِوَلَدِهَا .
    الثَّالِثَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن اِلْتِزَام دَوَام الْعُبُودِيَّة ، وَلِهَذَا قِيلَ : هِيَ مِنْ الْإِقَامَة ، أَيّ : أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك .
    الرَّابِعَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْخُضُوع وَالذُّلّ ، أَيّ : خُضُوعًا بَعْد خُضُوع ، مِنْ قَوْلهمْ : أَنَا مُلَبٍّ بَيْن يَدَيْك ، أَيّ : خَاضِع ذَلِيل .
    الْخَامِسَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِخْلَاص ، وَلِهَذَا قِيلَ : إِنَّهَا مِنْ اللُّبّ ، وَهُوَ الْخَالِص .
    السَّادِسَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِقْرَار بِسَمْعِ الرَّبّ تَعَالَى ، إِذْ يَسْتَحِيل أَنَّ يَقُول الرَّجُل : ( لَبَّيْكَ ) لِمِنْ لَا يَسْمَع دُعَاءَهُ .
    السَّابِعَة : أَنَّهَا تَتَضَمَّن التَّقَرُّب مِنْ اللَّه ، وَلِهَذَا قِيلَ : إِنَّهَا مِنْ الْإِلْبَاب ، وَهُوَ التَّقَرُّب .
    الثَّامِنَة : أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي الْإِحْرَام شِعَارًا لِانْتِقَالِ مِنْ حَال إِلَى حَال ، وَمِنْ مَنْسَك إِلَى مَنْسَك ، كَمَا جَعَلَ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة سَبْعًا ، لِلِانْتِقَالِ مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن ، وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّة أَنْ يُلَبِّي حَتَّى يَشْرَع فِي الطَّوَاف ، فَيَقْطَع التَّلْبِيَة ، ثُمَّ إِذَا سَارَ لَبَّى حَتَّى يَقِف بِعَرَفَة فَيَقْطَعهَا ، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَقِف بِمُزْدِلَفَةَ فَيَقْطَعهَا ، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعَقَبَة فَيَقْطَعها ؛ فَالتَّلْبِيَة شِعَار الْحَجّ وَالتَّنَقُّل فِي أَعْمَال الْمَنَاسِك ، فَالْحَاجّ كُلَّمَا اِنْتَقَلَ مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن قَالَ : ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ) ، كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّي يَقُول فِي اِنْتِقَاله مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن : ( اللَّه أَكْبَر ) ، فَإِذَا حَلَّ مِنْ نُسُكه قَطَعَهَا ، كَمَا يَكُون سَلَام الْمُصَلِّي قَاطِعًا لِتَكْبِيرِهِ .
    التَّاسِعَة : أَنَّهَا شِعَار لِتَوْحِيدِ مِلَّة إِبْرَاهِيم ، الَّذِي هُوَ رُوح الْحَجّ وَمَقْصِده ، بَلْ رُوح الْعِبَادَات كُلّهَا وَالْمَقْصُود مِنْهَا ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ التَّلْبِيَة مِفْتَاح هَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي يَدْخُل فِيهَا بِهَا .
    الْعَاشِرَة : أَنَّهَا مُتَضَمِّنَة لِمِفْتَاحِ الْجَنَّة وَبَاب الْإِسْلَام الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ كَلِمَة الْإِخْلَاص وَالشَّهَادَة لِلَّهِ بِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ .
    الْحَادِيَة عَشَرَة : أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْحَمْد لِلَّهِ ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَحَبّ مَا يَتَقَرَّب بِهِ الْعَبْد إِلَى اللَّه ، وَأَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّة أَهْله ، وَهُوَ فَاتِحَة الصَّلَاة وَخَاتِمَتهَا .
    الثَّانِيَة عَشْرَة : أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف لِلَّهِ بِالنِّعْمَةِ كُلّهَا ، وَلِهَذَا عَرَّفَهَا بِاللَّامِ الْمُفِيدَة لِلِاسْتِغْرَاق ِ ، أَيْ : النِّعَمُ كُلُّهَا لَك ، وَأَنْتَ مُولِيهَا وَالْمُنْعِم بِهَا .
    الثَّالِثَة عَشْرَة : أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف بِأَنَّ الْملْك كُلّه لِلَّهِ وَحْده ، فَلَا ملْك عَلَى الْحَقِيقَة لِغَيْرِهِ .
    الرَّابِعَة عَشْرَة : أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُؤَكَّد الثُّبُوت بِإِنَّ الْمُقْتَضِيَة تَحْقِيق الْخَبَر وَتَثْبِيته وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلهُ رَيْب وَلَا شَكّ .
    الْخَامِسَة عَشْرَة : فِي ( إِنَّ ) وَجْهَانِ : فَتْحهَا وَكَسْرهَا ، فَمَنْ فَتَحَهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّعْلِيل ، أَيْ : لَبَّيْكَ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك ، وَمَنْ كَسَرَهَا كَانَتْ جُمْلَة مُسْتَقِلَّة مُسْتَأْنَفَة ، تَتَضَمَّن اِبْتِدَاء الثَّنَاء عَلَى اللَّه ، وَالثَّنَاء إِذَا كَثُرَتْ جُمَله وَتَعَدَّدَتْ كَانَ أَحْسَن مِنْ قِلَّتهَا ، وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتْ فَإِنَّهَا بِلَامِ التَّعْلِيل الْمَحْذُوفَة مَعَهَا قِيَاسًا ، وَالْمَعْنَى : لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْد لَك ؛ وَالْفَرْق بَيْن أَنْ تَكُون جُمَل الثَّنَاء عِلَّة لِغَيْرِهَا وَبَيْن أَنْ تَكُون مُسْتَقِلَّة مُرَادَة لِنَفْسِهَا ، وَلِهَذَا قَالَ ثَعْلَب : مَنْ قَالَ : ( إِنَّ ) بِالْكَسْرِ فَقَدْ عَمَّ ، وَمَنْ قَالَ : ( أَنَّ ) بِالْفَتْحِ فَقَدْ خَصَّ .
    وَنَظِير هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّعْلِيلَي ْنِ وَالتَّرْجِيح سَوَاء قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ الْمُؤْمِنِينَ : ] إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْل نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم [ كَسْر ( إِنَّ ) وَفَتْحهَا . فَمَنْ فَتَحَ كَانَ الْمَعْنَى : نَدْعُوهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم ؛ وَمَنْ كَسَرَ كَانَ الْكَلَام جُمْلَتَيْنِ ، إِحَدهمَا قَوْله : ( نَدْعُوهُ ) ، ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ : ] إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم [ ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَالْكَسْر أَحْسَن ، وَرَجَّحَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ .
    السَّادِسَة عَشْرَة : أَنَّهَا مُتَضَمِّنَة لِلْإِخْبَارِ عَنْ اِجْتِمَاع الْمُلْك وَالنِّعْمَة وَالْحَمْد لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا نَوْع آخَر مِنْ الثَّنَاء عَلَيْهِ ، غَيْر الثَّنَاء بِمُفْرَدَاتِ تِلْكَ الْأَوْصَاف الْعَلِيَّة ، فَلَهُ سُبْحَانه مِنْ أَوْصَافه الْعُلَى نَوْعَا ثَنَاء ، نَوْع مُتَعَلِّق بِكُلِّ صِفَة عَلَى اِنْفِرَادهَا ، وَنَوْع مُتَعَلِّق بِاجْتِمَاعِهَا وَهُوَ كَمَال مَعَ كَمَال وَهُوَ عَامَّة الْكَمَال ، وَاَللَّه سُبْحَانه يُفَرَّق فِي صِفَاته بَيْن الْمُلْك وَالْحَمْد ، وَسَوَّغَ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اِقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ مِنْ أَعْظَم الْكَمَال وَالْمُلْك وَحْده كَمَال ، وَالْحَمْد كَمَال وَاقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ كَمَال ، فَإِذَا اِجْتَمَعَ الْمُلْك الْمُتَضَمِّن لِلْقُدْرَةِ مَعَ النِّعْمَة الْمُتَضَمِّنَة لِغَايَةِ النَّفْع وَالْإِحْسَان وَالرَّحْمَة مَعَ الْحَمْد الْمُتَضَمِّن لِعَامَّةِ الْجَلَال وَالْإِكْرَام الدَّاعِي إِلَى مَحَبَّته ، كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَظَمَة وَالْكَمَال وَالْجَلَال مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَهُوَ أَهْله ، وَكَانَ فِي ذِكْر الْحَمْد لَهُ وَمَعْرِفَته بِهِ مِنْ اِنْجِذَاب قَلْبه إِلَى اللَّه وَإِقْبَاله عَلَيْهِ ، وَالتَّوَجُّه بِدَوَاعِي الْمَحَبَّة كُلّهَا إِلَيْهِ مَا هُوَ مَقْصُود الْعُبُودِيَّة وَلُبّهَا ، وَذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء . وَنَظِير هَذَا اِقْتِرَان الْغِنَى بِالْكَرَمِ ، كَقَوْلِهِ : ] فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّ كَرِيم [ فَلَهُ كَمَال مِنْ غِنَاهُ وَكَرَمه ، وَمِنْ اِقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ .
    وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِزَّة بِالرَّحْمَةِ : ] وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم [ .
    وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعَفْو بِالْقُدْرَةِ : ] وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا قَدِيرًا [ .
    وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِلْم بِالْحِلْمِ : ] وَاَللَّه عَلِيم حَلِيم [ .
    وَنَظِيره اِقْتِرَان الرَّحْمَة بِالْقُدْرَةِ : ] وَاَللَّه قَدِير وَاَللَّه غَفُور رَحِيم [ .
    وَهَذَا يُطْلِع ذَا اللُّبّ عَلَى رِيَاض مِنْ الْعِلْم أَنِيقَات ، وَيَفْتَح لَهُ بَاب مَحَبَّة اللَّه وَمَعْرِفَته ، وَاَللَّه الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان .
    السَّابِعَة عَشْرَة : أَنَّ النَّبِيّ e قَالَ : " أَفْضَل مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ ، لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير " ؛ وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ بِالتَّلْبِيَةِ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَات بِعَيْنِهَا ، وَتَضَمَّنَتْ مَعَانِيهَا ، وَقَوْله e : " وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير [ ، لَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت قَوْلك فِي التَّلْبِيَة : " لَا شَرِيك لَك " ؛ وَلَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت قَوْلك : " إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك " ، وَلَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت إِثْبَات الْمُلْك لَهُ تَعَالَى ، إِذْ لَوْ كَانَ بَعْض الْمَوْجُودَات خَارِجًا عَنْ قُدْرَته وَمُلْكه ، وَاقِعًا بِخَلْقِ غَيْره ، لَمْ يَكُنْ نَفْي الشَّرِيك عَامًّا ، وَلَمْ يَكُنْ إِثْبَات الْمُلْك وَالْحَمْد لَهُ عَامًّا ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْمُحَال ، وَالْمُلْك كُلّه لَهُ ، وَالْحَمْد كُلّه لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ شَرِيك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه .
    الثَّامِنَة عَشْرَة : أَنَّ كَلِمَات التَّلْبِيَة مُتَضَمِّنَة لِلرَّدِّ عَلَى كُلّ مُبْطِل فِي صِفَات اللَّه وَتَوْحِيده ، فَإِنَّهَا مُبْطِلَة لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اِخْتِلَاف طَوَائِفهمْ وَمَقَالَاتهمْ . وَلِقَوْلِ الْفَلَاسِفَة وَإِخْوَانهمْ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلِينَ لِصِفَاتِ الْكَمَال الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّق الْحَمْد ، فَهُوَ سُبْحَانه مَحْمُود لِذَاتِهِ وَلِصِفَاتِهِ وَلِأَفْعَالِهِ ، فَمَنْ جَحَدَ صِفَاته وَأَفْعَاله فَقَدْ جَحَدَ حَمْده ، وَمُبْطِلَة لِقَوْلِ مَجُوس الْأُمَّة الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ أَخْرَجُوا مِنْ مِلْك الرَّبّ وَقُدْرَته أَفْعَال عِبَاده مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْجِنِّ وَالْإِنْس ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لَهُ عَلَيْهَا قُدْرَة وَلَا جَعَلُوهُ خَالِقًا لَهَا . فَعَلَى قَوْلهمْ لَا تَكُون دَاخِلَة تَحْت مُلْكه ، إِذْ مَنْ لَا قُدْرَة لَهُ عَلَى الشَّيْء كَيْفَ يَكُون هَذَا الشَّيْء دَاخِلًا تَحْت مُلْكه ؟ فَلَمْ يَجْعَلُوا الْمُلْك كُلّه لِلَّهِ ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير ، وَأَمَّا الْفَلَاسِفَة فَعِنْدهمْ لَا قُدْرَة لَهُ عَلَى شَيْء الْبَتَّة ، فَمَنْ عَلِمَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَات وَشَهِدَهَا وَأَيْقَنَ بِهَا بَايَنَ جَمِيع الطَّوَائِف الْمُعَطِّلَة .
    التَّاسِعَة عَشْرَة : فِي عَطْف الْمُلْك عَلَى الْحَمْد وَالنِّعْمَة بَعْد كَمَالِ الْخَبَر ، وَهُوَ قَوْله : " إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك " ، وَلَمْ يَقُلْ : ( إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك ) لَطِيفَة بَدِيعَة ، وَهِيَ أَنَّ الْكَلَام يَصِير بِذَلِكَ جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْ نِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك لَك ، كَانَ عَطْف الْمُلْك عَلَى مَا قَبْله عَطْف مُفْرَد ، فَلَمَّا تَمَّتْ الْجُمْلَة الْأُولَى بِقَوْلِهِ : " لَك " ثُمَّ عَطَفَ الْمُلْك ، كَانَ تَقْدِيره : وَالْمُلْك لَك ، فَيَكُون مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ : " لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد " ، وَلَمْ يَقُلْ : ( لَهُ الْمُلْك وَالْحَمْد ) ، وَفَائِدَته تَكْرَار الْحَمْد فِي الثَّنَاء .
    الْعِشْرُونَ : لَمَّا عَطَفَ النِّعْمَة عَلَى الْحَمْد وَلَمْ يَفْصِل بَيْنهمَا بِالْخَبَرِ ، كَانَ فِيهِ إِشْعَار بِاقْتِرَانِهِم َا وَتَلَازُمهمَا ، وَعَدَم مُفَارَقَة أَحَدهمَا لِلْآخَرِ ، فَالْإِنْعَام وَالْحَمْد قَرِينَانِ .
    الْحَادِيَة وَالْعِشْرُونَ : فِي إِعَادَة الشَّهَادَة لَهُ بِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ لَطِيفَة ، وَهِيَ أَنَّهُ أَخْبَرَ لَا شَرِيك لَهُ عَقِب إِجَابَته بِقَوْلِهِ : لَبَّيْكَ ، ثُمَّ أَعَادَهَا عَقِب قَوْله : " إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك لَا شَرِيك لَك " .
    وَذَلِكَ يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فِي الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك ، وَالْأَوَّل يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَك فِي إِجَابَة هَذِهِ الدَّعْوَة ، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى : ] شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم [ ؛ فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فِي أَوَّل الْآيَة ، وَذَلِكَ دَاخِل تَحْت شَهَادَته وَشَهَادَة مَلَائِكَته وَأُولِي الْعِلْم ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُود بِهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قِيَامه بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْل ، فَأَعَادَ الشَّهَادَة بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَعَ قِيَامه بِالْقِسْطِ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •